في الحقيقة… لم يكن ينوي اصطحابها على الإطلاق. فلو انتشرت شائعة أن ولي العهد، وهو أعزب، قد أتى بفتاة مجهولة الأصل إلى القصر، لكانت فضيحة لا تُغتفر.
ولولا تلك الكلمات التي نطقت بها الفتاة، لكان ويستون قد مرّ بجوارها، تاركًا إياها تبكي دون أن يلتفت.
“اصطحبني معك! تريد أن تصبح وليًا للعهد، أليس كذلك؟! وأنا… سأنتقم من دوقية ويندفيل!”
كان مجرد احتمال أن تقع هذه الفتاة تحت نظر الإمبراطورة كفيلاً بأن يُشعل الأمور.
فالإمبراطورة لطالما أحبّت كل من يُكنّ العداء لعائلة ويندفيل.
لذلك، ومن أجل كايين، قرر ويستون أن يخاطر ويجلب الفتاة معه.
قال بلهجة آمرة: “دعها تعمل في خدمتي ، كوصيفة لي.”
فأجاب الخادم بانحناءة: “أجل، سيتم ترتيب ذلك حالًا.”
كان كبير الخدم في حيرة من أمره؛ فويستون ترك الفتاة دون أي تفسير، مما جعله لا يدري كيف يتصرف، ولكن الآن، وقد تلقى الأمر واضحًا، شعر بشيء من الارتياح.
أما ويستون، فمضى نحو غرفته، صامتًا، بينما عقله يعيد شريط محادثته الأخيرة مع كايين، دون توقف.
“هل صرنا حقاً في طريقٍ بلا عودة؟”
لقد حاول أن يفهم، ولكن عبثًا. نعم، الألم شديد، لكن الموتى لا يعودون وكايين، الذي انقلب عليه فقط لأن شقيقه قد مات، لم يترك في قلب ويستون سوى مرارة وخيبة.
وحين بلغ غرفته، أطلق زفرة ثقيلة، ومدّ يده داخل درج قديم، سحب منه شيئًا ظل مخبأ لسنوات.
كان رسمًا بسيطًا، يظهر فيه صبي وفتاة يجلسان متقابلين، يبتسمان لبعضهما. رغم أن الزمن قد أكل من ملامح وجهيهما، إلا أن الذكرى التي تحملها اللوحة بقيت حية، كما لو أنها حدثت البارحة.
تمتم ويستون بصوت متهدج: “ميل…” ووضع شفتيه على سطح الصورة، كمن يُحيي روحًا غابت.
“كم كنتُ لأفرح لو أنكِ ما زلتِ على قيد الحياة، ميل…”
وفي جناح الإمبراطورة، حيث خيّم الصمت العميق، كانت صاحبة الجلالة مستلقية، تحدق بالسقف بعينين كسولتين، ثم تغمضهما وتفتحهما ببطء.
همست لنفسها ببرود: “يبدو أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة.”
ابنها… لا يزال ذلك الشاب الهش عديم الفائدة، كما وصفته دومًا. اعتدلت في جلستها بتثاقل، ثم مدت يدها لتكتب رسالة، خطًا بعد خط. وحين ختمتها أخيرًا بختام الإمبراطورية، ضغطت بقوة، وارتسمت على شفتيها ابتسامة مشبعة بالرضى.
تلك الرسالة… كانت الشرارة التي ستُحدث عاصفة لا تهدأ في الأيام القادمة.
***
وفي مكان آخر، كان كايين يُلقي أوامره بصرامة: “جيو، أين التقرير بخصوص ناديا أليس؟”
رغم أنه قد حذرها مسبقًا، إلا أن كايين كان واثقًا، ناديا ستعود لتظهر مجددًا أمام فيلوميل، لا محالة. فما رآه منها حتى الآن جعله على يقين بأنها لن تتوقف عند هذا الحد.
لذا، قرر أن يُحكم المراقبة عليها، وأصدر أوامره لجيو: “راقب تحركاتها، كل صغيرة وكبيرة.”
قال الرجل بتردد، كمن يخشى وقع كلماته: “حين أرسلنا رجالنا، كانت ناديا أليس قد اختفت بالفعل.”
عندها عقد كاين حاجبيه، ملامحه تشدّدت وكأن الخبر صفعه فجأة بين عينيه.
وتابع الرجل، محاولًا تخفيف وطأة الصدمة: “تبيّن لاحقًا… أنها دخلت القصر الإمبراطوري برفقة الأمير الثالث، وبما أن الأمر يخص شؤون القصر الداخلية، سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى نكشف كل التفاصيل.”
ساد صمت ثقيل، ثم تمتم كايين وهو يشيح بنظره، صوتُه مغموس بمرارة باردة: “بل هذا… أفضل.”
نعم، أن يجتمع اثنان من الأشخاص الذين يكرههم في مكان واحد، كان ذلك أكثر راحة له، بل، إن حالفه الحظ، فقد يتمكن من “التخلص من كليهما بضربة واحدة.” فإن تحالف ويستون مع ناديا، لربما أصبح الأمر مريحًا أكثر، بل ويستحق الترحيب.
