نظر أركتوروس إلى وجه سييرا المبتسم من باب المجاملة وأجاب بابتسامة مزيفة:
“صادفَ أنّني تلقيتُ التذاكر كهديّة. لذا أردتُ أن أُدخل جدي بعض الهواء النقي.”
كانَ هذا الجواب نصفه صدق ونصفه كذب.
“فرقة الباليه لدينا تملك أعظم كنز.”
حتى البارون ثيرون، الذي ظلّ يرتجف و كأنّه رأى شبحًا طوال الوقت، أظهرَ لحظة من الثّقة الواضحة بشأن هذا الكنز الأعظم، ممّا أثارَ فضوله.
عادةً، كانَ ليتجاهل الأمر باعتباره لا شيء مهمًا. لم يكن ليترك حتى ذرّة من اهتمام…
لكن هذه المرة، تصرّف بطريقة لا تشبهه أبدًا.
أصبح لديه فضول غريب لمعرفة من هو هذا الكنز الذي كان البارون ثيرون واثقًا منه هكذا، وكيف سيتألّق هذا الكنز.
وفي النهاية، قاده هذا الفضول إلى الفعل.
و لكن لو كانَ يعلم أن الأمر سيتحوّل إلى نزهة عائلية مرهقة، لكان بقي يعمل في مكتبه…
و بينما كانَ يتجاهل بإصرار نظرات سييرا الخفية، انطفأت الأضواء فجأة.
و بعدها بقليل، سُلّط ضوء كشّاف واحد على المسرح.
الضّوء الشديد، المبهِر بما يكفي ليُعشي الأبصار، أضاء امرأة واحدة فقط.
ثم بدأت الموسيقى بالعزف.
مع بدء الموسيقى، بدأت أطراف أصابع المرأة الجالسة بضعف ترتجف.
و سرعان ما انتقل هذا الارتجاف من أطراف أصابعها إلى ذراعيها، ثم إلى كامل جسدها.
أخيرًا، بدأ العرض.
و أثناء مشاهدته للمسرح، لم يرغب أركتوروس بالاعتراف، لكنّه اضطرَ لذلك.
ثقة البارون ثيرون كانت في محلّها.
فرقة باليه “البجع” كانت تملك فعلًا أعظم كنز.
كما هو الحال في الأعمال الأخرى، كانت دور راقصة الباليه الرئيسية محوريًّا في هذا العمل.
و لحسنِ الحظّ ، قادت كارين، البطلة، المسرح ببراعة.
و بِما يتناسب مع دور جاسوسة ذات خلفية راقصة سحرت عددًا لا يُحصى من الرجال، فقد أُسِر كل رجل في المسرح بها و تمنّى أن يمتلكها.
خلال العرض، كانت الحبكة منطقية بفضل راقصة الباليه الرئيسية.
بعيدًا عن مظهرها، كانت حركاتها جميلة.
خطوات خفيفة، حركات انسيابية…
جعلت المشاهدين عاجزين عن إبعاد أنظارهم عن خطوط جسدها الناعمة.
لقد كانت فعلًا تستحق أن تُدعى “كنز” من قبل البارون ثيرون.
“أيّها الدوق، ما رأيك في العرض؟”
بعد انتهاء العرض تمامًا، و بينما كان أركتوروس على وشكِ مغادرة المسرح مع عائلته،
اقترب النبلاء المدعوون للعرض منهم لتبادل أطراف الحديث.
لكن البارون ثيرون لم يكن ليدعَ أحدًا يغتنم الفرصة بدلاً منه.
فالعرض كان مِن تقديم فرقة الباليه التي تدخل ضمن نطاق أعمال البارون ثيرون.
وبما أنّهم حضروا بدعوة شخصية منه، لم يكن يمكنهم المغادرة دون تبادل التحية.
“كان عرضًا ممتازًا. و كانَ لدى البارون سببٌ لثقته.”
“إذًا، بخصوص الحديث التجاري…”
“لكن هذا هو الحدّ الأقصى.”
تجمّد وجه البارون ثيرون المترقّب بوضوح.
“أنا أكثر اعتيادًا على حمل البنادق من مناقشة الفن.”
“……”
“أعتذر، بارون.”
كانت كلماته هذه تُقال بتعبير و نبرة لا توحيان بالندم أبدًا، مما جعلها تبدو كنوع من السخرية للطرف الآخر.
“حسنًا إذًا، وداعًا.”
استأذن أركتوروس من الحاضرين و غادر المكان. تبعه كايترو و هو يُساعد جدّه.
