كان السكون يخيّم على الغرفة، لا يُسمع فيها سوى صوت أنفاس الطفلة المنتظمة، وهي تغطّ في نوم عميق.
حدّق دياس طويلاً في ملامحها الهادئة، ثم رفع ناظريه نحو النافذة المطلة على الخارج.
هل يعقل أن شيئًا ما يحدث في الغابة؟
رغم أن الأمور هدأت مؤخرًا، إلا أنه لا ينسى العام الذي أعقب إغلاق بوابات عالم الشياطين، حين أرسل الإمبراطور رجاله لتقليب أرض الغابات رأسًا على عقب.
لم يكن ذلك بدافع الشفقة على من يسكنون جوار البوابة، كما دوّن في كتب التاريخ التي قرأتها فيفيان… بل طمعًا.
طمعًا في قلب ملك الشياطين.
فقلبه، وفق ما يُشاع، هو كتلة هائلة من المانا النقية، بما يفوق حدود التصور. على عكس البشر الذين لا يُمنحون المانا إلا لبعض المختارين، كل فرد من سلالة الشياطين وُلد متقنًا لها بالفطرة.
الإمبراطور، الذي ظلّ يحمل في صدره عقدة نقص تجاه الأمير الثاني الراحل ليوبريد، لم يتخلّ عن هوسه بالقوة حتى بعد موته… بل لعله زاد تشبثًا بها.
ظننت أنه تخلّى عن الأمر بعد أن أُغلقت البوابة… ولكن يبدو أن هوسه لا يزال حيًّا.
نهض دياس من مجلسه، واتجه إلى الحائط حيث عُلّقت روزنامة العام.
أول ما لفت انتباهه كانت الكلمات المزيّنة بألوان زاهية، وقد كتبتها فيفيان بنفسها:
<★☆★مهرجان الصيف☆★☆>
تبدّد البرود عن قسماته في لحظة، وخرج من صدره ضحكة خفيفة لا إرادية.
يبدو أنها تنتظره بفارغ الصبر.
نظر بحنان إلى الخط المُتقن الذي يشبه خط ابنته، ثم قلب الصفحة حتى وصل إلى آخرها.
في الصفحة الأخيرة، سُجّلت تواريخ زياراته الموسمية إلى الغابة.
كانت فيفيان تظن أنها أيام يذهب فيها والدها “لمقابلة الأصدقاء”، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
وآخر زيارة سُجلت كانت في شهر مارس، قبل وصول دوق إدلبين إلى هذا المكان بأيام قليلة.
“…حان وقت التحقّق.”
همس بها بصوت خفيض، يحمل بين ثناياه بردًا لا يطاق.
وانعكست في عينيه الذهبيتين لمعة قاتمة، تسللت من خلف عدسات نظارته، كأنها حدُّ السيف.
لم يبدُ كوالدٍ محبٍّ كما اعتاد، بل كشخص آخر… غريب، صامت، وخطير.
بعد لحظة من التحديق بين الغابة والروزنامة، نزع نظارته بهدوء، وغادر الغرفة.
*
**
في مكان آخر…
“أمي، متى سنتخلص من تلك الفتاة؟”
كان هذا هو السؤال الذي لا تكفّ سالي عن طرحه كل يوم.
“فقط تحلّي بالصبر. سأبحث عن فرصة مناسبة…”
“لكن متى؟ دائمًا تقولين ‘اصبري’! وإذا تزوّجت تلك الحقيرة من راشيل…”
“سالي!”
شهقت مارغريت وهي تكمم فم ابنتها بسرعة.
لقد كان الوقت متأخرًا والطرق خالية، لكنهما ما زالا في الرواق، ولا يصح النطق بذلك السرّ الخطير هنا.
لو سمع أحدهم… خصوصًا أوين أو كالتيز… لن يمرّ الأمر بسلام.
كان كالتيز قد نبّه الجميع بصرامة ألا يُفصحوا عن السرّ، حتى لابنتها سالي.
أمسكت مارغريت بسالي واقتادتها مسرعة إلى الغرفة.
“كم مرة قلت لك ألا تتحدثي عن ذلك في الخارج؟!”
“لكنني كنت غاضبة! لم أقصد…”
“قلت لك لا تقولي ذلك لأيّ أحد، لا للآميرة، ولا للدوق، مفهوم؟”
“نعم…”
“لو علم أحدٌ بهذا، فنحن الاثنتان سنُمحى من الوجود. هل فهمتِ؟”
اتسعت عينا سالي، وبلعت ريقها بخوف.
