يدٌ ساخنةٌ مغطاةٌ بالجلد الخشن ربتت بلطفٍ على شعرها، و وضعته خلف أذنها.
عندما أُبعد الشّعر ، ظهر صيوان الأذن و شحمتها، فدلّكها برفقٍ دون أن يؤلمها، ثمّ مرّرَ ظهر يده على خدّها يداعبه.
لكن عندما عبسَ جبينها بسببِ ضوء الشّمس الذي تسلّلَ من بين السّتائر، صنعَ لها ظلًّا يحميها.
لكنّ هذا الجهد ذهبَ سدًى، فقد استيقظت كارين بالفعلِ من نومها.
رفعت كارين جفنيها، و عندما رأت وجه أكتوروس أولًا، ابتسمت تلقائيًّا.
كما لو أنّهما صديقان حميمان لا يخفيان شيئًا عن بعضهما …
ثمّ اندفعت إلى حضن أكتوروس.
“هل أعجبكِ إلى هذا الحدّ؟”
بمجرّد رؤيةِ زاوية فمه المرفوعة بطريقةٍ ماكرة، بدا أنّه ينوي المزاح بشكلٍ مشاكس مرّة أخرى. أومأت كارين برأسها ، و أسندت جبهتها إلى عظمة التّرقوة و رقبته.
“أعجبني جدًّا.”
شعرتْ بتوتّرٍ عضليّ في جلده النّاعم.
ضحكت كارين و خدّاها يتوهّجان بحمرةٍ خفيفة.
“حتّى لو شعرتُ بالخجل ، لن أكذب”
ثمّ رفعتْ عينيها إليه من داخل حضنه ، مبتسمةً بنقاء.
“أنا مهووسةٌ بحبّك.”
لو رأى أحدهم تعبير وجه أكتوروس الذي ينظر إليها الآن، لما صدّق أنّه شخصٌ تلقّى اعترافًا بالحبّ، لشدّة برود تعابيره.
لكن كارين تعلم.
تعلمُ مدى جهده للسّيطرة على تعابير وجهه.
و تَعلمُ أنّه داخل شفتيه المطبقتين بإحكام، يعضّ على أسنانه بقوّة.
“وماذا عنك؟ هل أعجبك؟”
“حسنًا …”
فتح أكتوروس فمه ببطء ليجيب.
“يبدو أنّكَ تحبّني أكثر.”
“إذًا، اجعليني أحبّكِ أكثر.”
استدار أكتوروس ، الذي كان مستلقيًا على جانبه و وجهه على ظهر يده، ليُلقي بظلٍّ ضخمٍ فوق جسد كارين، واضعًا ثقله عليها.
“حاولي جاهدةً. اجعليني أقعُ في حبّكِ أكثر ممّا أنا عليه الآن.”
ثمّ أمسكَ بخدّيها المتورّدين، و قَبّلها بحيث تصطدم شفاههما بانزلاقٍ خفيف. عندما ضحكت كارين وضمّت رقبة أكتوروس ، كادت القبلة بينهما أن تتعمق أكثر.
فجأة ، طُرق الباب.
طق طق─
تنهّدَ أكتوروس بصمتٍ عميق، وهو يلتفت نحو الباب بسبب هذا الإزعاج غير المرحّب به.
“الدّوق.”
كانَ صوت الخادم يأتي من خلف الباب.
ليس من الغريب أن يأتي الخادم لإيقاظ سيّده في الصّباح.
لكن عائلة دوق كلوين كانت مختلفة.
أوّلًا، لم يسبق لأكتوروس أن فشل في الاستيقاظ في الوقت المحدّد. و إذا كان هناك حاجة لإيقاظه أو تنظيم مواعيده ، فهذه كانت مهمّة السّكرتير الخاص ، روشيس.
بمعنى آخر، كانَ أكتوروس سيّدًا متساهلًا لا يتطلّب الكثير من الجهد من الخادم.
لكن الآن، وبخلاف العادة، طرق الخادم باب غرفة النّوم في الصّباح الباكر ليوقظه.
“ما الأمر؟”
كانَ صوته عصبيًّا، يعبّر بوضوح عن مزاجه المتعكّر.
و كأنّه لا ينوي الخروج مهما كان السبب، واصل أكتوروس احتضان كارين ، مقبّلًا رقبتها و ذقنها بقبلاتٍ صغيرة.
ضحكت كارين من الدّغدغة، مغطية فمها بيدها لكبتِ ضحكاتها.
“لقد زارنا جدّك.”
لكن كانَ هناك شيءٌ لا ينبغي نسيانه.
إذا تصرّف الخادم، الذي خدم عائلة دوق كلوين بإخلاصٍ لسنواتٍ طويلة، بطريقةٍ غير معتادة، فهناك دائمًا سببٌ وجيهٌ لذلك.
تجمّدت كارين فجأةً من المفاجأة. أسند أكتوروس جبهته على كتفها، و تنهّد تنهيدةً خافتة.
“جدّي حقًّا …”
“…..”
“لا يملكُ أيّ حسّ بالتوقيت. أليس كذلك؟”
كانَ مظهره وهو يتذمّر كالأطفال لطيفًا للغاية، فلم تستطع كارين كبحَ ضحكاتها.
لم يكن لديها أدنى فكرة أنّ الخادم تفاجأ بسماع صوت امرأةٍ من داخل غرفة نوم سيّده.
***
تحتَ سقفٍ مزيّنٍ بستائرَ تاريخيّة ، كانَ جود كولين يحتسي الشّاي، منتظرًا حفيده اللاّمبالي.
كانَ السّبب الوحيد الذي جعله يقطع المسافة رغم جسده المُتعب هو تأكيد حقيقة الشّائعات.
لم يستطع إلّا أن يتفاجأ عندما علم أنّ سييرا ميلر ، خطيبة كايترو الذي اعتبره حفيدًا له ، تُحاكم بتهمة التّواطؤ في اختطاف كارين شاينر.
اختطاف كارين، على وجه الخصوص!
بادرَ جود كولين بالبحث عن تفاصيل الحادثة.
ما لم تكن هناك مفاجأة كبيرة، بدا من الصّعب نفي أنّ سييرا تواطأت مع جوزيف مالون في الاختطاف. لكن ما أثار قلقه هو أنّ مصير كارين، التي قيل إنّها أُنقذت بعد اختطافها، لا يزال مجهولًا.
ثم بدأت شائعاتٌ غريبة تنتشر فجأة، تقول إنّ أكتوروس و كارين يعيشان معًا.
لذلك، وسط الارتباك و الحيرة، جاء للتحقّق من حقيقة الشّائعات، وحالة أكتوروس، وسلامة كارين، بافتراض أنّ كارين موجودة فعلًا في قصر أكتوروس.
بينما كانَ جود كولين يتحلّى بالصّبر ويحتسي رشفةً من الشّاي، اقتربت أصوات خطواتٍ خافتة من الطّابق العلوي نحو غرفة الاستقبال.
“أكتور …”
“ما الذي جاء بكَ في هذا الوقت المبكر؟”
جلسَ أكتوروس ، مرتديًا رداء النّوم ، بطبيعيّة مقابل جدّه.
“أن تسمّي هذا وقتًا مبكرًا؟ الشّمس في وسط السّماء! هل كنتَ نائمًا حتّى هذه السّاعة؟”
“كنتُ أرتاح بعمق. لكنّكَ أنتَ من أزعج وقت راحتي.”
شعر جود كولين بالحيرة إزاء هدوء أكتوروس المفرط.
حتّى لو كانا قد افترقا ، كيف يمكن لشخصٍ أحبّ امرأةً أن يبدو هادئًا إلى هذا الحدّ بعد سماع أنّها اختُطفت ثم أُنقذت؟
فجأةً، شعرَ بثقلٍ يهبط في قلبه.
كانَ جود كولين يخشى هذا المظهر من حفيده.
عدم قدرته على حبّ من يجب أن يحبّهم، وظهوره دون أيّ اضطرابٍ عاطفيّ.
تلكَ اللّلظات التي جعلته يشعر بأنّ حفيده غريبٌ عنه.
“أكتور ، أنت …”
نظرَ أكتوروس إلى جود كولين بعينين زرقاوين خاليتين من أيّ اضطراب، كما لو كانَ يحاول اختراق قلب جدّه.
ما أعاد جود كولين إلى الواقع كان صوت شخصٍ آخر يقترب.
“جدّي─”
عند سماع صوتٍ مألوفٍ ما، التفت جود كولين تلقائيًّا.
و عندما رأى الوجه الذي ظهر أمامه، نهض من مكانه.
“كارين…؟”
كانت كارين ، التي بدت فوضويّة كمن استيقظ للتّو ، تقترب و هي تبتسم بإحراج، جالسةً على كرسيٍّ متحرّك تدفعه خادمة.
“أنتِ ، لماذا…!”
صحيح أنّه جاءَ للتحقّق من شائعة أنّ كارين تقيم في منزل أكتوروس ، لكنّه كان يميل أكثر إلى الاعتقاد بأنّ هذه الشّائعة مجرّد قصّة مبالغ فيها.