و بِغضّ النظر عمّا إذا كان وجه البارون ثيرون قد تصلّب من خيبة الأمل و الإهانة،
كان أركتوروس على وشك مغادرة المسرح حين التفت للحظة نحو المسرح الخالي قبل أن يصل إلى الباب.
بالفعل، الراقصة التي قادت العرض كانت مميزة، لكن…
كان ذلك أمرًا منفصلًا عن العمل.
لم يكن بالإمكان الاستثمار فقط بناءً على راقصة واحدة،
و أركتوروس لم يعُد يَجدُ الجمال في الفن.
كانَ هذا اليوم مجرد حالة استثنائية.
“بما أن العائلة كلها قد اجتمعت بعد وقت طويل، فلنذهب إلى فندق ريپولا.”
اقترح جود كولن ، الذي صعد إلى العربة، على حفيدَيه أن يذهبوا إلى فندق ريپولا.
وبالطبع، كانت هذه الدعوة تشمل سييرا، خطيبة كايترو.
كان فندق ريپولا مكانًا يرتاده النبلاء كثيرًا، وتوجد به غرف مجهّزة بمسابح،
وغالبًا ما يقضي فيه رجال الأعمال المشغولون صيفهم لفترة استراحة قصيرة.
جود كولن، الذي أصبح كبيرًا في السن بحيث لا يستطيع السفر بعيدًا،
كان يتوجّه كثيرًا إلى فندق ريپولا في الآونة الأخيرة كلما أُتيحت له الفرصة.
“لنأكل سويًا و نتحدث طوال الليل.”
“عليّ أنْ أعمل.”
“كان مِن الأفضل أن تقول إنّ لديكَ امرأة. عندها قد أترككَ تذهب، لكن من أجل العمل لا.”
“جدي، رجاءً…”
كان جود كولن، الذي كان في شبابه مهووسًا بالعمل لدرجة أنه أهمل عائلته ، مشغولًا الآن بإلقاء المحاضرات عن أهمية الروابط العائليّة و الحب على أركتوروس، الذي يسير في طريق مشابه.
مسحَ أركتوروس وجهه، محاولًا جاهدًا كتم تنهيدة.
يبدو أن جده لم يكن راضيًا فقط بمشاهدة العرض مع حفيده اليوم.
“أركتور.”
نادى جود كولن حفيده بلقبه المحبب و هوَ لا يزالُ يحتفظ بابتسامةٍ لطيفة على وجهه.
بينما كانَ العالم يُعجب بأركتوروس أو يخشاه، كان لا يزال في نظر جود كولن ذلك الصّبي الصغير الذي يتذكره.
كانَ يعلم أنّه ، رغم أنه يُظهر عدم رضاه، فإن حفيده سيُذعن في النهاية لرغباته.
“إنْ كنتَ محبطًا، فعجّل و اعثرْ على فتاة جميلة. إن قلتَ إنكَ تواعد إحداهن، فكيفَ لهذا العجوز أن يُمسك بك؟ بل سيكون أفضل إن أنجبتَ لي حفيدًا من الجيل الرابع.”
كان أركتوروس قد استسلمَ تمامًا لجده الذي لا يتوقف الآن عن الحديث عن المواعدة و الأحفاد.
“أتدري يا جدي، أحيانًا عندما تكون هكذا، أفكر فعلًا في أن أواعد أيًّا كانت.”
“لا يمكنكَ أن تواعد أيًّا كانت. يجب أن تواعد من تُحب، أيها الشقي.”
تدخّلت سييرا، خطيبة كايترو، في الجدال البسيط الدّائر بين الاثنين.
“لا تقلق، جدي. سيأتي يوم يلتقي فيه الدوق بامرأة جيدة.”
“مثل زهرتنا سييرا؟”
ابتسمت سييرا ابتسامة رقيقة أمام هذا التعبير العطوف، و كأنّها حفيدته الحقيقية فعلًا.
من الخارج، كانت تبدو سيّدة خجولة و محبوبة.
لكن أركتوروس كان يعرف سييرا ميلر جيدًا.
لم يكن لديه خيار سوى أن يعرفها جيدًا، حتى وإن لم يكن يريد ذلك.
عينا سييرا، التي كانت تتظاهر بتبريد وجنتيها بظاهر يدها و كأنها محرجة ، اِلتقت للحظة بعيني أركتوروس.
للحظةٍ فقط، ومضة إغراء لاحت في عيني سييرا، التي كانتْ تُظهر ابتسامة خجولة ومشرقة.
كان الأمر دائمًا كذلك.
خطيبة أخيه غير الشقيق كانتْ دائمًا ما ترغب في أركتوروس بهذا الشكل.
و كانَ هذا أحد الأسباب التي جعلت هذه التجمعات العائلية خانقة له.
و بينما كان يشعر بالاختناق، فكّ أركتوروس ربطة عنقه و اتكأ بعمق في الكرسي الوثير ، محوّلاً نظره إلى خارج النافذة.
‘ربما من الأفضل أن أخلق حبيبة مزيفة بدلاً من ذلك.’
و إن أمكن، فلتكن شخصًا مشهورًا، معروفًا بما يكفي ليتحدث عنها الجميع.
على سبيل المثال…
نعم، مثل تلكَ الرّاقصة التي كانت تروي القصص من خلال حركاتها.
في المشهد العابر، تذكّر أركتوروس صورة تلك الحركات المتبقية في ذهنه،
تلك الحركات التي كانت ترفرف مثل الريش تحت الأضواء المتلألئة.
هل كانَ ذلك بسبب أنها كانت تحت أضواء مُبهرة؟
بدت تلك المرأة الراقصة شاحبة لدرجة أنها قد تتلاشى في أي لحظة.
لكن سرعان ما قطع أركتوروس تلك الصورة الباهتة من ذهنه بإغلاق عينيه.
كانت تلك الراقصة جميلة.
لكن هذا كل شيء.
خلق حبيبة مزيّفة فقط لتجنّب تلميحات خطيبة أخيه غير الشقيق و ضغط جده من أجل الزواج،
لن يجلب سوى مزيد من المتاعب.
ولم يكن أركتوروس ينوي أن يُنفق جهده في زيادة متاعبه.
****
بعد انتهاء جميع العروض، توجّه المدير مارك إلى غرفة التدريب.
ورغم أن الستار قد أُسدل وسطَ تصفيق حار، لم يكن هذا هو الختام.
فنظرًا لاستمرار تقديم نفس العرض لعدّة أشهر، كان عليهم التدرّب تقريبًا يوميًا من الآن فصاعدًا.
ولكن، بسبب الجهد البدنيّ الكبير الذي يتطلبه كل عرض، كان الراقصون يختارون عادةً العودة إلى منازلهم بعد العرض.
و بالطبع، كان هناك راقصون يبقون للتدريب، و كارين كانت دائمًا على رأس تلك القائمة بلا استثناء.
“…ماذا؟ كارين ليست هنا؟”
لكن اليوم كان استثناءً.
“لماذا؟ هل أُصيبت أو شيء من هذا القبيل؟”
“حسنًا، لست متأكدة.”
شعر المدير مارك بموجة من الغضب تجاه نبرة أليس اللامبالية.
كيف يمكنها أن تكون غير مبالية هكذا عندما قد تكون زميلتها مصابة؟
جعلته فكرة كارين، التي كانت عادةً منعزلة، يشعر بالأسى.
“هذا لا يُحتمل. يجبُ أن أذهب إلى منزل كارين.”
“ولماذا عليكَ فعل ذلك، أيّها المدير؟”
سألت أليس بنبرة مندهشة.
“أن تعود تلك المهووسة بالتدريب إلى المنزل في اليوم الذي يبدأ فيه موسم العروض، لا معنى له إلا إذا كانت قد أُصيبت في مكان ما.”
“من يدري؟ ربما ذهبت لمقابلة رجل.”
“…كارين؟”
توقّفَ مارك فجأة عن التوجّه نحو المكتب حيث تُحفظ معلومات الراقصين الشخصية من أجل معرفة عنوان كارين.
ثم هزّ رأسه.
“أليس، أليس من المبالغة نشر شائعات لا أساس لها عن زميلة في الفريق؟”
“ليس خطأ أن تلتقي برجل… لماذا تغضب هكذا؟”
“لست غاضبًا… على أي حال، كارين ليست من هذا النوع، لذا توقفي عن قول هراء.”
ضاقت عينا أليس بتعبير المدير مارك اليائس على ما يبدو.
“لقد رأيتها.”
“رأيت ماذا؟”
“أعني كارين.”
كانت أليس شديدة الملاحظة.
كانتْ تعلمُ بالفعل أنّ المدير مارك كان يُكنّ مشاعر خاصة لكارين.
حتى الآن، كانت تظن أن السّبب هو أن كارين عبقرية ولا تعرف إلا التدريب ، ممّا جعلها راقصة الفرقة الأولى…
لكن ربما لم يكن الأمر كذلك.
“كانت تزيل مكياج المسرح و تضع مكياجًا جديدًا. كما لو أنها ستقابل شخصًا ما.”
لم تكن أليس تكذب.
“بدت متحمّسة جدًا.”
رغم أنها أضافت القليل من المبالغة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 4"