غادر أكتوروس في ساعات الفجر الأولى بسبب موعد مبكّر، تاركًا كارين تجلس وجهًا لوجه مع ابنتها أمام مائدة الإفطار التي أعدّها الخدم. كانت كارين تراقب ابنتها بحذر، تخشى ردّة فعلها.
كانت لينا، بحجّة اقتراب الامتحانات، تقرأ كتابًا أثناء تناول الإفطار بطريقة متقطّعة، غير مبالية تقريبًا.
لم تستطع كارين توبيخ ابنتها لتجلس بشكل صحيح وتأكل إفطارها، فقد كانت حذرة جدًا.
“لينا ، أنا …”
بدأت كارين الكلام بعصبيّة، وكأنّها ليست أمًّا تتحدّث إلى ابنتها، بل شخصًا يتحدّث بحذر شديد.
“هل الإفطار يناسب ذوقكِ؟ لقد تخطّيتِ العشاء أمس، لذا فكّرتُ أنّه من الأفضل أن تأكلي إفطارًا دسمًا …”
“…نعم.”
تحطّمت كلمات كارين، التي جمعت شجاعتها لتقولها، كورقة تُركت تحت الشّمس لفترة طويلة أمام ردّ لينا المقتضب.
على الرّغم من كلمات كارين المليئة بالقلق، ظلّت لينا منكبّة على كتابها، تأكل إفطارها بنصف قلب.
مرت لحظات الإفطار دون تبادل كلمات تُذكر، وحان الوقت للذّهاب إلى المدرسة.
خرجت كارين إلى الحديقة لتودّع لينا التي كانت تتبع السّائق والمربّية إلى السّيارة. نظرت بحسرة إلى رأس ابنتها الصّغير وهي تمشي دون أن تنظر إلى الوراء.
ربّما يجب أن نتحدّث بالتفصيل بعد انتهاء المدرسة؟ لكن ، ماذا سأقول للينا عندما تعود مساءً؟ بل، قبل ذلك …
كيف يجب أن أودّعها الآن؟
إذا تصرّفتُ كأنّ شيئًا لم يحدث، قد يثير ذلك استياءها.
ومن ناحية أخرى، لا يمكنني أن أنقل إحساسًا كئيبًا لطفلة ذاهبة إلى المدرسة.
بينما كانت غارقة في أفكارها المعقّدة، استدارت لينا فجأة، مما أعاد كارين إلى الواقع من دوّامة قلقها.
“أمّي.”
“ماذا …؟”
فتح السّائق الباب، لكن لينا لم تصعد إلى السّيارة مباشرة.
بدلاً من ذلك، حدّقت في كارين للحظات طويلة.
ثمّ، كما لو أنّها اتّخذت قرارًا كبيرًا، ضمّت لينا شفتيها بقوّة، وقطعت المسافة القصيرة التي لا تتجاوز خمس خطوات، وارتمت في حضن كارين.
كانت لينا، التي أصبحت الآن طويلة بما يكفي ليصل رأسها إلى صدر كارين، تحتضن أمّها وتهمس بنبرة رقيقة كعادتها: “أنتِ أغلى شيء في العالم بالنّسبة لي”
كانت كلمات غير متوقّعة.
خصوصًا أنّ كارين كانت تعتقد أنّ ابنتها لا تزال تشعر بخيبة أمل منها.
“لذا، أنا أتفهّم أخطاءكِ …”
“…”
“وأحبّ أحلامكِ التي فقدتِها.”
لم تستطع كارين قول شيء.
لم تفهم تمامًا ما الذي تغيّر في قلب ابنتها خلال ليلة واحدة، ولا ما الذي تعنيه بهذه الكلمات.
لكنّها شعرت بقلب طفلتها ، التي تحاول مواساة والديها بحبّ أكبر وأوسع من قلب الكبار.
“اليوم سأتناول العشاء دون أن أتخطّاه!”
احمرّت أنف لينا و عيناها من محاولتها كبح دموعها. لحسن الحظّ، ابتعدت عن حضن أمّها وصعدت إلى السّيارة بسرعة، فلم ترَ تعبيرها.
“أراكِ لاحقًا، أمّي!”
“…حسنًا، عودي بخير.”
ابتسمت كارين بجهد ولوّحت للينا التي كانت تلوّح من نافذة السّيارة.
لكن بمجرّد أن ابتعدت السّيارة، انفجرت دموعها التي لم تستطع كبحها.
***
في السّيارة، تذكّرت لينا الحديث الذي دار بينها وبين والدها.
«أنتِ لا تزالين صغيرة، قد يكون من الصّعب عليكِ فهم هذا بالكامل، لكن الحرب تأخذ الكثير من حياة الإنسان. لديكِ أمّ وأب وعمّ، وفي المدرسة هناك فتى تحبّينه …»
«هذا سرّ عن أمّي!»
كانت تعلم أنّ أمّها ستصدم إذا عرفت، لكن لينا كانت تحبّ سرًّا فتى في المدرسة.
بالطّبع، كانت عائلتها لا تزال أهمّ بكثير، حتّى أكثر من عمّها كايترو، لكنّه كان أوّل فتى تحبّه في حياتها.
ضحك أكتوروس كصبيّ وهو يرى ابنته تحاول الحفاظ على سرّها، ثمّ أعادها إلى حضنه وواصل حديثه:«فقدت أمّكِ عائلتها بسبب الحرب، واضطرّت لخيانة حبّها الأوّل، رغمًا عن قلبها»
واصلت لينا التّفكير في كلمات أبيها وهي تبحث في حقيبتها.
كان بداخلها هديّة تلقّتها من أبيها في الليلة السّابقة.
«كان الباليه حلم أمّكِ وسط تلك المآسي، لكنّها اضطرّت للتخلّي عنه»
كان أبوها قد وضع صورة لأمّها في إطار جميل، يُظهرها في أوج تألّقها تحقّق حلمها لفترة وجيزة.
وضع حلم أمّها، تلك اللحظات البرّاقة، في علبة هديّة على شكل إطار.
«الفتاة التي فقدت كلّ شيء في الحرب، كان إنجازها الوحيد هو عائلتنا، ‘نحن’»
بعد سماع كلمات أبيها، بدأت تفهم بشكل ضبابيّ سبب عدم عودة أمّها إلى المنزل في طفولتها.
وسبب اهتمام أمّها الزّائد بأنظار النّاس عندما تخرج.
كانت تخاف أن تعرف لينا الحقيقة و تتأذّى.
«في حياة أمّكِ التي خسرت الكثير ، دعينا لا نكون نحن أيضًا شيئًا تخسره»
قال إنّ العائلة هي من تحتضن أخطاء وآلام بعضها بعضًا.
لم يكذب أبوها أبدًا، وهذه المرّة أيضًا قال الحقيقة فقط.
كان عدم ثقتها وخيبتها تجاه أمّها تذوب كالثّلج ، و بدأت تشعر بحزن عميق لآلام أمّها التي لم تعرفها بالتفصيل.
احتضنت لينا صورة أمّها الرّاقصة المتألّقة بقوّة.
***
أخرجت كارين صندوقًا من درج عميق في غرفة الملابس.
كان بداخله زوج من أحذية الباليه القديمة.
لقد مرّت عشر سنوات منذ أن توقّفت عن الرّقص، لذا كان العودة كراقصة الآن أمرًا مستحيلاً.
«أنا أحبّ أحلامكِ التي فقدتِها»
كانت ممتنّة للينا.
لكنّها لم ترغب أن تُذكر في عيني ابنتها كأمّ فقدت أحلامها.
كانت أخطاؤها كجاسوسة هي سبب خسارة حلمها.
والرّقص نفسه كان شيئًا تعلّمته أثناء تدريبها كجاسوسة في كوستيا، لذا لم تكن مؤهّلة أصلاً لتكون راقصة في غلوريتا.
لكن أمًّا محطّمة الأحلام ستُذكر بألم في قلب ابنتها.
لم ترغب كارين أبدًا أن تكون ذكرى مؤلمة لابنتها.
«أفكّر في رعاية الفنون كجزء من مشروع جانبيّ»
في وقت سابق، تحدّث أكتوروس عن خطط جديّة لدعم الفنون، مع الرّغبة في القضاء على الأجواء التي تجبر الفنّانات على تحمّل مضايقات الرّعاة الأثرياء.
كان تأثير كارين، التي كانت راقصة، هو دافع هذا التّفكير.
«أخطّط لشراء قاعة فنيّة. أعتقد أنّه سيكون لديكِ الكثير لتقدّميه فيما يتعلّق بفرقة الباليه»
تعليم الرّاقصات الصّغيرات، أو إدارة فرقة الباليه بأكملها.
بما أنّها كانت متميّزة في مهاراتها، كان بإمكان كارين تقديم الكثير في مجال الباليه. ولم تكن خالية تمامًا من الطّموح.
«…آسفة ، لا أعتقد أنّني أستطيع»
«إذا غيّرتِ رأيكِ، أخبريني في أيّ وقت»
لكنّها رفضت لأنّها كانت تخشى أنظار النّاس إذا بدأت العمل علنًا. لكنّها الآن أدركت بوضوح.
لا يمكنها الهروب إلى الأبد بالاختباء.
أرادت كارين أن تكون أمًّا تتقدّم للأمام في عيني ابنتها، لا أمًّا مختبئة.
لقد حان الوقت أخيرًا لتكون شجاعة.
***
ربّما لأنّها لا تزال صغيرة.
لحسن الحظّ، لم تكن لينا تخفي أشياء كبيرة عن والديها.
صحيح أنّها طلبت أن تُبقي الفتى الذي تحبّه في المدرسة سرًّا.
“لكن، يا أميرتي.”
“نعم؟”
“مَن الصديق الذي أخبركِ بهذا؟ أسأل فقط من باب الفضول.”
صدّقت لينا ببراءة أنّ السّؤال مجرّد فضول، وكشفت دون قصد عن اسم الصديق الذي تحدّث بتهوّر.
بالطّبع، لم يكن السّؤال مجرّد فضول.
طاخ! طاخ! طاخ!
تردّدت أصوات الطّلقات في ميدان الرّماية دون توقّف.
في الآونة الأخيرة، كان أكتوروس يركّز على عائلته، لكنّ هوايته كانت الرّماية.
كان راميًا ممتازًا في ساحات الحرب، وكان يصيب مركز الهدف بدقّة مخيفة دون أيّ انحراف.
“سيدي… دوق كلوين…”
وقف يوناس ميلو خلفه لمدّة ساعة كاملة كسكرتير، دون أن يفعل شيئًا.
في فجر الأمس، رنّ هاتف المنزل فجأة.
كان يتساءل كيف عرف دوق كلوين رقم منزله، وهو شخص لم يلتقِ به من قبل، لكنّه شعر بالإهانة من وقاحة استدعائه في ساعات الفجر.
بالطّبع، لم يكن يوناس ميلو أحمقًا ليعبّر عن هذا الانزعاج علنًا.
كان فقط يتساءل عن سبب تصرّف الدّوق.
طاخ!
بعد تركيزه الطّويل على الرّماية، أعاد أكتوروس تعبئة الذّخيرة عندما نفدت.
كانت حركاته سلسة كالماء الجاري.
كان هذا الرّجل، الذي عاش قريبًا من الأسلحة، يبدو وكأنّه قادر على تعبئة الذّخيرة بعينين مغمضتين.
“يوناس ميلو.”
مع صوت تحميل السّلاح، نطق أكتوروس باسم الرّجل الواقف خلفه، كما لو أنّه نسي وجوده.
“بعد الحرب، عندما لم يتم تعويض الخسائر الاقتصاديّة في وطنك، هاجرت إلى دولة أخرى. وعندما بدأت تلك الدّولة تميل إلى الانهيار، هاجرت مجدّدًا إلى غلوريتا …”
“…”
“لا وطنيّة، ولا ذرّة من الوفاء، فأر قذر.”
حتّى لو كان دوق كلوين شخصيّة ذات نفوذ قويّ في غلوريتا، لم يكن هناك من لن يغضب من وصفه بـ”فأر قذر” في لقاء أوّل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات