أُقيم حفل التّكفين في صباح اليوم التّالي.
قرأ صديقٌ قديم لجود كولين ، كان أكتوروس يراه منذ صغره ، كلمة التّأبين.
كانت الكلمة مليئةً بذكريات شباب وكهولة جدّه التي لم يكن أكتوروس يعرفها.
بعد أن قرّر أكتوروس، بفضل كارين، أن يكون صادقًا مع مشاعره، اعترف بأنّه كان يحمل ضغينةً طويلةً ضدّ جدّه.
لكن، بشكلٍ عجيب، شعر براحةٍ منذ لحظة اعترافه بمشاعره.
كانت كارين هي من منحته هذه الرّاحة.
لكنّها الآن لم تَعُد ملاذه الآمن.
“كنتَ محقًا. جميع هواتف مكتب الشّركة كانت مراقبة. من المحتمل أنّ المنزل ليس آمنًا أيضًا. خلال الجنازة، سأذهب إلى منزلك للتحقّق.”
إذا كانت الشّركة مراقبة، وإذا كانت كارين هي من فعل ذلك …
فلن يكون المنزل آمنًا أيضًا.
‘لا بأس. قد لا تكون كارين.’
حتّى لو كان المنزل مراقبًا …
“افحص جميع الموظّفين الذين يعملون في القصر منذ فترةٍ طويلة.”
هذا لا يعني بالضّرورة أنّ كارين خانته.
طلب أكتوروس من روشيس إعادة فحص الموظّفين الذين عملوا من 5 إلى 10 سنوات أو أكثر. و في الخفاء ، أمر بفحص صديقٍ قديم.
سيكون مؤلمًا إذا كان الخائن بين الموظّفين أو الأصدقاء القدامى. لكن ، كان ذلك أفضل من أن تكون كارين.
تمنّى أن يكون الخائن شخصًا آخر غيرها.
“…”
نظر أكتوروس عادةً إلى المرأة بجانبه.
كلّما استعاد وعيه، كانت عيناه تتّجهان إلى كارين.
حتّى وهي بجانبه، كان يتأكّد من سلامتها دون وعي.
لم يكن لديهما وقتٌ للحديث منذ وفاة جدّه.
في الوقت الذي كانا بحاجةٍ إلى بعضهما أكثر من أيّ وقتٍ مضى، كان هناك جدارٌ خفيّ يفصلهما.
أدار أكتوروس نظره بوعيٍ إلى نعش جدّه الذي كان يُدفن في حفرةٍ عميقة.
لن يراه مجدّدًا، لكنّه أراد أن يسأله: جدّي، ماذا أفعل؟
هل يمكنني أن أغضّ الطّرف وأصمّ أذنيّ كأحمقٍ لا يعرف شيئًا؟
إذا علمتُ أنّ كارين هي الخائنة ولم أرد التّخلّي عنها … ماذا ستقول؟
“…”
امتلأت الحفرة بالتّراب حتّى اختفى النّعش.
أغمض أكتوروس عينيه. ثمّ فتحهما عندما شعر بلمسةٍ ناعمة تمسك بيده بحذر.
كانت كارين تمسك بإصبعيه الخنصر والبنصر بضعف، لكنّ رأسها كان مطأطأً، فلم يرَ وجهها.
كانت قبضتها هشّة، كما لو أنّ نسمةً خفيفةً كفيلةٌ بقطعها.
“أكتور …”
كانت تُناديه “سيّدي الدّوق” ظاهريًا، لكنّها ربّما كانت تُناديه باسمه في قلبها دائمًا.
نطقت كارين باسمه المختصر بمظهرٍ متعب: “أنا آسفة …”
“قلتُ لكِ، لا تشعري بالذّنب عبثًا.”
أمسك أكتوروس يدها بقوّة، كأنّه لن يتركها أبدًا، مهما كان الأمر.
“وفاة جدّي ليست ذنبكِ.”
في اليوم الذي ذهب لمقابلة كارين، أصيب جدّه بنوبةٍ قلبيّة.
شعرت كارين بالذّنب لأنّها كانت معه ولم تتمكّن من إنقاذه.
لكن، بعقلانيّة، لم يكن هناك شيءٌ فعلته كارين خطأ.
“أنا آسفة …”
“توقّفي.”
“…”
“عندما تفعلين هذا ، أنا …”
أصبح الأمر صعبًا عليّ جدًا.
عضّ أكتوروس شفته السّفلى، وكبح كلامه.
‘ليست كارين.’
كرّر هذا الكلام في نفسه كالتعويذة، وشدّ قبضته على يدها، حتّى لو كان ذلك يؤلمها، فلن يتركها أبدًا.
***
مهما كانت الصّعوبات، يبدأ اليوم وتمضي السّاعات.
أصيبت كارين بالمرض لبضعة أيّام.
بينما بدا أكتوروس، الحفيد الحقيقيّ، أقوى منها.
“أنهي التّمرين مبكرًا اليوم وتعالي إلى الشّركة.”
لم يكن بإمكانهما إهمال الحياة اليوميّة إلى الأبد بسبب الحزن. عاد أكتوروس إلى الشّركة، وكارين إلى فرقة الباليه.
لكنّهما كانا يقاومان بصعوبةٍ لتمضية الأيّام بشكلٍ طبيعيّ.
ربّما لهذا السّبب …
“أريد أن نخرج معًا بعد فترة.”
