“لا بد أنّها ارتاعت بسببي كثيرًا. الأفضل أن أتركها لترتاح وحدها اليوم.”
“لكن…… لو كنتُ مكانها، لما أحببتُ أن أستيقظ وأجد نفسي وحيدًا.”
“أجل، أليس كذلك؟”
أجاب سيغموند سريعًا كما لو أنّه كان ينتظر هذا القول.
فهو في الحقيقة كان متلهّفًا لرؤية مابيل ولم يعد يقوى على الصبر.
ضحك آسيلت بدهشة ثمّ دفعه برفق من ظهره.
“نعم. إذن ادخل إليها بسرعة.”
“حسنًا. شكرًا لك على تشجيعي.”
بعثر سيغموند شعر آسيلت ثمّ خطا مسرعًا إلى غرفة مابيل.
كان جوّ الغرفة خافتًا إذ أُضيئت فيها شموع قليلة ليهدأ الطفلة.
“هوف… هوف…”
وفي ذلك السكون سُمِع صوت أنفاس الطفلة الصغيرة وقد هدأ اضطرابها.
‘شكرًا للسماء……’
مع أنّه سمع كلام الطبيب، إلا أنّ سيغموند لم يطمئن إلّا حين رأى حال مابيل بعينه.
‘أن تصل بها الصدمة إلى فرطِ التنفّس…….’
سحب كرسيًّا وجلس عند حافّة السرير غارقًا في التفكير.
‘من ذا الذي لا يُصدم إن سمع أنّ أمَّه في الحقيقة شريرة؟’
لكنّ مابيل لم تُظهر أيّ مشاعر خاصّة تجاه صوفيا.
ولذلك لم يتردّد سيغموند في المضيّ بترتيبات المحاكمة وكشف أمر الوصمة.
‘ومع ذلك، يظلّ الطفل يرى في أمّه كائنًا ثمينًا……’
مدّ سيغموند يده بحذر وأزاح خصلة شعر عن جبينها.
شعرها الرقيق المنساب على أطراف أصابعه جعله يحسّ بعاطفة جياشة.
ظلّ سيغموند يتأمّل مابيل النائمة بعمق.
كانت طفلةً عجيبة حقًّا.
فمع أنّها الابنة الشرعيّة لكايسر وصوفيا، إلا أنّ ملامحهما لم تظهر فيها إطلاقًا.
‘في آشيلونيا ولا في لاندر، لم يكن هناك أحد بشعرٍ أرجواني كما أذكر.’
بل إنّ العائلة المشهورة بالشعر الأرجواني كانت عائلة أخرى.
إنّها عائلة إسكليد.
صحيح أنّ سيغموند ورث عن أمّه الشعر الفضي، لكنّ السلالة المباشرة لعائلة الدوق كانت دائمًا تملك شعرًا أرجوانيًّا.
حتى والد سيغموند، الدوق السابق نفسه، كان شعره بلون مابيل عينِه.
وفوق ذلك، فإنّ العيون الحمراء التي تحملها مابيل هي السمة البارزة في سلالة إسكليد المباشرة.
‘ولهذا السبب، فإنّ كايسر الذي يكرهني بشدّة، لم يستطع أن يحبّ هذه الطفلة أبدًا.’
وكانت وراثته الكاملة للقب، التي تُعَدّ كلّ شيء بالنسبة له، في الحقيقة ثمرة جهد سيغموند الكبير.
‘لكنه يُصرّ على تجاهل ذلك بعناد……’
لا يمكن أن يجهل الحقيقة.
فقدرة صوفيا على كشف فضائح ورثة آشيلونيا وكشف أسرار دوقة عائلة لاندر لم تكن إلا بفضل سيغموند.
كان ذلك في تلك اللحظة، عندها وُسِمتُ.
شدّ سيغموند على كتفه الموسوم، وغاصت عيناه في ذكريات الماضي.
حين كادت صوفيا أن تُباع بفعل إخوتها، كان كايسر من أنقذها.
وهكذا، وبرغم كونها ابنة غير شرعية، أصبحت خطيبة أمير آشيلونيا، وبذلك نالت بعض الأمان.
أمّا سيغموند، الذي كان قد غادر للدراسة، فقد عاد بعد ذلك.
وكانت عائلة إسكليد قد دأبت منذ زمن بعيد على دراسة الكيمياء القديمة، وكثيرًا ما حصلت على مواد نادرة عبر عائلة لاندر.
لذا كان من الطبيعي أن تنشأ صلة بين ورثة هذين البيتَين.
أراد سيغموند أن يساعد صوفيا لاحقًا، لكن على سبيل الصداقة لا أكثر.
-“أتدري؟ في الحقيقة أنا…… أحببتُك يا سيغموند. وأردتُ يومًا أن أكون زوجتك.”
أربك كلامها سيغموند كثيرًا.
فالمعروف أنّ كايسر وصوفيا كانا يتبادلان الحب منذ زمن طويل، وقد أُعلن عن خطوبتهما مؤخرًا.
فكيف يتّضح أنّ صوفيا كانت تُكنّ مشاعر لسيغموند أصلًا؟
لم يستطع سيغموند أن ينطق بكلمة، فابتسمت صوفيا بخفّة.
-“لكن ذلك كان قبل أن أفهم ما هو الحب. لقد ظننته حبًّا، لكنّه لم يكن كذلك.”
-“آه…….”
بعد أن التقت كايسر، أدركت صوفيا الحقيقة.
-“آه، هذا هو الحب. ما أروع أن يحبّ الإنسان أحدًا بهذا القدر. إنّ الحبَّ شعور لا يمكن أبدًا أن يختلط بالصداقة.”
كان وجه صوفيا وهي تقول ذلك جميلاً كوجه فتاةٍ غارقةٍ في نشوة حبّها الأوّل.
-“حين أستعيد الأمر، أرى أنّ رغبتي في أن أصبح زوجتك لم تكن إلا انعكاسًا لرغبة أبي. لقد كان يحبّني كثيرًا، وكان دومًا يقول إنّ ما يليق بي لا يقلّ عن أن أكون زوجةَ دوقٍ كبير.”
-“إن كان هو، فلا عجب أن يقول ذلك.”
-“لكن حين أحببتُ كايسر، أدركتُ الحقيقة. المال والسلطة والألقاب لا قيمة لها. إن كنتَ مع من تحبّ، فأيّ مكانٍ سيكون جنّة.”
كانت عينا صوفيا تلمعان كأنّها في حلم، وصوتها وهي تتكلّم عن حبّها لكايسر كان عذبًا كالعسل.
ولهذا أسقط سيغموند حذره.
ففي الشاي الذي أعدّته صوفيا بيدها بعد زمنٍ طويل من الفُرقة، كان الدواء مذابًا.
وبينما كان يترنّح ساقطًا، امتلأت عينا سيغموند بخيانةٍ مريرة.
والوجه الذي انعكس فيه كان وجه صوفيا، لكنّه لم يكن أبدًا وجه تلك الفتاة البريئة الغارقة في حبّها.
-“آسفة يا سيغموند. لكن الواقع ليس رحيمًا. لقد أدركت أنّ الحبَّ وحده لا يكفي.”
كان وجهها، وهي تعترف، وجه امرأةٍ انكسرت تحت صخرة الواقع القاسي.
نهضت صوفيا من مكانها واقتربت من سيغموند الذي هوى على الأرض.
حاول هو أن يقاوم ويعضّ على شفتيه ليستعيد وعيه، لكنّ محاولاته باءت بالفشل.
فقد أمسكت صوفيا بذقنه وسكبت مزيدًا من الدواء في حلقه.
“لكن، ستظلّ تشجّعني، أليس كذلك؟ فأنت صديقي منذ الطفولة.”
قالت ذلك وهي تنطق بأبشع العبارات.
