الحلقة الخامسة والعشرون
كان كايين والرئيس يتبادلان الحديث بهدوء، حتى وقعت عينا الرئيس على فيلوميل وفي لحظة، تغيّرت ملامحه تمامًا.
“يا سيدتي… ما بكِ؟ هل هناك خطب ما؟”
نظرت إليه فيلوميل بذهول، وصوتها خرج مرتعشًا:
“أنت… أنت… أنت!!”
أشار إلى نفسه وقد ارتسمت على وجهه علامات الدهشة:
“أنا؟”
“نعم، أنت… جاك!”
“ماذا؟ سيدتي!”
تجمّدت ملامح الرجل، وسحب قبعته بسرعة، يحدق فيها بانفعال شديد.
“هل… هل أنتِ فعلاً الرئيسة؟! هل كنتِ مخطوبة لدوق ويندفيل؟! ألم تكوني مخطوبة لذلك الأحمق؟!”
“و… وأنت؟ هل أنت الرئيس الحقيقي؟”
في لحظة، تحوّل اللقاء إلى تبادل عشوائي للأسئلة. الجميع بدا وكأنهم فقدوا تسلسل الأحداث.
“يا للعجب! لقد كنت أُخطط لإغواء الرئيسة…”
ارتفعت حواجب كايين منزعجًا.
“ها! ماذا تظنني!”
“مجرد خيال، لا أكثر!” ردّ جاك متلعثمًا.
كنت دائمًا أُخفي ملامحي تحت القبعة، ولم يسبق لجاك أن رآني بوضوح، فكيف تعرّف عليّ الآن؟ رغم ذلك، ولأول مرة، شعرت أن إزالة تلك القبعة قد حان وقتها. خلعتها، وكشفت وجهي.
توسعت عينا جاك، وقال بصوت خافت:
“يا للأسف… يا للأسف…”
“ما بك؟ ألا ترى خطيبي بجانبي؟!”
ضرب كايين الطاولة بقوة، ليكسر هذا الموقف الغريب.
نظر جاك إلى الأعلى وتنحنح قائلاً:
“لنوضح الأمور أولاً.”
تنهد كايين بعمق، وقال:
“جاك، موزّع لفائف السحر التابعة للآنسة… هو نفسه مالك (كونامو)، أليس كذلك؟”
“لماذا تخفي هويتك؟ ولماذا تعمل كموزع؟”
ابتسم جاك ابتسامة واهنة، وأجاب:
“كنت أشعر بالملل… مجرد عمل جانبي.”
نبرة صوته المرتجفة فضحت سخافة مبرره.
قال جاك:
“بشأن ماركيز كيبان… افعل ما تراه مناسبًا.”
“نحن نحتاج مساعدتك.”
“لا أظن ذلك.ة، الأفضل أن تظل علاقتنا كما هي.”
“لقد قطعت شوطًا طويلًا حتى أصل إلى الرئيس الحقيقي، لا المزيفين.”
“في هذه الحالة، لا تطلب الكثير، قل ما تريد.”
“حتى رقم خزنة ماركيز كيبان إن أردت.”
ابتسمت بسخرية، وسألته:
“لماذا سميت شركتك بـ(كونامو)؟”
{معلومة جانبية: “كونامو” تعني شجرة الفاصولياء في العربية.}
ارتبك جاك للحظة، ثم قال:
“عندما كنت صغيرًا، زرعت شجرة فاصولياء أمام منزلنا، ولم أعرف لها اسمًا، فاخترت هذا الاسم عشوائيًا.”
“… لهذا السبب فقط؟”
كان الأمر يبعث على الريبة… كأن أحدًا ما مَلك جسده، كما حدث لي.
ظللت أحدّق فيه بشك، حتى بدأ يحك خده في ارتباك.
تدخل كايين، لينهي النقاش:
“انتهى حديثنا هنا.”
وقبل أن نغادر، قال جاك مازحًا:
“بالمناسبة، ما اهتمامات الدوق هذه الأيام؟ كنت أفكر في مشروع تجاري…”
قاطعه كايين ببرود:
“إن كنت تنوي العمل معي، فقد أخطأت العنوان.”
“تبا… كنت على وشك اصطياد سمكة كبيرة.”
نهضت من مكاني، ولوّح جاك لي مودّعًا:
“رئيسة، هذا المكان ملككِ! عودي متى شئتِ، كل شيء سيكون مجانيًا لأجلك!”
همس كايين:
“مجاني؟ أشك في ذلك.”
هززت رأسي موافقة:
“حتى لو قالها جاك، لا يمكن تصديقه والآن بعد أن عرفت هويته، أصبح أقل مصداقية.”
لطالما كانت علاقتي به تجارية بحتة لم أكن أثق به يومًا، ولا حتى على المستوى الشخصي.
