علاوةً على ذلك، فقد أخفقتُ في مكانٍ واحدٍ سابقًا، وحصلتُ على أسياخ الدجاج دون انتظار، لذا لم يَمضِي وقتٌ طويل عن الوقت المتوقع.
العودة الآن قد تُفسد الأمر.
“مَهْلًا قليلًا. تجوّلكِ وحدكِ قد يكون خطيرًا. قد تضلّين الطريق أيضًا. أليس من الأفضل أن نذهب معًا؟”
“لقد عشتُ في هذا الحيّ خمس سنوات، فلا تقلقي عليّ.”
وما إن همّت فيفيان بالذهاب إلى راشيل، حتّى أمسكتها مارغريت مسرعةً.
“إذًا سأذهب أنا. انتظري هنا.”
انطلقت مارغريت نحو الساحة حيث تنتظر راشيل، بعد أن تركت فيفيان واقفةً.
وحين وصلت، اختبأت خلف مبنى قريب وراحت تبحث بعينيها عن راشيل.
كانت راشيل ما تزال هناك، على مسافةٍ يسيرة من الحشد المتجمهر لمشاهدة المسرحية التي بدأت منذ قليل.
‘كان يجب أن تُختَطف في هذه اللحظة! ما الذي يؤخّرهم؟’
عضّت شفتها بقلق وهي تراقب، وإذ بظلٍّ يقترب من خلف راشيل.
كان ذلك هو القاتل الذي أرسله المفتّش.
ارتجفت مارغريت وابتلعت ريقها بصعوبة وهي تدير ظهرها.
شعرت بالارتياح، لكنّ الإحساس بالذنب أثقل قلبها تجاه الطفلة التي ربّتها بيديها.
‘هكذا فقط… سأبقى أنا وسالي سالمتين. لم يكن أمامي خيار آخر.’
برّرت لنفسها وهي تهمّ بالعودة إلى حيث تركت فيفيان، لكن في تلك اللحظة دوّى صوت مألوف.
“راشيل!”
إنّه صوت فيفيان الذي لم يكن يجب أن يكون هنا.
تجمّد القاتل ومارغريت، بل وحتى راشيل من وقع ذلك النداء المفاجئ.
“احترسي!”
وبصرختها التالية، اندفع القاتل الذي تردّد لحظةً نحو راشيل بهجومٍ مباشر.
لكنّ راشيل تداركت الموقف بسرعة وتفادت الضربة، وشرعت على الفور في إلقاء تعويذة.
ارتسمت على وجه مارغريت ملامح غضبٍ شديد.
‘تلك الوغدة… لم تيأس حتى النهاية!’
وفي الوقت ذاته، بلغ المشهد المسرحي ذروته، فغمرت الساحة أصوات المؤثّرات الصاخبة، وجذبت أنظار الحاضرين بعيدًا.
لكن ما إن تنتهي الذروة، سيرى الناس حتمًا ما يحدث هنا.
كان لا بدّ من اتخاذ قرار ، إمّا أن يتمكّنوا من شلّ حركة راشيل وخطفها الآن، أو أن يتراجعوا خائبين.
في تلك الأثناء، ألقت فيفيان ما كان في يدها، وركضت نحو حيث تواجه راشيل القاتل.
“راشيل!”
لكن فجأةً…
“…مممف!”
انقضّ قاتلٌ آخر من أحد الأزقّة وأمسك بفيفيان مُطبقًا يده على فمها.
كلّما حاولت التخلّص منه ازدادت أنفاسها اضطرابًا، وبدأ وعيها يخفت شيئًا فشيئًا.
“فيفيان!”
وكان آخر ما لمحته راشيل هو الدُمى الثلاث التي ربحتها فيفيان من لعبة رمي السهام تتدحرج على الأرض، قبل أن تفقد وعيها تمامًا.
***
وشش.
‘أوه… بارد.’
فتحت عيني على أثر شيءٍ صغير وبارد لامس وجنتي.
ارتسم أمام ناظري سقف حجريّ قاتم السواد.
‘أين أنا…؟’
وبينما كنت أتلفّت حولي، عاد آخر مشهدٍ في ذاكرتي.
كنتُ في طابور محلّ البطاطا بالجبن، ولاحظتُ تصرّفًا مريبًا من المربّية المشبوهة، فتبعتها.
‘هناك… رأيتُها تدير ظهرها رغم أنّ القاتل كان يوشك على مهاجمة راشيل.’
ناديت راشيل بسرعة فنجت، لكن…
‘أنا… اختُطفت!’
ما إن وعيت على الحقيقة حتّى بدأ قلبي يخفق بعنفٍ، وغشيت رأسي سحابة بيضاء من الخوف.
‘اهدئي. لو أرادوا قتلي لكانوا فعلوا منذ البداية.’
أخذت أُقنع نفسي مرارًا لأتغلّب على الذعر، ثمّ قررت استكشاف الوضع من حولي.
كان المكان مظلمًا موحشًا، لكن خيوط ضوءٍ باهتة سمحت لي بتمييز بعض الأشياء.
‘هذا… كهف؟’
نعم، كهف رطب فيه قفصٌ ضخم يكفي لاحتواء وحشٍ كبير.
وكنت أنا المسجونة داخله.
وفي تلك اللحظة، سقطت قطرة ماء أخرى على وجنتي.
فهمت أخيرًا أنّ ما أيقظني قبل قليل كان ماءً متساقطًا من سقف الكهف.
حاولت النهوض ببطء لتفادي البلل، لكن فجأة أحسست بوجود شخصٍ غير بعيد عني.
شخص كان هنا يراقبني منذ أن فقدت وعيي.
ارتعدت من المفاجأة، وأسرعت بإغماض عيني متظاهرةً بالنوم.
‘هل رآني وأنا أفتح عيني…؟’
ازداد خفقان قلبي بجنون.
انتظرت حابسةً أنفاسي، ثمّ فتحت عيني قليلًا خلسة.
لحسن الحظ، بدا الحارس غافلًا، وأطلق تثاؤبًا عريضًا.
ثبتُّ بصري عليه، أحاول جمع ما لديّ من معلومات لفهم الموقف.
‘كانوا يحاولون خطف راشيل بالتأكيد.’
لكن تدخّلي أفسد خططهم، فتحوّلوا إليّ ليجعلوني رهينة.
ومع ذلك، يظل هدفهم النهائي كما كان راشيل.
‘لكن راشيل ستبقى بخير وتبلغ رشدها وتظهر في القصة الأصلية كشريرة، لذا لن يحدث لها شيء’
توقّفت فجأة.
‘…مهلًا. هل ذكرت الرواية الأصلية حادثة محاولة خطفٍ لراشيل؟’
الرواية الأصلية تبدأ بعد أن يصبح الأبطال بالغين، وراشيل لم تكن بطلة بل شريرة ثانوية، لذا لم يُذكر ماضيها بالتفصيل.
ومع ذلك، لو مرّت بتجربة اختطاف أو محاولة قتل، لكان ذلك قد شكّل منعطفًا رئيسيًّا وذُكر ضمن أسباب تحوّلها إلى شريرو.
لكن لم يكن هناك أيّ إشارة إلى ذلك.
وهذا يعني…
‘قد يكون هذا الحدث نتيجة التغيير الذي أحدثتُه أنا في مجرى القصة.’
منذ البداية، لم يكن من المفترض أن أكون صديقة لراشيل، ومع ذلك حرفت المسار الأصلي للرواية.
ما إن خطرت لي هذه الفكرة حتى خفق قلبي أشدّ من لحظة إدراكي أنّني مختطفة.
‘راشيل… قد تكون في خطرٍ حقيقي.’
بسببي.
بسبب، انني اردت النجاة، و قد عبثتُ بأحداث القصة.
لا يمكن أن أدع الأمور هكذا.
‘لا بدّ أن أخرج من هنا.’
التفتُّ إلى القفص الحديدي الذي أُودعتُ فيه. كان أمامه قفلٌ ضخم كما توقعت.
‘المفتاح لا بدّ أنّه مع ذلك الرجل.’
لكنّني لم أستطيع التحديق مطوّلًا عبر عينين نصف مغمضتين.
‘لو يبتعد قليلًا…’
وأتمنى أن يترك المفتاح خلفه أيضًا.
وبينما يتردّد ذلك الرجاء في داخلي، تناهت إلى سمعي خطوات تقترب.
ظهر رجلٌ آخر.
“الصغيرة؟ أمازالت فاقدة الوعي؟”
“يبدو ذلك.”
“إذًا انهض. لا وقت لهذا الآن.”
“ما الأمر فجأة؟ لا يعقل أن نحشد الرجال كلّهم لأجل طفلة!”
“ليست الطفلة فقط، لقد وردنا أنّ شخصًا آخر يقترب من هنا.”
“فرسان الدوق؟”
“ليس بعد، لكن قالوا انّ غريبًا ظهر ويجب أن نتحقق منه.”
“ولأجل واحدٍ فقط عليّ أن أذهب؟”
“لا أدري، الأوامر أوامر. كفّ عن التذمّر وتعال.”
تمتم الحارس ساخطًا ونهض.
وفي تلك اللحظة، لمحت شيئًا يلمع عند خصره.
‘المفتاح!’
لا يجب أن يبتعد!
راقبت المفتاح وهو يتأرجح مبتعدًا، عاجزةً عن فعل أيّ شيء.
لكن فجأة، تحرّكت ظلال كأنّها يدٌ خفيّة، ولمست المفتاح فأسقطته على الأرض.
‘ما هذا…؟ هل اتوهم؟’
رمشت بعيني في ارتباك، وبحلول ذلك الحين كان الرجلان قد غادرا.
وبقي المفتاح هناك، على الأرض حيث سقط.
انتظرت حتى تلاشت أصوات خطواتهما، ثمّ نهضت لأحاول جذب القضبان.
‘آه… لا تتحرّك أبدًا.’
طبعًا، لو كانت تتحرّك لما احتجت إلى مفتاح.
ولستُ كأبطال القصص الذين يطول ذراعهم بشكلٍ خارق.
جذبت القضبان بقوة حتى انجرح كفّي ونزف دمًا، لكن بلا جدوى.
استسلمت أخيرًا، وجثوت أرضًا مُنهكة.
‘راشيل في خطر…’
كدت أنفجر باكية.
“ليس لأنّكِ
غريبة… بل لأنّكِ مميّزة.”(قاعدة أتذكر كلام راشيل😔💓)
الخوف من موتي لم يكن أشدّ من خوفي أن تموت راشيل بسببي.
وفوق ذلك، شعرت بالغضب من عجزي.
أن أظلّ حبيسة قفصٍ، أنتظر فارسًا أبيض يأتي لإنقاذي…
‘لا أريد أن أكون بطلةً كهذه!’
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 37"