لم تكن فيفيان قد تنبّهت بعد، وقلّبت الصفحة التالية من الكتاب.
>”أنواع الأرواح هي:
روح الماء، روح النار، روح الأرض، روح الرياح، روح النور، وروح الظلام.
عددها الإجمالي ستة، لكنّ روحي النور والظلام نادرتان مقارنةً بغيرهما.
خصوصًا روح الظلام، إذ لا تستجيب إلا لمن يحمل دماء الشياطين.
وفي الآونة الأخيرة، حيث انقلبت العلاقة مع الشياطين إلى عداء، بات من النادر رؤيتها أكثر فأكثر.
ربّما يكون السبب أنّ الناس أصبحوا ينظرون نظرةً سيئة إلى أولئك الذين يتحكّمون بأرواح الظلام، فبدأ هؤلاء بإخفاء قدراتهم، مما جعلهم أقل ظهورًا…(إلخ)…”
يُقال إنّ البشر والشياطين، حتّى قبل مئتي عام، لم يكونوا على وفاقٍ تام، لكنّهم كانوا يتبادلون التواصل.
إلّا أنّ نسل أولئك الذين تزاوجوا في تلك الفترة، اختلطت دماؤهم عبر الأجيال،
وبالتالي، في العصر الحالي، بات من النادر العثور على من يمكنه استدعاء روح الظلام.
‘هذا الكلام لا يهمّ الآن! أريد أن أعرف كيف يصبح المرء مُستدعيًا للأرواح!’
بحماسةٍ شديدة، قلّبت فيفيان الصفحة التالية.
>”الشرط الوحيد لكي تصبح مستدعيًا للأرواح، هو أن يتمّ اختيارك من قِبل روح.
لا توجد طريقة معيّنة لذلك،
لكن إن كانت المانا خاصّتك تُرضي ذوق الروح، فستظهر لك.
بمعنى آخر، لا يمكنك أن تصبح مستدعيًا لمجرّد أنّك ترغب في ذلك.
فمنهم من يصادف روحًا وهو على حافّة الموت،
ومنهم من يستيقظ ذات صباح ليجد الروح أمامه فجأة.
وهناك من يبذل جهدًا عظيمًا طوال حياته… ولا يراها أبدًا.
فلا ترتكب حماقة تعريض نفسك للخطر عمدًا من أجل لقاء روح.”
‘هذه الجملة الأخيرة… وكأنّها موجهة لي تحديدًا.’
شعرت ڤيڤيان بوخزة داخليّة خفيّة، ثم قرأت المعلومة المدوّنة في أسفل الصفحة:
>”كمعلومة إضافيّة:
غالبًا ما تظهر الأرواح في أماكن ترتبط بها.”
‘أوه؟’
صادف أن رمقَت بعينيها المصباحَ القابع أمامها.
لم يكن مضاءً بعد، إذ كان الوقت نهارًا.
“لنجرّب مرّة!”
بادرت فيفيان إلى إشعال المصباح دون تردّد.
وفي اللحظة التي أدركت فيها راشيل ما تنوي فعله، كانت فيفيان قد مدّت يدها نحو المصباح بالفعل.
“أيتها الروح الناريّة، اظهري! إييييياااااه!”
ردّدت تعويذة غريبة الطراز.
بينما ارتسمت على وجهها ملامح الترقّب،
راحت راشيل تنظر إلى المصباح بقلقٍ ظاهر.
“……لا شيء؟”
ظلّ المصباح ساكنًا بلا حراك.
أعادت التجربة مرّات عدّة… وكانت النتيجة ذاتها.
“تشه، يبدو أنّها ليست روح النار.”
وفي تلك اللحظة، وبينما كانت فيفيان تشعر بالإحباط من تكرار الفشل،
مرّت نسمة دافئة، تحمل شيئًا من الحرارة، لتداعب خصلات شعرها الجميلة.
‘رياح…؟’
تبعت نظرها، فإذا بها ترى من خلال النافذة المفتوحة، حديقة القصر.
النافورة، الأشجار، والنسيم المتهادي.
فجأةً، ارتسمت البهجة على ملامح فيفيان.
قفزت من مكانها بحيويّة، وكأنّها لم تكن حزينة قبل لحظات.
“راشيل، لنخرج إلى الحديقة!”
“الحديقة؟ …آه.”
راقبت راشيل نظرات فيفيان المشتعلة بالحماسة، ثم عضّت شفتيها بصمت.
إن أصبحت فيفيان حقًّا مستدعيةً للأرواح، فلن تحتاج بعد الآن إلى الإمساك بيدي.
فمجرّد مشاركتها المانا مع الروح، سيكون كافيًا لتخفيف وطأة مرضها.
صحيح أنّه يدرك أنّ فيفيان لن تبتعد عنه،
فقد وعدته بأن تبقى في صفّه حتى قبل أن تكتشف أنّ جسدها يساعد على تخفيف المرض.
لكن…
‘هل يعني ذلك أنّها لن تمسك بيدي كما تفعل الآن؟’
رغم أنّ تحسّن حالة فيفيان أمرٌ مفرح،
راشيل حرّك يده لا إراديًا…
اليد التي كانت تمسك دومًا بيد فيفيان، والتي فقدت دفئها الآن، بدت فارغة على نحوٍ مؤلم.
***
مع اقتراب المساء وغياب الشمس تدريجيًا،هبّت نسائم باردة مع قدوم الليل، خفّفت من وهج النهار.
كنتُ أنتظر راشيل أمام القصر حين وقعت عيناي على النافورة القريبة.
اقتربتُ منها ومددتُ يدي.
“إيييييااااه!”
منذ ذلك اليوم، وأنا أستغلّ كلّ لحظة فراغ لمحاولة استدعاء روح.
في ظلّ الأشجار خلف القصر، أمام النوافذ حيث يتسلّل النسيم، حتّى في الحمّام أثناء الاستحمام،وقبل النوم بجانب المصباح.
لكن…
“…تشه.”
لا روح، ولا ظلّ لروح، ظهر لي.
حتى هذا اليوم، حيث تبدأ المهرجانات.
‘هممم، هل يجب أن أضع نفسي في خطر كي تظهر؟’
لكنّني لا أملك الجرأة لفعل ذلك.
فأنا، في النهاية، طفلة في حياتها الثانية، وتعرف قيمة الحياة.
قرّرت أنه إن عاد أبي، سأطلب منه أن يأذن لي بالذهاب مع راشيل إلى الغابة الغربيّة.
فإن كان ذلك النداء الذي أشعر به لا يأتي إلا من هناك…
فلعلّ ذلك يعني أنّ الروح بانتظاري هناك فقط.
‘ليته يعود بسرعة…’
كنتُ أغالب خيبة أملي حين خرجت رايچل من القصر.
“فيفيان.”
كانت قد انتهت من تدريبها السحري، وتجهّزت لمشاهدة المهرجان.
ولكي لا تلفت الأنظار، ارتدت ملابس بسيطة تشبه ملابس العامة، تمامًا مثلي.
ثمّ…
“الدوق أوصاني بالاهتمام بكما في غيابه.”
رافقتنا المربية.
“لذا، سأذهب معكما اليوم إلى المهرجان. لا بأس بذلك، أليس كذلك، فيفيان؟”
نظرتُ إليها بنظرة متحفّظة.
منذ يوم ذكرى وفاة والدة راشيل، لم تعد المربية تُظهر لي العداء كما كانت سابقًا.
‘أما سالي، فما زالت تتمنّى لو تلتهمني حيّة كلّما رأتني.’
لكن حتى سالي لم تعد تجرؤ على مضايقتي علنًا كما في السابق.
ومع أنّ عداءهما لم يختفي من قلبي،
فلم أعد أشعر بالارتياح تجاه سالي وأمّها.
‘لكنّني لا أملك سببًا يمنعني من اصطحاب المربية، ما دامت سترافق راشيل.’
وفي النهاية، فهي مربيتها، ووجود شخص راشد إضافي معنا في هذا الزحام، أمر مفيد.
عليّ أن أتحمّل انزعاجي الخاصّ.
ابتسمتُ لها ابتسامة عريضة، وسألتُ:
“بالطبع، لكن… ألن تأتي سالي؟ سيكون رائعًا لو جاءت.”
“سالي ليست على ما يُرام اليوم. قالت إنّها تفضّل الراحة في المنزل.”
أملت رأسي مستغربة.
‘لكنّي رأيتها منذ قليل تحدّق بي بنظرات كره من بعيد.’
لكن إن كانت سالي تتحاشى مرافقتنا بدافع كبريائها، فهذا ليس بالأمر الجديد.
وفوق هذا، لم أكن جادّة في سؤالي.
مجرد مجاملة لا أكثر.
“آه، فهمت.”
“فلننطلق إذًا، آنستي.”
وهكذا، استقللنا العربة برفقة المربية، وانطلقنا نحو القرية.
***
حين وصلنا إلى القرية، كان الليل قد حلّ بالفعل.
لكنّ مهرجان الصيف يُقام في الليل نظرًا لحرارة النهار، ولهذا كان الزحام أشدّ مما توقعت.
القرية تعجّ بالتجّار، والسكّان، والزائرين من خارج البلدة.
‘يبدو أنّ الزحام أشدّ من الأعوام السابقة.’
لكن من أكون أنا؟
ليست ابنة هذه القرية، لكنّني كنتُ زعيمة أزقّتها نصف حياتي!
أعرف كلّ مسار فيها.
“فلنبدأ جولة المهرجان!”
سحبتُ راشيل بثقة، واخترقنا الزحام بين الباعة والمتنكرين بزيّ الشياطين والأشباح.
كانت راشيل متوترة في البداية من الزحام، لكنّها سرعان ما انسجمت مع الأجواء.
وفجأة، لفت أنظارنا لوح ألعاب السهام.
ترمي السهام لتحقق عددًا معيّنًا من النقاط، فتربح هديّة.
وكان من ضمن الجوائز دمية ظريفة.
شكلها اللطيف أشعل في قلبي نار التحدّي.
“راشيل، دعينا نجرب!”
لكن على عكس حماستي، كلّ سهمٍ رميتُه… أخطأ الهدف.
يا للحسرة!
‘لكنّي كنت جيّدة حين ألعب مع أبي!’
أنهَيتُ سهامي دون أن أصل إلى النقاط المطلوبة، وانسحبتُ حزينة.
والآن… جاء دور راشيل.
فحصت معصمها، ثمّ رمت السهم.
وأصابت الهدف… في مركز اللوحة تمامًا.
لم أكن وحدي من فتح فاهه حتّى بائع اللعبة ذُهل.
‘هذا ليس معصم طفلة في العاشرة!’
لكن راش
يل، رغم النتيجة المبهرة،تابعت رمي السهم الثاني.
وقد أصاب السهم الجديد… بجانب الأول تمامًا.
‘هل راشيل عبقريّة في رمي السهام؟!’
بينما بقيتُ أحدّق فيها مذهولة،
تناولت راشيل السهم الثالث، وسألت:
“فيفيان، الدمية التي تُريدينها… هي هذه، أليس كذلك؟”
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 35"