في اليوم الثالث من ظهور الوحوش بشكل جدي، بدأت صوفيا منذ لحظة ما تطلق على الاثنين ذاك اللقب المقيت: “الصراصير”.
كان ذلك تهكّمًا منها، إذ قالت إنهما يظهران قليلًا ثم يختفيان فجأة مع الكثير من الضوضاء.
“أصص، صوفيا، اخفضي صوتك.”
“تِشه.”
زمّت صوفيا شفتيها بامتعاض، وحين رمقتها ناديا بطرف عينها، رفعت فجأة يدها إلى جبينها وهي تترنّح.
“آه…”
“سيدتي القديسة!! هل أنتِ بخير؟! أيها المعالجة! هلمِّ سريعًا وتفقّدِ حالة القديسة!”
كان إصبع يوهانس المرتجف يشير نحو فيلوميل.
خفضت فيلوميل بصرها إلى ثيابها، فقد كانت ترتدي ملابس رثّة عمدًا، لأن إزالة الدم المتخثّر كانت مهمة صعبة، وكانت منشغلة في تفقد المصابين، وعلى وجهها ويديها آثار دماء، وشعرها بدا بعض الشيء مبعثرًا، لكنه لم يكن إلى حدّ يشوّه ملامحها.
“ما… ما الذي يهذي به هذا الصرصور…؟!”
أدركت صوفيا أن يوهانس إنما قصد فيلوميل، فانتابها الذهول.
غير أن فيلوميل بقيت هادئة، فمدّت يدها لتسوي بخفة خصلات صوفيا المجعّدة.
“صه… اهدئي يا صوفيا، ها قد جاء مصاب، أليس كذلك؟ عليكِ أن تساعديني في علاجه.”
أرادت صوفيا أن تعترض، لكن لمّا رأت كين يقترب حاملاً مصابًا، عضّت على لسانها وأشاحت برأسها بعنف.
“أيتها المعالجة! أما تسمعني؟! أسرعي إلى هنا!”
نفخ يوهانس الهواء بغضب حين تجاهلاه، ثم صاح ثانية.
“لا بأس، فلا بد أن المعالجة مشغولة، أنا بنفسي سأتقدّم.”
“لكن القديسة أولى! من البديهي أن يأتوا إليها!”
أمسكت ناديا بذراعه لتهدئه، ثم تقدّمت نحوه وهي تستند عليه.
“فيلوميل؟”
فتحت عينيها بدهشة مصطنعة وكأنها لتوّها انتبهت إلى وجودها.
“آه… هل هي الآنسة فيلوميل؟”
اقترب يوهانس هو الآخر، ثم تظاهر وكأنه تفاجأ.
“عذرًا! لم أتعرف إليكِ بهذا المظهر البسيط، هاهاها!”
أطلق ضحكة مصطنعة يتظاهر بها بالمرح.
أما فيلوميل، فلم تلتفت إليهما، وانهمكت بتفقّد جرح المصاب الذي جاء به كين.
“لقد أحكمتَ وقف النزيف، سأقوم بتطهير الجرح فقط حتى لا يتلوّث.”
كانت تراقب الضمادة التي لفها أحد سكان الإقليم بقطعة قماش ممزقة، ثم بدأت تطهّرها.
“أه… آنسة فيلوميل؟ هل تتفضلين برؤية حالة القديسة أيضًا؟ يبدو أنها أنهكت نفسها باستخدام الطاقة المقدسة، وأصابها دوار.”
قطبت فيلوميل جبينها.
“يا سيدي، ألا ترى أنني مشغولة بعلاج مصاب؟”
“لكنها حالة بسيطة، أليس كذلك؟ عالجي قدّيسَتنا أولًا، فهي الأهم! أما هؤلاء، فليفهموا، أليست القديسة هي من خلّصتهم من وحوش ربما كانت لتفتك بهم؟!”
في تلك اللحظة تساءلت فيلوميل في سرّها: هل يمكن أن يكونا ناديا ويوهانس من دم واحد؟ وإلا كيف تشابها إلى هذا الحد في الصفاقة وقلة الذوق؟
مع هذا الاستغراب عادت يداها تتحرك بثبات.
“صوفيا، ناوليني الضماد.”
“نعم، سيدتي، أضعه هنا؟”
“نعم، هناك.”
“سيدتي القديسة، يبدو أنهم مشغولون، لعلّك تنتظرين قليلاً…”
“ليس ضيقًا جدًا صحيح؟”
“لا، سيدتي فيلوميل، أشعر بتحسّن كبير، لم يعد هناك ألم.”
“حاذر أن تبذل جهدًا الآن.”
“شكرًا جزيلاً، آنسة فيلوميل!”
وقف المصاب بعد إتمام العلاج، وعندها فقط التفتت فيلوميل إلى ناديا.
