عندما عاد أكتوروس إلى المنزل بعد العمل، كانت أولى الكلمات التي سمعها أنّ كارين رفضت تناول الطعام مرة أخرى.
“و ماذا بعد؟”
ردّ أكتوروس وكأنّه لا يفهم لماذا يُبلّغونه بمثل هذه الأمور.
انكمشت لينا، مصدومة من ردّ فعله البارد، لكنّها استجمعت شجاعتها وقالت بوضوح: “إذا استمرّت في الأمر هكذا، ستمرض بالتأكيد. وأيضًا، لقد أصيبت بجروح بسبب الأغلال الطويلة …”
“أنا متعب جدًا الآن.”
“…”
“هل يجب أن أسمع حتّى عن إضرابها عن الطعام؟”
تلك المرأة ، هكذا قصدها.
ذهلت لينا وأخذت ترمش بعينيها، لكنّها استعادت رباطة جأشها وقالت بحذر لأكتوروس: “لا أعرف ما الذي حدث بينكما …”
لم تكن تعرف إن كان السبب هو شجار حاد بين الحبيبين أو نظرة الناس إلى كارين كجاسوسة بعد المقالة. لكنّها تعلم أنّ حبس حبيبته في غرفة سرّية بالقصر ليس أمرًا طبيعيًا.
“لا أعتقد أنّ الآنسة ارتكبت خطأً كبيرًا…”
لم يكن لخادمة مثلها الحق في التدخّل في شؤون سيّدها الخاصة. لكنّها لم تستطع ترك الآنسة التي تخدمها في هذه الحالة إلى الأبد.
“ألا يمكنكَ أن توليها بعض الاهتمام؟”
نظرت لينا بحذر إلى عيني أكتوروس ، لكنّها خفضت رأسها بسرعة عندما رأت برودة عينيه الزرقاوين.
“يبدو أنّ كارين كانت لطيفة معكِ جدًا. تتبعين كلام ‘شانير’ بدلًا من ‘كلوين’.”
“…أعتذر.”
لم يقبل أكتوروس اعتذار لينا ولم يطردها. فقط أصدر تعليماته بشأن كارين.
“اتركيها. لا تعالجي جروحها أيضًا.”
“لكن إذا حدث لها مكروه …”
“إذا ماتت جوعًا، فهذا خيارها، وعلينا احترامه.”
“…”
“لا حاجة لخادمة لا تستطيع تنفيذ الأوامر، يا آنسة لينا.”
كما قال أكتوروس، كانت لينا خادمة ‘أكتوروس كلوين’، وليست خادمة ‘كارين شانير’.
على الرغم من الشائعات أنّهما سيتزوجان، لم تكن كارين بعد جزءًا من عائلة كلوين. أحبّت لينا كارين شخصيًا، لكنّها لم تستطع عصيان أوامر سيّدها.
مرّ أكتوروس بجانب الخادمة المحبطة التي خفضت رأسها وتوجّه إلى الحديقة. تبعه الخادم الشخصي الذي ألقى نظرة تأنيب على لينا.
“سمعتُ من السيد روشيس أنّكَ لم تتناول العشاء بعد. سأطلب من الطاهي تحضير العشاء.”
“لا داعي.”
لم تكن كارين الوحيدة التي لم تتناول الطعام خلال اليومين الماضيين. كل ما وضعه أكتوروس في فمه كان السجائر فقط. ومع ذلك، لم يشعر بالجوع.
“أريد أن أكون وحدي، فلا تزعجني إلّا إذا كان هناك أمر خاص.”
“حسنًا، اتصل بي عندما تحتاجني.”
انحنى الخادم بأدب و انسحب.
دخل أكتوروس إلى ميدان الرماية، ونظر بهدوء إلى الأسلحة المرتبة. في العادة، كان سيختار سلاحًا يعجبه، لكن الآن لم يعجبه شيء.
في النهاية، أخرج “كارين” من جيب معطفه.
كان السلاح مثاليًا، كأنّه صُنع خصيصًا له. قبضته كانت مثالية أيضًا.
“ها…”
ضحك أكتوروس ضحكة ساخرة وهو يمسك السلاح.
نعم، يمكن تعديل الأسلحة أو تصنيعها خصيصًا له.
لكن البشر ليسوا كذلك.
فلماذا لم يدرك ذلك بحماقة؟
كارين، التي بدت كأنّها وجودٌ أعده الحاكم له، حلوة كالحلوى في فمه.
تلك المرأة التي جعلته يهتمّ بها باستمرار، وأسرته في النهاية، كانت قد صُنعت عمدًا للاقتراب منه.
بانغ! بانغ بانغ!
أمسك أكتوروس “كارين” بكلتا يديه وأطلق النار بلا توقّف على الهدف. لو تخيّل أنّ الهدف هو كارين، لربما استمر في الرماية طوال الليل دون تعب. كان غضبه عظيمًا يلفّ جسده كلّه.
بانغ! بانغ! بانغ!
تردّدت أصوات الرصاص في ميدان الرماية دون توقّف.
لكن، لم تصب طلقة واحدة الهدف.
“تبًا …”
كارين، التي اقتربت منه عمدًا، التي لم يكن فيها ذرة من الصدق، يجب أن يبلّغ عنها للجيش. سواء ماتت تحت التعذيب أو انتحرت، فهذا ليس شأنه.
لم يحبّها بما يكفي ليخون بلاده من أجلها.
كانت مجرّد امرأة تناسب ذوقه، ممتعة في الحديث، وكانت دائمًا في مواقف خطيرة جعلته يهتمّ بها.
هذا كلّ شيء.
فكّر أنّ وجودها في حياته سيكون جيّدًا، لكن غيابها لن يؤثّر كثيرًا، مجرّد شخص عادي.
“آه…”
توقّف أكتوروس عن الرماية أخيرًا عندما أصابت رصاصة رأس الهدف.
على الرغم من أنّ الهدف ليس كارين حقًا، شعر وكأنّ دمه يتجمّد، كما لو أنّ كارين تنزف.
“لماذا أشعر بهذا الشعور؟”
أنتِ من أخطأ ، فلماذا أعاني هكذا؟
لمع طرف السلاح المعلّق بلا قوة في يد أكتوروس تحت ضوء السقف، تمامًا كما تفعل كارين.
***
جاءت لينا، كالمعتاد، في المساء المتأخر حاملة العشاء لكارين. لم تلمس كارين الطعام هذه المرة أيضًا.
بعد تفكير، قرّرت لينا ترك الصينية ومغادرة الغرفة.
“أكتوروس …”
لأول مرة، كسرت كارين صمتها وأوقفتها.
اقتربت لينا منها بحماس، عيناها تلمعان.
حرّكت كارين شفتيها الجافة بصعوبة، إذ لم تشرب حتّى قطرة ماء.
“كيف حال أكتوروس؟”
“الدوق …”
تذكّرت لينا صورة الدوق كلوين عندما سمع عن حال كارين.
بعد سماع أنّها صامت ليومين ورفضت علاج جروحها …
«هل يجب أن أسمع حتّى عن إضرابها عن الطعام؟»
كان باردًا جدًا.
«إذا ماتت جوعًا، فهذا خيارها، وعلينا احترامه»
كأنّه لن يرفّ له جفن حتّى لو ماتت أمامه.
“الدوق … يقلق عليكِ!”
“…”
“حقًا!”
لم تستطع لينا قول الحقيقة لآنسة هزيلة أصلاً، أصبحت أكثر نحافة ووجهها شاحب كمريضة.
على الرغم من أنّ كارين ليست ‘كلوين’ ، إلّا أنّها الآنسة التي تخدمها. كذبة صغيرة بحسن نية لن تؤذي.
“عندما أخبرته أنّكِ لا تعالجين جروحك ولا تأكلين، بدا حزينًا جدًا!”
ارتجفت عينا كارين الذهبيتان قليلًا. لم تفوت لينا تلك اللحظة.
“لذا، يا آنسة، توقّفي عن إزعاجه وتناولي شيئًا ولو قليلًا، أليس كذلك؟”
“…آسفة. اخرجي.”
“آنستي …”
تحطّمت آمال لينا التي ظنّت أنّ كارين قد تقتنع هذه المرة.
“حسنًا، يا آنسة. أخبريني إذا غيّرتِ رأيك …”
عندما خرجت لينا، سمعت صوت الأغلال تتحرّك. كانت كارين تمرّر يديها على وجهها.
“أكتوروس، يقلق، عليّ…”
كيف يمكن وصف هذا الشعور الذي يغمر قلبها؟
هل يجب أن تشكر لأنّه لا يكرهها بما يكفي لعدم القلق عليها؟
أم يجب أن تخاف لأنّه قد يقلق عليها حقًا؟
أم أنّه كلاهما؟
أدركت لأول مرة أنّ قلق شخص قد يكون يأسًا لآخر. دفنت كارين وجهها في الغطاء الناعم وبكت لفترة طويلة.
تبلّل الغطاء وتلوّن بلون داكن.
***
حلمت حلمًا.
أعيدت في الحلم لحظات خيانتها لأكتوروس الشاب بوضوح.
“أخوكِ لوي على قيد الحياة.”
كلمات مدام بورن ، التي كانت تعتني بها بلطف، وضعت قيدًا على قدمي كارين في لحظة.
“يبدو أنّكِ قريبة جدًا من أكتوروس كلوين. إذا ساعدتِنا قليلًا، يمكنكِ رؤية لوي مرة أخرى.”
حتّى لو عادت الأمور، كانت كارين ستختار طريق لوي في النهاية.
“جيش غلوريتا لن يهتمّ إذا مات أخوكِ. هل ستتخلّين عن أخيكِ من أجل وطن كهذا؟”
لم تستطع كارين إعطاء الأولوية لأكتوروس. لم تكن في وضع يسمح لها بالتفكير فيه فقط.
كانت تعلم أنّ أكتوروس، رغم لطفه، يمكن أن يكون باردًا عند الحاجة.
“الأشخاص المقرّبون ينادونني ‘أكتور’.”
“لماذا تخبرني بهذا؟”
“من يدري.”
في النهاية، لم تثق كارين بأكتوروس.
اختارت أخاها دون الحاجة إلى الموازنة.
خانت الشاب البريء الذي عبّر عن حبّه لها بكلّ جسده، بكل وضوح.
“ربما تصبحين من ينادينني بهذا اللقب.”
مهما أحبّت أكتوروس، لم تستطع تجاهل الوحيد المتبقّي من عائلتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات