مرّت رصاصة أكتوروس قريبًا جدًا من صدغ يوناس ميلو ، لدرجة أنّها قصّت بعض خصلات شعره القصيرة التي سقطت على أرضيّة ميدان الرّماية الرّماديّة ، كما لو كانت شعيرات فأر مقتطعة.
“أنت ، و مع ذلك ، تجرؤ؟”
بطل الحرب الذي قاد النّصر بقتل ضبّاط العدو الكبار، أو بعبارة أخرى، قاتل محترف.
“تتجرّأ على التحدّث عن زوجتي بتهوّر؟”
“سيّدي … الدّوق!”
“تجعل ابنتي تسمع مثل هذا الكلام؟”
‘بل وتجرّأت على جعل زوجتي تبكي؟’
ابتلع أكتوروس هذه الكلمات الأخيرة، وأمسك بتلابيب يوناس ميلو الذي تراجع للخلف.
قالت لينا إنّ صديقًا في صفّها هو من قال ذلك، لكن ذلك الطّفل لم يكن سوى في العاشرة مثلها.
من أين لطفل في العاشرة أن يسمع عن فضيحة قديمة تخصّ كارين و أكتوروس؟
لا بدّ أنّه سمع كلام والديه وكرّره.
“السيّد يوناس ميلو.”
بينما كان أكتوروس يمسك به ويقترب منه، استمرّ يوناس في التّراجع حتّى اصطدم ظهره بجدار صلب.
“آه…”
“في الأمور المتعلّقة بزوجتي وابنتي، أفقد أحيانًا صوابي.”
بأسلوب مهذّب، أعلن بهدوء أنّه في حالة فقدان الصّواب.
لم يكن بحاجة لقول ذلك، فقد كانت هذه الحالة واضحة من الموقف ومن بريق عينيه الحادّتين.
“هذا يعني أنّني سأكون، فيما يتعلّق بك، يا سيّد ميلو، خسيسًا ودنيئًا للغاية.”
ليس من الضّروري أن يحظى المرء برضا أكتوروس كلوين لينجح في الأعمال في غلوريتا.
من الجيّد أن تكون لك علاقة به، لكن إذا لم يكن هناك ارتباط تجاريّ، فليس من الضّروري السّعي لإرضائه.
لكن شيئًا واحدًا كان مؤكّدًا.
قد لا تحتاج إلى إرضاء أكتوروس كلوين، لكن يجب ألّا تستفزّه أبدًا.
“لماذا تفعل هذا؟ اشرح لي …”
“يقولون إنّ الطّفل مرآة والديه.”
“…”
“لذا، ابنك ليس مذنبًا. لقد كرّر فقط ما سمعه من والديه.”
في تلك اللحظة، أدرك يوناس على الفور سبب تصرّف الدّوق.
كانت زوجته تشعر بالأسف لأنّ ابنها كان دائمًا يتفوَّق عليه من قبل لينا كلوين في الدّرجات، فتحدّثت عن عائلتها.
وابنه الأحمق كرّر ذلك …!
لا، لا يمكن هذا. لقد بذل جهدًا كبيرًا للانضمام إلى نادي النّبلاء لبناء علاقات.
طالما أنّ الدّوق كلوين موجود في النادي، فالانضمام مستحيل.
وهذا لن يكون سوى البداية.
إذا كان يتحدّث بمثل هذا الوضوح، فسيحاول عرقلة أعماله بكلّ الطّرق.
في وضع يصعب فيه حتّى مغادرة البلاد، أن يُعاديه الدّوق كلوين في غلوريتا يعني أنّ حياته ستكون طريقًا مليئًا بالأشواك.
“سأوبّخ ابني! أرجوك …”
“هل هناك حاجة لذلك؟ على أيّ حال، سيذهب ابنك إلى مدرسة أخرى بعد اليوم.”
حاول يوناس تهدئة أكتوروس بأيّ طريقة ، لكنّ أكتوروس لم يكن لديه نيّة للتسامح.
لو كانت المسألة بين الأطفال، لكان مستعدًا لقبول اعتذار بسيط والمضي قدمًا.
لكن أمام دموع كارين، لا توجد استثناءات.
إذا سمح بواحدة، سيتعيّن عليه السماح باثنتين، وإذا سمح باثنتين، ستصبح ثلاث.
وهذا يعني أنّ كارين ستبكي ثلاث مرّات على الأقل.
كان يكفيه دموع زوجته بسبب ابنته، فلم يكن لديه سبب ليأخذ بعين الاعتبار ابن شخص آخر.
كان أكتوروس مستعدًا لأن يتصرّف بأيّة طريقة مهما كانت دنيئة لحماية كارين وعائلته الهادئة.
***
كان يوم أكتوروس مزدحمًا.
التقى بيوناس ميلو، مصدر كلّ هذه المشاكل، في الفجر لتحذيره، ثمّ ذهب إلى المدرسة للتأكّد من عدم وجود من يضايق لينا.