كانت ناديا تعضّ على شفتها وهي تحدّق فيها، ثم قالت بابتسامة متكلّفة:
“فيلوميل، ماذا تفعلين هنا؟”
“كما ترين، أعالج المصابين، آه، هل تفسحين المكان قليلًا؟ فالناس يمرّون باستمرار.”
وبمجرد أن أنهت كلامها، مرّت مجموعة من السكان مسرعين خلف ناديا.
تراجعت هي ويوهانس جانبًا بتردد.
“المُعالجة… لا بد أنّها مُرهِقة، مظهركِ بائس، حتى ملابسكِ تالفة.”
قلبت فيلوميل بصرها إلى ناديا، ثم قالت بابتسامة رقيقة:
“فأراكِ أنيقة للغاية، حتى أنك وضعتِ زينة على وجهك.”
“ماذا؟!”
“آها، إذن سبب تأخركِ اليوم هو انشغالكِ بوضع مساحيق المكياج بعناية، أليس كذلك؟”
ارتجفت ناديا للحظة؛ فقد أصابت الحقيقة قلبها.
وبينما كانت تحاول أن تخفي ارتباكها، بدأت الأنظار المحيطة تتجه نحوها.
فقد كانوا الآن أكثر هدوءًا بعدما انحسر هجوم الوحوش، وأصبح لديهم متسع لتأملها جيدًا.
كانت ترتدي عباءة بيضاء مطرّزة بالدانتيل، وتحتها ثوب رقيق ينسدل واسعًا عند الأسفل، أنيق ومناسب لجمالها، لكنه يفتقر إلى الدفء والمتانة، أما شعرها فكان مربوطًا على شكل نصف رفعة، مع خصلات مموجة متساقطة، وزينتها ظاهرة لمن يدقق النظر.
بكلمة، كانت ناديا النقيض التام لفيلوميل.
وأدركت ناديا ذلك.
في ساحة تعجّ بالموتى والجرحى، وقفت هي متأنقة كأنها في حفلة.
“ه-هذا… أقصد…”
لقد جاءت بنيّة إهانة فيلوميل لِمظهرها البائس، مدّعيةً الصداع، لكن الأمور انقلبت، فانكشف زيفها.
نظرت إلى يوهانس تستنجد، لكنه هو الآخر بدا عاجزًا.
هذا عديم النفع…!
وبينما كانت تلعن عجزه في سرّها، إذا بفيلوميل تلتفت إليها بلطف غير متوقع.
“لا بأس يا ناديا، أنا أتفهّم.”
“هاه؟”
“فربما يكون التزيّن أهم عند البعض، أفهمكِ، فلا تقلقي.”
ابتسمت فيلوميل برفق، وعينيها تتلألآن بتسامح عجيب.
كلماتها جعلت ناديا تعجز عن الرد.
الإنكار يعني الاعتراف، والإقرار يعني الفضيحة، فآثرت الصمت.
عندها تدخّل يوهانس:
“لكن، آنسة فيلوميل… كيف تجرئين أن تخاطبي القديسة بلهجة عامية؟!”
تجمدت ملامح فيلوميل للحظة، ثم التفتت إليه.
“لعلّك لا تعلم، يا سيدي، كنتُ أنا وناديا صديقتين حتى وقت قريب.”
نظرت إلى ناديا بابتسامة هادئة.
“وإن كانت صداقة في الماضي.”
“لكنها ماضٍ، أليس كذلك؟ واليوم صارت القديسة أعلى مقامًا من ابنة أحد النبلاء! الفارق بينكما هائل.”
حاولت ناديا إسكات يوهانس، لكنه سبقها وأكمل:
“وعليه، فعليكِ أن تخاطبيها باحترام.”
“… احترام؟”
أشاحت ناديا ببصرها، لكن قلبها أخذ يخفق بعنف.
لا، لن تجرؤ على كشف ذلك هنا… لن تقول إننا لم نعد نستطيع مخاطبة بعضنا بلسان الاحترام… أليس كذلك؟
كانت ترى أن ما حدث لم يكن خطأها الجسيم؛ مجرد هفوة صغيرة مع إيمون. لكنها تعرف أن الناس يرونها خائنة، بينما يرون فيلوميل ضحية مسكينة.
لكن ليس هذا هو الحق! كل ما جرى كان من تخطيطها هي!
استدارت نحو فيلوميل بعينين ملؤهما الاتهام.
أي وقاحة هذه… تخطط لكل شيء ثم تدّعي البراءة؟!
هيأت نفسها لفضحها لو تطرقت إلى الماضي.
لكن فيلوميل لم تفعل، أطلقت تنهيدة قصيرة، ثم حدّقت فيهما ببرود قاتل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"