في اليوم التالي، حين وصل وليّ العهد إلى القلعة، كان الموقف قد انتهى بالفعل.
لأول مرة، رأت فيلوميل وليّ العهد بعينيها، وكانت انطباعاتها الأولى عنه مفاجئة على نحو غير متوقع.
لقد سمعت عنه من قبل؛ قيل إنه رجل جاد وهادئ الطبع، إلا أن الأمير الذي ترجل عن صهوة جواده كان مختلفًا تمامًا عمّا رُوي.
قال بصوت مفعم بالحيوية، وهو يطلق ضحكة عريضة: “أخي، زوجة أخي! لقد جئت!”
احتضن ثيودور ـ الذي أبدى انزعاجًا بيّنًا ـ ثم صافح ناتاشا بحرارة.
“أهلاً بقدومك، يا صاحب السمو.”
وإذ رأت فيلوميل كيف أن كايين لم يلتزم بصرامة آداب التحية الرسمية أمام وليّ العهد، أدركت بوضوح مدى قرب العلاقة التي تجمع بينهما.
قال وليّ العهد مبتسمًا وهو يربّت على كتف كايين بعد أن عانقه: “كايين! مضى وقت طويل، كيف حالك؟”
وما لبث أن لمح الفتاة الواقفة بجانبه، فتألقت عيناه بلمعة فضول، ومد يده نحوها قائلًا: “تشرفت بلقائك للمرة الأولى، آنسة فيلوميل، سمعت الكثير عنك، آه، لا حاجة للرسميات.”
انحنت فيلوميل قليلًا وردّت: “الشرف بلقياك، يا صاحب السمو وليّ العهد.”
وبعد انتهاء التحية، اصطحبهم ثيودور جميعًا إلى مكتبه، وما إن جلسوا حتى بادر وليّ العهد بالسؤال: “كايين، ما الذي جرى بالضبط؟”
فأخذ كايين يروي ما وقع: كيف ذهب ويستون إلى السهول الجليدية وأجرى الطقوس، وكيف انهمرت الوحوش بعدها بلا توقف، ثم ما حدث ليلة الأمس بالتفصيل.
هزّ وليّ العهد رأسه مفكرًا، ثم قال: ــ “همم… هل كان اختيار آنسة فيلوميل كهدف مرتبطًا بعداوة سابقة؟”
أجاب كايين. “يمكنك قول ذلك، ناديا أليس ما زالت ترى نفسها ضحية.”
ضحك كايين ساخرًا ولم يستطع كتمان ابتسامته الساخرة.
قال وليّ العهد وهو يرمق فيلوميل بنظرة خاطفة قبل أن يتابع: “وبمناسبة الحديث عن ماضيها… خطيب الآنسة فيلوميل السابق قد اختفى.”
رفع كايين حاجبًا باستخفاف وسأل: “هل هرب؟”
“لا أظن ذلك، في المأدبة الملكية الأخيرة، ذهب إلى القبو للقاء أسرته، وهناك اختفى، أن يختفي شخص في أقبية القصر الإمبراطوري ذاته أمر لا يمكن تجاهله.”
كان وليّ العهد يراقب إيمون منذ زمن، بسبب أفعال بيت كيبان المريبة، ولم يجد ما يستدعي القلق، إلى أن وقع هذا الاختفاء المباغت، فاضطر إلى فتح تحقيق.
“وخلال التحقيق، تبيّن أن للأمر صلة بالمعبد.”
قطّب كايين حاجبيه وقال بحدة: “أحقًا ما تقول؟”
تردد وليّ العهد لحظة، ثم حدّق في فيلوميل مباشرة.
أحسّت بنظراته فرفعت رأسها نحوه. عندها قبض كايين على يدها وقال بثبات: ــ “قل ما لديك.”
أومأ وليّ العهد.
“بما أنك تثق بها إلى هذا الحد، فسأبوح بكل شيء، الحقيقة أن المعبد واقع منذ زمن طويل تحت سيطرة السحرة الشعائريين.”
كانت كلماته أشبه بقنبلة انفجرت في الغرفة.
تساءل ثيودور مذهولًا:
“ماذا تعني، يا سمو الأمير؟”
“حين كنت أتتبع أثر إيمون كيبان، اكتشفت أن السحرة تسللوا إلى المعبد قبل عقود، حين بدأت مكانته تتراجع، وجدوا الفرصة مواتية للهيمنة عليه، استغلوا الكهنة القائمين والمترددين على المعبد، ليجمعوا القوة السحرية شيئًا فشيئًا.”
“ولأن أغلب زوار المعبد من الفقراء، لم يلحظ أحد اختفاءهم، لم يتخيل أحد أن من تزيّوا بزيّ الكهنة هم في الحقيقة سحرة يتغذّون على أرواح الناس.”
صمت لِلحظة ثم أضاف بنبرة ثقيلة:
“ثم إن الإمبراطورة تواصلت معهم، و بإيعاز منها أيقظوا وحوش السهول الجليدية لإغراق البلاد في الفوضى.”
تمتم ثيودور بذهول.
“هكذا إذن… هذا ما حدث.”
“لقد أخفوا الأمر بإحكام، حتى جواسيسنا داخل المعبد لم يأتوا على ذكر ذلك.”