على الرّغم من حزنه، اقترح أكتوروس موعدًا غراميًا بنبرةٍ مرحة.
“المدير في الخارج اليوم أيضًا.”
رحّب موظّف الاستقبال بكارين بحرارة.
“قال أن أرشدكِ إلى مكتبه إذا أتيتِ.”
“لا بأس، سأذهب وحدي. واصلوا عملكم.”
أخذت كارين مفتاح المكتب وصعدت بالمصعد.
“ونغ…”
بدأ المصعد يتحرّك إلى الأعلى مع صوت اهتزاز.
[كارين ، طلبٌ أخير منكِ]
كلّما حاولت النّسيان، عاد إلى ذهنها.
[لا تخوني أكتوروس]
كانت كلمات جود كولين الأخيرة تُمسك بكاحل كارين كلّما حاولت الابتعاد.
‘ما الذي آمن به جدّي ليضحّي بحياته …؟’
حتّى لو كانت صادقةً مع أكتوروس ، فماذا يعني ذلك؟
في كوستيا، كان هناك شخصٌ مهدّدٌ بالموت بسببها.
ليس أخاها الحقيقيّ ، لكن …
لم تستطع أن تتركه يموت بسببها.
‘لو متُّ يومها، لما شعرتُ بهذا الألم الآن.’
خانت أكتوروس، وتسبّبت في خسارته لعائلته.
لم تستطع تنفيذ وصيّة جود كولين الأخيرة.
لقد فقدت أيّ أملٍ في التّسامح منذ لحظة وفاته.
تخيّلت كارين ردّة فعل أكتوروس عندما يكتشف الحقيقة، وهي تخرج من المصعد.
تمنّت لو تتمكّن من مغادرة غلوريتا قبل أن يكتشف الحقيقة ، أو حتّى أن تُقتل.
لم تتحمّل رؤية عينيه المليئتين بالحبّ تتحوّل إلى جرحٍ وخيانة.
طق-!
فتحت كارين باب المكتب وأغلقته خلفها.
قد يشكّ أكتوروس في إغلاقها للباب، لكن …
كان ذلك أفضل من أن يراها تبحث في الأوراق مباشرةً.
“…”
تذكّرت كارين لحظة وفاة جود كولين.
ثمّ تذكّرت صورة نينا وهي تُعذّب.
لا سبيل للهروب أو العودة.
كانت كمن يسير على طريقٍ مليء بالأشواك مع قيودٍ في قدميها.
حاولت كارين تهدئة قلبها المضطرب.
[لم يتلقَّ الطفل حبّ والديه ، و أنا ، جدّه ، تسبّبتُ في جرح قلبه]
تردّد صوت جود كولين في أذنيها مجدّدًا.
[لم يفتح قلبه لأحدٍ سواكِ ، أنتِ تعلمين ذلك]
كأنّه يعلم بتردّدها و يحاول إيقاف خيانتها.
كان صوته يرنّ في أذنيها كالطّنين.
عضّت كارين أسنانها ورفعت يدها.
صفعة-! رنّ صوت الصّفعة الحادّ في المكتب الهادئ.
تحوّل وجهها إلى اليسار.
رفعت يدها الأخرى.
صفعة-!
تحوّل وجهها إلى اليمين.
شعرت بألمٍ حارقٍ في خدّيها، أعادها إلى الواقع، بعيدًا عن يوم وفاة جود.
‘إذا اخترتُ أكتوروس، سيموت شخصٌ آخر.’
لا يمكن إعادة الموتى، لكن يمكن إنقاذ الأحياء.
لم تستطع حماية أخيها، لكنّها أرادت إنقاذ نينا التي ملأت فراغه.
مسحت كارين دموعها بعنف ونظرت حولها.
حان وقت البحث عن معلوماتٍ جديدة. كان المكتب نظيفًا بشكلٍ غير معتاد، كما لو أنّ الأوراق المهمّة أُخفيت.
‘هذا ليس جيّدًا …’
فحصت كارين أدراج المكتب، لكن لم تجد شيئًا.
اقتربت من المكتبة التي شغلت جدارًا بأكمله.
كانت الكتب مرتبةً بدقّة، لكن كتابًا واحدًا كان بارزًا.
مدّت كارين يدها على أطراف أصابعها لدفع الكتاب إلى الدّاخل.
لكنّها عندما لمسته، سقط الكتاب.
تنهّدت كارين وانحنت لالتقاطه، لكن سمعت صوتًا غريبًا.
طق-!
كأنّ أحدًا فتح بابًا مغلقًا.
التفتت كارين، لكنّها أدركت أنّ الصّوت لم يأتِ من الباب.
كانت المكتبة قد تحرّكت قليلاً إلى الخلف، كما لو أنّ أحدًا دفعها.
‘لا يفترض أن تكون هناك مساحة خلف هذا؟’
تردّدت كارين وهي تقترب من المكتبة.
‘هل يُعقل …؟’
شعرت بشيءٍ غريب، فوضعت يديها على المكتبة ودفعت بحذر.
فجأة، ظهر مشهدٌ مذهل.
خلف المكتبة، كانت هناك غرفةٌ سريّة.
خزنةٌ ضخمة، وخزائن حديديّة وملفّات مرتبة تملأ المكان.
دخلت كارين الغرفة وفتحت باب الخزانة.
كانت مليئةً بمعلومات “شركة أكتوروس” التي كانت تبحث عنها بشدّة.
التعليقات