وفي طريق العودة إلى القصر، نظرت إلى كايين وسألته:
“متى سنبدأ بتنفيذ الخطة؟ أقصد، التقرب من عائلة كيبان؟”
ابتسم بخفة:
“لقد بدأنا بالفعل.”
كان القبو تحت الأرض مُجهزًا بكل ما يُظهر الترف والثراء، رغم أنه مركز لأنشطة غير قانونية، النبلاء وحدهم يُسمح لهم بالدخول، وهناك، جلس إيثان كيبان، ينظر إلى أوراقه بثقة.
“سأراهن بكل شيء.”
ارتفعت أصوات الدهشة.
“أحقًا؟ كل 2000 قطعة ذهبية؟”
“نعم اليوم، أنا المنتصر.”
أظهر أوراقه بثقة، وهمّ بجمع ماله، لكن يدًا أمسكت بمعصمه.
“المباراة لم تنتهِ بعد.”
“هل أنت مبتدئ؟ هذه الأوراق لا تُهزم.”
لم يردّ الخصم، فقط كشف عن أوراقه… وفاز.
ساد الصمت، بينما وقف رجاله يجمعون الذهب من على الطاولة.
“هل تمزحون؟!”
قال خصمه:
“هذا طبيعي يوم نربح، ويوم نخسر.”
خرج إيثان غاضبًا، يحاول كبت خيبته.
“لو لعبت جولة أخرى، لفزت أنا أذكى من هؤلاء الحمقى.”
ركض خلفه خادمه.
“يا سيدي! انتظر!”
“ألم أطلب مالًا أكثر؟! لماذا لم تأتِ به؟!”
قال الخادم:
“السيدة أمرتني بألا أُعطيك سوى هذا المبلغ.”
“والدتي؟! أنا الوريث! عليّ أن أُطاع!”
خفض الخادم رأسه، وقال بخجل:
“آسف… أيضًا، وُجد السيد الأصغر في مكب نفايات بحي الفقراء…”
“ذلك اللعين! لا يتوقف عن جلب العار لو تمسّك بفيـلوميل، لجعلناها عشيقة للدوق! كنا سنربح الكثير!”
“آسف… آسف جدًا، سيدي.”
“ألا أستطيع حتى أن أستمتع بلعبتي؟!”
حينها، سمع صوتًا خلفه:
“هل تحتاج إلى المال؟”
استدار بسرعة، ليجد خصمه السابق.
تجمّد في مكانه أراد أن يهاجمه، لكنه تردد.
“هل تعتقدني فقيرًا؟”
ابتسم الرجل، وألقى قطعة ذهب عند قدميه:
“قد لا تعرفني، لكنني أعرفك جيدًا يا إيثان كيبان.”
تراجع إيثان قليلًا، مرتبكًا.
“لا تفهمني خطأ أنا… من المعجبين بك.”
“… ماذا؟”
كيف يُعجب أحدهم بشخص مثله؟ لقد عرف نفسه جيدًا، لم يكن أبدًا محبوبًا.
اقترب بخفة، خالعًا عباءته.
كان ذلك الرجل هو “كين”، أحد رجال كايين.
“كل شيء تم كما هو مخطط له.”
أومأ كايين برأسه حين علم بالأمر.
“تأكدنا إذًا أن الشائعات صحيحة… إيثان مدمن قمار.”
“نعم، الخطوة التالية واضحة.”
“أحسنت سأضغط على العائلة ماليًا، وأنت استمر في إقراضه سنسقطه من الداخل.”
“فهمت، سيدي… بالمناسبة، ذكر اسم السيدة فيلوميل.”
توقّف كايين عن التفكير، وحدّق فيه:
“ماذا قال؟”
“ظن أنها كانت على علاقة بك منذ زمن، ولو علم بذلك سابقًا، لجعلها عشيقتك بعد الزواج بها واستنزفك ماليًا من خلالها.”
ضحك كايين بسخرية، ثم عقد حاجبيه.
كان ممتنًا لفيـلوميل، لأنها لم تسمح له بقتل هذا الرجل… أنه لا يستحق حتى موتًا رحيمًا.
“سأتحرى الأمر أكثر.”
“كما تأمر، سيدي.”
غادر كين، وبقي كايين في مكانه، مشوش الفكر.
تذكّر كلمات فيـلوميل بعد توقيع عقد الزواج:
“رغم أن عقدنا لا يفرض ذلك… أتمنى أن نعامل بعضنا باحترام.”
حينها، أدرك كايين عمق تلك الكلمات.
لقد عاشت حياة لم يُعاملها فيها أحد بلطف واحترام.
تنهد بحزن، ثم مرّ في ذهنه ذلك المشهد… حين طلبت منه عناقًا صغيرًا.
“لماذا أشعر هكذا؟”
تذكّر لمستها، وتلك النظرة في عينيها…
وقلبه… بدأ ينبض بطريقة لم يألفها من قبل.
التعليقات لهذا الفصل " 25"