ثمّ عاد إلى الشّركة، أنهى الكثير من الأعمال بأسرع وقت ممكن، وسارع بالعودة إلى المنزل.
على الرّغم من أنّه تحدّث مع ابنته الليلة الماضية، لم يكن متأكّدًا مما إذا اقتنعت بكلامه. كانت القضايا المتعلّقة بالحرب معقّدة جدًا بالنّسبة لطفلة.
إذا لم تقتنع لينا بكلامه واستمرّت في إبعاد كارين ، فقد تبكي كارين، التي تكون حسّاسة جدًا تجاه ابنتها …
بينما كان يفكّر هكذا، نزل من السّيارة في بداية الحديقة وسار.
ثمّ رأى مشهدًا لا يُصدّق.
مشهد جميل لدرجة أنّه بدا و كأنّه لوحة فنيّة ، لا يُصدّق …
كانت كارين ترتدي زيّ “لا سيلفيد” ، المسرحيّة الأخيرة التي لم تستطع الصّعود إليها بعد كشف أمرها كجاسوسة.
كانت كارين تنحني ممسكة بيد لينا ، التي كانت ترتدي فستانًا بأطراف مشابهة لزيّ الباليه الرّومانسيّ الخاص بأمّها.
كان منظر لينا وهي تتعلّم الباليه بطريقة خرقاء، متّكئة على يد أمّها، محبّبًا للغاية.
وكذلك نظرة كارين المحبّة التي كانت تنظر بها إلى ابنتها …
كانت جميلة ومحبّبة لدرجة أنّها جعلت حياته حتّى الآن تبدو تافهة.
“لينا، لقد جاء أبوكِ!”
كانت كارين أوّل من لاحظ أكتوروس وهو ينظر إلى هذا المشهد الجميل بذهول.
“أبي!”
نست لينا زيّها الأنيق، وركضت نحوه وكأنّها على وشك السّقوط.
اقترب أكتوروس بخطوات واسعة، ورفعها بسهولة بيديه تحت إبطيها، داعمًا إيّاها بيد واحدة، بينما يحتضن خصر كارين القريبة باليد الأخرى، وقبّل جبهتها.
“لا أتذكّر أنّني أدخلت جنيّات إلى الحديقة.”
“أنت حقًا …!”
ضربت كارين كتف زوجها برفق، غير قادرة على مقاومة تعليقاته المرحة.
“عندما عدت إلى المنزل، وجدت أمّي ترتدي هذا الزّي الجميل! قالت إنّه زيّ آخر مسرحيّة لها، لكنّها لم تستطع الصّعود إلى المسرح بسبب ظروف ما.”
“…”
“قالت إنّها تريد أن تتدرّب مجدّدًا وتُظهر لأبي الرّقصة الأخيرة التي لم تتمكّن من عرضها!”
“لينا!”
لم تكن لينا تعرف كلمات مثل “اللباقة” أو “السرّ”. شعرت كارين بالإحراج الشّديد من سهولة كشف ابنتها لما أوصتها بإبقائه سرًّا.
عندما التقت عيناها بعيني أكتوروس، فتحت كارين فمها على عجل كما لو كانت تبرّر: “فقط … تذكّرت اقتراحك المتعلّق بالفنون من قبل … ثمّ استرجعت ذكريات قديمة، فأخرجت الزّي …”
لكن تحت نظرته الحادّة التي كأنّها تكشف أعماق قلبها، استسلمت كارين واعترفت بصدق: “في ذلك الوقت … كنت أفكّر أنّها قد تكون آخر مسرحيّة لي … لذا تدرّبت بجدّ. كنت أريد حقًا أن أريك إيّاها”
“…”
“كنت كاذبة، لكن من خلال الرّقص، كنت أستطيع قول الحقيقة.”
في النّهاية، لم تتمكّن كارين من عرض تلك المسرحيّة الأخيرة لأكتوروس.
بدلاً من المسرح، كانت جالسة على الأرض تحت المطر، مواجِهة لفوهة مسدّسه.
“أرني إيّاها.”
لم تكن كارين وحدها من أحبّ الرّقص.
أكتوروس أيضًا أحبّه.
بل تحديدًا، أحبّ رقص كارين.
كان حلمها، الأمل الذي دعمها وقوّاها.
“سأنتظر حتّى تكونين جاهزة.”
نظر إليها بعينين رماديّتين مائلتين إلى الزّرقة، مليئتين بالدّعم والثّقة المطلقة.
ابتسمت كارين، وقد قرأت القلب الثّابت في عينيه، وهي تغمض عينيها المحمرتين قليلاً.
في “لا سيلفيد”، كانت الجنيّة سيلفيد تُثير قلب الرّجل بسهولة لكنّها لا تُمسك.
في النّهاية، بسبب رغبة الرّجل في الاحتفاظ بها، تموت الجنيّة وتتركه إلى الأبد.
تنتهي مسرحيّة “لا سيلفيد” بمأساة. لكن نهاية أكتوروس كانت مختلفة.
الجنيّة التي جعلته يشعر بالخيانة ، و سحرته ، و آلمته ، و أثارت قلقه ، كانت الآن إلى جانبه.
لذا، بينما كانت المسرحيّة مأساة، كانت الحياة خارج المسرح مشعّة بالذّهب مثلها.
مثل جدار صلب لا يمكن كسره ، سارت العائلة الثّلاثيّة جنبًا إلى جنب في الحديقة ، متّجهة إلى منزلها المريح.
***
كان فتى ذو شعر بنيّ يركض ويلعب في حديقة تشبه الغابة.
عاد إلى حضن أمّه و هو يلهث كجرو صغير. بينما كانت أمّه تمسح وجهه بمنديل مبلّل ، لاحظ الطّفل صخرتين مستطيلتين واضحتي الشّكل ، فاتّسعت عيناه بدهشة.
لم تكن صخرة واحدة ، بل اثنتان.
أمام الصّخور العموديّة، كانت هناك خطوط مرسومة على العشب بشكل مربّع، كما لو كانت تشير إلى شيء مدفون تحت الأرض. كان هناك اثنان من هذا الشّكل.
راقب الطّفل تصرّفات أمّه بعيون مليئة بالفضول. أخرجت أمّه شيئًا من حضنها ووضعت إطار صورة بين الصّخرتين.
“أمّي!”
كانت صورة زفاف. المرأة التي ترتدي إكليل زهور وتبتسم بسعادة كانت بالتأكيد أمّه.
“لكن من هذا الرّجل بجانبكِ؟ ليس أبي!”
“إنّه أبي. جدّك.”
أشارت لينا إلى المرأة التي تشبهها بجانبه.
“وهذه أمّي، جدّتك.”
قبل توقيع اتّفاقيّة إنهاء الحرب بعد هدنة طويلة، أشعلت كوستيا الحرب مجدّدًا.
ورثت لينا إرادة والدها، بطل الحرب، وتطوّعت بجسدها الأنثويّ، وحملت بابنها أثناء الحرب.
بسبب ظروف عديدة، لم تتمكّن من العودة إلى المنزل لفترة طويلة، والآن فقط استطاعت زيارة والديها.
“أين الجدّ والجدّة؟ ألم تكوني تقولين إنّني سأراهما عندما نذهب إلى المنزل؟”
“إنّهما هنا.”
أشارت لينا بالتّناوب إلى الصّخرتين المستطيلتين.
كانتا شاهدتي قبر منقوش عليهما أسماء والديها.
قبل اندلاع الحرب مجدّدًا، أغمضت أمّها عينيها بهدوء كما لو كانت في سبات عميق.
و بعد الجنازة ، تبعها والدها و أغمض عينيه. لم يعيشا طويلاً ، لكنّها تعلم أنّهما عاشا حياة بلا ندم.
حتّى أثناء القصف في العاصمة، لم يُصب هذا القصر بأيّ ضرر، كما لو كانت بركة إيفرغرين قد أصابت الكنيسة القريبة.
كما لو كانت بركة والديها لابنتهما قد استقرّت هنا.
“كيف كان الجدّ والجدّة؟”
نظرت لينا إلى الصّورة عند سؤال ابنها.
تذكّرت والدها الذي أقام حفل زفاف متأخّر، وأمّها التي أرادت إسعاده بأداء آخر عرض باليه لها.
“كانا …”
استعادت لينا ذكرياتها عن والديها.
و تذكّرت حياتهما التي بدأت تفهمها و تعرفها متأخّرًا من خلال الحرب بعد رحيلهما.
“أمّي و أبي …”
تذكّرت كلمات والدها:
«لقد أحببنا. و أنتِ وُلدتِ من هذا الحبّ»
الآن تفهم. لا يمكنها القول إنّها تفهم كلّ شيء، لكن …
لم يكن والداها يريدانها أن تمرّ بهذه الحرب وتفهم هذا الألم.
«الفتاة التي فقدت كلّ شيء في الحرب، كان إنجازها الوحيد هو عائلتنا، ‘نحن’.»
كم كانا قويّين وحنونين.
“قويّان ، و حنونان …”
و أيضًا ،
“مليئان بالحبّ”
و كم أحبّا بعضهما بعضًا.
“بما يكفي لتكوين عائلة صلبة و متينة.”
لم يفهم ابنها كلامها بالكامل. كانت هي أيضًا في مثل هذا العمر، فابتسمت واحتضنت ابنها.
في حديقة قصر الدّوق كلوين التي زارها الرّبيع، ازدهرت الأزهار.
جميلة مثل حياة كارين و أكتوروس ، اللذين كانا أمّها و أباها ، و شخصًا واحدًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات