لقد مرّت ثلاثة أيام منذ أقامت في هذا المكان، حتى صارت جدران الخشب مألوفة تمامًا.
البطانية الوثيرة كان ينبعث منها عبق خافت من الغبار، لكنه لم يكن مزعجًا إلى درجة تُذكر.
لذلك دفنت وجهها في دفئها بخمول، فما لبثت اليدان اللتان كانتا تطوقان خصرها أن ارتفعتا إلى أعلى.
كانت اليد تتحرك كما لو كانت جزءًا من جسدها، فاستدارت فيلوميل، غير أن ألمًا حادًا وخفيفًا انبعث من خصرها لمجرد هذه الحركة البسيطة، فخرج منها أنين واهن.
اليد التي استقرت فوقها انزلقت لتستقر على ظهرها.
“أما زال يؤلمك؟”
راحت اليد الدافئة تدلّك أسفل ظهرها كما لو كانت تضع كمادة ساخنة.
“أصبح أفضل بكثير.”
“يبدو أن التدليك الذي واظبتُ عليه البارحة قد نفع أخيرًا.”
وبلا وعي، تذكرت فيلوميل ما جرى بالأمس. كانت قد سقطت في نوم عميق حتى لم تعرف كم مضى من الوقت، وحين أفاقت أحست وكأن ظهرها سينكسر من شدة الألم.
حينها كان أكثر ما أقلقها هو أن ينفتح الجرح الذي لم يلتئم بعد على جسد كايين، لكن مع مرور الوقت باتت هي الأخرى تخشى أن ينكسر ظهرها لا غير.
كايين، وقد أدرك تمامًا خطأه، أخذ يدلك ظهرها بإخلاص، كانت يداه حارّتين على نحو غير عادي، مما جعل التدليك أكثر فاعلية.
ثم قال إنه سيكون أجدى إن فعلها على بشرة عارية… وهكذا، شيئًا فشيئًا…
“كان البارحة اليوم الذي سمعتُ فيه أكبر عدد من الأكاذيب على الإطلاق.”
نظرت فيلوميل إليه ببرود قاطع.
في البدء وعدها أن يكون لطيفًا، ثم تحولت كلماته مع الوقت إلى فقط قليلًا بعد… كذبة وراء أخرى.
كايين، وهو يدرك أنه قد أطلق عشرات الأكاذيب بالأمس، لم يجد بُدًا من أن يشيح ببصره عنها بابتسامة محرجة.
تنهدت فيلوميل تنهيدة متعبة وهي تنظر إلى بشرته المتلألئة التي ما تزال نضرة بعد يومين فقط، على عكس جسدها المنهك والمتعب.
صحيح أن الألم خف قليلًا عن الأمس، لكنه لم يختفِ.
“دعيني أدلكك من جديد.”
“كلا! حقًا، أنا بخير.”
قالت ذلك بسرعة وهي ترفع يدها رافضة.
“ضع يدك فحسب، لا تفعل شيئًا آخر.”
ارتجف جسدها قليلًا حين رأت في وجهه نظرة خيبة أمل؛ لو أنها استسلمت لتلك الطمأنينة الزائفة مرة أخرى، لأوشك أن يبتلعها من رأسها حتى أخمص قدميها من جديد.
في حين كانت فيلوميل تزفر بارتياح، عاد كايين ليستلقي إلى جوارها واضعًا يده فوق خصرها.
صحيح أن أصابعه كانت أحيانًا ترتجف لتتلمّس بشرتها، لكنها بقيت لمسات محتملة، مقبولة.
“هل هناك مكان آخر يؤلمك؟”
بالطبع، كانت هناك مواضع كثيرة.
لكنها لم تجرؤ على البوح بها، فالإله يعلم بأي طريقة قد يستغل كايين الأمر ليتقرب منها أكثر.
لذلك اكتفت بإدارة عينيها في صمت، ثم امتدت يدها لتقبض على يده الأخرى، لتشبك أصابعه بأصابعها في إحكام.
كايين، الذي لم يفهم المغزى الحقيقي من فعلها، ارتسمت على شفتيه ابتسامة رضا لمجرد أن فيلوميل قد أمسكت بيده.
وفجأة، خطر ببالها أن ابتسامته صارت ناعمة للغاية.
فمدّت أصابعها وضغطت بخفة على طرف ابتسامته.
“هل تعلم؟”
“ماذا؟”
“وجهك أصبح رقيق الملامح جدًا.”
راحت تحدق في ملامحه بتأمل عميق.
“عينك لا تزال حادة كما كانت… ولكن…”
أزاحت يدها من فمه، لتتلمس أطراف عينيه.
“لكن لا أدري لماذا… تبدو أكثر رقة الآن.”
“ذلك لأنني معك، أنتِ دائمًا تجعلينني أبتسم.”
ابتسم كاين بدوره، ثم حملق في وجهها قليلًا.
“إذن، حان دوري؟”
إحدى يديه كانت ما تزال على ظهرها، والأخرى متشابكة مع يدها، فلم يكن لديه يد ثالثة ليمس وجهها، ومع ذلك، كانت نظرته نافذة، تترك أثرًا لا يمحى.
“أنتِ لم تتغيري أبدًا.”
كان لا يزال هناك شيء لم تستطع فيلوميل أن تملكه منه.
“منذ البداية حتى الآن… ما زلتِ جميلة كما أنتِ.”
اقترب بوجهه، وطبع قبلة على شفتيها.
كانت قبلة رقيقة، أشبه بمسح آثار كريمة على الشفاه.
قبلة جعلتها تنسى للحظة قلقها من أن يتجاوز الأمر حدّه… قبلة حلوة جعلتها تغمض عينيها ببطء.
وحين استعادت وعيها، كان كاين قد حرر كلتا يديه، وجعلها تتجول بحرية على جسدها.
لقد اختبرت خلال اليومين الماضيين ما يكفي لتدرك أنه فات الأوان لمقاومته.
لذلك أرخَت جسدها واستسلمت تمامًا للقبلة.
وبعد وقت طويل، كانت فيلوميل تلهث بحرارة، وجهها متورد، تتنفس بأنفاس متقطعة، قبل أن تذوب في صدره.
رغم أن لفائف السحر أبقت النار مشتعلة، إلا أن البقاء عارية الجسد في هذا الجو البارد كان مرهقًا.
وبفعل غريزتها، سعت نحو الدفء الذي وجدته في أحضان كايين.
أطبق كايين شفتيه على جبينها، وهو يدفع شعرها المبتل بالعرق إلى الوراء، فكشف أذنها البيضاء المتناسقة. لولا تلك العلامات التي تركتها أسنانه، لكانت أذنًا تامة الجمال.
حين مرر أصابعه عليها، انكمشت فيلوميل بخفة، ثم رفعت بصرها إليه بعينين ملؤهما التوسل:
“لن تفعلها ثانية، أليس كذلك؟”
“…نعم.”
أجاب بعد برهة من الصمت.
ورغم أنها تعلم أنه كذب عليها عشرات المرات خلال اليومين الماضيين، إلا أن سماع الجواب منحها قليلًا من السكينة.
“حين يتوقف الثلج، سنرحل.”
أومأت فيلوميل، مدركة أن جراحه أوشكت على الشفاء تمامًا.
قبّل كايين خدها برفق، لتفكر هي أن وجهها كله صار موسومًا ببصمات شفتيه.
ارتفع صوت الورق يتقد في النار، ومع العناق الدافئ، غمرت السكينة المكان، ومن النافذة الصغيرة، كان الثلج يتساقط في هدوء، يكفي ليجعل اللحظة مكتملة الصفاء.
بقيا صامتين، متعانقين، يقتسمان السكون معًا.
***
في اليوم التالي، وبعد أن قضيا أربعة أيام في الكوخ، شرع كايين وفيلوميل في التحرك من جديد.
أخذا معهما ما يكفي من اللحم المجفف ليوم واحد، وبدآ السير.
وبعد ساعتين من المشي يدًا بيد، توقف كايين فجأة.
“ما الأمر؟”
“أسمع وقع أقدام.”
انتظر قليلًا حتى أدرك أنها عشرات الخطوات، فأطلق صفيرًا، فجأة ارتجت الأرض، واندفع من بعيد حصان أسود يعدو نحوهما.
عرفت فيلوميل في الحال أنه حصان كايين.
توقف الحصان أمامهما وهو يفيض بالحنو والدلال، فتحقق كايين أنه لم يصب بأذى، ثم رفع فيلوميل على ظهره وركب خلفها.
وسرعان ما تبعتهما عشرات الفرسان، يهرولون في أثر حوافر الحصان.
“يا دوق! يا سيدة فيلوميل!”
كان هؤلاء الفرسان قد خرجوا للبحث في الغابة، فلما وجدوهما سالمين تنفسوا الصعداء.
“من الذي قادكم إلى هنا؟”
“السير كين.”
بمجرد أن عثروا عليهما، نفخوا في البوق، فظهر كين على عجل.
كان وجهه شاحبًا من القلق، وما إن رأى أنهما بخير حتى عاد الدم إلى وجنتيه.
سأله كايين مباشرة:
“ماذا حدث هناك؟”
سرد كين بإيجاز ما جرى.
بعد أن جرفتهما الانهيارات الثلجية واختفى أثرهما، هرعت الوحوش نحو أمّها ناديا.
في خضم ذلك، وقع إيمون ضحية لهجماتهم، فبقي حيًا بالكاد.
لكن الوحوش التي أحاطت بناديا فجأة شرعت تعوي، ثم راحت تنهش أعناقها بنفسها حتى هلكت.
“إذن… ماتت ناديا أليس.”
“على الأرجح.”
بعد أن أنهى كين كلامه، تبادل كايين وفيلوميل كلمات مقتضبة.
الوحوش التي أيقظتها ناديا، انتهت أيضًا على يديها.
وما لبثا أن وصلا إلى القلعة.
كان ولي العهد وليازيل بانتظارهما بعدما بلغهما خبر العثور عليهما، فيما ظل الباقون منشغلين بالبحث.
كانت ليازيل تقف إلى جوار ولي العهد، متشابكة اليد معه، فيبدو أنهما قد تقاربا كثيرًا.
“فيلوميل! عمي!”
ما إن رأتهم ليازيل حتى أفلتت يد ولي العهد وأسرعت جريًا نحوهما.
أسرعت فيلوميل بالنزول عن الحصان لتعانقها بحرارة.
لقد غادرت حينها إلى الثلوج من دون حتى أن تودعها، فكان ذلك يثقل على قلبها.
والآن، لحسن الحظ، بدا أن ليازيل بخير، تأكل وتنام كما يجب.
ثم عاد كل من ناتاشا وثيودور على عجل بعدما وصلهما الخبر، وتنفّسا الصعداء حين رأياهما سالمين.
وهكذا، اجتمعوا جميعًا، يتحدثون ويقضون الوقت معًا.
بدا وكأن كل شيء قد عاد إلى نصابه… لولا مشكلة واحدة.
فقد بات من الصعب جدًا على فيلوميل وكايين أن يجدا وقتًا يخصهما وحدهما.
في الماضي كان الأمر مجرد حسرة صغيرة، لكن بعد ثلاثة أيام من الالتصاق الدائم، أصبح الحرمان قاسيًا لا يُحتمل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 120"