أمر كايين وهو يلوّح بيده بإشارة مقتضبة…
“لا حاجة لأن ترفع لي تقارير تفصيلية عنهما الآن، فقط، حين يبدوان كأنهما يخططان للاقتراب من فيلوميل، عندها أخبرني فورًا.”
أومأ الرجل باحترام: “أمرٌ مطاع، وقد انتهينا أيضًا من جميع الاستعدادات المتعلقة بمشروع استحضار الأرواح.”
قال كايين بحزم، نبرته لا تحتمل التأجيل: “ابدأ من الغد مباشرة.”
“نعم، سيدي.”
ومع اقتراب نهاية التقرير، دوّى صوت طرق خفيف على الباب. تقدّم سيباستيان، الخادم الوفي، نحو المدخل، وفتح نصف الباب بحذر.
قال بنبرة مهذبة: “آنستي، هل جئتِ لمقابلة الدوق؟”
ردّت بصوتها الرقيق، الذي حمل شيئًا من التردد: “نعم… هل هو مشغول جدًا الآن؟”
وقبل أن يُجيب سيباستيان، كان كايين قد نهض فجأة من مقعده، كمن انتشلته قوة خفية: “لا، ادخلي.”
وعندما لمح طيف فيلوميل، أسرع إلى الأريكة وكأن حضوره هناك بات ضرورة.
وفي يد فيلوميل، كان هناك لفافة ورق، مألوفة لكايين، جعلته يحدق بها باهتمام.
قالت، وعيناها تلمعان بوميض حذر، يكاد يخفي توترها: “هارنين أرسل هذا… النسخة النهائية من لفافة الأرواح.”
وبحركة خفيفة، مدّت يدها وقدّمتها إلى كايين، كمن يسلم شيئًا ذا شأن عظيم. كايين أمسك باللفافة، وعيناه تلمعان بحدة، تتفحّص كل خط فيها.
أما فيلوميل، فوقفت تنتظر، وشعور ثقيل يضغط على صدرها، كمن يُخضع بضاعته للفحص أمام قاضٍ صارم.
وفجأة، مزّق كايين اللفافة بيده! وصوت الورق وهو يُنتزع كان قاطعًا، حادًا، كحد السكين.
ثم، ومن لا شيء، ظهرت بركة ماء ضخمة، عائمة في الهواء، كأنها قطعة من السماء السائلة، تتراقص بين يديه وما هي إلا لحظة، حتى بدأ كاين يُحرّكها بلمسة من إرادته، فتنساب كأنها كائن حي يُطاوعه دون عناد.
من بين الحاضرين، كان جيو أول من أطلق شهقة الإعجاب: “واو…”
لقد رأى جيو عشرات من لفائف السحر، وعرف صنعة منين، لكن ما رآه الآن كان مختلفًا تمامًا.
لفائف الأرواح… شيء آخر تمامًا.
فاللفائف العادية، ما إن تُمزق، بالكاد تعمل بشكل صحيح؛ بل حتى لو استُخدمت، يكون أثرها ضعيفًا، وبطيئًا كمن يسحب كومة طين.
فلو كانت تلك بركة ماء من لفافة سحرية عادية، لتفرقت قطرتها، وتأخرت استجابتها، وتحركت ببطء مُمل.
لكن هنا…
لفافة الأرواح جعلت الأمر أشبه بأن كايين نفسه قد استدعى روح الماء، يوجّهها بانسياب، وكأنه وُلد متحكمًا بها.
سألته فيلوميل، بنبرة يغلبها التوتر، وعيناها تترقب ردة فعله كما يترقب الطفل رأي معلمه: “ما رأيك؟”
كان كايين لا يزال يحدّق في الماء الذي يطوف أمامه، وقال هامسًا:
“بلا شك… أفضل بكثير من لفائف منين السابقة.”
وعلى الفور، أشرقت ملامح فيلوميل، وقالت بحماسة صادقة:
“أليس كذلك؟! حتى أنا جربت واحدة في غرفتي قبل قليل، وكانت… سلسة بشكل لا يُصدق!”
لم تكن تتوقع الكثير، حتى وهي تعمل على لفافة مُخصصة لاستحضار قوى الأرواح.
لكن النتيجة التي رأتها الآن… تجاوزت خيالها. كانت مذهلة بحق.
قالت فيلوميل، وعيناها تلمعان بشيء من الحماس الممزوج بالتصميم:
“لو أن اللفافة كانت تتحمل المزيد… أظن أنه يمكننا ضخ قوة أقوى، وأدق في الوقت نفسه.”
لقد كان هذا موطن الألم بالنسبة لها؛ فكل اللفائف السابقة لم تصمد إذا جُرّبت عليها طاقة تتجاوز هذا الحد.
تلك كانت دائمًا نقطة الضعف التي تجعل فيلوميل تشعر بالأسى، وكأنها تصل إلى باب مغلق لا يُفتح.
صحيح أن هارنين كان روحانيًا ماهرًا، بل من نخبة المستدعين، لكن حتى مهارته تعثّرت أمام حدود لفائف السحر، فلم يكن بوسعه سوى إدخال قوى بسيطة وضعيفة فيها.
قال كايين بصوت منخفض لكنه كان يحمل قوة لا يُستهان بها، كمن يُلقي وعدًا لا يُرد:
“إن كان هناك ما يُزعجك… فأخبريه لي أيا كان الأمر، سأتدبره.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"