1
قراءة ممتعة~~~
الفصل الأول
“كيف استطعت فعل هذا بي!”
“لقد تم حسم الأمر بالفعل.”
“ماذا تقصد؟ لم أكن أعرف شيئًا، فما الذي حُسم بالضبط؟”
امرأة ذات شعر بني ناعم مربوط في ذيل حصان صرخت في وجه الرجل الواقف أمامها، وهي على وشك البكاء.
“هل تدركين حتى الحالة التي تمر بها عائلتنا الآن؟”
كانت عائلتها في تدهور منذ بعض الوقت. بالنسبة لليف، كان الأمر يبدو حتميًا دائمًا.
لم يكونوا أبدًا عائلة مرموقة منذ البداية.
مجرد إقليمًا صغيرًا يحكمه بارون. بالطبع كان هناك فترة وجيزة من الازدهار بفضل التجارة، لكن معظم ذلك سُلب منهم، ولم يتبق سوى ما يكفي بالكاد للحفاظ على وضعهم الحالي.
وبينما ظل والدها متمسكًا بعناد بالأساليب القديمة، كان العالم من حولهم يتغير بسرعة. والذين فشلوا في التغيير، تُركوا حتمًا خلف الركب وسُلبت ثرواتهم.
لكن هذا… هذا شيء لم تتخيله أبدًا.
“زواج؟ لكنني لا أريد!”
احمرّ وجه أنطون عند تحدي ابنته له، وهو أمر لم يره منها من قبل.
“لا، عليك أن تفعلي!”
“لماذا؟!”
“لقد قلت لكِ بالفعل. هل تنتظرين مني أن أنطقها بصراحة وأعترف أن عائلة راغنيل على وشك الانهيار؟”
“لقد توقفت البارونية عن الوجود منذ سنوات!”
“ليف راغنيل!”
ضرب أنطون بقبضته على المكتب، فارتجفت ليف وتراجعت خطوة إلى الخلف. كانت عيناه، المحدقتان بها، مليئتين بغضب لا يمكن كبحه.
لكن ليف لم تكن مخطئة.
تم إلغاء نظام الطبقات قبل أكثر من أربع سنوات. لم يعودوا بارونية راغنيل.
“إذا تجرأت وقلتِ شيئًا كهذا مرة أخرى، فلن أترك الأمر يمر مرور الكرام.”
كان أنتون راغنيل تجسيدًا للنبيل.
كان أنطون راغنيل تجسيدًا للنبلاء. وقفته نبيلة، كبرياؤه نبيل، وملابسه نبيلة. كل شيء كان لأجل شرف لقب البارون. ذلك كان كل ما يعيش لأجله.
حتى بعد إلغاء طبقة النبلاء، لم يتزعزع قط. كان يؤمن أن النبل يُولد مع المرء، لا يُمنح من نظام ما. في عينيه، الدم هو ما يحدد كل شيء.
والآن، هذا الرجل بالذات يطلب منها أن تتزوج ذلك الرجل.
عندما تخيلت ليف وجهه، اضطرت إلى إغلاق عينيها بشدة ضد موجة الإذلال التي اجتاحتها.
كانت ذكرى عذبتها لسنوات، لم تستطع نسيانها أبدًا. تجربة مخزية لم يستطع أي شخص آخر فهمها.
شعرت بأنها صغيرة وعديمة القيمة لدرجة أنها لم تستطع حتى إجبار نفسها على الخروج لفترة من الوقت.
عند عبور جسر واحد بالعربة من بلدة هيل، تصل إلى مدينة أكبر بعدة مرات، كان اسمها ليسبون. على أحد جانبي الطريق تمتد الأحياء الفقيرة، وعلى الجانب الآخر يقع حي النبلاء.
كان الناس يطلقون على الأحياء الفقيرة اسم “الشوارع الخلفية”. أشيع أن كل أنواع الأفعال البغيضة والتي لا يمكن تصورها تحدث هناك.
الرجل كان من هناك.
على الرغم من كونه من الشوارع الخلفية، فقد تبناه رجل ثري من بلد مجاور واكتسب ثروة هائلة. وكأن ذلك لم يكن كافيًا، عاد فجأة إلى الإمبراطورية، وانضم إلى الجيش، وحاز على رضا الإمبراطور.
ذلك الرجل سيكون زوج ليف المستقبلي.
“أفضل أن أتزوج أي شخص آخر. أي شخص سواه!”
“لقد تم حسم الأمر بالفعل.”
“إذًا لماذا لم تخبرني بشيء بهذه الأهمية؟ هذا زواجي! لماذا لم تقل أي شيء؟!”
“لماذا يجب عليّ أن أشرح لك؟”
“أبي…”
نظرت ليف إلى أنطون، والدموع تنهمر على خديها.
“لو لم تتدخلي وتحصلي على تلك الندبة على وجهك، لما كانت عائلتنا في هذه الفوضى.”
عبس أنطون وهو ينظر إلى الندبة على الجانب الأيمن من وجه ليف. كانت ندبة حرق، داكنة وملتوية، تركتها جمرة متساقطة عندما كانت طفلة.
كانت والدة ليف جميلة. ليف، التي ورثت ذلك الجمال، كانت محبوبة من الجميع منذ صغرها. اعتاد أنطون أن ينظر إليها بأمل وفخر—حتى أصيبت بذلك الحرق.
عائلة متواضعة مع فتاة تحمل ندبة كبيرة في وجهها. لم يرغب أي رجل في الزواج منها. حتى عندما بلغت سن الزواج، لم يكن هناك أي أخبار.
ازداد عدم رضا أنطون عنها تدريجياً.
كانت ليف الخروف الأسود في العائلة، تربت تحت سخطه المستمر.
“لم أرتكب أي خطأ… ما حدث لعائلتنا لا علاقة له بي.”
“كيف تجرؤين على قول ذلك؟ كان واجبكِ هو إتمام زواج من شأنه أن يساعد عائلتنا. لقد فشلتِ. فكيف يمكنكِ القول إنها ليست غلطتك؟”
هاجم أنطون ليف بكلمات حادة.
“هذه فرصة لا يمكننا تحمل تضييعها. لن تحصلي على عرض زواج آخر كهذا مرة أخرى. قد تكون خلفيته مختلفة بعض الشيء، لكن مقارنة بعيبك، فإنه لا شيء. يجب عليكِ فقط قبول الأمر والزواج به.”
لم تهتم ليف بأصوله. بصراحة، لن ترفضه أي عائلة لمجرد المكان الذي أتى منه. كان مثاليًا من جميع النواحي—مرغوبًا لدرجة أن الجميع أراده.
مما جعلها تتساءل لماذا اختارها هي. لم تكن تملك ثروةً كافية أو نفوذًا لتعويض أي عيبٍ فيه، إن كان لديه عيب أصلاً.
“وماذا سيحصل أبي في المقابل من هذا الزواج؟”
اكتفى أنطون بالهمهمة دون إجابة.
“ماذا طلب منا؟”
“لم يطلب شيئًا.”
“ماذا؟”
“لم يطلب أي شيء.”
من المستحيل أن يكون لا يريد شيئًا.
تمتم أنطون بجانبها، “لابد أنه طامع بدم راغنيل”، لكنها كانت فكرة سخيفة.
لو أراد، لكان بإمكانه الزواج من عائلةٍ أقوى بكثير.
حقيقة أنها لم تستطع فهم نواياه جعلت ليف خائفة.
عضت بقوة على شفتها.
“أبي… من فضلك. لا أريد أن أتزوج.”
“لقد عيّنه الإمبراطور بنفسه كنقيب. وهذا يعادل رتبة فارس، تمامًا كما في الأيام القديمة. إنه عمليًا بمنزلة بارون. لذا توقفي عن التذمر وتزوجيه. لن يقبل رجلٌ آخر تلك الندبة الفظيعة في وجهك. وهو الابن المتبنّى لعائلة بيرغو. إنها فرصة عظيمة لنا.”
“لا! لا أريد أن أتزوجه! قلت لا!”
صرير—
في تلك اللحظة، انفتح الباب.
التفت كلاهما لينظرا. رجل أحدث ضجة في المجتمع لبعض الوقت وقف هناك بزيّه العسكري.
أزال قبعته العسكرية ودخل الغرفة بشكل طبيعي. خلفه وقف خادم، منزعجًا بوضوح، مما عنى أنه سمع محادثتهما بأكملها.
“يبدو أنني اخترت الوقت الخاطئ للزيارة.”
مع شعره الأسود الممشط للخلف ليكشف عن جبهته، برز جسر أنفه العالي وخط فكه القوي. كان كل شيء فيه داكنًا. شعره الأسود العميق، بشرته البرونزية الأغمق من المعتاد، و…
أبعدت ليف نظرها بسرعة عن العينين الحالكتين كالفحم اللتين التقتا بعينيها فجأة.
“لقد مر وقت طويل، آنسة راغنيل.”
أرسل صوته العميق ارتجافة غير مريحة في صدرها.
تراجعت خطوة إلى الوراء مبتعدة عن الرجل الذي كان أطول منها كثيرًا.
أما هو، فاكتفى بالنظر إليها دون أي تعبير
كانت هي الوحيدة المهتزة. ولهذا السبب كرهته.
منذ ظهور هذا الرجل في المجتمع الراقي، بذلت ليف قصارى جهدها لتجنب مصادفته.
مجرد التواجد في نفس المكان معه جعلها تشعر بالضآلة والإحراج، وكأنها ترتدي ثوبًا لا يناسبها.
“هناك دم على شفتكِ.”
لعقت شفتيها وتذوقت طعم الحديد. كان خطأها لأنها عضتهما بسبب الإحباط.
“دعيني أرى…”
دون أن تشعر صفعت ليف اليد الكبيرة التي كانت تمتد نحوها. ثم، فوجئت برد فعلها، نظرت إلى الرجل بعينين واسعتين ومذعورتين.
لا بد أن يده قد لُسعت من الضربة الحادة، حيث قام بثني أصابعه عدة مرات بابتسامة خفيفة.
“يا للأسف، أعتذر. لابد أنني أسأت الفهم للحظة.”
حول نظره من ليف إلى أنطون. تغيرت النظرة في عينيه. على عكس الطريقة التي نظر بها إلى ليف، كانت نظرته تجاه أنطون تحمل حدة.
“نحن لسنا متزوجين بعد، أليس كذلك أيها البارون؟”
“همم…”
اكتفى أنطون بفرك شاربه ونظر إلى ليف، ولم يقل شيئًا.
“في الواقع، جئت إلى هنا لأن لديّ شيئًا عاجلاً لمناقشته. عائلة بيرغو على وشك إقامة تجارةٍ مع دولةٍ جديدة، وأنوي إدراج اسم راغنيل على البضائع التي سنصدرها. ما رأيك، أيها البارون؟”
وجدت ليف أنه مزعج بشكل لا يطاق كيف أنهى كل جملة بـ “أيها البارون.” بدا الأمر وكأنه سخرية، كما لو أنه يقول، هل أشخاص مثلكم يستحقون مثل هذا اللقب حتى؟
إذا سُئل شخص غير مطلع على هذا المكان لتخمين من يمتلك أعلى مكانة هنا، فسيختارونه هو بشكل طبيعي. حتى المجوهرات الثمينة وفستانها الراقي بدت فجأة كأنها زي سخيف.
“…لا أرى سببًا يدعوني للاعتراض.”
“الطرف الآخر يضغط علينا للتسليم بسرعة، لذلك أنوي إنهاء كل شيء بحلول الشهر القادم.”
“…”
“لكن بما أنه ليست لدي أي صلة رسمية بعائلة راغنيل، فسيكون من غير اللائق أن أستخدم الاسم حاليًا، أليس كذلك؟”
عرفت ليف بالفعل ما كان على وشك قوله. قبضت على قبضتيها بشدة.
“كنت آمل أن يقام الزفاف في غضون هذا الشهر. ما رأيك، أيها البارون؟”
لا.
تلفظت ليف بالكلمة بيأس تجاه أنطون.
وبخلافها، التي كانت شاحبة ومضطربة، بقي الرجل متزنًا، شبه متغطرسٍ في هدوئه.
ذلك الوغد الوضيع…
اشتعل غضب أنطون، لكنه سرعان ما خمد. كان عرضه مغريًا للغاية.
وبعد لحظة قصيرة من الصمت، فتح فمه.
“حسنًا.”
كانت تلك نقطة الانهيار. لم تستطع ليف كبت غضبها بعد الآن واندفعت إلى الخارج، مغلقة الباب خلفها بقوة.
جلس الرجل بلا مبالاة على أريكة قريبة. دون أن يُطلب منه ذلك، تحرك أنطون للانضمام إليه أيضًا.
“تفضل، اجلس، أيها البارون.”
من الواضح أن أنطون كان سيد المنزل، ومع ذلك، من الطريقة التي بدت بها الأمور، بدا الرجل الآخر هو المسؤول.
أخرج الرجل سيجارة من جيب سترته الداخلية وأشعلها.
سرعان ما امتلأت الغرفة بدخان كثيف.
لقد اختفت الابتسامة الساحرة التي أظهرها لـ ليف تمامًا، وحل محلها تعبير بارد. الآن ظهرت بوضوح السلوكيات الخشنة والمتعجرفة لأهل الشوارع الخلفية.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
Chapters
Comments
- 2 - الفصل الثاني منذ يوم واحد
- 1 - الفصل الأول منذ يوم واحد
- 0 - المقدمة 2025-11-09
التعليقات لهذا الفصل " 1"