أراد سيغموند أن يقول الكثير، لكن جسده لم يتحرّك.
بدأ وعيه يتلاشى شيئًا فشيئًا حتى أغمض عينيه في النهاية.
وهو يظنّ بسذاجة أنّ ما يحدث له لا يمكن أن يكون أسوأ.
-“كيف، كيف يا صوفيا تفعلين بي هذا؟!”
صرخ حين استعاد وعيه جزئيًّا، بعد أن شعر بحرارة ألمٍ حارقٍ في كتفه.
لكنّه لم يستطع أن يمدّ يده بالأذى إلى صوفيا.
ذلك لأنّ الختم الذي عدّلته بمهارتها في الخيمياء قد كبّل جسده.
فصوفيا، التي ورثت بعض الموهبة في الخيمياء، استخدمت ملايين الدالانتات من الأحجار السحريّة المخزونة في عائلة إسكليد، لتنجح في النهاية بتحويل سيغموند إلى عبدٍ لها.
“أنا وكايسر صديقاك، أليس كذلك؟ يمكنك أن تتمنّى لنا السعادة، صحيح؟”
“ماذا تقولين؟!”
“لمَ أنت غاضب هكذا؟ لقد سرتَ دومًا في طريقٍ ممهد كابنٍ للدوق بلا أدنى همّ. فاعتبر هذا امتيازًا منّي لك.”
كان موقف صوفيا في غاية الصفاقة والوقاحة.
لكن لحسن الحظ، لم تستطع أن تتباهى علنًا بأنّها أصبحت سيّدة سيغموند.
إذ كان وسمُ البشر بالنقوش العبوديّة جريمةً كبرى.
غير أنّ تلك كانت كلّ البركة التي نالها سيغموند.
فمنذ ذلك الحين صار مضطرًّا لتنفيذ أوامر صوفيا.
يستغلّ قوّة عائلة إسكليد الكبرى ليكشف فساد أبناء آشيلونيا الشرعيّين.
ويجمع الأدلة على فضائح دوقة عائلة لاندر باسم وريث إسكليد.
وبفضل سيغموند، ازدادت ثروة صوفيا التي اشترت بها السموم، حتى أطاحت في النهاية بدوق آشيلونيا نفسه.
وهكذا، كانت ترقية كايسر في الواقع ثمرة ما فعله سيغموند.
في ذلك الوقت، راود سيغموند شكٌّ بأنّ كايسر، الذي كان يتصرّف بعمى في ولائه لصوفيا، قد وُسِم هو الآخر بختم العبوديّة.
لكنه حين اقترب منه بحذر، لم يلقَ سوى نفورٍ شديد.
فقد تبيّن أنّ الاثنين لم يعتبرَاه يومًا صديقًا بحقّ.
وهذا أيضًا جزء من “الحقيقة” التي لم تعرفها مابيل.
“أه…….”
أعاد صوت تقلب مابيل الصغيرة سيغموند إلى الواقع.
كانت الطفلة تدفع بقدميها الغطاء كما لو كانت تسبح، ثمّ أصدرت أنفاسًا هادئة وعادت للنوم.
‘إيلا أخبرتني أنّها كثيرة الحركة أثناء النوم…… يبدو أنّ الأمر صحيح.’
كاد أن يتلقّى ركلة في ذقنه لولا أن تدارك الأمر.
أعاد سيغموند تغطية مابيل برفق، ثم رتّب خصلاتها المبعثرة وهو يفكّر.
‘على الأقل، بعد فرار صوفيا لم أعد مقيّدًا بالوصمة. ولهذا أُتيح لي أن ألتقي مابيل وأحتضنها.’
ظلّ يداعب شعرها طويلًا، ثمّ انحنى قليلًا نحوها.
‘لا تقلقي يا مابيل، ونامي مطمئنّة. لأنّكِ أنتِ بالذات…… سأنتزعكِ من براثن صوفيا مهما كلّف الأمر.’
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"