لم يكن ذلك مفاجئًا.
كانت تعرف جيّدًا كيف تُعامل الرّاقصات الجميلات في عالم النّبلاء.
“لقد رأيتُ المقال. إذن ، أنتِ تواعدين حفيدي؟”
“أمم ، حسنًا …”
“ههه ، لا أعرف لماذا تبدين خائفة إلى هذا الحدّ. لم أقل شيئًا بعد!”
الآن فقط لاحظت أنّ أسلوبه في الكلام يشبه أكتوروس.
“لن أطيل الحديث”
كان من الواضح أنّه ينوي معارضتها.
أزمة جاءت بعد يوم واحد فقط من توقيع العقد … أغمضت كارين عينيها بقوّة.
“ألن تأتي لزيارة منزلنا؟”
“ماذا …؟”
“أريد أن أعرف المزيد عنكِ ، لكن لا أعتقد أنّ حفيدي سيُظهركِ لي طواعية”
أمام هذا العرض غير المتوقّع ، لم تستطع كارين الرّد بسهولة ، فبدت خيبة أمل على وجه جود كولين.
“أهو أمر مزعج؟”
“لا، لا! سآتي!”
“ههه، أنتِ فتاة جريئة، وهذا يعجبني أكثر.”
لكن الجرأة بدت أكثر وضوحًا في ضحكة جود كولين القلبيّة.
“غدًا سأرسل عربة ، لكن حافظي على الأمر سرًّا عن حفيدي”
“نعم ، سأفعل”
غادر جود كولين ، مرتديًا قبّعته منخفضة ، تاركًا كلمات عن لقاء الغد.
عندما اختفى تمامًا ، ظهر إيفرين من خلف زاوية الرّدهة.
“يا إلهي ، يا كارين”
“… إيفرين”
“كنتُ قلقًا، فتسلّلتُ لأستمع”
تنفّس إيفرين الصّعداء براحة ، و هو متوتر مثل كارين.
“يبدو أنّه لا ينوي معارضتكِ. كان ودودًا جدًّا معكِ، أليس كذلك؟”
“… هل هذا صحيح؟”
“ألم تسمعي كلامه؟ لقد دعاكِ إلى منزله!”
بالتّأكيد ، لم يكن موقف جود كولين معاديًا بما يكفي ليُوصف كذلك.
كان يبتسم بكثرة ويتحدّث بأسلوب مرح وودود.
لكنّ القلب الحقيقيّ للإنسان يظهر دائمًا في عينيه.
خاصّة إذا كان شخصًا يجيد إخفاء مشاعره ، فعليك أن تنظر إلى عينيه ، لا إلى تعبيراته أو صوته.
وكانت كارن واثقة من قدرتها على قراءة أعين النّاس.
نظرات جود كولين تجاهها لم تكن ودودة على الإطلاق.
***
على الرّغم من اعتماده على عصا، لم يكن ظهره مقوّسًا.
ورغم تقدّمه في السّن وصغر حجمه، كان هيكله لا يزال مثيرًا للإعجاب مقارنة بالشّباب.
في شبابه، يمكن تخيّل مدى عظمة هيكله. عندما يكون بلا تعبير، كان يبعث على الرّهبة ، لكنّه كان يجيد أيضًا النّكات الطّفوليّة كصبيّ غير ناضج.
لذلك، كان من يعرفون جود كولين يخافونه ، أو يشعرون بالودّ تجاهه، أو يشعرون بالأمرين معًا. و كان هو نفسه يستغلّ هذه المشاعر بمهارة ، خاصّة فيما يتعلّق بحفيده أكتوروس.
“كنتَ تتجنّب اتّصالات هذا العجوز طوال هذا الوقت ، و الآن تُظهر وجهكَ الثّمين أخيرًا”
كان الشّخص المقابل هو روشيس ، الذي كان يتجنّب جود كولين بأوامر من أكتوروس. لكن في النّهاية ، اضطرّ روشيس لزيارة جود بعد اتّصال من خادم عائلة كولين يقول إنّ الدّوق يشعر بالوحدة.
“جدّي ، سأموت. أنتَ تعرف …”
“من يراكَ قد يظنّ أنّ أكتوروس يضربكَ كمدير سيّء”
ضحك جود كولين بقوّة ، ثمّ ارتشف من شايه و بدأ بالموضوع الرّئيسيّ.
“راقصة من فرقة باليه البجع ، أليس كذلك؟”
“نعم ، صحيح”
“هل علاقتهما عميقة؟”
“…”.
صمت روشيس للحظة.
هل يحافظ على ولائه لصديقه ، أم يستجيب لثقة جود كولين ، الذي كان بمثابة جدّه؟
كان يتأرجح بين الخيارين.
لم يكن من الصّعب على جود كولين ، الذي رعى روشيس كحفيد ، قراءة نواياه البسيطة.
“فجأة تذكّرتُ الماضي …”
وضع كوب الشّاي و حدّق في الفراغ كما لو كان يستعيد ذكريات بعيدة.
“أنّ صبيًّا جريئًا سرق محفظتي و هو صغير ، ثمّ يكبر بهذا الشّكل الرّائع …”
“جدّي، من فضلك …”
“كنتَ تتبعني بإعتباري جدّكَ ، و الآن تفضّل أكتوروس عليّ”
كان الهدف من هذا الكلام واضحًا.
لتذكيره بالإحسان الذي تلقّاه في الماضي. على الرّغم من أنّ روشيس أدرك نوايا جود الماكرة ، إلّا أنّه كان دائمًا يقع في نفس الحيلة.
“يبدو أنّهما لا يزالان في مرحلة التّعارف”
أخيرًا ، تنفّس روشيس الصّعداء و كشف عمّا يعرفه.
“في المرّة الأخيرة ، جاء أكتوروس بتذكرة عرض باليه. لم يكن مهتمًا بالفنون منذ طفولته ، فهل بدأ منذ ذلك الحين؟”
“ربّما لم يكن كذلك حينها …”
“روشيس ، قل الحقيقة.”
“آسف ، جدّي. أنا حقًا لا أعرف شيئًا.”
كان روشيس يشعر بالظّلم حقًا.
بينما كان جود كولين يحاول إقناعه بمهارة ، لم يكن لديه فعلًا أيّ معلومات.
كان أكتوروس رجلًا مهووسًا بالعمل لدرجة أنّه يشعر بالملل من الحياة، وكان روشيس دائمًا بجانبه كظلّه أثناء العمل.
لكن مهما بحث في ذاكرته، لم يجد أيّ لحظة قد تكون نقطة اتّصال شخصيّة بين أكتوروس وراقصة من فرقة البجع.
“يا للخيبة. كنتُ أعاملكَ كحفيد …”
نقر جود كولين لسانه بنزعة لعدم حصوله على الإجابة المرغوبة.
“لم أكن أعلم أنّكَ أدخلتَ حفيدًا ثالثًا خفية.”
جاء صوت غير متوقّع في تلك اللحظة.
نظر روشيس ، الذي كان يراقب تعبيرات جود، نحو مصدر الصّوت.
في تلك اللحظة ، شعر أنّ الصّوت كان كحبل نجاة ، لكنّه تجنّب النّظر بسرعة عندما رأى عيني أكتوروس الحادتين موجّهتين إليه.
“أحيانًا لا أعرف إن كنتَ سكرتيري و صديقي ، أم جاسوسًا ماكرًا أرسله جدّي”
“لا تعامل روشيس، الذي يعاني كثيرًا بسببكَ، بهذه الطّريقة.”
“يبدو أنّ من يجعل روشيس يعاني أكثر هو أنتَ، يا جدّي.”
حدّقت عينا جود كولين الضّيّقتان في حفيده.
لم يتجنّب أكتوروس نظرات جدّه.
نشأت مواجهة قصيرة بين الجدّ والحفيد اللذين كانا على وفاق.
“ما الذي يغضبكَ؟ لا يمكن أن تكون غاضبًا فقط لأنّني استدعيت روشيس لأسأل عن أخباركَ.”
“لقد زرتَ فرقة البجع للباليه ، أليس كذلك؟”
“يبدو أنّ تلك الفتاة أخبرتكَ بالفعل”
“هل فعلتَ شيئًا يستحقّ أن تُخبرني به؟”
فرك جود كولين ذقنه ذات اللّحية القصيرة ، ثمّ رفع زاوية فمه.
“كلّ ما فعلته هو دعوة فتاة قد تصبح من العائلة إلى المنزل ، فلماذا أنتَ غاضب إلى هذا الحدّ؟”
“أنا و كارين في بداية علاقتنا فقط.”
“إذن، تقول إنّها علاقة عابرة؟”
“لم أقل إنّها عابرة.”
“إذن، حسنًا.”
لوّح جود بيده كما لو أنّه لا يريد سماع المزيد، فعبس أكتوروس قليلاً.
“أكثر من أيّ شخص، أتمنّى أن تلتقي بفتاة جيّدة. أزعجني أن أسمع الخبر من الصّحف أوّلاً، لكن هذا كلّ شيء”
“…”
“لا أنوي إيذاء تلك الفتاة. لذا، لا تعاتبني كثيرًا، فهذا يجعلني أشعر بالإحباط.”
نظر أكتوروس إلى وجه جدّه المبتهج و سأل للتأكيد: “هل تعني أنّكَ ستقبل علاقتي بها؟”
“ههه، بالطّبع أقبلها.”
مع ضحكات جود كولين ، هدأت تجاعيد جبين أكتوروس و أصبح وجهه هادئًا أخيرًا.
“حسنًا، يبدو أنّني أسأت الفهم.”
“بما أنّكَ هنا، تناول الطّعام معي.”
“آسف، لديّ موعد.”
انحنى أكتوروس لجدّه واستدار.
“روشيس، إذا انتهيتَ من تصرّفاتكَ كفأر، تعالَ معي.”
“فأر، فأر ماذا؟!”
شعر روشيس بالغضب، لكنّه انحنى لجود كولين وتبع أكتوروس.
“إلى أيّ مدى أخبرتَ جدّي؟”
“… لا تغضب. لم يكن هناك شيء لأتحدّث عنه.”
“أنتَ لستَ من يحتفظ بالأسرار، لكن يبدو أنّكَ لم تتحدّث لأنّكَ لا تعرف شيئًا.”
لم يجد روشيس كلمات للنّفي.
“لا داعي للقلق كثيرًا. يبدو أنّ جدّكَ يفكّر بشكل إيجابيّ. كنتُ قلقًا من أن يعارض مواعدتكَ لراقصة…”
ضحك أكتوروس بهدوء على كلام روشيس الذي بدا وكأنّه لا يعرف شيئًا.
“يبدو أنّ الآنسة كارين ستعاني قليلاً”
لكن بما أنّ هذا جزء من العقد ، لم يشعر بأيّ أسف.
و مع ذلك ، كان يأمل أن تتجاوز هذا الاختبار بنجاح.
***
عندما رأت كارين كومة الأوراق المليئة بمعلومات عن شخص واحد ، لم تستطع إلّا أن تذهل.
“هذا …”
“قائمة بالأشياء التي يكرهها جدّي”
“يكره كلّ هذه الأشياء؟ يبدو … شخصًا صعبًا جدًّا”
كانت هذه طريقة كارين المهذّبة لتجنّب القول إنّه ربّما شخص سيّء الأخلاق ، خاصّة أنّه أكبر منها سنًا و من عائلة أكتوروس.
“إنّه متسامح في كلّ شيء مع من يحبّهم ، لكنّه ينتقد كلّ شيء فيمن لا يحبّهم”
“هل تعتقد ، يا دوق ، أنّ جدّكَ سيكرهني؟”
“إنّه يكرهكِ بالفعل.”
كان ردّه سريعًا و باردًا. خدّشت كارين خدّها و ابتسمت بحزن.
“ربّما لأنّني من عامّة الشّعب؟”
“قال جدّي إنّه لا يهتمّ بالمنزلة إذا كانت المرأة التي أحبّها ، لكن … لا يمكنني القول إنّ ذلك لن يكون مشكلة على الإطلاق”
“و ربّما لأنّني راقصة باليه أيضًا؟”
“لا يمكنني نفي ذلك”
التعليقات لهذا الفصل " 18"