على الرّغمِ من أنّ أكتوروس بدا صادقًا مع كارين، إلّا أنّ جود كولين لم يكن متأكّدًا من أنّ حفيده ، الذي اختارَ الانفصال ، سيعود عن قراره.
لكن، بشكلٍ مفاجئ، كانت الشّائعة صحيحة. فقد واجه كارين، مرتديةً ملابسَ تشبه ملابس النّوم، داخلَ منزل حفيده.
نظر جود كولين، مشوشًا، تارّةً إلى أكتوروس و تارّةً إلى كارين. بينما كانَ أكتورس الوحيد الذي يجلس مسترخيًا على ظهر الكرسيّ، يحتسي الشّاي بهدوء.
“ألم أخبرك؟”
قال بنبرةٍ لم يستطع إخفاء انزعاجها ، على غير عادته.
“قلتُ إنّكَ أزعجتَ وقت راحتي”
بدت كارين مرتبكة ، و هي تتفادى النّظرات ، و هي لا تعلم كيفَ تتصرّف.
كانَ هذا المشهد أوضح من مئة كلمة.
“حسنًا … لنجلس و نتحدّث”
جلس الثّلاثة حول طاولةٍ دائريّة، وتحدّثوا لوقتٍ طويل.
لخّص أكتوروس الأحداث بإيجاز.
و بما أنّ قضيّة سييرا ميلر و جوزيف مالون قد نُشرت على نطاقٍ واسع، وكان جود كولين قد اطّلعَ على مُعظم التّفاصيل، لم تكن هناكَ حَاجة لشرحٍ مطوّل.
“لم أعتقد أبدًا أنّها فتاةٌ بريئة تمامًا ، لكن لمْ أتخيّل أنّها كَانت تطمع بكَ مِن وراء ظهرك.”
“لماذا سمحتَ إذًا لهذه الفتاة غير البريئة أن تكون خطيبة كايترو؟”
“…كايترو.”
كاد جود كولين أن يتحدّث عن كايترو، لكنه أغلق فمه بإحكام.
“كارين.”
ثمّ حوّلَ الحديث إلى اتّجاهٍ مختلفٍ تمامًا.
“لقد عانيتِ كثيرًا بسبب عائلتنا.”
“لماذا تقولُ هذا؟”
ابتسمت كارين عمدًا بمرح ، و أمسكت يد جود كولين المجعّدة التي كانت على الطّاولة.
“أليس من الأفضل أن تحيّيني بفرحٍ لأنّنا التقينا مجدّدًا؟”
لم تكنْ كلماتٍ مختارة بعناية لتبدو لطيفة. على الرّغم من أنّها لم تعرفه لفترةٍ طويلة، كانت كارين تعتبر جود كولين، الذي أحبّها كثيرًا، شخصًا قريبًا كأحد أفراد العائلة.
لم تَكن تُريد أن يشعرَ جدّ أكتوروس بالأسف بسببها.
لذا ، في هذا اللّقاء الجديد ، تمنّت أن يشعر فقط بالفرح بدلًا من الشّعور بالذّنب تجاهها.
ابتسم جود كولين بلطف ، و غطّى يد كارين التي تمسكُ بيده بيده الأخرى بحنان.
“لقد زار كايترو القصر عدّةَ مرّات.”
الشخص الذي قطع هذا المشهد الودّي بينهما ، كما لو كانا جَدًّا و حفيدة ، كانَ أكتوروس نفسه.
“تلقّيتُ تقريرًا يفيد بأنّه تسبّب في شغبٍ عندما مُنع من الدّخول منذ البوّابة، ثمّ عادَ أدراجه.”
تحدّث بنبرةٍ باردة عن كايترو كلوين، الذي يرتبط به كـ”أخ”.
كانتْ كارين تجهل هذه المعلومة تمامًا.
كايترو كلوين زار هذا القصر …
“من الواضحِ أنّه جاءَ بسبب قضيّة سييرا ميلر.”
“…أعلمُ أنّه لا يمكن إنكار أنّ سييرا ميلر ساهمت في اختطاف كارين.”
“ليسَ مجرّد مساهمة، بل إنّ تلك المرأة هي من خطّطت لذلك.”
“أجل ، أعلم أنّكَ لم تتّهمها زورًا. لذا ، أنا أيضًا ، بالنّسبة لسييرا ميلر ، سأتحدّث مع كايترو …”
“يبدو أنّكَ قلتَ له ذلك.”
بدأ الحديث يأخذ منحًى غير عاديّ.
التعليقات لهذا الفصل " 50"