كان ذلك أبرد جسدٍ شعرت به على الإطلاق. حرارته، التي بدت وكأنها جُمدت تمامًا، جعلت فيلوميل تتصلّب في مكانها.
غير أنّها سرعان ما تماسكت، فأخذت نفسًا عميقًا ومدّت يدها تتحسّس صدره لتتأكد من وجود نبضٍ في قلبه.
لكن ملابسه السميكة حالت دون أن تدرك ذلك فورًا، فما كان منها إلا أن ركّزت بكل أعصاب كفّها حتى سال عرق بارد على جبينها.
وأخيرًا، حينما أحسّت بخفقةٍ خفيفة تنبض من وراء راحة يدها، لم تستطع إلا أن تنهار جالسة على الأرض وقد غمرها ارتياح عميق.
“هاااه…”
زفرت زفرة طويلة محمّلة بالراحة، وأغمضت جفونها المرتجفة قليلًا قبل أن تفتحها مجددًا.
في تلك اللحظة، غطّى برودٌ غريب كفّها.
“كنت أفضّل لو تحقّقتِ من نبضي بطريقة أكثر رومانسية… مثلاً بقبلة.”
رفعت فيلوميل رأسها فجأة، وقد كانت منحنية بانكسار.
فرأت كايين يحدّق بها مباشرة.
“يا دوق!”
كان صوته ضعيفًا، بالكاد يُسمع، لكن ذلك لم يمنعها من الارتماء في حضنه تعانقه بقوة.
“أخ…”
“ماذا؟! ما بك؟ هل أصبتَ في مكانٍ ما؟”
ارتبكت فيلوميل حين سمعته يتأوّه بخفوت، فتراجعت بسرعة تنظر إليه بقلق.
شحب وجهها فجأة وهي تحدّق فيه، لكنّه سبقها بالكلام:
“فيلوميل، هل أُصبتِ؟ هل أنتِ بخير؟”
في تلك اللحظة، غمرها الغضب، كيف يسألها هو عن حالها وهو بهذه الهيئة البائسة؟ لكنّها كتمت انفعالها، مدركةً أنّه يسألها بدافع القلق الصادق.
فاكتفت بأن أومأت برأسها.
“أنا بخير، لم أُصب على الإطلاق، لكن أنت… أين أصبت بالضبط؟”
“مجرد خدشٍ في ظهري.”
لكن أيّ ناظر كان سيدرك أنّها لم تكن إصابة سطحية على الإطلاق.
كان في قلبها الكثير من الكلام، لكنها آثرت الصمت فالمكان لا يحتمل.
“سيشفى بسرعة، أقول لك الحقيقة.”
لم تصدقه، لذلك لم تُعلّق، بل سألت في موضوع آخر:
“هل تستطيع الحركة؟ علينا على الأقل أن نجد كهفًا نلجأ إليه.”
فإن انخفضت درجة الحرارة أكثر هنا، فقد يكون الأمر قاتلًا، هي لم تُصب، لكن كايين كان جرحه واضحًا وخطيرًا.
“لا تقلقي، لم يُثقب جسدي، أستطيع المشي.”
ابتسم بوجهٍ شاحب، كانت إصابته بعيدة عن كونها “خدشًا”، بل نزف كثيرًا، ومع ذلك كان كلامه صحيحًا، يستطيع السير، لكن بثمن.
لولا كونه متجاوزًا لما بقي واعيًا حتى هذه اللحظة، وربما كان قد نزف حتى الموت.
لكنّه كتم الحقيقة، فلا يريد أن يرى وجهها يزداد شحوبًا حتى البياض التام.
وبمساعدة فيلوميل، نهض ببطء ثم ألقى نظرة حوله.
“يبدو أننا ابتعدنا كثيرًا عن السهل الجليدي.”
رغم أنّ كل شيء مغطّى بالثلج فلم يكن الحكم دقيقًا، إلا أنّه لمح غابة قريبة.
“هل نتجه إلى هناك؟”
“قد نصادف ذئابًا جائعة، لكن لا خيار غير الغابة، والتعامل مع ذئب أو اثنين أمر سهل.”
“لا! لا يمكن! لديّ لفائف الأرواح، يمكنني استخدامها، بجسدك هذا، كيف ستواجه الذئاب؟!”
قاطعته مذعورة، وهو لم يملك إلا أن يشعر بشيء من الحرج، بل وبشيء من الدفء في أعماقه، وقد عاملته كما لو كان زجاجًا هشًّا.
“فلنبحث إذًا عن كهف بسرعة، أمتأكد تستطيع المشي؟ “
“نعم، ساقاي سليمتان.”
كان من حسن الحظ أنّ الانهيار الثلجي لم يُصِب أطرافهما بكسور.
كانت فيلوميل ترغب بشدة أن تدعمه، ترفع قدميها بقلقٍ صغير، فيما اكتفى كايين بأن وضع ذراعه على كتفها من غير أن يثقل عليها، حتى بدا الأمر أشبه باحتضانٍ أكثر منه اتكاء.
نظرت إليه ورأت ابتسامته، فزمّت حاجبيها.
“أأصبت في رأسك أيضًا؟ كيف تستطيع أن تبتسم في مثل هذه الحال؟”
“فقط… خطر لي شيء سار.”
“…… صحيح، لا داعي لملء اللحظة كلها بأفكار سيئة.”
أجابت، ثم خطت بخطى أكثر عزيمة نحو الغابة، لم يكن فيها أوراق، لكن الرؤية لم تكن صعبة.
ترددت أصوات ذئاب بعيدة بين الحين والآخر، لكنها لم تقترب بما يكفي لإثارة الفزع.
فيلوميل نفسها كانت تدرك أنّ كايين، حتى في حالته هذه، قادر على هزم بضعة ذئاب، لكن قلقها كان من أن يرهق جسده أكثر.
وبعد مسيرة ساعة تقريبًا، صاحت فجأة.
“انظر يا دوق! هناك كوخ!”
كان كوخًا صغيرًا مشيّدًا فوق شجرة ضخمة، يبدو متينًا رغم بساطته، ومكانه المرتفع جعله آمنًا من هجمات الذئاب، كأنه بُني خصيصًا لهذه الغابة.
“خاوٍ.”
قال كايين بعدما صعد السلم ليتأكد من خلوّه.
في الداخل، كان الغبار الكثيف أول ما استقبلهم.
سارعت فيلوميل إلى فتح النوافذ والأبواب، فالبرد أهون عليها من اختناق الغبار.
ثم أسرعت تمسح السرير الخشبي وتزيل بعض الأتربة لتُريح كايين عليه.
من تحت قماشه الممزّق تفجّر الدم بلا توقف. شهقت بهدوء، وعضّت على شفتها حتى كادت تسيل.
التفت نحوها متسائلًا:
“فيلوميل؟”
“…… انتظر قليلًا هنا، سأبحث عن ضمادٍ أو أي شيء يصلح.”
مزّقت ما تبقّى من ثيابه حول الجرح حتى لا تلمس موضعه، ثم نهضت تفتّش الأدراج من غير أمل، لكن المفاجأة أنّها عثرت على ما يلزمها…ضمادتين ومرهمًا، ملفوفين بعناية حالت دون تراكم الغبار عليهم.
شقّت جزءًا من ثوبها الداخلي ومسحت به الدم المتسرب، لكنه لم يتوقف رغم مرور وقت طويل على إصابته.
“قد يلسع قليلًا.”
قالت ذلك وهي تدهنه بالمرهم برفق، ثم راحت تلف الضماد ببطء.
“كيف تشعر؟ هل أُصبتَ بالحُمّى؟”
سألت بقلق بالغ، فهو أمر شائع بعد الجروح. لكنه هزّ رأسه مبتسمًا.
“لا.”
“إذن، لماذا تبتسم منذ قليل بلا توقف؟”
كان المشهد غريبًا…واحدة بوجهٍ دامع، والآخر يبتسم كأنّه في نزهة.
مدّ كايين يده نحوها، وأمسك يدها وهو يميل رأسه قليلًا.
“فقط… يعجبني أنكِ تعتنين بي.”
لو كان بوسعه، لقال إنّ جروحًا مثل هذه لا تساوي شيئًا أمام دفء اهتمامها.
لكنه كتم ذلك، واكتفى بأن يرفع يدها إلى شفتيه ويقبّل أصابعها.
هناك لاحظ خدشًا صغيرًا، فتجمّد وجهه.
“أنتِ مصابة، فيلوميل.”
ضحكت ضحكة متوترة من دهشته:
“جرح أصغر من ظفر.”
“لكنه يؤلم.”
“وماذا عن جرح ظهرك إذن؟ لا مجال للمقارنة!”
لم يرد عليها بجدية، بل أخذ يدها وأخذ يدهن الخدش بالمرهم مرارًا، كان حريصًا ودقيقًا إلى حد جعل المرهم يذوب بسرعة، فأعاد الدهن مرتين وثلاثًا.
وكان، لأول مرة منذ إصابته، يقطّب جبينه بقلق حقيقي.
“هل يؤلمك؟ هل ستتحملينه؟”
لم يكن هذا كلامًا يُتوقع من رجلٍ يئن ظهره بجُرح غائر.
أطرقت برأسها وهي تبتسم ابتسامة صغيرة لا تخلو من عجز:
“لم أشعر به أصلًا حتى أشرتَ إليه. صدقني، لا شيء.”
“فقط انتظري قليلًا، متى عثر علينا الفرسان، سنعود للقصر لنتعالج كما يجب.”
“حينها أظن أن هذا الجرح الصغير سيكون قد اختفى أصلًا.”
لكنه لم يُصغِ، وظلّ منشغلًا بذلك الخدش الصغير، وكأنّ العالم لا يحوي سواه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 117"