“لم أخبرها أنّها اجتماعات هامّة مع أعضاء البرلمان والعائلة المالكة. قلتُ فقط إنّها اجتماعات طارئة داخل الشّركة، هذا كلّ شيء!”
أضاف روشيس بسرعة ، و هو يرى تعابير أكتوروس تزداد برودة.
كان ذلك صحيحًا. لم يكشف أيّ معلومات هامّة لكارين.
“إذا أخبرتَها بشيء واحد، ما الذي يضمن ألاّ تخبرها بشيئين؟”
“أكتوروس ، الآنسة كارين حبيبتك. أردتُ فقط منعها من سوء فهم أنّك تلتقي بامرأة أخرى. ومن الطبيعيّ أن أخبرها بوجود اجتماع، أليس كذلك؟”
“إذا استمرّت في سوء الفهم، قد تخبرها بمحتوى الاجتماع أيضًا.”
توقّف روشيس، عاجزًا عن إيجاد ردّ مناسب.
لم يكشف عن أيّ أسرار هامّة. ألا يحقّ له أن يخبر حتّى حبيبته بهذا القدر؟
“أكتوروس ، هل تعني أنّك لا تثق حتّى بالآنسة كارين؟”
“أحاول فقط عدم إدخال الأمور العامّة في العلاقات الشّخصيّة. خاصّة إذا كانت تتعلّق بمسائل وطنيّة.”
“…”
“لا استثناءات، حتّى للعائلة أو الحبيبة.”
دفع أكتوروس كتف روشيس بإصبعه.
“ولا حتّى للأصدقاء.”
لم يواجه روشيس أكتوروس بهذا الغضب منذ زمن، فخفض رأسه بصمت. تنهّد أكتوروس بعمق ، محاولاً تهدئة نبرته الحادّة.
“لو كنتُ جاسوسًا تسلّل إلى بلد العدوّ ، لقلتُ إنّ رئيس شركة أسلحة يعقد اجتماعات هامّة كلّ خميس. سأراقبه كلّ خميس ، و سأعرف أنّه يلتقي بالنّواب. عندها ، سأدرك أنّ هناك شيئًا هامًا وسأحفر أعمق.”
“…”
“لا أشكّ في كارين. لكن ، الآذان المستمعة موجودة في كلّ مكان، لذا يجب أن نكون حذرين. تذكّر أنّك تعرف محتوى الاجتماعات كموظّف، وليس كصديق.”
أومأ روشيس بهدوء موافقًا.
“أنتَ موظّف ممتاز، روشيس. أتمنّى ألا أفقدك.”
صعد أكتوروس إلى السّيارة، تاركًا روشيس المحبط خلفه.
كان تحذيره الحادّ لصديقه يؤلمه أيضًا، لكنّه لم يستطع عمل استثناء.
فإذا سمح باستثناء واحد، ستنشأ استثناءات أخرى قريبًا.
“إنّه عائلتي ، حبيبتي ، صديقي ، يمكنني إخباره بهذا القدر من الحقيقة.”
… مثل هذه الأفكار السّاذجة قد تؤدّي إلى تسريب معلومات وطنيّة هامّة.
إنّ إدارة مشروع متعلّق بالأمن القوميّ يعني أن تكون دائمًا متيقّظًا ، حذرًا ، و متنبّهًا.
ليس من أجل الحرب ، بل من أجل السّلام الحاليّ.
***
تك-
كانت كارين ، التي خرجت للتسوّق ، تتشبّث بذراع أكتوروس بجرأة ، و تنظر باهتمام إلى أطباق خزفيّة زرقاء كوبالتيّة.
خلفهما ، كان الصّحفيّون الذين استأجرهم أكتوروس يلتقطون الصّور بصراحة.
من بين عشرات الصّور ، سيتمّ اختيار صورة للعشّاق الجميلين لتأسر النّاس.
“منذ قليل وأنتِ تنظرين فقط، لمَ لا تشترين؟”
“راتب الرّاقصة ليس مرتفعًا لهذه الدّرجة.”
