في وسط سهلٍ مفتوح، صدى ضجيجٌ عالٍ كفيلٌ بإغراق جميع أصوات الطبيعة الشاسعة. بعد لحظات، أخرج الرّجل الواقفُ في المنتصف، المحاط بدخان البارود، سيجارةً مِن جيب معطفه. أشعل سكرتيره المرافق طرف السيجارة بمهارة.
رجلٌ في منتصف العمر كانَ يراقب المشهد عن قرب، وقد بدأ يتصبّب عرقًا باردًا. عندما يدخّن سيجارة و هوَ ينظر إلى سلاحٍ شبه مكتمل مثل هذا، كانت هناك ردّة فعلٍ واحدة فقط ستتبع ذلك.
“إنّه خردة. تخلّصوا مِنه بالكامل.”
جاءت هذه الكلمات من فم الدوق أركتوروس كلوين خلال توقّفٍ قصير في إطلاق النار.
“أنتَ تعلم ، يا صاحب السّمو.”
مسحَ الرّجل المسؤول عن إنتاج هذا السلاح عرقه الغزير بمنديل و قدّمَ تفسيرًا للرّجل الذي كان صغيرًا بما يكفي ليكون ابنه.
“الحرب انتهت علَى أيّ حال. لم نعد بحاجةٍ إلى بذل جهودٍ كبيرة في تطوير الأسلحة كما كنّا خلال ذروة الحرب. الجيش يطالب بتسليم الأسلحة بسرعة، لكن…”
توقّف الرّجل فجأةً عن الكلام، ليس لسببٍ محدّد. شعر فقط بضغطٍ غريب من نظرة الرّجل أمامه، الذي كانَ يحدّق بوجهه بنفث دخان السيجارة.
لم يُظهر أركتوروس كلوين أيّ عاطفة، لكن وجوده وحده كانَ كفيلًا بزرع الخوف في الآخرين.
شابٌ و وسيم، لكن جسده القوي و خط فكّه كانا كافيين لتخويف الآخرين، و عيناه الزرقاوان، شبه الرماديّتين، كانتا كالجواهر، لكن عينيه المقلوبتين و قزحيّتيه الباهتتين كانتا تُعطيان انطباعًا حادًا.
خاصّةً تلك الأجواء التي لا تُوصف التي كان يُطلقها…
“السيد سميث.”
للحظة، عادَ الرجل الذي كان يحدّق بأركتوروس إلى وعيه عند سماع الصوت المهذّب.
“نعم، نعم!”
رفعَ أركتوروس زاوية فمه قليلاً و هو ينظر إلى وجه الرجل الأحمق. علَى عكس حالته الخالية من التّعبير سابقًا، كاد الجوّ الملطّف أن يجعل الرجل يخفّض حذره دون وعي.
“هناك خطأ كبير فيمَا قلته.”
“آه… نعم؟”
“أولاً، حربنا لم تنتهِ. نحنُ فقط في هدنةٍ مؤقّتة بسبب الأضرار الهائلة بين الدّول من الحرب الطويلة.”
“لكن، لكن احتمال نشوب حربٍ أخرى…”
“ثانيًا، الأسلحة التِي تصنعها شركتنا العائليّة تخرج باسمي.”
كان اسم شركة الأسلحة التي يديرها أركتوروس كلوين مباشرةً هو “أركتوروس”. كانت قصةً مشهورة أنّ المؤسّس، جدّه من جهة الأم، سمّى الشركة على اسم حفيده.
“هذا يعني أنّه لَا يمكنني السّماح لهذا النوع من الخردة بالخروج باسمي فقط لتحقيق أرباحٍ فوريّة.”
كانتْ الكلمات التي خرجت من فم الرجل الواقف أمامه متناقضة تمامًا مع مظهره. على عكس ابتسامته اللّطيفة، كانت كلماته حادّة بشكلٍ لا يُصدّق.
“و، يبدو أنّك نسيت…”
أركتوروس، الذي ألقَى سيجارته القصيرة الآن و سحقها بقدمه، أظهرَ أخيرًا عاطفةً على وجهه.
“كنتُ أيضًا جنديًا.”
“…..”
“هذا يعني أنّني عانيت كثيرًا بسبب مثلِ هذه الأسلحة الرّديئة.”
بعد أن عَبس للحظة، أظهر أركتوروس ابتسامةً ملتوية مرةً أخرى و ربّت على كتف سميث مرتين.
