في تلكَ اللّحظة … لم تكن لديّ أيّ ذكرى لمواجهة الرائد سكايبر وجهًا لوجه.
كنتُ مجرّد واحدة من بين العديد من الأسرى، و طالما أبقيت رأسي منخفضًا بهدوء، لم يكن هناك ما يجعلني أبرز بينهم.
“الشّعر الأشقر … لونٌ شائع أكثر ممّا يبدو.”
“آه، لقد ارتكبتُ خطأً في الكلام. لم أقصد أنّ كارين تشبه تلك الفتاة بالضرورة. على أيّ حال، لم يكن لديّ وقتٌ للانتباه إلى أكتوروس في تلكَ الفترة ، لذا لم أكن أعلمُ حتّى أنّه وقع في حبّه الأوّل”
أخطأً الرائد سكايبر فهم موقف كارين الدفاعيّ ، خوفًا من أن يتعرّف عليها من خلال شعرها الأشقر ، فبدت عليه علامات الارتباك الواضحة وهو يلوّح بيده محاولًا التبرير.
“علمتُ أنّ لأكتوروس حبًّا أوّلًا كهذا بعد أن ماتت تلك الفتاة الأسيرة”
شعرت كارين بالارتياح لأنّ الرائد سكايبر لم يتعرّف عليها على الإطلاق، فأرخَت قبضتها التي كانت تعتصر أظافرها ببطء.
“ربّما بسبب الجرح الذي تسبّبت به تلك الفتاة، أو ربّما بسبب صدمة موتها … لقد تاه الفتى لفترة طويلة. لم يُلقِ نظرةً على أيّة امرأة بعدها، ممّا جعلني قلقًا جدًّا، لكن بفضل كارين …”
“تلك الفتاة …”
على الرّغم من علمها بأنّه من غير اللائق مقاطعته ، قطعت كارين كلام الرائد سكايبر.
كانَ الرائد ينوي أن يقول إنّه بفضل كارين ، عاد أكتوروس ليقع في الحبّ مجدّدًا رغم جرح حبّه الأوّل العميق. لكنّه أدرك فجأةً أنّه ربّما ارتكب خطأً في الحديث.
كانَ من الطيش أن يتحدّث عن الحبّ الأوّل أمام الحبيبة الحاليّة.
“حسنًا… كيف أقول…”
“…..”
“اهم، لا ينبغي معاملة الكلب بهذه الطريقة! يا إلهي!”
فجأة، اقترب الرائد سكايبر من ماري و أكتوروس متظاهرًا بالدهشة، منهيًا حديثه مع كارين بطريقة محرجة.
عندما رأى أكتوروس أنّ الرائد ترك كارين وحدها، اقترب منها بشكل غريزيّ.
لم تستطع كارين أن تشيح بنظرها عن أكتوروس وهو يقترب منها تحت أشعّة الشمس. كلمات الرائد سكايبر ظلّت تتردّد في ذهنها.
[ربّما بسبب الجرح الذي تسبّبت به تلك الفتاة ، أو ربّما بسبب صدمة موتها … لقد تاه الفتى لفترة طويلة]
كانَ مجرّد حبّ طفوليّ ، أليس كذلك؟
هل حقًّا تُهتَ بسببي؟ هل كنتُ شخصًا مهمًّا لك إلى هذا الحدّ؟
هل كانَ الجرح الذي سبّبتُه لكَ عميقًا إلى هذه الدرجة؟
الآن، لم أعد أعرف.
في بعض الأيّام، أتمنّى أن يكون الجرح الذي تلقّيته تافهًا لا يُذكر، وفي أيّام أخرى، أتمنّى أن يكون عميقًا لا يُمحى.
شعرتُ بالارتياح لأنّه لا يتذكّرني ، لكنّني أيضًا شعرت بخيبة أمل لأنّه لا يتذكّرني.
كنتُ مرتبكة لأنّني لا أستطيع فهم مشاعري الخاصّة.
كانَ الأمر دائمًا هكذا.
أكتوروس يحيطني بحلمٍ دافئ وفي الوقت ذاته يجلب لي الارتباك.
“تبدين متجمّدة، هل أحضر لكِ بطانيّة؟”
سألها أكتوروس بصوتٍ دافئ نسبيًّا، لكن كارين ظلّت تنظر إليه بصمت دون إجابة.