شعر أكتوروس بالذهول من إجابة كارين.
كانت تنظر فقط لأنّ الأطباق باهظة الثّمن.
عندما نظر إليها أكتوروس دون كلام ، رفعت كارين رأسها متعجّبة.
“ما الأمر؟”
“ليس هذا ما يُقال عندما يكون لديكِ حبيب ثريّ.”
أشار أكتورس بيده إلى النّادل ، مشيرًا إلى مجموعة الأطباق التي كانت كارين تنظر إليها.
“لم أطلب منكَ شراءها!”
لوّحت كارين بيدها، لكنّ مجموعة الأطباق كانت تُغلّف بسرعة.
“هل هناك شيء آخر تريدين شراءه؟”
“لستَ مضطرًا لفعل هذا …”
“هناك الكثير من الأعين التي تراقب ، آنسة كارين.”
همس أكتوروس في أذن كارين و هو يخفض رأسه. بسبب فارق الطّول ، كانت أنفاسه تصيب منطقة قريبة من صدغها بدلاً من أذنها.
شعرت كارين بدغدغة من ذلك ، فرفعت كتفيها ، لكنّها استعدت تركيزها عند كلماته الأخيرة.
“يجب أن تعتادي على قبول الأشياء منّي.”
أدركت كارين أنّ تقديم أكتوروس للهدايا كان جزءًا من عرض هذه العلاقة المزيّفة.
لم يكن الصّحفيّون الذين استدعاهم أكتوروس فقط هم من يراقبون، بل كان هناك أيضًا أشخاص ينظرون بصراحة.
ضغطت كارين جسدها على ذراع أكتوروس ، متظاهرة بالدلال و قالت: “أريد أن تشتري لي … ذلك أيضًا”
أشارت بعشوائيّة إلى شيء ما.
لكن، لسوء الحظّ، كان المكان الذي أشارت إليه يحتوي على دمية دبّ صغيرة.
“…”
فقد أكتوروس الكلام للحظة أمام دمية الدّب الصّغيرة التي تبدو أكثر ملاءمة لفتاة صغيرة بدلاً من امرأة بالغة.
كانت كارين هي الأكثر إحراجًا.
“لم أكن أعلم أنّ ذوق حبيبتي لطيف إلى هذا الحدّ.”
“لا تسخر منّي …!”
عندما حاولت كارين ، التي لم تستطع تحمّل الإحراج، إبعاد جسدها عنه، لم يستطع أكتوروس كبح ضحكته المشاغبة.
“حسنًا، يبدو أنّنا حصلنا على صور جيّدة …”
عندما بدأت تعابير كارين تصبح متجهّمة ، حاول أكتوروس كبح ضحكته وغيّر الموضوع.
“هل نخرج؟”
بعد تسليم مجموعة الأطباق المغلّفة إلى مُرافِق ، قاد أكتوروس كارين خارج المتجر.
كان يبدو طبيعيًا في التّعاطي الجسديّ أمام النّاس ، لكن عندما كانا بمفردهما، لم يلمسها أبدًا. كما في السّيارة الآن ، حيث جلسا متباعدين قليلاً.
جلسا جنبًا إلى جنب ، لكنّهما لم يتلامسا. نظرت كارين إلى يد أكتوروس ، و عندما صعد السّكرتير إلى السّيارة ، وضعت يديها بسرعة على ركبتيها.
“هل كنتَ تلتقي بامرأة أخرى غيري؟”
أدار أكتوروس ، الذي كان ينظر إلى النّافذة، نظره نحو كارين.
ضيّق عينيه كما لو كان يحاول فهم نيّة السّؤال.
“يبدو أنّكَ معتاد على التّعاطي الجسديّ.”
“وأنتِ أيضًا كنتِ تحتضنين ذراعي بسلاسة.”
تحدّث أكتورس و هو يفكّر في الصّحفيّ و السّكرتير اللذين لا يعلمان عن العلاقة المزيّفة.
حتّى التّظاهر بالحبّ يبدو طبيعيًا أكثر عندما يكون قد مرّ به من قبل.
اعتقد أكتوروس أنّ تمثيله و تمثيل كارين كانا مبتذلين للغاية. و الغريب أنّ الذين يراقبونهما عن قرب لم يشكّوا أبدًا.
“أنا …”
شعرت كارين بالظّلم لكنّها لم تجد الكلمات المناسبة.
كانت تتظاهر بجدّيّة بدور الحبيبة.
لم تستطع قول ذلك أمام الآخرين الآن ، و بعد التفكير ، أدركت أنّ أكتوروس أيضًا كان يقوم بالتّعاطي الجسديّ لأجل تمثيل الحبّ.
لكن، لماذا؟
لماذا شعرت بالظّلم من مظهر أكتورس و هو يتعاطى معها جسديًا بسلاسة؟
بعد تفكير عميق ، وجدت كارين الإجابة بسهولة.
بطريقة ما، بدا أكتورس غير متأثّر على عكسها.
كأنّه اعتاد على مثل هذا التّعاطي الجسديّ.
“هل انتهى موعدنا اليوم بهذا؟”
كانت كارين أوّل من غيّر الموضوع.
شعرت أنّ التعبير عن إحباطها سيضرّها أكثر.
كان من الغريب أن تشعر بالإحباط من مظهره غير المتأثّر بالتّعاطي الجسديّ.
“حسنًا.”
لم يعطِ أكتوروس إجابة واضحة لسؤال كارين.
مرّ وقت طويل في صمت.
“كارين.”
“نعم.”
ردّت كارين بسهولة عندما ناداها فجأة.
“هل تحبّين الكلاب؟”
“لماذا الكلاب فجأة …؟”
“سمعتُ أنّ كلبة شخص كنتُ قريبًا منه منذ انضمامي للجيش قد أنجب صغارًا.”
كان يتحدّث بنبرة غير رسميّة ليبدو طبيعيًا أمام الآخرين ، لكنّه بدا مرتاحًا كما لو كان يتعامل مع كارين بهذه الطريقة عادةً.
“قال إنّه إذا أردتِ رؤية الجراء، يمكنكِ القدوم”
ابتسم أكتوروس بخفّة ، و مال برأسه قليلاً ، ناظرًا إلى وجه كارين و سأل: “هل تريدين رؤية الجراء اللطيفة؟”
ردّت كارين و كأنّها مسحورة: “نعم … أريد الذّهاب!”
تألّقت عينا كارين.
“كم هم صغار؟ هل هم لطيفون؟ كم عددهم؟”
كانت هذه أوّل مرّة يرى فيها أكتوروس ردّ فعل متحمّس من كارين ، فغطّى فمه بيده و أدار رأسه كما لو كان يفكّر.
“قيل لي إنّهم وُلدوا منذ فترة قصيرة … لكن بما أنّهم جراء شيبرد ، قد لا يكونون صغارًا جدًا”
بدت إجابة أكتوروس ، دون أن ينظر إليها ، غير مهتمّة. لكن ، كارين ، التي كانت متحمّسة لرؤية الجراء ، لم تنزعج كثيرًا.
“عندما كنتُ صغيرة ، كنّا نربّي كلبًا في المنزل. كان كلبًا ضالاً حاملاً ، اختبأ في مستودعنا و أنجب صغارًا. كانوا لطيفين جدًا …”
لم يكن من الشّائع رؤية كارين تتحدّث بهذا الحماس. لكن ، أكتوروس لم ينظر إليها ، بل ظلّ ينظر إلى المشهد خارج النّافذة.
أكثر دقّة، كان ينظر إلى انعكاس وجه كارين في النّافذة.
كان هذا المنظر ، ببهوته ، يشبه شعورها المعتاد.
كأنّها ستختفي في أيّ لحظة.
لكن ، صوتها الهادئ كان واضحًا و هي تتحدّث بجانبه مباشرة.
كان وجه كارين المنعكس مليئًا بالحماس. شعر أكتوروس بفكرة غريبة أنّ مشاعر كارين قد تنتقل إليه أيضًا.
التعليقات