لقد تذكّرت فجأة خطأها قبل أشهر…
> “كيف تكون الآنسة، وهي فتاة، زوجك المستقبلي؟”
كان ذلك في الأيام الأولى لنزولهما إلى الفيلا.
سمع أحد مفتشي الإمبراطور ذلك الخطأ، لكن سالي لم تُخبر أمها، خوفًا من العقاب.
ومع مرور الوقت، اعتقدت أن شيئًا لن يحدث، فالوضع بدا طبيعيًا، كما قيل لها إن حضور المفتش كان للاطمئنان فقط على الدوق، بصفته أستاذ الإمبراطور السابق.
وهكذا… واصلت سالي إخفاء الحقيقة.
تنهدت مارغريت، ثم وقفت قائلة:
“نامي الآن. سأذهب لرؤية الآنسة.”
لكنها ما إن فتحت الباب حتى واجهتها إحدى الخادمات:
“استطعت المربية، لدي شيء أعطيكِ إياه.”
“ماذا هناك؟”
“أعطاني هذا رجل غريب عند النُزل، وقال إن أوصله لكِ.”
حدّقت مارغريت في الورقة التي قُدمت لها.
“من؟”
“لا أعرف. رأيته عندما خرجت عصرًا.”
شعرت مارغريت بالريبة. لا أحد في هذه البلدة يتجرأ على مراسلتها.
مجرد أحد السذج يحاول التحرش، كما يفعل بعض المتسكعين عند خروجي أحيانًا.
كادت تمزق الورقة دون فتحها، لكنها قررت أن تقرأها من باب الفضول فقط.
وحالما فعلت…
“…!”
اهتزت عيناها بعنف.
“إخفاء ابن خائن للعرش، عقوبته الأشغال الشاقة.”
هناك من يعرف أن راشيل صبي… ويعرف أنني أعلم ذلك أيضًا.
***
في وقت لاحق، بعد أن سألت الخادمة عن أوصاف الرجل، توجهت مارغريت إلى النُزل مسرعة.
كانت الأجواء مزدحمة، فالمهرجان يقترب، والمُسافرون يتوافدون من كل صوب.
سألت صاحب النُزل بلهفة:
“رجل بهذا الطول، لديه ندبة على خده الأيسر… هل نزل هنا؟”
“آه، نعم. كأنني كنت في انتظـارك. غرفته في الطابق الثالث، آخر غرفة يسارًا.”
توجهت إليها وهي تُخفض غطاء ردائها أكثر، وطرقت الباب.
طق طق.
“ادخلي.”
ارتجف قلبها.
دفعت الباب، فدخلت لترى الرجل كما وُصف لها… ومعه وجه مألوف.
توسعت عيناها ذعرًا.
أحد مفتشي الإمبراطور الذين زاروا الفيلا قبل أشهر…
انطفأت كل ألوان الحياة من وجهها.
الإمبراطور عَلِم بسر راشيل…
لكن خوفها لم يكن على راشيل…
كل ما قالته سالي… كان حقيقيًا.
كان يمكنها تجاهل الرسالة، لو لم يكن فيها ذلك التهديد الأخير:
“وإن لم تحضري، فسيعلم الدوق أن ابنتك أفشت سرّ الآميرة.”
حين قرأت ذلك، أسرعت لتسأل سالي إن كانت قد تكلّمت، وبعد تردد، اعترفت الطفلة بخطئها.
وهكذا، وجدت مارغريت نفسها في هذا الموقف، راكعة على الأرض.
“أر، أرجوك… لا تقتلني… لم أكن أنوي خيانة الإمبراطور! أردت فقط أن أربي ابنتي…!”
لكنه قاطعها ببرود:
“لم أطلب منكِ أن تأتِي لتبكي في وجهي.”
وأشار إلى المقعد المقابل.
“اجلسي.”
جلست مرتجفة، والعرق يتصبب من راحتيها.
ثم قال، بنبرة تكسوها اللامبالاة الممتزجة بالسطوة:
“جلالته يريد إنهاء الأمر بهدوء.”
هدوء؟
تلك الكلمة وحدها جعلت يديها ترتعشان.
رجت في قلبها أن لا يتضمن هذا “الهدوء” إزالتها وابنتها من الوجود.
المفتش، وكأنه يستمتع بقلقها، تأمّل ردود فعلها المرعوبة، ثم تكلّم:
“الفتاة التي جاءت مع جدّها إلى الريف… ستموت في حادث مؤسف.”
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"