“كارين؟”
عندما لم تجب، شعر أكتوروس بشيء غير عاديّ، فانحنى و ركعَ لينظر إليها من الأسفل، محاولًا تقييم حالتها.
“ما بكِ؟”
بينما كانت كارين تحدّق في عيني الرجل الذي تحوّل من وجه صبيانيّ إلى وجه رجل ناضج، فتحت فمها دون وعي.
“هل نسيتَ حبّك الأوّل؟”
“ماذا …؟”
“أتساءل فقط إذا كنتَ قدْ نسيتها حقًّا”
لم يتوقّع أكتوروس أبدًا أن تُذكر كلمة “الحبّ الأوّل” من فم كارين، فغاصت عيناه في ظلام عميق.
خافتْ كارين لأنّها لم تستطع فهم معنى ذلك.
“حسنًا ، الأمر هو أنّني كنتُ أحاول دعم حبّكَ الجديد … لكن يبدو أنّني أغضبت كارين كثيرًا”
كما توقّع، كانَ الرائد سكايبر هو مَنْ قال شيئًا غير ضروريّ لكارين.
خلالَ الحرب ، كانَ هو من قاد أكتوروس كشخص بالغ ، لذا كانَ يتبعه بإخلاص … لكن في لحظات كهذه ، شعر أكتوروس برغبةٍ قويّة في نزع رتبته و القتال معه.
***
بينما كانَ مستلقيًا على السرير يقرأ تقريرًا تحت إضاءة خافتة، أطلق أكتوروس تنهيدة صامتة، ثم وضع الأوراق بإهمال على الطاولة بجانب السرير، وغرق في ذكريات قديمة.
“الحبّ الأوّل …”
لربط هذه الكلمة اللطيفة ، كانت تلك المشاعر قد تركت تأثيرًا كبيرًا عليه من نواحٍ عديدة.
حاول النسيان، و نجح في جعل الذكريات تتلاشى بعد جهد …
“…..”
في اللحظة التي تذكّر فيها الشّعر الأشقر الملطّخ بالدماء ، أغمض أكتوروس عينيه. لكن في الظلام، تصبح الكوابيس القديمة أكثر وضوحًا. أخيرًا، نهض من وضعيّة الاستلقاء نصفيًا، و فتح الستارة التي كانت تغطّي النافذة.
عندما فتحَ النافذة للتهوية، بدأ المطر ينهمر فجأة.
منذ بداية المساء، كانت الغيوم السوداء تغطّي السماء، و أخيرًا، بدأ المطر يهطل في وقت متأخّر من الليل.
نظر أكتوروس إلى مشهد الحديقة الممطرة لفترة طويلة، متمنيًا أن تتلاشى ذكرياته مع المياه المتدفّقة.
لكن المطر، الذي ظنّ أنّه سيتوقّف بسرعة، ازداد قوّة، و سرعان ما رافقه البرق والرعد.
كلّما لمع البرق بشدّة، و كلّما دوّى الرعد بقوّة، وكلّما ازدادت قوّة حبات المطر، كانت الذكريات التي تمنّى أن تتلاشى مع المطر تصبح أكثر وضوحًا.
شعر أكتوروس بصداعٍ وهو يغمض عينيه أمام الذكريات المرسومة في ذهنه كلوحة زيتيّة ضبابيّة.
في تلكَ اللحظة، سمع صوتًا من خارج غرفة النوم.
كانَ صوتًا خافتًا، لكنّه لم يكن وهمًا. اقتربت خطوات شخص ما في الرواق تدريجيًّا نحو غرفته.
اقترب أكتوروس من السرير مرّة أخرى، و مدّ يده تحت الوسادة. شعر بملمس المعدن البارد تحت أصابعه.
في اللّحظة التي وضع فيها إصبعه على الزناد تحت الوسادة، فُتح الباب.
***
كانت كارين تتقلب في سريرها طوال الليل دون أن تنام.
بعد لقائها بالرائد سكايبر ، ظلّت ذكريات الماضي بينها و بين أكتوروس تعود إليها مرارًا.
كانَ ذلك يومًا نزل فيه جيش غلوريتا و أنقذ الفتيات اللواتي كنّ أسيرات لدى جيش كوستيا.
لكن كارين لم تستطع أن تفرح تمامًا.
فقد كان الأسرى مفصولين حسب الجنس في أماكن مختلفة.
بمعنى آخر، تمّ إنقاذها، لكنّها لم تكن تعرف حتّى إن كان لوي على قيد الحياة.
كان الجنود يتقاسمون كميّات قليلة من الطعام مع الأسرى.
كانت مجرّد علب معلبات و بسكويت، لكن في زمن الحرب، كانَ ذلك طعامًا ثمينًا.
كانت الحصّة المخصّصة لكلّ شخص بالكاد تكفي لسدّ الجوع. كانت كارين تأكل البسكويت فقط و تخبّئ المعلبات في حقيبة كانت تحملها سرًّا. لم تكن تعرف ما سيحدث لاحقًا، و كان عليها أن تحتفظ بحصّة أخيها.
كانتْ كارين، على عكس المتوقّع، تصبح أكثر نحافة ممّا كانت عليه عندما كانت أسيرة.
لكن بما أنّها كانت نحيفة أصلًا و قليلة الكلام ، دائمًا ما تكون منكمشة في زاوية مطأطئة رأسها ، لم يكن هناك من يتحدّث إليها من بين الأسرى الآخرين.
هكذا، كانت كارين تغرق دائمًا في عالمها القلق المنعزل.
بالطبع، في خضمّ الصعوبات، كان هناك أشخاص يتصرّفون بشجاعة و يحاولون مساعدة الآخرين في أعمال صغيرة. في لحظات الأزمات، يعتمد الناس على بعضهم البعض للصمود.
لذا، كان هناك من مدّ يده إلى كارين، لكن الفتاة الصغيرة رفضت كلّ تلك الأيادي و اختارت أن تبقى وحيدة.
منذ لحظة معيّنة، توقّف الآخرون عن مدّ أيديهم إليها.
هكذا أصبحت كيانًا منسيًّا كالظلّ.
في إحدى اللحظات ، بينما كانت كارين تحتضن حقيبتها و تدفن وجهها فيها كالعادة ، اضطرّت إلى رفع رأسها. فقد انتزع أحدهم الحقيبة التي كانت تعتصرها.
كان فتًى أطول منها و يبدو أكثر نضجًا ، لكنّه بالتأكيد يبدو صغيرًا في عيون البالغين. لكن من البندقيّة على كتفه و الزيّ العسكريّ ، كان واضحًا أنّه ليس أسيرًا تمّ إنقاذه مثلها.
“ماذا تفعل … ماذا تفعل؟!”
“يبدو أنّكِ كنتِ تخبّئين الطعام جيّدًا هنا.”
“لم أسرقه! لقد ادّخرته دون أن آكله!”
على الرّغم من أنّهما لم يتبادلا الحديث من قبل ، عرفت كارين الفتى.
كان صبيًّا يقترب من سنّ الرشد، و كانَ قد بدأ يكتسب شهرة مبكّرة. كان قنّاصًا أردى شخصيّات مهمّة من العدو، و وريث عائلة دوقيّة، لكنّه تطوّع للجيش بنفسه لخدمة الوطن. لكن بالنسبة إليه، كانت كارين مجرّد حجر على الطريق لا وجود له.
لم يكن هناك سبب ليتصرّف معها هكذا فجأة.
“هل ادّخرتِه لتأكليه في البيت؟”
“ليس هذا …!”
أخرجَ الفتى علبة معلبات و رماها في حضن كارين بعيون زرقاء باردة.
“لقد أُعطي هذا الطعام لكِ حتّى لا تموتي الآن. إذا أردتِ أن تموتي جوعًا، فهذا شأنكِ، لكن بالنسبة لنا، حتّى علبة معلبات واحدة ثمينة.”
“هل سترجعه …؟”
“لو أكلتِ في الوقت المناسب ، لما كنتِ لتُسلبي”
الفتى ، أكتوروس ، أخذ بقيّة الطعام باستثناء العلبة التي رماها في حضن كارين.
كانت المحادثة الأولى مع أكتوروس كلوين ، الذي كانت تعرفه من بعيد ، كارثيّة تمامًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات