“النسيج يوحي بأنه من شجرة الجنكو. وبما أن اللون لم يتغيّر، فلا بدّ أنه جفّ تمامًا في الظل.”[ الجنكة أو الجنكو أصلها من الصين وهي واحدة من أقدم أنواع الأشجار على وجه الأرض، وتُعرف بلقب “الأحفورة الحيّة” لأنها بقيت بدون تغيّر تقريبًا منذ ملايين السنين.]
“رائحة الجنكو تطرد الحشرات. لذا فهي جيدة لحفظ الكتب. ستكون مفيدة.”
“……”
“عندك عين خبيرة في اختيار الأشياء.”
عندها فقط أدركت فيفيان.
أن كالتز قد أساء فهم مشاعرها عمداً قبل قليل، وكان ذلك لمجرد مزاح منه لإغاظتها.
“سأستخدمها جيدًا.”
وأن مدحه لخصائص الشيء، كان في الحقيقة طريقته الخاصة في التعبير عن الإعجاب، لأنه لا يُجيد التعامل مع الأطفال.
فيفيان رمشت بعينيها الكبيرتين وهي متفاجئة، ثم سرعان ما محَت قلقها وابتسمت ابتسامة مشرقة.
“لا داعي للشكر!”
ثم اقتنصت الفرصة فورًا وقالت:
“هل يمكنني القدوم لقراءة الكتب مع الدوق من الآن فصاعدًا؟”
رفع كالتز حاجبه الأيسر بدهشة من المسار غير المتوقع للمحادثة.
‘…كيف تحوّل الحديث إلى هذا؟’
“قال أستاذ الآداب إنك تستطيع معرفة شخصية المرء من خلال الكتب التي يقرأها.”
“هل ترغبين في معرفة من أكون؟ ولماذا؟”
“لأنني أريد أن أكون صديقة للدوق.”
تجهم وجه كالتز قليلًا عند إجابة فيفيان.
“إذًا، الهدية كانت رشوة.”
لم يرغب في مواصلة الحديث غير الضروري، فدخل في صلب الموضوع مباشرة.
“ما الذي تطلبينه مقابل ذلك؟”
رمشت فيفيان بعينيها بدهشة من سؤاله المباشر.
“إن أخبرتني بصراحة ما الذي ترغبين فيه، فقد ألبيه لك.”
لقد تغيّر الجو في القصر منذ مجيء هذه الطفلة.
‘راشيل تغيّرت، وحتى الخدم الذين كانوا في مزاجٍ متقلب بسبب قدومهم إلى قرية غريبة استعادوا هدوءهم.’
وبالتفكير في التأثير الذي أحدثته، فرغم أن نواياها قد تكون جريئة، إلا أن كالتز لم يجد ضررًا في الاستماع إلى طلبها.
مهما كان ما تريده، فلن يكون عسيرًا عليه.
وما دام من يتذوّق طعم السلطة يصبح أكثر إخلاصًا، فلا بأس في ترويضها مبكرًا.
لكن…
“لا أريد شيئًا. ما أريده فقط هو أن أصبح صديقة للدوق.”
كانت عيناها الطفوليتان صادقتين ونقيتين بشكل حازم.
فازداد ارتباك كالتس.
“ولِمَ ذلك؟”
“لأن الدوق يبدو لي شخصًا طيبًا.”
شخصٌ طيب، وليس مُخيف؟
كان وصفًا غريبًا عليه.
“…ثم ماذا؟”
“قال أستاذ الفلسفة إنك إذا كسبت صديقًا جيدًا، فكأنك عشت حياة أخرى.”
“……”
“لذلك أريد أن أكون صديقة للدوق.”
كتم كالتز ضحكةً ساخرة.
كان قد ألحقها بالدروس لتستفيد، لكنها على ما يبدو أصبحت أذكى خلال تلك الفترة القصيرة.
صداقة بين دوق وفتاة صغيرة عادية، بفارق جيلين؟ يبدو أمرًا ساخرًا.
لكن فيفيان، وكأنها قرأت أفكاره، ابتسمت ببراءة وكشفت عن طموحها:
“إذا صرت صديقتي، ستستمتع بذلك! لدي الكثير من الأصدقاء في سنّك يا دوق.”
“هاه.”
بل وراحت تتفاخر بأنه ليس أول صديق لها من هذا الجيل.
ابتسم كالتز بسخرية مذهولة.
كانت طفلة أذكى، بل أخطر مما توقع.
***
منذ ذلك اليوم، باتت فيفيان تزور كالتز كلّما ذهبت راشيل لتلقي دروس الوريثة.
كانت قلقة من أن يطردها بغرض الإزعاج، لكنه استقبلها جيدًا.
وكانت ترى بعض الإشارات الإيجابية في سلوك كالتز الجاف، على سبيل المثال…
‘آه، عصير التفاح اليوم!’
وجود الوجبات الخفيفة المجهزة في الوقت الذي تصل فيه.
اعتبرت فيفيان أن هذه أمور إيجابية.
‘رغم أن الخادم هو من أعدّها بالتأكيد.’
