ارتجف قلب راشيل حين تداخلت صورة دياس وهو يعانق فيفيان باكيا في الليلة الماضية مع صورة جدّها الذي ناح عند فقدان أمّها.
ثمّ أرسلت نظرة ساكنة إلى فيفيان التي تنتظر فقط إشارة الدخول.
“…ادخلي.”
دخلت فيفيان مسرعة وجلست بجانب السرير.
“هل أنتِ بخير؟”
على خدّها لُصِقَت ضمّادة صغيرة، في الموضع نفسه الذي كاد خنجر الخاطف أن يصيبها فيه.
وفوق رأسها المستدير جلس الروح المظلم الذي علم بوجوده الليلة الماضية.
شهقت راشيل بهدوء وهي تتأمّل.
كلّما نظرت إلى دياس، وإلى جُرح فيفيان، وإلى ذاك الروح…
شعرت وكأنّ شوكة غليظة تنغرس في حلقها.
أجابت متأخّرة:
“…نعم.”
لاحظت فيفيان أنّ عيني راشيل تتّجهان نحو الروح، فمدّت كفّها.
على الفور هبط الروح المظلم على راحة يدها.
“لم أستطيع أن أقدّم له التحيّة أمس بسبب الفوضى. إنّها روح الظلام، التقيته في الكهف.”
اهتزّ جسده الصغير وكأنّه يسلّم على راشيل.
“كنتِ محقّة، لستُ غريبة بل مميّزة.”
“…”
“شكرًا لكِ، راشيل.”
لكن، على غير عادتها، لم تُبدِي راشيل أيّ ردّ.
‘هل تكره الأمر لأنّها روح ظلام؟’
لكن راشيل رقيقة لدرجة أنّها قالت عني إنّي مميّزة…
لن تكرهني من أجل هذا فقط…
وبينما ارتبكت فيفيان بسبب صمتها، حاولت تغيير الحديث:
“على أيّة حال، يؤسفني أنّنا لم نستمتع بالمهرجان البارحة. كنتُ قد اشتريتُ لك سيخ دجاج لذيذ، لكنّي فقدته… هيييينغ.”
“…”
“إن شُفيتِ قبل انتهاء المهرجان، فلنذهب معًا. هذه المرّة سأجعلكِ تذوقين كلّ ما لذّ وطاب.”
“…لا أريد الذهاب.”
“ها؟ آه…”
تفاجأت فيفيان بردّها البارد، لكنّها استدركت سريعًا محاولة فهم مشاعرها.
“أها… ربّما هذا العام ليس مناسبًا فعلًا.
آسفة، لم أفكّر جيدًا. إذن في السنة القادـ”
“لا أريد الذهاب معكِ.”
قاطعها صوت راشيل القاسي.
توسّعت عينا فيفيان بدهشة وهي ترمش نحوها.
لم تصدّق هذه البرودة، فاستمرّت تحدّق بعينين لا تزالان تحملان الثقة.
لكن راشيل هشّمت تلك الثقة كلّيًا:
“ليتني لم أتبعكِ أمس. ثقتي بكِ جرّتني إلى هذه الحال.”
“…”
“من البداية، كان عليّ ألّا آتي إلى هذا الريف البائس أصلًا.”
غير أنّ رأسه أخذ يفيض بالذكريات:
منظر القرية من فوق التل.
زيارته قبر والدتها مع جدّها.
ليالي الصيف الهادئة، حيث نام و بجانبه شخص ما.
وفي كلّ تلك المشاهد، كانت فيفيان حاضرة دائمًا.
والآن، تلك التي تتصدّر ذاكرت بوجه مبتسم، تجلس أمامه بعينين جريحتين.
“لماذا… لماذا تقولين هذا؟”
“…”
“لماذا تتكلّمين بوحشيّة؟”
“لأنّي سئمتُ منكِ ومن هذه القرية.”
لسانها كسكين يجرحها مع كلّ كلمة.
وأشاح بصره عن عيني فيفيان الموشكتين على البكاء، وهمّ بطردها:
“يكفي الآنـ”
“هل تخافين؟”
نظر إليها باستغراب.
“تخافين أن أموت؟”
“…”
“أم تخافين أن أتعرّض للخطر وأنا بقربك؟”
“إن كان خوفي على نفسك”
“إذن لماذا تبدين كمن سيبكي أكثر مني؟”
تجمّدت عيناه.
وأدرك أخيرًا…
أنّ دموع فيفيان ليست بسبب كلماته القاسية، بل بسبب عينيه، الممزّقتين بالمرارة.
“أنا أيضًا خائفة.”
“…”
“لكن رغم خوفي… أريد أن أبقى بقربك.”
اختنق صوتها بالدموع، ومع ذلك أكملت متقطّعة:
“أحبّك.”
قصيرة، لكن مشبعة بالصدق، هدمت الجدار الذي بنتْه راشيل.
“وهل أنا عندكِ مجرّد صديقة يمكنكِ التخلّي عنها خوفًا؟”
حبس مشاعره المتدفّقة، فأجاب بصوت مخنوق:
“…لا.”
وفي اللحظة نفسها انهمرت عيناه الزرقاوان كالبحيرة.
“في الحقيقة، أنا أيضًا…”
ربيعنا، صيفنا.
وأتوق لرؤية خريفنا وشتائنا معًا.
“أتمنّى أن تكوني بقربي.”
حتّى لو جرّك ذلك إلى خطر أو أذى.
وحتّى لو وُصفتُ بالأنانيّة.
وحين أفرغ أخيرًا قلبه، اندفعت فيفيان لتعانقه وهي تبكي.
جلس جامدا، ثمّ بادلها لها العناق متأخّرا قليلًا.
انكشفت الحقيقة خلف جدار الأكاذيب:
أنّه لا يريد أن يفلت من هذا الدفء أبدًا.
***
بعد أيّام عدّة، وفي ساعة متأخّرة من الليل.
كان كبير الخدم أوين يتهيّأ للنوم بعد أن تفقد أرجاء القصر، حين سمع وقع خطوات تقترب، فأسرع إلى الباب.
دخل كالتس من البوّابة ممتطيًا جوادًا.
وفي العادة كان يعود بعربة، لكن يبدو أنّه عاد مسرعًا ما إن بلغه خبر راشيل.
“عدتَ سالمًا، سيّدي.”
“أين راشيل؟”
“لقد استعادت حالتها الطبيعية تقريبًا. لعلّها نائمة الآن.”
حينها هدأت عينَا كالتس المضطربتان.
رفع نظره إلى نافذة غرفة راشيل ثم تقدّم داخل القصر.
“وهل قبضتم على المدبّر؟”
“لقد فرّ، أمّا المرتزقة الذين استُؤجِروا لخطفها… فقد أُبيدوا جميعًا.”
توقّفت خطوات كالتس فجأة.
قطّب جبينه والتفت إلى أوين.
“قُتلوا جميعًا؟”
“بالأصح، كان الوصف الأدقّ قد وُجِدوا موتى.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"