الفصل 43

“هل قالت ذلك راشيل ؟”

إذا لم يكن فرسان ادلبين هم من قتلوا، فقد كان بحسب ما تمّ إبلاغه، المتواجدون في المكان هم فيفيان وراشيل ودياس فقط.

ولكن فيفيان ودياس مجرد أشخاص عاديين بلا أي قوى، فلا يمكن أن يكونوا قادرين على قتل كل هؤلاء الأشخاص.

الشخص الوحيد الذي يملك تلك القوة كان حفيده.

ومع ذلك، لم يسبق له أن تعلّم السحر بشكل صحيح، ولم يختبر القتال العملي، ففكرة أنّه قتل كل هؤلاء المرتزقة كانت غير معقولة.

“لا، جميع القتلى قُتلوا بالسيف.”

في اللحظة التي سمع فيها هذه الكلمات، خطرت في ذهن كالتس صورة دياس التي رآها ذات يوم.

ذلك الوجه الذي بدا مألوفًا بطريقة ما.

وفي الوقت نفسه، خطرت له إمكانية لم يتوقعها، لكنه أرجأ التفكير فيها بعد كلمات أوين التالية.

“أما مارغريت التي تعاونت في الخطف، فقد تم احتجازها في القبو.”

بفضل شهادة فيفيان، استطاع فرسان إدلبين القبض على مارغريت حين حاولت الهرب بعد الحادث مباشرة.

نزل كالتس إلى القبو مع أوين.

كان هناك مارغريت و سالي في قفص حديدي مخصص للحيوانات الكبيرة.

في المقر الرئيسي وبيت المدينة، توجد سجون تحت الأرض، لكن في هذا المقر الصيفي لم يكن هناك سجن، فتم إنشاء مكان مؤقت لذلك.

استيقظت مارغريت، التي كانت قد غفَت في القبو غير المريح، عند سماع حركة، ثم صُدمت عند رؤية كالتس ونهضت بسرعة.

“ص-صاحب السمو.”

ألقى كالتس نظرة هادئة على مارغريت التي تبدو مرهقة بعد أيام قليلة، و سالي التي كانت غارقة في نوم عميق.

لقد أصبح من السخرية أن يثق في امرأة كانت ذات يوم ذكية بما يكفي للعناية بتربية راشيل.

ركعت مارغريت أمامه وانحنَت برأسها.

“ص-صاحب السمو، فقدت عقلي من الخوف واتخذت قرارًا خاطئًا للحظة، أرجو أن تغفر لي مرة واحدة فقط…!”

“هل كان هذا من فعل الإمبراطور؟”

لم يغضب كالتس من خيانة مارغريت، ولم يشكّ بها، بل طرح السؤال وكأنه يعرف الإجابة مسبقًا.

لقد بدا كما لو أنه يتخلص من شيء انتهى عمره، فخاف قلب مارغريت بشدة.

“نعم، جاء مفتش أرسله جلالة الإمبراطور لي سرًا. هددني بقتل سالي إذا لم أتعاون، لذلك….”

كشفت كل ما تعرفه، ما عدا ما كان سيؤذيها، بكل يأس لإثبات قيمتها وللتعبير عن ندمها.

لكن الرد الذي تلقته كان قاسيًا وغير مبالٍ.

“سخيفة.”

بعد هذه الكلمات الباردة، استدار ومشى مبتعدًا.

سمعت مارغريت تصرخ طلبًا للغفران خلفه، لكنه لم يتردد خطوة واحدة.

سأل أوين:

“ماذا نفعل؟”

حين سأل عن مصير مارغريت و سالي، أمعن كالتس في النظر بعيونه الزرقاء الباردة.

تعاونت مارغريت مع المفتش الذي أراد خطف وقتل راشيل، لذلك كانت الجريمة واضحة وتستحق الإعدام الفوري.

ولكن.

‘لا يمكن قتل الطفلة أيضًا.’

من المؤكد أنه يشكّ في تصرفات سالي تجاه فيفيان ويحسّ بأنها كانت تتآمر قليلاً، لكنه ليس خطأً يستحق الموت.

لم يرغب في تحميل الطفلة ذنب أمها.

ذلك سيكون مثل الإمبراطور الذي يلقي اللوم على راشيل عوضا عن ليوبليد.

‘لو كانت إيسيلا على قيد الحياة، لكانت بالتأكيد اصفحت عنها.’

كانت سالي سيتم العفو عنها بغض النظر عن الخطر الذي واجهته راشيل بسبب مارغريت، فقط لأنها أم.

“…مارغريت سيتم إعدامها، و سالي سترسل للعمل في الجبال الثلجية الشمالية.”

أضاف كالتس قبل أن يومئ أوين:

“لكن سيتم تأجيل تنفيذ حكم مارغريت لعشر سنوات.”

“سأنفذ الأمر.”

بعد إنهاء الحادث، صعد كالتس مباشرة إلى الطابق الثاني.

فكر في التحقق من راشيل النائمة للحظة، فإذا بها تظهر أمامه فجأة.

“جدي.”

“أنت لم تنم بعد، أليس كذلك؟ هل جسمك بخير؟”

عند رؤية راشيل بأمان، تلاشى شعور القلق الذي كان يشعر به.

“أريد طلبًا منك.”

لكن عند مقابلة عيني حفيده المصممتين، استحضرت ذاكرته البعيدة لإيسيلا، فخفق قلبه بشدة.

إيسيلا كانت دائمًا تنظر بهذه العيون وتعبر عن رفضها للزواج من الإمبراطور أورفين.

“أريد العودة إلى كوني فتى.”

“…ماذا؟”

منذ محاولة اختطافها، فكرت راشيل في ذلك كثيرًا.

عندما قاتلت مع الخاطفين، تم الإمساك بحافة فستانها، وكانت الملابس التي ارتدتها لحمايتها مجرد عبء ولم تحمها.

عند عودتها ورؤية ثوبها الممزق، أدركت:

‘هذه الخيوط لا يمكنها حمايتي.’

الاختباء وحده لا يحمي أحدًا، لا هي ولا فيفيان.

آن الأوان للقتال.

“أريد أن أصبح قويا.”

***

في فترة بعد الظهر المتأخرة، كانت أشعة الشمس الصيفية تتسلل عبر نافذة المكتب.

وقف كالتس أمام النافذة ينظر إلى الحديقة، حيث كانت راشيل تلعب مع فيفيان.

كانت لا تزال تبدو طفلة عادية، لكن عينها كانت صافية وواضحة:

“أريد أن أصبح قويا.”

عينان تشبهان إيسيلا.

ربما كان سبب رغبة راشيل في القوة… أو بالأحرى السبب الأكبر هو فيفيان التي تقف بجانبها الآن.

“أبي، احمِيه… احمِي حفيدك.”

حتى الآن، كان يحمي راشيل وفق وصية إيسيلا.

لكن في المستقبل البعيد، سيموت قبله حسب قوانين الطبيعة.

فمن سيحمي ذلك الطفل التي ستظل وحيدا في العالم حينها؟

لا يمكن الاحتفاظ بها في القفص إلى الأبد.

يجب أن يتعلم الطفل الطيران بمفرده، ويجب أن يتعلم صيد طعامها بمفردها.

بما أن العالم الذي سيعيش فيه هو بري، يجب أن يكون قادرا على البقاء فيه بنفسه.

لأول مرة فكر في المستقبل البعيد الذي لم يكن يلتفت إليه من قبل، بعد مواجهة راشيل أمس.

وأدرك:

‘الغير جاهز لكسر البيضة لم تكن راشيل، بل أنا.’

كان مستعدا للخروج إلى العالم منذ زمن بعيد.

أخرج كالتس منديلاً كان يحمله دائمًا، وفتحه.

على جانب واحد صورة زوجته، وعلى الجانب الآخر صورة ابنته إيسيلا.

“…إيسيلا، لو كنت مكانه، كنتِ ستتخذين نفس القرار، أليس كذلك؟”

بالتأكيد، كانت ستدعم قرار راشيل دون أي تردد.

كانت دائمًا أذكى وألطف في تقديم الحلول.

وفي اللحظة التي قرر فيها كسر البيضة، سمع طرقًا على الباب وصوت أوين:

“صاحب السمو، السيد دياس يطلب مقابلتك.”

عند سماع الاسم، تغيرت نظرة كالتس على الفور.

كان يريد رؤية وجه من قتل عشرات الخاطفين بمفرده.

“ادخل.”

ظهر الرجل، وبوجهه كان يشبه فيفيان بوضوح.

“كان عليّ أن آتي لرؤيتك مبكرًا، لكنني خشيت أن أكون مصدر إزعاج لجلالتك، فأنت مشغول جدًا.” 

“ألم تكن تتجنبني ظنًا منك أنني قد أتعرف عليك؟”

تحت النظارات، بخلاف النظرة الباردة قليلًا، ظهرت شقوق طفيفة على وجه دياس الذي كان يحاول الابتسام أمام كالتس.

“القائد الثاني لفليق الفرسان الملكي، داين لووسويد.”

قبل عشر سنوات، ذهب بتنفيذ أمر الإمبراطور للتخلص من شيطان و اخذ قلبه، ثم اختفى، ليصبح بطلًا مفقودًا.

كانت عيونه خالية من الابتسامة، ولم تستطيع النظارات إخفاء ذلك.

“أثناء بحثي عنك، لم أصدق، كيف يمكن أن يكون البطل المسجل في التاريخ خائنًا رفض الأمر الإمبراطوري وهرب؟”

استجمع دياس مشاعره بسرعة بعد لحظة من الفتور.

‘في الحقيقة، عند معرفة اختطاف فيفيان، فقدت صوابي وارتكبت أعمالًا كبيرة دون تفكير.’

لذلك، لم يتوقع أبدًا أن يتم كشف هويته بهذه الطريقة.

كان يأمل أن لا يلاحظ ذلك، لكنه أدرك أن الجندي المخضرم لا يمكن خداعه بسهولة.

” لقد فكرت إن وجهك مألوف، وقد تبين أنك تشبه أختك المشاكسة تمامًا.”