كان ويستون يحدّق بعينيه في فيلوميل متفحِّصًا إياها، ثم شعر بنظرات مسلَّطة عليه، فالتفت ليجد كايين ينظر إليه ببرود قاتل. لقد بدأ كايين منذ زمن ينظر إلى ويستون ببرود، غير أنّه لم يُظهر قطُّ من قبل احتقارًا واضحًا بهذا الشكل.
قال كايين بصوت جليّ: ـ “عليك أن تعرف قدرك.”
أدرك ويستون أنّ الحديث موجَّه إليه. فتلعثم قليلًا قبل أن يقول:
“… لكن ألا يحق لي أن أطمئن على حالها؟”
أجابه كايين بحدة:
“وبأي حق؟”
ارتجفت شفتا ويستون، ليس لأنه لم يجد ما يقوله، بل لأنه كان يملك ما يقوله بالفعل.
“… ميل وأنا بيننا صلة قديمة، أقدم بكثير من أي صلة لك بها.”
ظن ويستون أن كايين يجهل ذلك. لكن كايين أعاد النظر إليه بوجه خالٍ من المبالاة وهو يقول: “ثم ماذا؟”
لم يتوقع ويستون تلك الإجابة، فارتبك وأطرف عينيه.
كان يتوقع أن يُسأل عن طبيعة تلك الصلة، لا أن يُجاب ببرود يقتل أي معنى.
فالتفت إلى فيلوميل وقال برجاء: ـ “ميل، قولي له بنفسك، لم نكن عاديين، أليس كذلك؟”
ظلّ ويستون يؤمن أنّه لولا وجوده لربما ماتت فيلوميل جوعًا، وكان على يقين راسخ أنّه أنقذها في الماضي.
فأومأت فيلوميل بهدوء وقالت: “صحيح، لم يكن الأمر عاديًا.”
ابتسم ويستون ابتسامة مشرقة وأخذ يتكلم بانفعال.
“كنتِ الوحيدة التي أردتُ حمايتها حقًّا، لم أتوقع أن تفعل ناديا هذا، ميل، افتقدتُكِ كثيرًا… افتقدتُك حقًّا…”
علا الحمرة في عينيه، وامتلأتا بالدموع.
في الماضي، كانت فيلوميل تسارع لتواسيه حين يبكي، لكنه هذه المرة لم يجد سوى حاجبين معقودين ونظرة مشمئزة.
تمتمت فيلوميل بذهول وهي تحدّق فيه: “لقد نسيتَ إذن.”
“ميل؟”
“رأيتُ الرسالة المكتوبة بخط يدك، كتبتَ فيها أنك ستقتلني بنفسك.”
كأن صاعقة أصابته، فتذكّر تلك الحادثة. حين أمضى وقتًا قصيرًا معها، اكتشفت الإمبراطورة أمرها، وأمرت بالتخلّص منها.
صحيح أنه كان يكنّ لفيلوميل مودة عظيمة، لكنه لم يجرؤ على مخالفة أمه الإمبراطورة. كان يظن أنّ من الأفضل أن يريحها هو بيديه، بدلًا من أن تسقط في يد امرأة قاسية بلا رحمة.
بل وأقنع نفسه أنّ فيلوميل كانت تفضّل ذلك أيضًا.
غير أن ذلك لم يخفّف من عذابه، فقد كان اختيارًا مؤلمًا، لكنه رآه “الخيار الأفضل” في حينه.
قال باضطراب: “ميل، اهدئي، سأشرح لكِ كل شيء…”
لكن صوته كان مرتجفًا وهو يبرر: “اعتقدتُ أن قتلك بيدي سيكون أرحم لك من بطش أمي، فهي لا تعرف الرحمة، أردتُ أن أُنهي الأمر بلا ألم.”
في تلك الأيام، تمسكت فيلوميل بخيط أمل ضئيل، لعل ويستون يتظاهر بالطاعة أمام الإمبراطورة بينما يخبئها وينقذها في الخفاء.
لكنها لم تستطع الوثوق به، فاختارت الهرب.
ولم تكتشف الحقيقة إلا بعد عشر سنوات… أنه كان حقًا ينوي قتلها.
ابتسم ويستون ابتسامة باهتة وهو يقول: “أنا سعيد لأنكِ ما زلتِ على قيد الحياة يا ميل.”
ارتجفت ابتسامته، فحاول التبرير مجددًا. “قلتُ لكِ، لم يكن أمامي خيار آخر، كان ذلك هو أفضل ما أستطيع…”
لكن صوتًا جليًا باردًا قطع حديثه: “كفى هراءً.”
كان كايين، الذي ظلّ يصغي بصمت. ارتجفت فيلوميل وحدقت فيه، وشعرت فجأة بالحاجة لأن تمسك يده بإحكام، فقد بدا وكأنه على وشك أن يقطع عنق ويستون دون تردد.
أعاد كايين كلماته بازدراء: “خيار وحيد؟ أفضل اختيار؟ أيها الأمير البائس الغارق في شفقة ذاته… كم أنت منافق.”
تدفّق الدم إلى وجه ويستون من الغيظ. “كايين!”
“لا تلوث اسمي بلسانك النجس، ولا حتى اسم فيلوميل.”
عضّ ويستون شفتاه قهرًا، لكن كايين واصل ببرود: “إن كان كل ما لديك أعذارًا واهية، فكان الأجدر بك أن تصمت.”
“أعذار؟! أردتُ فقط أن أوضح…”
“أيّ توضيح؟ ألم تحاول قتلها بالفعل؟ ما الذي يمكن أن يُفهم خطأ هنا؟”
ارتبك ويستون ورفع صوته: “لا… لا يمكن أن تكرهني ميل لهذا السبب التافه، أنت من شوّه صورتي في نظرها!”
أمال كايين رأسه بخفة وقال بسخرية: “أمعك دليل على هذا؟”
صمت ويستون، فلم يكن يملك أي دليل. ثم التفت إلى فيلوميل متوسلًا. “ميل، قولي له! سمعتِ كلامًا سيئًا عني منه، أليس كذلك؟”
أجابت ببرود: “ينبغي أن تتحدث بدقة يا ويستون.”
فجأة شعرت فيلوميل بالغرابة، هل كان ويستون دائمًا بهذا القدر من السذاجة والتفكير الطفولي؟ لا شك أن ناديا كانت تجيد جعل من حولها حمقى.
“لقد كرهتك قبل أن ألتقي بالدوق، كرهتُ الرجل الذي حاول قتلي، وهذا طبيعي، أليس كذلك؟”
صرخ ويستون بغير وعي: “قلتُ لكِ إنني لم أملك خيارًا!”
ثم تدارك نفسه حين رأى وجهها يتشنج ألمًا، فقال متلعثمًا: “أنا… أنا لم اقصد الصراخ، لكنكِ تكررين نفس الكلام…”
وبينما عينيه تجولان بقلق، حاول أن يتشبث بخيط آخر. “أنا هنا لأُنقذك يا ميل! أليس هذا دليلًا أنني لم أرد موتك قط؟”
لكنه لم يلقَ أي أثر للتعاطف في وجهها البارد.
قالت بصوت قاطع. “أقولها للمرة الأخيرة… أنا أكرهك، أبغضك، الدوق لم يُخطئ في وصفك، أنت لست سوى منافق يتلذذ بالشفقة على نفسه متظاهرًا بأنه أمير تعيس.”
تأثر ويستون بعمق، فقد كانت كلماتها أعمق طعنة تلقاها في حياته. تمتم باسمها على شفتيه المرتعشتين: “فيلوميل…”
لكنها تابعت بصرامة: “أكره حتى أن أسمعك تنطق اسمي، لا أريد أن أرى وجهك ما حييت، أرجو فقط أن لا تتدخل في حياتي بعد الآن.”
كادت أن تختنق مع كل كلمة، حتى إن أنفاسها اضطربت. لكن كايين شدّ على يدها، فاستمدّت من دفء قبضته الراسخة بعض الطمأنينة.
“أرجو أن تبقى بعيدًا عن حياتي إلى الأبد.”
ارتعش جسد ويستون كله، وعجز عن الكلام. شعر أن عالمه ينهار، لأن فيلوميل، التي كانت دومًا دعامة حياته، لم تعد له بعد الآن.
وفي تلك اللحظة، دوّى جلبة عند المدخل. فالتفت الجميع ليروا ثيودور، وخلفه ناديا ويوهانس مقيدين بالحبال على أيدي الفرسان.
فقال كايين بصرامة موجّهًا كلامه لويستون.
“ويستون، بصفتي دوق ويندفيل ، وبعد حصولي على أدلة تثبت تواطؤك مع السحرة واستخدام قواهم الآثمة، أعلن اعتقالك.”
كانت كلماته كالصاعقة، حتى إن ويستون لم يستوعبها.
كان يسمع احتجاجات ناديا ويوهانس في الخلف، لكن كل شيء بدا باهتًا وهو يُسحب مقيدًا نحو الأقبية.
في تلك اللحظة، أدرك أن ما كان يسنده دائمًا، فيلوميل، قد اختفى من حياته إلى الأبد.
أما في الجهة الأخرى، فقد التفت كايين إلى فيلوميل بلطف وقال:
“هل أنتِ بخير، فيلوميل؟”
فابتسمت بتعب وهمست: ـ “نعم، وأنا بخير ما دمتَ أنت بخير، يا سيدي الدوق…”
تشابكت أيديهما، وابتسما لبعضهما بحنان، بينما ظلّت عينا ويستون المقهور متشبثتين بهما حتى اللحظة الأخيرة وهو يُساق بعيدًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 111"