ابتسم وليّ العهد بمرارة:
“لو انكشف أمرهم، لأُبيدت عشيرة السحرة بأكملها، لذا فمن الطبيعي أن يحذروا إلى هذا الحد، ومن ذا الذي كان سيظن أنهم اختبأوا داخل المعبد ذاته؟”
ظل ثيودور مصدومًا، عاجزًا عن تجاوز وقع الخبر.
فقد اعتاد بيت ويندفيل، منذ مئتي عام، أن يرسل تقارير عن السهول الجليدية عبر المعبد، لم يكن بينهم صلة وثيقة، ومع ذلك لم يخطر لهم قط أن المعبد بات وكرًا للسحرة.
كانت صدمة بالغة.
نهض وليّ العهد وقال مبتسمًا كعادته.
“على كل حال، سأذهب الآن لرؤية أخي العزيز في القبو.”
“حسنًا، دعني أرافقك.”
وما إن غادر وليّ العهد حتى خرج كايين وفيلوميل أيضًا من مكتب ثيودور.
في الممر، شدّ كايين على يدها وقال:
“وليّ العهد بمنزلة عمّ لي، كان صديقًا حميمًا لوالدي، حتى إنه يناديه بالأخ.”
ابتسمت فيلوميل.
“يبدو الأمر واضحًا بالفعل.”
“ربما لا يليق ذلك بمقامه، لكنك لاحظتِ طباعه، أليس كذلك؟”
فكّرت قليلًا قبل أن تجيب:
“نعم، إنه شخص منفتح وصريح للغاية.”
كان من المفترض أن يكون الفارق في المكانة حاجزًا يمنع وليّ العهد من استخدام لغة ودّية مع دوق سابق مثل ثيودور، لكن الأمير لم يبالِ مطلقًا.
ضحك كايين:
“لقد اعتاد أن ينادي والدي بتلك الطريقة منذ صغره، وما زال متمسكًا بها.”
مضيا معًا في الممر بخطى هادئة، يتبادلان حديثًا بسيطًا.
أما الوحوش، فقد اختفت كأنها دخان تبخر في الهواء.
توقفت هجماتها الجارفة تمامًا.
السبب غير مؤكد، لكن كايين رجّح أن السحر الشعائري الثاني الذي أجراه ويستون أفسد السحر الأول الذي أيقظ الوحوش، فلم تعد تظهر.
وبعد يوم واحد فقط، تغيّر كل شيء. ارتفعت درجة الحرارة قليلًا، وصارت أشعة الشمس الدافئة تتسلل عبر النوافذ في ساعات الصباح الباكر.
“فيلوميل.”
“نعم؟”
ما إن استدارت نحوه لتجيب حتى أطلقت شهقة صغيرة، إذ رفعها كايين بين ذراعيه فجأة.
ارتج قلبها بشدة من المفاجأة، وعينيها اتسعتا دهشة، فيما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة.
“تمسكي جيدًا.”
ثم قفز خارج النافذة.
لم تصرخ، فقد أدركت أنه يريد أن يريها شيئًا.
فأحاطت به بهدوء بينما كان يصعد إلى أعلى القلعة، حيث هبط بسلام على منصة أشبه بأبراج الأسوار.
“انظري يا فيلوميل.”
فتحت عينيها لتشاهد المشهد الفاتن أمامها.
كان شمال البلاد يغمره فجر جديد، لوحة خلابة تشرق مع بزوغ الشمس.
كأن المعارك التي استمرت أسابيع طويلة قد تلاشت بلا أثر.
ورغم أن أهل الإقليم كانوا منهمكين في إصلاح ما تضرر، إلا أن ملامح التوتر زالت عن وجوههم.
تمتم كايين:
“يا له من مشهد مسالم.”
ابتسمت فيلوميل بدفء:
“صدقت، ما جرى بالأمس يبدو كالحلم.”
لو لم يكن جسدها مثقلاً بآلام المعارك، لظنت أن كل ذلك قد وقع منذ زمن بعيد.
“أتُراه… النهاية فعلًا؟”
“لا يزال هناك بعض ما يجب فعله، لكن…”
التقت عيناهما، فابتسم كايين قائلًا:
“أظن أن الأمر قد انتهى فعلًا.”
شعرت فيلوميل بنظراته الحانية، فمدّت يدها لتقبض على يده بصمت، أما هو، فغمرته نشوة عميقة باحتضانها، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة منذ أمد بعيد.
لم يكن بحاجة إلى قبلة أو عناق حار؛ مجرد قربها، مجرد تماس الأيادي، كان كافيًا ليملأه بالرضا.
“فيلوميل.”
“نعم.”
“فيلوميل.”
“أنا أصغي إليكَ.”
“فيلوميل…”
ابتسمت حين أدركت أنه لا يناديها سائلًا، بل لمجرد أن يكرر اسمها بين شفتيه.
ظل يهمس باسمها مرات عدة، ثم مال قليلًا ليطبع قبلة رقيقة على جانب جبهتها.
وقال بصوت خافت:
“سأطلب يدك قريبًا.”
اتسعت عيناها دهشة، وأدارت رأسها نحوه بسرعة.
“لي أنا؟”
وما إن نطقت السؤال حتى شعرت بالحرج من سذاجته؛ إذ لم تدرك إلا بعد لحظة أنها تفاجأت لدرجة جعلتها تسأل ما لا يُسأل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 112"