لكنه لم يطلب إزالتها رغم أنه لا يأكلها، مما يعني أنه وافق ضمنيًا على وجودها.
“شكرًا على الطعام!”
كالتز نظر إليها بصمت وهي تأكل بحماسة، ثم سأل:
“ما الموضوع الذي ترغبين في مناقشته اليوم؟”
كانت أحاديثهما تدور غالبًا حول الكتب التي قرأتها فيفيان أو درستها.
‘هل حقًا قرأ الدوق كل كتب العائلة؟’
في البداية لم تصدق، لكنه فهم كل ما كانت تشير إليه، مهما كان الكتاب.
“في درس الفلسفة اليوم، قرأت كتابًا بعنوان <الحياة سلسلة من الندم>. وأردت مناقشته معك.”
ضحك كالتز بخفة.
تسع سنوات فقط، وتقرأ كتبًا بهذا العمق؟
لكنه كان مهتمًا بمعرفة ما تفكر فيه طفلة قرأت كتابًا كهذا.
“هل مررت بندم كبير في حياتك؟”
“نعم. وهذا الكتاب جعلني أعيد التفكير في ذلك الموقف.”
“أي موقف؟”
في تلك اللحظة، وقف طائرٌ مجهول على غصن الشجرة خارج النافذة وغرّد.
نظرت فيفيان إليه ثم بدأت تتحدث.
“في الماضي، جلب أبي فرخ طائر تائه وجدَه في الغابة. كان صغيرًا جدًا وجميلًا. فاعتنيت به جيدًا، ثم أعدته إلى الغابة…”
نظر إليها كالتز وهي تتحدث بعينين حزنتين.
لم يكن بحاجة لسماع الباقي ليفهم النهاية.
“بعد فترة، وجدناه ميتًا أمام بيتنا. يبدو أنه تعرض لهجوم ثعبان، فهرب وعاد إلينا.”
“إذًا، ندمتِ على إطلاق سراحه؟”
“كثيرًا. فكّرت مرارًا وتكرارًا أنه لو لم أُعده للغابة، لكنّا نعيش معًا حتى الآن.”
“لكن ليس كل فعل بحسن نية يؤدي إلى نتيجة جيدة.”
“……”
“وليس ذلك خطأك. فأنت لم تعرفي المستقبل، واتخذتِ أفضل قرار في وقتها.”
“هذا صحيح…”
“وفوق ذلك، كان اختياره أيضًا. هو من طار بعيدًا عنك.”
“لكن… لو لم أُعده للخارج من البداية، ألن يكون قد بقي عندي؟”
“ولو أنكِ حبستِه في قفص وقدّمتِ له أشهى الطعام، لربما أمضى حياته يتوق إلى الحرية، وكرهكِ حتى موته.”
كالتز كان يعرف تمامًا أن الكائنات العزيزة جدًا قد تُحبَس بدافع الحب، لكنه اختبر أن ذلك لا يمنحها السعادة.
فهو أيضًا ربّى إيسيلّا بهذه الطريقة ذات مرة.
فأكمل حديثه.
“لو ظللتِ تفكرين في احتمالات ‘لو’، فلن تصلي إلى نهاية. ركزي على ما حدث فعلًا.”
“ما حدث…”
“الفرخ عاش سعيدًا بجوارك، ثم حظي بحريته في الغابة، فلا بدّ أنه كان سعيدًا.”
“……”
“ربما ندم في لحظة موته، لكن ذلك ليس عبئكِ، بل عبؤه هو.”
قد يبدو حديثه قاسيًا، لكنه كان طريقته في التخفيف عنها.
“حتى وإن كان الأمر مؤلمًا، عليكِ أن تتركي الماضي الذي لا يمكن تغييره. فحتى ذلك الفرخ، لا يودّ أن تبقي عالقة في الماضي بسببه.”
نظرت فيفيان إلى كالتز مطولًا.
شعر كالتس بنظرتها، فأدار وجهه نحوها.
خطر له أن نبرة صوته الجافة قد آذتها، لكن على عكس توقعه، ابتسمت فيفيان وقالت:
“الدوق يبدو كأنه بالغ حقيقي.”
“…بالغ حقيقي؟”
“نعم، فالكبار الحقيقيون يفهمون أكثر من الأطفال، وأشعر أنك تفهمني حقًا.”
ابتسم كالتز ابتسامة خفيفة.
لكن تلك الابتسامة حملت شيئًا من المرارة.
رغم كل ما قاله، لم يشعر يومًا بأنه ‘بالغ حقيقي’. لم يتوقف عن اتخاذ قرارات خاطئة، أو عن الندم.
ينصحها بترك الماضي، ل
كنه نفسه لا يزال عالقًا فيه.
فجأة سألت فيفيان بعينيها البريئتين:
“هل سبق أن شعرت بالندم يا دوق؟”
توقّف كالتز، وكأنها نبشت في جرح كان لتوه يتفحّصه في داخله.
“بما أنك استمعت إلى قصتي، أودّ أن أستمع إلى قصتك أيضًا.”
ترجمة:لونا
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"