كانت تشك في بصرها، تتساءل عما إذا كانت ترى الأمور بوضوح.
شعر أشقر مثل شعرها، عينان مائلتان للأعلى، وداخلهما عينان زرقاوان رماديتان تذكّرانها بأكتوروس …
“يا صغيرتي.”
عندما استعادت وعيها، كانت كارين قد اقتربت بالفعل من الطفلة.
“ماذا تفعلين هنا؟”
“…”
“لماذا أنتِ … في مكان مظلم كهذا ، وحدكِ …؟”
“…”
“كيف انتهى بكِ الأمر هنا؟ هيا، أخبريني”
كانت كارين في حالة لا تستطيع فيها الحفاظ على رباطة جأشها، على الرغم من أنها تذكّرت أنها غريبة بالنسبة للطفلة.
لم ترَ الطفلة منذ أن كانت في مرحلة تعلم المشي، لكنها عرفتها على الفور.
لم يكن بإمكانها ألا تعرفها.
كانت الطفلة تشبهها و تشبهه.
في هذا المكان غير المتوقع ، و في هذه اللحظة غير المتوقعة، شعرت كارين بثقل في قلبها وتوردت عيناها.
لا، لا يمكنني فعل هذا.
يجب أن أهدأ.
لا يجب أن أتصرف هكذا.
ستخاف الطفلة.
ابتلعت كارين ريقها بصعوبة لتهدئة نفسها. في هذه الأثناء، رفعت لينا، التي كانت ترتجف وهي مغطاة بورق الجريدة، رأسها قليلاً والتقت عيناها بعيني كارين.
كانت حركاتها تبدو لطيفة مهما فعلت، لكن عينيها كانتا مليئتين بالحذر تجاه الغريبة.
“هذا المكان خطير. تعالي معي”
“من أنتِ؟”
“…أنا.”
ماذا يجب أن أقول؟
كيف يمكنني تقديم نفسي حتى تتخلص الطفلة من حذرها؟
فكرت للحظة، لكن لم يخطر ببالها جواب واضح. عضت كارين شفتها السفلى. كلما طال الصمت، ازداد الحذر في عيني الطفلة.
… في الحقيقة، إنها مجرد فكرة لخداع نفسها.
كان بإمكانها بسهولة أن تكذب لتهدئة هذه الطفلة الصغيرة.
لكنها ببساطة لم ترغب في الكذب.
أرادت أن تقول الحقيقة للينا.
على الرغم من أنها تعلم أن هذا شيء لا يجب قوله أبدًا.
“أنا…”
مرحبًا ، لينا.
أنا.
أمكِ.
***
حيثما يتجمع الناس ، تنتشر الإشاعات دائمًا.
معظم هذه الإشاعات كاذبة، لكن في بعض الأحيان النادرة، قد تكون صحيحة. وبسبب هذه الحقائق العَرَضية، يستمر الناس في نشر الإشاعات والاستمتاع بسماعها.
ما لم يتم شراء قطعة أرض بالكامل ومنع الدخول إليها، فمن المستحيل إسكات أفواه الناس.
حتى في الحانة الوحيدة في هذا الحي القديم الخالي من السكان، كانت هناك شائعة تُولد من فم أحدهم.
“ذلك المبنى المطلي باللون الأصفر، سمعت أن هناك من يعيش فيه؟”
“ألم يكن ذلك المكان خاليًا منذ فترة طويلة؟”
“لا تعرف شيئًا! منذ بضعة أشهر، كان هناك أشخاص يدخلون ويخرجون لإصلاح المبنى. راقبته لفترة من باب الفضول، لكنهم لم يكونوا يستقبلون أشخاصًا جددًا، على ما يبدو.”
“ألم تقل للتو إن هناك امرأة تعيش هناك؟”
“نعم، صحيح! لا يوجد أحد، فقط امرأة واحدة تعيش هناك! أحيانًا تأتي امرأة عجوز، لكن هذا كل شيء.”
لم يكن ما قاله الرجل الذي يعمل كناسف مداخن شائعة بالمعنى الحقيقي.
كان الحقيقة بعينها.
“لكن ، تلك المرأة …”
غيّر الرجل نبرته، ونظر حوله بحذر، ثم خفض صوته.
أدرك رفاقه على الفور أن هناك قصة مثيرة قادمة، فتجمعوا حوله وأصغوا باهتمام.
“تلك الجاسوسة الشهيرة، أتعرفونها؟ ما اسمها …؟”
“كا، كا …”
“كارين!”
“آه، نعم، صحيح.”
“إنها تشبه تلك الجاسوسة. كانت ترتدي قبعة، لذا لست متأكدًا تمامًا، لكن الشعور بها كان مذهلاً!”
“يا رجل، كيف تتهم شخصًا بريئًا بأنها جاسوسة؟”
كان من الأفضل لو أن هذا الحديث مرّ كمجرد نكتة وتم نسيانه.
“أنا فضولي … ماذا لو ذهبنا للتحقق؟”
لكن الفضول السيء أدى إلى دافع سيء.
“سمعت أنها خرجت من السجن مؤخرًا، أليس هذا مصادفة؟”
“ماذا لو لم تكن هي تلك التي تُدعى كارين؟”
“على أي حال، إنها تعيش بمفردها، أليس كذلك؟ يمكننا أن نعتذر ونغادر.”
“وماذا لو كانت بالفعل تلك الجاسوسة؟”
“عندئذ …”
رفع الرجل الذي بدأ الحديث كأس البيرة إلى فمه وابتسم ابتسامة ماكرة.
“يجب أن تتلقى درسًا من المواطنين الصالحين”
كانت كلمات لا تليق برجل بعيد عن الوطنية. لكن لم يكن هناك من يشير إلى هذا العيب بينهم.
***
“هذا جميل!”
على الرغم من أن المنزل صغير ولا يحتوي على الكثير من الأغراض، كانت لينا تركض حوله، تنظر إلى هذا وذاك بفضول.
الغرض الذي أمسكته لينا كان زوجًا من أحذية الباليه التي لم تُستخدم أبدًا، فبدت كالجديدة.
كانت قد اشترتها بمرتبها الذي قدمته السيدة جينر مقدمًا منذ فترة. لكنها لم ترتدها أبدًا، خشية أن تشعر بالحزن لعدم قدرتها على الوقوف على المسرح للرقص.
أدخلت لينا قدميها الصغيرتين في حذاء الباليه الكبير جدًا بالنسبة لها.
“هكذا، أبدو كراقصة باليه، أليس كذلك؟!”
“نعم، جميل جدًا.”
أومأت كارين موافقة أمام عيني لينا المتلألئتين اللتين تبحثان عن المديح، لكن مظهر لينا وهي تمشي بحذاء فضفاض كبير جدًا بدا خطيرًا بعض الشيء.
لم تمانع إذا تضرر الحذاء، لكنها كانت قلقة من أن تتأذى الطفلة.
بحثت كارين بحذر عن شيء يجذب انتباه لينا، ثم أخرجت شيئًا من الدرج.
“لينا، تعالي هنا.”
كان صندوقًا مزخرفًا يشبه علبة المجوهرات. ركضت لينا، بعد أن خلعت حذاء الباليه، نحو كارين بحماس.
انحنت كارين لتصبح في مستوى عيني لينا، ثم فتحت صندوق الموسيقى.
في داخله، كانت هناك راقصة باليه تتباهى بأناقتها. عندما لفت المفتاح، بدأت موسيقى هادئة تعزف، وبدأت الراقصة تدور ببطء.
أخذت لينا صندوق الموسيقى من كارين، ولفّت المفتاح عدة مرات، تنظر إلى الراقصة التي تدور بنفس الوضعية.
كانت الراقصة داخل الصندوق محفورة في عيني لينا الزرقاوين الغامضتين، اللتين تشبهان عيني الرجل الوحيد في حياتها، مثل نجمة في سماء الليل.
ربما لأنها لم تحتضن ابنتها، التي أنجبتها، بشكل صحيح أبدًا.
كانت ابنتها، التي لم تربها بنفسها، محبوبة وغريبة في آن واحد، ولهذا شعرت تجاهها بمزيد من العاطفة.
كارين، التي لم تعتد التعامل مع الأطفال، وجدت صعوبة في التعامل مع لينا المليئة بالحيوية والواثقة بنفسها.
“لقد اتصلت بمنزلكِ منذ قليل، لينا. سيكون والدكِ هنا قريبًا ليأخذكِ.”
“حسنًا! فهمت.”
بفضل تركيب السيدة جينر لهاتف في المنزل تحسبًا لأي طارئ، لم يكن الاتصال بقصر كلوين صعبًا.
لم تتمكن من التحدث إلى أكتوروس مباشرة لأنه كان يبحث عن لينا، لكن الخادم قال إنه سيبلغ السيد، لذا سيأتي قريبًا لأخذ الطفلة.
“لكن …”
كان من الجيد أنها هدأت من حذر لينا بقولها إنها صديقة مقربة لوالدها، وهو قول نصفه كذب ونصفه حقيقة، و أحضرتها إلى المنزل.
وبما أن أكتوروس سيأتي قريبًا لأخذها، لم تكن هناك قلق بشأن عودتها إلى البيت. لكن كان هناك سؤال تريد طرحه.
جلست كارين لينا على السرير، ونظرت إليها للحظة، ثم ابتلعت ريقها وجمعت شجاعتها لتتحدث.
“لماذا خرجتِ من المنزل؟”
“هل أنتِ راقصة باليه؟”
لكن الجواب الذي عاد إليها كان غير متوقع ولا علاقة له بالسؤال.
“…كنتُ كذلك ، في يوم من الأيام”
“قالوا إن أمي كانت راقصة باليه أيضًا! و كانت الأفضل و الأجمل في غلوريتا!”
“…”
“قال أبي إنه وقع في حب أمي مرتين. المرة الأولى كانت عندما كان صغيرًا جدًا، وقال إنه كان مجرد إعجاب”
عندما كان صغيرًا جدًا …
ربما كان ذلك الوقت.
في ساحة المعركة حيث التقيا لأول مرة حقًا.
“قال إنه كان يشعر بالرغبة في الاعتناء بها وحمايتها، لكنه لم يستطع حمايتها، فافترقا …”
كان الآن يلوم نفسه على خيانتها.
على الرغم من أنها هي من خانته بسبب أخيها و ذهبت إلى كوستيا ، كان هو يلوم نفسه لعدم تمكنه من حمايتها.
“ثم ذهب مع عائلته لمشاهدة عرض باليه ، والتقى بأمي هناك! لم يتعرف عليها ، لكن …”
“…”
“قال إنها كانت رائعة ومذهلة. قال إنه وقع في حبها من النظرة الأولى على المسرح!”
“ها، هاها …”
ضحكت كارين دون وعي.
يبدو أن ذكريات أكتوروس قد تم تهويلها بشكل كبير.
كم كانت تبذل جهدًا لإغوائه آنذاك …
لكن ضحكتها توقفت عند كلمات لينا التالية.
“قال أبي إن أمي جميلة جدًا وقوية، لكنها جبانة كبيرة.”
“…”
“لذلك لا تريد العودة إلى البيت …”
عندما رأت كارين الشوق في عيني الطفلة التي تتوق إلى أمها التي لا تعود إلى البيت، شعرت بألم في قلبها. كانت المرارة في عينيها تذكّرها بأكتوروس عندما عرف بخيانتها.
“خرجتُ خلسة للبحث عن أمي، لكنني ضللت الطريق ولم أتمكن من مقابلتها.”
رأت كارين رأس لينا المستديرة وهي مطأطئة بحزن.
مدّت يدها لتداعب رأسها، لكنها سحبتها على الفور.
“قال أبي إن أمي تحبني.”
“…”
“لكن إذا لم تعد إلى البيت هكذا، ربما أمي لا تحب لينا …”
“هذا غير صحيح!”
لم تستطع كارين تحمل سماع كلمات الطفلة، فقاطعتها دون وعي.
“مطلقًا، ليس بسببكِ. أمكِ لا تكرهكِ أبدًا”
لم تستطع السماح لهذه الطفلة الصغيرة أن تلوم نفسها.
السبب في أن كارين لا تذهب إلى أكتوروس وابنتها هو خطأها وحدَها، وليس خطأ أي شخص آخر.
“لا أستطيع أن أقول لكِ مباشرة … لكن الأمر يتعلق بظروف الكبار، وليس بسببكِ أبدًا، لينا. إذا أردتِ، لومي أمكِ التي لا تأتي و اكرهيها.”
“…”
“لكن لا تلومي نفسكِ أبدًا، هل فهمتِ؟”
نظرت لينا إلى المرأة التي احمرت عيناها.
كانت عيناها الذهبيتان، المتشابهتان مع لون شعرها، تعكسان لينا بوضوح، كما لو كانت تنظر في مرآة.
كان الأمر غريبًا. قالت إنها صديقة والدها، لكن لماذا تبدو و كأنها ستبكي بسبب قصتها؟ و لينا التي رأتها في عينيها …
لماذا … تبدو مألوفة لسبب ما؟
بينما كانت الشكوك تبدأ في الظهور في ذهنها، سمعت صوتًا.
طق-! طق-! طق-!
فجأة، صوت طرق عنيف على الباب، كما لو كان سيُكسر، أذهل كلًا من لينا وكارين.
“من هناك؟”
وقفت كارين، ممسكة بيد لينا بقوة.
هل هو أكتوروس؟ لكن هذا لا يبدو مثله …
طق-! طق-!
مع صوت الطرق العنيف مرة أخرى، تصلبت كتفي كارين.
كانت متأكدة. الشخص الذي يطرق الباب لم يكن أكتوروس.
و بالتأكيد لم يكن السيدة جينر.
نظرت كارين بحذر إلى الخلف ووضعت إصبعها على شفتيها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات