“….”
“هذا هو السّيناريو الذي يريده جلالته……. إذن، دعيني اسأل شيئا.”
تلاقت عينا مارغريت المذعورة بعيني المفتّش.
سأل وهو يبتسم بابتسامة يملؤها الترقّب:
“الخائن الذي أخفى ابن الخائن، ماذا عليه أن يفعل في هذا السّيناريو… ليبقى على قيد الحياة؟”
تلك الابتسامة الممسوسة بجنونٍ خافت…
لم تترك مجالًا للشك فقد كان الجواب كان معروفًا سلفًا.
***
مرّت الأيّام واقترب موعد المهرجان.
على خلاف المتاجر الأخرى المنشغلة بالتحضير لموسم الصيف الكبير، كُتب على باب مخبزنا بوضوح “مغلق”.
فهو اليوم الذي يزور فيه أبي صديقه العزيز، العم ماكس، في القرية المجاورة، وهي عادة تحدث مرّة كلّ موسم.
قيل لي إنّ العم ماكس وقف إلى جانب أبي كثيرًا الذي كان يمرّ بوقت عصيب عندما توفّيت أمّي .
‘مع أنّي لم أره مرّة واحدة.’
أو لنقل بدقّة، لا أتذكّره.
ففي ذلك الحين كنت صغيرة جدًّا، ولا أملك ذكريات عن ذلك الوقت.
ولذا، طلبت من أبي ذات مرّة أن يصحبني معه……
لكنّه قال إنّ الطريق وعر ومُتعب، وإنّهم يربّون دبًّا في في منزله، وإنّني زعيمة هذه البلدة فكيف أتركها بلا حراسة… إلخ.
اختلق كلّ الأعذار الممكنة لكي لا أذهب معه في هذا المكان.
‘حسنًا، لعلّ أبي يرغب أحيانًا في التخلّص من أعباء الأبوة واللّهو مع أصدقائه لوحده.’
وبصفتي فتاة ناضجة في التّاسعة من عمرها، كنت أتفهّم ذلك بتسامح.
لكنّني فكّرت بغيظ:
‘لماذا! بالضبط! الآن يريد الذّهاب؟!’
في واحدة من القلائل القليلة من المواسم الذّهبيّة!
في الوقت الذي يجب أن نغتنمه لجني المال بالأطنان!
ولكن…….
“توفّيت زوجة ابن عمّ والد صديقي، لذا يجب أن أذهب. لقد وقف إلى جانبي في أيّامي الصّعبة، لذا عليّ أن أواسيه.”
……أليس هذا شخصًا بالكاد يمتّ إليه بصلة؟
تساؤل خطر ببالي، لكن قبل أن أجد الفرصة للاعتراض، كان أبي قد انتهى من تجهيز نفسه.
‘على الأقل وعدني بأن يعود في اليوم الأخير من المهرجان.’
صحيح أنّه مؤسف أن نفوّت فرصة لزيادة الأرباح، لكنّ قضاء اللّيلة الأخيرة من المهرجان مع أبي كان كافيًا لي.
“أميرتي، سأعود قريبًا.”
“قال أبي، وقد أوصلني حتى باب متجر البقالة، يتبادل معي نظراتٍ مليئة بالتعليمات والقلق الدافئ.”
“لا تتكاسلي عن الأكل، واغسلي يديك جيّدًا بعد اللعب، ولا تنسي تنظيف أسنانك قبل النوم.”
فأجبتُه بوضع يدي على خصري وبنبرة مماثلة:
“أنت أيضًا لا تُفرط في الشّرب، ولا تمازح الآخرين أكثر من اللّازم، وابقى بعيدًا عن الرّجال المخيفين. مفهوم؟”
كان قد عاد مرّة إلى البيت وفي وجهه خدش صغير.
قال حينها إنّه تعثّر بغصن شجرة وهو مخمور……
‘لكن من يدري؟ قد يكون تورّط في شجار مع رجال سيّئين!’
لم أكن أملك عائلة أو أولياء أمور حقيقيّين في حياتي السّابقة، لذا لا أعلم يقينًا…
لكن ربّما هكذا يشعر النّاس حين يتركون طفلهم وحدهم؟
فكلّما خرج أبي من المنزل، كنت أشعر بالقلق دون أن أستطيع التخلّص منه.
ضحك أبي بخفّة وكأنّه لم يصدّق قلقي.
“حقًّا، من هي الابنة ومن هو الأب؟”
“أجبني أولًا.”
“نعم يا ابنتي. سأكون حذرًا، ولن أتهوّر. وأنتِ، استمعي لكلام الجدة جيّدًا.”
“أوووه…”
أنهى أبي وداعه بأن نكش خديّ الطّريّين، ثمّ توجّه بخجل إلى لورين الجدة العجوز، التي ستتولّى رعايتي أثناء غيابه.
“أشعر بالحرج لأنّني أزعجكِ في هذا الوقت الحافل، لورين.”
“لا بأس أبدًا. الجيران خلقوا ليعينوا بعضهم بعضا في مثل هذه الأوقات. لا تقلق واذهب مطمئنًّا.”
“إذن، أعتذر على الإزعاج، و أشكرك جميل الشكر مجدّدًا.”
ودّع أبي لورين العجوزة أخيرًا، ولوّح لنا وهو يبتعد.
وبينما كان ينظر للخلف وهو يمشي، تعثّر في حجر صغير، لكنّه توازن بسرعة.
‘إيه… لن يحدث شيء سيّئ، أليس كذلك؟’
صحيح أنّه ضعيف في القتال، وأحيانًا يتصرّف بغرابة، لكن جسده قويّ على الأقل؟
أشحت بعيني المملوءتين بالقلق ولوّحت له بيدي.
وظللت ألوّح حتّى اختفى تمامًا عن ناظري.
وكان في تلك اللحظة.
ʧʤɓɡɤɦɨɫɯʉ…….
شعرت بشيءٍ كأنّه همهمة خافتة تتّجه نحوي، فتوقّفت فجأة.
‘إنّه نفس الإحساس… الذي كنت أشعر به مؤخرًا بشكل متكرّر.’
وحين نظرت إلى الاتجاه الذي جاءت منه تلك الهالة، لم يُخِب ظنّي: كانت من غابة الغرب.
‘ما سبب هذا الإحساس المتكرّر؟’
أغمضت عيني بقوّة وكأنّني أريد طرد تلك الطاقة.
لكنّ من أعادني إلى الواقع كانت الجدة لورين .
“فيفيان، اليوم هو موعد الذهاب إلى الفيلا، أليس كذلك؟”
“أه…… لا يزال هناك وقت. سأساعدكِ في ترتيب البضائع إلى ان يحين الوقت!”
“آه، لا داعي لذلك. أنا وبيتر نكفي تمامًا.”
“لكن إذا عملنا ثلاثتنا، سننتهي أسرع! وليس لدي شيء أفعله على أيّ حال.”
“آه، قلت لكِ من قبل إنّ البنات أفضل من الأولاد. بيتر! انهض حالًا!”
وبينما صعدت الجدة إلى الطابق الثاني لإيقاظ بيتر، بدأت أنا في ترتيب أغراض المتجر.
حتى لا أشعر بذلك النداء الغريب من الغابة مجدّدًا.
****
“إذن، ستبقين في متجر البقالة هذه الفترة؟”
سألت راشيل وقد تجعّدت حاجباها الجميلان حين علمت بمكان إقامتي المؤقت.
‘أميرتنا الغالية، ما الذي أزعجها فجأة؟’
قبل قليل فقط، كنّا نتحدّث بسعادة عن المهرجان!
مالت رأسي حيرةً، فسألتني راشيل مجدّدًا بنبرة قلقة:
“يعني، ذلك الولد سيعيش معكِ في نفس المكان؟”
“ذلك الولد؟”
“الذي رأيناه في متجر البقالة آخر مرة.”
“آه، بيتر؟”
بمجرّد أن نطقتُ باسم بيتر، ارتجفت برودة خفية في عيني راشيل الزرقاوين، كوميضٍ صامت من انزعاجٍ مكتوم.
أجبتها ببساطة، وأنا أُكمل قضم كعكتي:
“أعتقد نعم؟ فالمتجر بيت بيتر، بعد كلّ شيء.”
“هذا لا يجوز.”
توقّفت مذهولة من رفض راشيل القاطع.
“هاه؟ ولمَ لا؟”
“ذلك……”
ربّما لم تكن فكّرت في سبب مقنع، فتردّدت قليلًا، ثمّ قالت بعد لحظة:
“……قالوا إنّ الفتيات والصّبيان لا يجوز أن يناموا سويًّا بعد سنّ الثّامنة.”
“لكنّنا لا ننام معًا؟ بيتر في غرفته، وأنا في غرفة الضّيوف.”
“مع ذلك لا يجوز، لا أثق به.”
استغربت إصرارها، فتذكّرت زيارتنا السّابقة للمتجر… وابتسمت بخبث.
“فهمتُ! أنتِ تغارين لأنّي قد أتقرّب من بيتر أكثر؟”
شهقت راشيل خفّة.
‘آه، كم تبدين لطيفة في هذه اللحظات.’
في كلّ مرّة تُظهر راشيل مشاعرها التي تخفيها دائمًا، أجدها في غاية الجاذبيّة.
لم أستطع كبح ابتسامتي وقلت:
“لا تقلقي، راشيل. أنتِ دائمًا المفضّلة لديّ. هيهي.”
بدت راشيل مذهولة من كلامي.
عيناها الزرقاوان تذبذبتا خلف رمشيها الهادئين، ثمّ أشاحت بنظرها.
وبعد أن تذكّرت أمرًا ما، عادت للموضوع.
“لماذا لا تمكثين هنا بدلًا من ذلك؟”
“هنا؟ في الفيلا؟”
“نعم. فغرف الضّيوف كثيرة.”
……صحيح، لم أفكّر في ذلك.
لا حاجة لركوب العربة ذهابًا وإيابًا، والمكان أكثر أمانًا، وفوق كلّ هذا، صديقتي هنا.
إنّه حقًّا أفضل مكان يمكن أن يُترك فيه طفل.
“همم، ربّما هذا أفضل؟”
وبينما كنت أُفكّر بإيجابيّة، لاحظتُ أنّ ابتسامة خفيفة ظهرت للحظة على شفتي راشيل.
***
في المساء، عدت إلى متجر البقالة، وأخبرت لورين الجدة العجوز أنّني أودّ الإقامة في قصر الدّوق.
في البداية، شعرت بعدم ارتياح، وكأنّني أحمّلها عبئي.
لكن بعد أن ساعدني كبير الخدم في الإقناع، وافقت أخيرًا أن أذهب إلى هناك.
وهكذا، قرّرت البقاء في فيلّا عائلة الدّوق ريثما يعود أبي.
لكن……
ما إن انتهينا أنا و راشيل من مباراة الشّطرنج، وبدأت أتثاءب باستمرار، حتّى قالت وهي تنهض:
“سأذهب إلى غرفتي الآن.”
أملتُ رأسي بتساؤل:
“هم؟ ألا تنامين هنا؟”
“هذه غرفتكِ.”
“ألا يمكننا النّوم معًا؟ فالأصدقاء ينامون معًا عند زيارة بعضهم!”
“النّوم معًا قبل الزّواج يُخالف قواعد السّلوك―”
“زواج؟”
لماذا تذكر الزّواج فجأة؟
التعليقات لهذا الفصل " 32"
فصل لطيف كالعادة💞
الرواية الها مواعيد محددة؟