“شكرًا على عملكَ الشّاق حتى الآن، السيد سميث.”
هزّ روش، السكرتير الذي كان يستمع بجانبهما، رأسه داخليًا.
لم يبدُ أنّ الرجل ذو التعبير المذهول قد أدركَ بعد، لكن ذلك كان إشعار فصل.
***
الخط الواصل بين اليد التي تمسك العصا الطويلة، والذراع، والكتف، كان رشيقًا.
كان لباسها ضيقًا بلون الجلد، و تنّورة لا تصلُ حتّى إلى الركبتين تتطاير بخفة.
“إنها شديدة الجدية.”
علق المدير مارك وهو ينقر بلسانه.
كانت كارين شانر، الراقصة الرئيسيّة لفرقة باليه البجع، التي تحمل أيضًا لقب “إيتوال”، أي النجمة الساطعة في سماء الليل.
مع شعرها الطويل الذي يصل إلى خصرها مربوطًا بإحكام، كانت كارين تكرّر نفس الخطوة لساعاتٍ طويلة على أطراف أصابعها في جوارب بيضاء.
كرّرت حركة “pas de bourrée” و هي ممسكة بعمود الباليه.
كان من المفترض أن يكون اليوم يوم عطلةٍ للراقصين دون تدريب، لكن يبدو أنّ كارين لم تكن تنوي مغادرة غرفة التدريب حتّى في هذه الساعة المتأخّرة.
و لم تَكن هذه المرّة الأولى لها.
كانت كارين مجتهدة تفوق العباقرة. كان لديها جانبٌ مثابر بشكلٍ مخيف، لذا حتّى لو لم يرَ الآخرون أيّ مشكلة، إذا لم تكن راضية، كانت تتدرّب على حركةٍ واحدة طوال الليل.
حتّى الحركات الأساسيّة لم تكن استثناءً.
بينما كانتْ كارين على وشكِ رفع يديها عن عمود الباليه و نشر ذراعيها لأداء حركة “Porte de bras”، و هي تبدو راضية عن خطواتها،
“لمَ لا تتوقّفين و تعودين إلى المنزل؟”
“…المدير.”
غير قادر على المشاهدة أكثر، فتحَ مارك الستارة و دخلَ غرفة التّدريب ليوقف كارين.
“عليكِ أنْ تعرفي كيف ترتاحين أيضًا.”
بدلاً من الإجابة، ابتسمت كارين، التي كانت تتصبّب عرقًا على جبينها، ابتسامةً خافتة. كانَ الشّعر النّاعم قرب جبينها مبللاً، لكن، بشكلٍ غريب، لم تكن رائحتها كالعرق.
“ليس لديكِ أصدقاء لأنّك تتدرّبين بشدّةٍ هكذا.”
“أليس من الجيّد أن تتدرّب الراقصة الرئيسيّة بجد؟ لمَ أنت غاضب؟”
“أنا منزعج، لهذا أنا مستاء.”
كان من الشّائع أن يحسد الراقصون بعضهم بعضًا و يغاروا من بعض. لكن من النادر أن لا يكون لدى أحدهم أي زملاء مقربين، كما هو حال كارين.
هل لأنّ كارين هادئة و متحفّظة؟
لأنّها جميلة بشكلٍ استثنائي حتّى بين الراقصات المعروفات بجمالهن؟
لأنّها الراقصة الأولى التي تحمل لقب “إيتوال”؟
كلّ هذه قد تكون أسبابًا، لكن مارك وجدَ سببًا أكثر جوهريّة.
“عليكِ أن تتعلّمي كيف تختلطين بالنّاس.”
كانت كارين تضعّ جدارًا كبيرًا جدًا ضدّ الناس. يمكن تسمية هذا المستوى من التدريب بالشغف و التفاني، لكن بالنسبة له، بدا أكثر كوسواس.
“هل لديكِ حبيب؟ قال إيفريدن إنّكِ…”
كارين، التي كانت تبتسم بشكلٍ محرج في مكانها، أظهرت ردّة فعل فقط عندما وضع الجريدة التي جلبها من الخارج على كرسيّ صغير أمام المرآة.
“آه…”
لسببٍ ما، التقطتْ كارين الجريدةَ بسرعة.
بما أنّه جلب الجريدة المسلّمة إلى فرقة الباليه عادةً، لم يكن مارك يعرف ما كان على الصفحة الأولى. وقف بحذر خلف كارين و نقرَ بلسانه عندما رأى صورةً كبيرة لشخصٍ مطبوعة عليها.
“ماذا؟ لا تقولي إنّكِ أيضًا من المعجبات المتحمّسات لذلك الرجل؟”
كان الشّخص الذي ظهرَ وجهه على الصّفحة الأولى هو أركتوروس كلوين ، الموقّر كبطلٍ في إمبراطوريّة غلوريتا.
على الرغم من أنّه الآن متورّط في صناعة الأسلحة، كان في السابق قنّاصًا مشهورًا انضمّ إلى الجيش في أصغر سنّ وأسقط مئات الشخصيات العدوّة الرئيسيّة. حتّى أنّ دولة العدوّ وزّعت ملصقات مطلوب لاغتياله على نطاقٍ واسع.
على العكس، استخدمته القوات العسكريّة في غلوريتا كنموذجٍ ترويجيّ لتجنيد الجنود بسبب صغر سنّه، و مظهره الوسيم، و إنجازاته المتميّزة.
شهد العام الذي استخدموه كنموذجٍ ترويجيّ أعلى عدد من التجنيد الطوعيّ. لم يكن لمعجبيه المتحمّسين حدودٌ من حيث العمر أو الجنس.
على الرّغم من أنّ شعبيّته هدأت هذه الأيام حيث يدير بهدوء شركة الأسلحة التي بناها جدّه من جهة أمّه بعد الهدنة.
“…أحتاج إلى التدرّب.”
“ماذا؟”
كارين، التِي كانتْ تحدّق بهدوء في صورة أركتوروس كلوين، تمتمت فجأة. وضعت الجريدة و أعادت التدرّب على نفس الحركة من البداية، واقفةً أمام عمود التدريب، متجاهلةً ردّة فعل مارك المذهولة.
“هذا العرض يجبُ أن يكون مثاليًا.”
“متى لم يكن كذلك؟”
“كان يجب أن يكون دائمًا مثاليًا، لكن هذه المرّة بالأخص…”
“…..”
“يجب أن يكون أكثر مثاليّة.”
بدتْ تصرّفات كارين غريبة.
هل يمكن أن تتصرّف هكذا لأنّها تعتقد أنّ الدوق كلوين قد يحضرُ هذا العرض؟
لا، لا يمكن أن يكون ذلك.
لم يحضر قطّ عرضًا لفرقة باليه البجع من قبل. ليس فقط في عروض الباليه، بل إنّه لم يكن يستمتع بأيّ نشاطات ثقافيّة و كانَ مدمن عملٍ مهووس بوظيفته.
بما أنّ كارين على الأرجح ليس لديها أيّ علاقة شخصيّة أو معرفة بالدوق كلوين ، فلا ينبغي أن تتعلّق بآمالٍ زائفة.
راقبَ مارك كارين، التي بدتْ و كأنّها نسيت وجوده و كانت مركّزةً فقط على التدرّب، و نقر بلسانه كما لو أنّه لا يملك خيارًا آخر.
***
أركتوروس كلوين.
لم يبلغ الثلاثين بعد هذا العام، كان هذا الشاب معروفًا بكفاءته. في قتل الناس في ساحة المعركة و في تصنيع الأسلحة لقتل الناس.
كما كان موهوبًا، كان أيضًا مجتهدًا. خاصّةً منذ أن بدأ عمله، شارك مباشرةً في تصنيع الأسلحة وحفظ الكتب والمعلومات المتعلّقة بها لدرجة أنّه يستطيع تلاوتها. بما أنّه كان يستطيع التعامل مع الأسلحة بنفسه، كان فهمه عاليًا.
لهذا السبب، لم يكن يستطيع فهم الأشخاص غير الأكفاء. إذا كان هناك نوعٌ يكرهه بشكلٍ خاص…
“هذا النوع من الرجال هم من يخونون البلاد عندما تسنح الفرصة.”
“أليس من المبالغة قليلاً أن تُصنّف السيد سميث، الذي عمل في أركتوروس لمدّة عشر سنوات، كخائنٍ محتمل للوطن؟”
ضحك روش، مساعد أركتوروس و صديقه منذ زمنٍ طويل، و ودافع بشكلٍ خفيّ عن الموظّف المسكين الذي طُرد للتوّ.
“سيكون جدّي مستاءً لو علم…”
“عدم الكفاءة ليس جريمة، لكن العيش مع التبرير الذاتي و التسويغ هو كذلك.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات