عندما أملتُ رأسي في حيرة، أطبقت راشيل شفتيها وقد بدا عليها الارتباك، كما لو أنها تفوّهت بخطأ ما.
“لكن، هذا الشيء يحصل فقط بين الرجل والمرأة، أليس كذلك؟”
“……”
“نحن كلتانا فتيات، ألا يصحّ ذلك؟”
“……على أيّ حال، لا.”
قفزت راشيل من مكانها وكأنها خافت أن أتمسّك بها.
فهرولتُ خلفها وأنا أتدلّل مثل طفلة لا تريد أن تُترك وحيدة.
“راشيل، ألن ننام سويًّا؟ فقط هذه الأيام، متواصلة؟ أرجوكِ، بحقّ السماء!”
حين يعود ابي، السيّد دياس هيسن، المهووس بالقلق على ابنته، فلن يُسمح لي حتى بالحلم بمبيت خارج المنزل!
قد تكون هذه ليلتنا الأولى… والأخيرة معًا!
‘لا أريد أن ينتهي هذا الليل بهذه السهولة.’
ولكن…
راشيل، التي فتحت باب الغرفة، نظرت إليّ للحظة ثم قالت فقط:
“تصبحين على خير.”
ثم خرجت بالفعل، تاركةً الباب يُغلق خلفها ببرود.
نظرتُ إلى ذلك الباب المغلق بشفاهٍ ممتعضة.
“لا أفهم… لماذا إذًا دعتني للإقامة في هذا القصر؟”
حسنًا، بخصوص الاستحمام، أتفهّم أن يكون الأمر محرجًا، ويمكن لكلٍّ منّا أن يستحمّ بمفرده.
لكنّ النوم في منزل صديقة يعني إقامة حفلة مبيت، أو الانغماس في الأحاديث حتى يغلبنا النعاس ونحن تحت الغطاء معًا!
على ما يبدو، فإنّ آنستنا الرفيعة، لا تتسامح مع السهر حتى لو كان بين صديقات.
“تشيه، راشيل غبية.”
تمتمتُ بكلماتٍ لن تصل إليها أبدًا وأنا أستلقي على السرير.
‘لكن السرير ناعمٌ حقًّا ومريح.’
السرير الواسع، والأغطية والوسائد التي تفوح منها رائحة الشمس.
ورغم أنّ المكان غريب عني، إلا أنّ إغلاق عيني قد يجعلني أغفو بسرعة.
ʥʟʏʋʊɸ ɟɡɕɲʀ…….
……حتى لحظة شعوري مجدّدًا بطاقة الغابة.
قفزت من على السرير واقتربت من النافذة.
كانت هناك غابة بعيدة في الظلام، بالكاد تُرى من فرط السواد.
حدّقت في تلك الغابة التي غمرها السكون، ثمّ نطقتُ بخفوت:
“من أنت؟ ولماذا تستمرّ في مناداتي؟”
لو رآني أحدهم الآن، لظنّني مجنونة.
لكنّ هذا لم يعُد وهمًا أو هلوسة.
‘إنه يناديني… بالفعل.’
لكن، وعلى عكس توقّعاتي، لم يصلني أيّ ردّ.
حين كنت أتجاهله، كان يُلحّ في مناداتي.. أما الآن، وقد أجبت، فلا صوت يُردّ.
تسلّل خوفٌ مباغتٌ إلى صدري، كما لو كان إبرةً حادّة وخفيّة تُوخزني من الداخل.
‘لا يكون… هل فقدتُ صوابي؟’
أيمكن أن يكون كلّ هذا عن روايةٍ أو قدرٍ وهميّ… فقط من نسج جنوني؟
فكّرت في ذلك، وكدت أبكي.
وإلّا… فهل هو شبح؟ أو شيطان؟ صوت لا يسمعه سواي؟!
ومع تدفّق ذكريات أفلام الرعب من حياتي السابقة، بدأ الهواء البارد يتسرّب إلى أرجاء الغرفة الواسعة.
تسارعت دقّات قلبي، وتسلّلت القشعريرة إلى جلدي.
شعرتُ أنّ الظلام في الغرفة يُطبِق عليّ ويكتم أنفاسي.
وفي تلك اللحظة، كان أوّل وجه خطر ببالي…
“أبـييييييي……”
لكنّ أبي ليس هنا.
بينما كنت أرتجف تحت وطأة الخوف الذي خانقني فجأة، هرعت إلى خارج الغرفة، حاملةً وسادتي كمن يهرب من وحش.
والمكان الذي قصدته كان… غرفة راشيل.
رغم احتمال أن تكون قد نامت، لم يكن لديّ رفاهية التفكير في ذلك.
طَرق… طَرق…
“راشيل، هل انتِ… نائمة؟”
ما إن فكّرتُ في أنّني قد أُوقظها، حتى فُتح الباب وظهرت راشيل.
لحسن الحظ، لم تكن نائمة.
“ما الخطب؟”
وجهها، الذي صُوّر في الرواية بأجواء باردة ومخيفة، بدا لي الآن كوجه صديقةٍ أثق بها بلا تردّد.
وهذا الإدراك جعل قلبي يدفأ فجأة.
“راشيل… أنا خائفة من النوم وحدي. هل يمكن أن أنام معكِ؟”
ربّما لأنّ التوتّر كان قد بلغ ذروته، خرج صوتي مُرتعشًا وأنا على وشك البكاء.
نظرت إليّ راشيل بصمتٍ ثمّ أمسكت بيدي وسحبتني.
“ادخلي.”
وما إن شعرت بيدها الدافئة تمسك بيدي، حتى أدركت أنّني كنت أرتجف.
كان بإمكانها أن تملّ من خوفي، أو تسخر منه.
لكنّها لم تقل شيئًا.
فقط، وسّعت مساحة في السرير لتفسح لي المجال.
صعدتُ إلى السرير أولًا، بينما هي اتجهت لتشغيل المصباح الصغير على الطاولة الجانبيّة.
نظرت إليها متسائلة:
“ألن تطفئي النور؟”
“كنتُ أنوي قراءة كتابٍ قبل النوم.”
جلست إلى جواري، وأخذت كتابًا من فوق الطاولة وبدأت تقرأه.
عندها، فهمتُ الحقيقة.
‘تركتِ المصباح مضاءً… حتى لا أخاف.’
وحين أدركت ذلك، شعرت كأنّ صدري امتلأ بحلوى ناعمة من القطن.
وفجأة، بدت كلّ تلك المخاوف تافهة.
ورغم أنّني لم أستطع البوح بكلّ ما أفكّر به لأبي، شعرت أنّني أستطيع قولها لهذه الفتاة.
“راشيل… أتعلمين؟”
أزاحت بصرها عن الكتاب ونظرت إليّ.
“أشعر وكأن شيئًا ما… يناديني باستمرار.”
“شيء ما يناديك؟”
“نعم. لكنّني الوحيدة التي أشعر به، لذا أشعر بالخوف. هل أنا… أصبحت غريبة الأطوار؟”
“حسنًا، لا أنكر أنّك غريبة فعلًا.”
غضبت من موافقتها السريعة، لكن وجهها كان خاليًا تمامًا من المزاح، ما زاد استيائي.
لكنّ كلماتها التالية حملت ذلك الدفء المبطّن الذي اعتدته منها.
“قد لا يكون لأنّك غريبة، بل لأنّك… مميّزة.”
“مميّزة؟”
“يقال إنّ طاردي الأرواح يستطيعون سماع صوت الطاقات الشرّيرة. وبعض مستحضري الأرواح يسمعون صوت الأرواح أيضًا.”
“آه، صحيح! هناك شخصيّات كهذه!”
لم يُذكر في الرواية أنّ فيفيان تمتلك موهبة طارد الأرواح أو مستحضر الأرواح.
لكن بعد سماع كلام راشيل، بدأت أعتقد أنّني قد لا أكون مجنونة، بل ربّما… مميّزة فعلًا.
وحين أدركت ذلك، قلّ خوفي كثيرًا.
“مع ذلك… أتمنّى ألا أسمعه أثناء النوم.”
“هل تسمعينه الآن؟”
“لا. لكنني أخاف أن أسمعه مجدّدًا حين يعمّ الصمت. هل يمكنك التحدّث إليّ حتى أنام؟”
أغلقت راشيل الكتاب، وساد صمت.
كانت تبحث على ما يبدو عن موضوع للحديث.
لكنّها، في النهاية، لم تجد ما تقول.
“……ليس لديّ ما أقوله.”
حسنًا، ليس سهلًا ملء الجوّ بالكلام دائمًا.
‘راشيل ليست من النوع كثير الكلام أصلًا.’
شعرت بالذنب لأنني طلبت منها شيئًا فوق طاقتها.
لكن فجأة، انطلقت منها ترنيمة صغيرة.
كانت تغنّي.
فتحتُ عينَيّ بدهشة وسألت:
“ما هذه الأغنية؟”
“أمي كانت تغنّيها لي. لا أذكر كلماتها.”
“لم أسمعها من قبل.”
“……هل لم تعجبكِ؟”
“لا! إنّها جميلة. صوتكِ جميل فعلًا.”
عندها، قطّبت راشيل حاجبيها قليلًا.
“أنتِ تقولين إنّ كلّ شيء جميل.”
“لأنّه كذلك.”
“الصوت لا يُرى. أليس من الغريب وصفه بالجميل؟”
“ربّما لا يُرى، لكن يُحَسّ. صوتكِ يشبه رقص أوراق الأشجار في صيفٍ عليل… لذا فهو جميل.”
كان صوت راشيل يبدو باردًا وهادئًا، لكنّه كأوراق الشجر التي تتمايل طوعًا مع النسيم… مليء باللطف.
نظرت إليّ وهي أسترسل بالكلام، ثمّ ضحكت بهدوء، كما لو اعترفت بهزيمتها أمامي.
بدت سعيدة بوصف صوتها بالجميل.
ومع ضحكتها تلك، بدأت عيناي تُطبِقان بثقل.
ربّما لأنّ التوتّر بدأ يتلاشى.
وقبل أن تغلبني النعاس، تمتمتُ بصوتٍ خافت:
“……شكرًا لكِ، راشيل.”
رسالةٌ أردت إيصا
لها بشدّة.
وبينما خيّم الصمت اللطيف على الغرفة، راحت راشيل تُكمل غناء التهويدة التي لا تعرف كلماتها.
تتابع… إلى أن غفوت.
“تصبحين على خير.”
في العتمة المضيئة بشعاعٍ ناعم…
كان ذلك الصوت الهادئ آخر ما سمعته، قبل أن أغرق في نومٍ عميق.
ترجمة:لونا
مرحبا معكم المترجمة لونا الرواية واصلة للفصل 40 بالتيلي و بجد أنا بتأخر بالتنزيل هنا عشاني كسلن
هذا هو رابط قناتي لو بدكم ويوويو:
https://t.me/+qYEu3UlKRFJjMjk0
التعليقات لهذا الفصل " 33"