أكبر تغيير حصل، كان بالطبع في العلاقة بين الدوق وراشيل!
فمنذ ذلك اليوم، بدأ الدوق يزيد تدريجيًّا من الوقت الذي يقضيه مع راشيل.
كانا يتناولان العشاء سويًّا، أو يشربان الشاي معًا، بل وأهداها سيفًا حقيقيًّا مصنوعًا خصيصًا لها.
وبالطبع، راشيل شعرت في البداية بغرابة حيال تغيّر الدوق ذاك.
‘لذلك كان الدوق يتعمّد إشراكي في جلسات الشاي، أو يُصرّ على أن أبقى لتناول العشاء.’
كان واضحًا أنّ هدفه من إشراكي هو تهدئة مشاعر راشيل المتوترة.
وقد أديت دوري بكلّ سرور.
صحيح أنّني فعلت ذلك من أجل الدوق، لكن أكثر من ذلك، كنتُ أرجو سعادة راشيل.
أترى، هل شعرت راشيل أيضًا بتلك المساعي والنية الطيبة؟
فراشيل، التي كانت تتجنّب التواجد مع الدوق، لم تعد تُبدي أيّ انزعاج الآن.
‘رغم أنها ما زالت قليلة الكلام أمامه.’
لكنّها، على الأقل، بدأت تتناول العشاء مع الدوق حتّى من دون وجودي.
والأهم من ذلك كلّه…
‘يبدو أنّ راشيل بدأت تجد بعض الاستقرار.’
هي لا تعلم ذلك، لكنّ عينيها لم تعدا مشبعتين بالحذر كما كان في السابق.
لم تعد تكافح وحدها لتحمي نفسها، بل صارت تشبه الأطفال الحقيقيّين الذين يملكون من يعتمدون عليه.
لقد كانت معجزة بحقّ.
“يمكننا الذهاب إلى القبو بعد قليل.”
سارعتُ بالقول خشية أن ترفض راشيل اقتراح الدوق.
عندها، أومأت راشيل بخفة نحو كبير الخدم.
“سنأتي قريبًا، فجهّز المكان من فضلك.”
“ما الذي تودّان شربه؟”
“أعدّ لي عصير عنب، من فضلك.”
“وأنا أريد مثلها تمامًا!”
انحنى كبير الخدم بابتسامة مهذّبة، ثمّ انسحب بهدوء.
“هيا نذهب، راشيل.”
وأثناء إمساكي بيد راشيل ونيّتي التوجّه إلى غرفة الاستقبال حيث كان الدوق ينتظر…
ɻʂʅɿʊʈʓʢʟʠ…….
‘هم؟’
سمعت صوتًا غريبًا كطنين خافت يرنّ في أذني.
لا، لم يكن مسموعًا تمامًا… بل بدا كأنّه يتردّد في رأسي.
كان الصوت ــ أو الشعور به ــ آتيًا من جهة النافذة.
أو بالأدق…
‘…الغابة الغربية؟’
تلك الغابة التي تُرى من النافذة الغربية.
في الجهة الغربية من قريتنا توجد غابة يمنعنا الكبار من دخولها، لأنّ الوحوش تظهر فيها أحيانًا.
‘أشعر وكأنّ شيئًا ما يناديني مرارًا…’
أثناء وقوفي متردّدة وأنا أحدّق نحو الغابة الغربية، سمعتُ صوت راشيل تسبقني.
“فيفيان؟”
“همم؟”
“ما الخطب؟”
“آه، لا. لا شيء إطلاقًا. هيا بنا.”
‘لا بأس، لا بدّ أنّها مجرد أوهام.’
حتى لو كان هناك أحد يناديني من الغابة،
فهل من المنطقي أن أسمعه من هنا؟
هززتُ رأسي سريعًا، وركضتُ باتجاه راشيل.
***
“هل ناديتنا؟”
حين دخلنا غرفة الاستقبال، كان الدوق في انتظارنا.
“أمطار اليوم غزيرة جدًّا. رأيتُ أن نؤجّل الذهاب حتّى تخفّ قليلاً، لذا دعوتكما.”
وأشار لنا بالجلوس على الأريكة المقابلة.
وعلى الطاولة، كانت هناك الشاي والعصير وبعض الحلوى الخفيفة، على ما يبدو قدّمها كبير الخدم.
وبينما كنتُ أسير نحو الأريكة ممسكة بيد راشيل، لاحظتُ أن الدوق نظر إلى يدينا المتشابكتين، فتركتُ يدها خلسة.
‘لا بدّ أنّ إمساك الأيدي أمام الدوق ليس لائقًا.’
لكنّ نظرات الدوق استقرّت طويلًا على يدينا، حتّى بعد أن جلستُ.
وحين تحوّلت نظرته منّا إلى النافذة، بدأ بالكلام.
“الجنوب فعلًا يشهد أمطارًا كثيرة.”
“وهل الشمال لا تمطر فيه كثيرًا في الصيف؟”
“ليس بهذا الشكل. صحيح أنّ الثلوج كثيرة في الشتاء، لكن… بالنسبة لي أجد المطر لطيفًا، أمّا القرويون، فلا أظنّهم يحبّون صيف الجنوب كثيرًا.”
“أنا أحبّ الأيام الممطرة! صوت المطر يساعدني على النوم بسهولة. لكن، أتمنّى فقط ألّا تمطر يوم المهرجان…”
“مهرجان؟”
أبدى الدوق اهتمامه بكلامي.
ولأنّ لديّ ما أودّ قوله عن المهرجان، سارعتُ بشرح الأمر.
“نعم! في كلّ صيف، يُقام مهرجان في القرية. البعض يتنكّر كالشياطين أو الأشباح، ويباع الكثير من الطعام اللذيذ!”
“تنكّر كالأشباح؟ يبدو ممتعًا.”
“في الواقع، أردتُ أن أطلب… هل يمكنني الذهاب إلى المهرجان مع الآميرة راشيل؟”
نظرتُ إليه بعينين ترجو الإذن، فأجابني بنظرة حادة.
“هل هي من طلبت الذهاب، أم أنّكِ ألححتِ عليها؟”
يا إلهي… كيف عرف؟
ارتبكتُ قليلاً من سؤاله الحادّ، لكنّي تمالكت نفسي وادّعيت بثقة.
“لا، لا! هي من قالت إنها تودّ الذهاب.”
كذبتُ دون أن أرمش.
من المستحيل كنتُ لأكذب أمام الدوق حين قابلته لأوّل مرة… لكن الآن، صرتُ أتمكّن من تلك الوقاحة.
تغييرٌ حصل لأنّني صرتُ… ‘صديقة’ للدوق؟
“ألم تكن تُجبرينها فقط على الذهاب؟”
“أرغبُ فعلًا في الذهاب.”
لحسن الحظ، دعمتني راشيل بكلامها.
ربّما تحسّنت علاقتنا بالفعل.
فالدوق الذي كان يُراقبنا بنظرات أكثر ليونة من ذي قبل، سأل:
“ومتى موعد المهرجان؟”
“بعد أسبوعين! آه، وإن كنتَ فضوليًّا، فهل ترغب في مرافقتنا؟”
“لا حاجة لي. اذهبا أنتما فقط.”
“واااه! الدوق رائع!”
“كلّ هذا الكلام المعسول…”
غمزني الدوق بنظرة جانبيّة، لكنّ فمه كان مرسومًا بابتسامة.
وبينما كنتُ أضحك بخفة، غيّر الدوق الموضوع وهو يتناول كوب شايه البارد.
“على كلّ حال، فيفيام… قلتِ إنّ والدك يُدير مخبزًا، صحيح؟”
“نعم.”
“تصادف أنّ الطاهي يحتاج مساعدًا… ففكّرتُ أن أُوظّف والدك، إن رغب بالأمر.”
عقدتُ حاجبيّ دهشة.
ويبدو أنّ راشيل أيضًا فوجئت، لأنّ الأمر لم يُناقش معها مسبقًا.
“تـ- تقصد والدي، كمساعد للطاهي؟”
“أجل. إن وافق، بالطبع.”
شعرتُ بوخزة.
لو أراد الدوق توظيف شخص كمساعد، لاستطاع بسهولة.
لكنّه عرض ذلك على والدي أولًا، أي أنّه يرى فيّ شيئًا إيجابيًّا.
‘لو أصبح أبي مستخدمًا في قصر الدوق، فلن يضطر للتنقّل بين المنزل والفيلا في الأيّام الممطرة.’
والأهم من ذلك…
‘راتب خادم في قصر الدوق لا شكّ سيكون أعلى بكثير من دخل المخبز.’
خصوصًا أنّ قصر إدلبين يضاهي القصر الإمبراطوري في الثروة.
بمعنى آخر، هذه فرصة ذهبية.
لكن…
“أنا ممتنّة لك حقًّا، لكن… أظنّ عليّ أن أرفض العرض.”
لم يبدو الدوق منزعجًا، وكأنّه توقّع الرفض، فسأل بهدوء:
“ما السبب؟”
“الأمر فقط…”
تردّدتُ قليلًا ثمّ أجبتُ بصراحة:
“أعلم أنّي لا يجب أن أقول هذا عن والدي، لكن… والدي لا يملك موهبة في الخَبز أو الطبخ…”
رغم أنّني أملك طموحات كثيرة، إلّا أنّني لا أستطيع التضحية بضميري.
“هل هذا تواضع فحسب؟”
“لو كنتُ أحبّ والدي فعلًا، لكنتُ بالغتُ في مدحه أمام الغرباء، أليس كذلك؟”
بمعنى أنّ والدي لا يمكن الدفاع عنه حتّى بالمحبّة.
عندها، انفجر الدوق ضاحكًا.
“كنتُ أتوقّع الرفض، لكن ليس بهذ
ا السبب. صرتُ أرغب بتذوّق خبز والدك، بدافع الفضول!”
ثمّ سألني مجدّدًا.
“هل لدى والدك أيّ عمل آخر يُجيده، أو أمر يهوى فعله؟”
يبدو أنّ الدوق مصمّم على توظيف والدي بأيّ شكل.
فغرقتُ في التفكير…
‘ما الذي يُجيده والدي…؟’
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
التعليقات لهذا الفصل " 28"