━━━●┉◯⊰┉ الفصل 5 ┉⊱◯┉●━━━
آه، لا يُصدَّق.
‘كنتُ أنوي الرَّاحةَ قليلًا ثمَّ طلبَ العودةِ…’ لكنَّها نامتْ بعمقٍ حتّى شعرتْ وكأنّها وُلدتْ منْ جديدٍ لأرتياحها الشديد هنا.
أومضتْ مابيل بعينيْها ببطءٍ.
معَ زوالِ النَّومِ، بدأتْ تركّزُ تدريجيًّا، فبانَتْ ملامحُ الغرفةِ بوضوحٍ.
كانتِ الغرفةُ واسعةً بما يكفي للعبِ، كما أنها مليئةٌ بألعابٍ يحبُّها الأطفالُ.
كلُّها هدايا منْ أهلِ قصرِ الدّوقِ قد جلبوها في يومٍ واحدٍ.
قالَ البعضُ إنّهم ذهبوا إلى القريةِ على عجلٍ لشرائِها.
رغمَ هذا العناءِ، لمْ يطلبوا منْ مابيل شيئًا.
بلْ، كانوا يتلهَّفونَ لتقديمِ المزيدِ.
كيفَ يمكنُ ذلكَ؟ كانَ هذا أمرًا عجيبًا.
‘يقولونَ إنَّ النَّاسَ يتجمَّعونَ معَ أمثالِهم، فلا بدَّ أنَّ الأشخاصَ الطَّيّبينَ لا يحيطُهم إلّا الطَّيّبونَ.’
أصبحَ الأمرُ محيّرًا قليلًا.
“كنتُ أفكّرُ أنَّ الدّخولَ إلى عرينِ النَّمرِ آمنٌ إذا بقيتُ متيقّظةً…”
لكنْ، ماذا لو أحببتُ عرينَ النَّمرِ هذا؟
وعلى غِرارِ هذا…شعرتْ الآن وكأنّها تواجهُ معضلةً غيرَ متوقَّعةٍ.
“ممم…”
بينما كانتْ تسحقُ خدَّها على الفراشِ النَّاعمِ وتفكّرُ بعمقٍ، تذكَّرتْ فجأةً كلامَ داين:
‘ربَّما ظننتِ أنّكِ تسلَّلتِ إلى قصرِ الدّوقِ بنجاحٍ، لكنْ هذا هو الحدُّ. سأكشفُ كلَّ شيءٍ قريبًا.’
“السَّيّدُ المساعدُ… لقدْ أعلنَ الحربَ، لكنَّه لمْ يفعلْ شيئًا يُذكرُ.”
ظنَّتْ أنّه قدْ يحبسُها أو شيءٍ منْ هذا القبيلِ، لكنّه رافقَها إلى هنا قائلًا:
‘إذنْ، ارتاحي. اليومُ سيكونُ آخرَ يومٍ للرَّاحةِ.’
ثمَّ غادرَ فجأةً.
شعرتْ مابيل، التي كانتْ متوترةً داخليًّا، وكأنّها أصبحت حمقاء لأنها لا تفهم ما يفكّر فيه.
استمرَّ الأمرُ كذلكَ.
أثناءَ استحمامِها معَ الخادماتِ، ظهرَ فجأةً، فظنَّتْ أنّه سيطردُ الخادماتِ:
‘تحاولينَ التَّظاهرُ بالزُّهدِ بعدمِ استخدامِ هذهِ الألعابِ؟ لقدْ أخطأتِ!’
أعطاها لعبةَ بطَّةٍ صغيرةٍ تطفو على الماءِ ولعبةَ سفينةٍ تعملُ بالزَّنبركِ.
وعندما كانتْ تنعسُ أثناءَ تجفيفِ شعرِ الخادماتِ:
‘تتظاهرينَ بالإغماءِ منَ العطشِ بعدَ الحمّامِ لتمديدِ إقامتِكِ؟ لقدْ كشفتُ نواياكِ!’
ظهرَ فجأةً وأعطاها ماءً منعشًا باللَّيمونِ والخيارِ وكعكةً صغيرةً ثمَّ غادرَ.
قالتْ إيلا، الخادمةُ المكلَّفةُ بمابيل، إنَّ الكعكةَ ربَّما صنعَها داين بنفسِه.
كانتْ لذيذةً جدًّا.
حتّى أثناءَ فحصِ الطَّبيبِ لها، تدخّلَ كثيرًا:
‘افحص كلَّ مرضٍ مهما كانَ صغيرًا! لا نريدُ أنْ يُقالَ إنّها مرضتْ هنا! آه، أليسَ منَ الطَّبيعيِّ إعطاءُ الحلوى بعدَ الحقنةِ؟ قدْ تشتكي إنْ لمْ تأكلْ حلوى، أحضروا الحلوى!’
“ما الذي كانَ يقصدُه…؟”
لمْ تفهمْ مابيل، لأنَّ داين لمْ يكنْ شخصيّةً بارزةً في الرِّوايةِ.
“همم…”
“سيّدتي الصَّغيرةُ، هلْ نضغطُ على أنفِكِ اللَّطيفِ كي تستيقظي؟”
سُمعَ صوتُ إيلا منْ خلفِ البابِ.
حينها نهضتْ مابيل بسرعةٍ وأجابتْ:
“استيقظتُ!”
فتحتْ إيلا البابَ وأطلَّتْ بوجهِها.
كانتْ عيناها النَّحيلتانِ ونبرتُها الغنائيّةُ ساحرتيْن.
“إذنْ، هلْ نتناولُ فطورَ الطِّفلةِ الآنَ؟”
كانتْ إيلا تعاملُها كطفلةٍ أكثرَ منْ أيِّ شخصٍ آخرَ.
فطورُ طفلةٍ؟
هلْ يُعقلُ أنْ تُسمّى طعامًا لطفلةٍ وهي في الثَّامنةِ؟
وهي، رغمَ مظهرِها، متجسّدةٌ تدركُ أنَّ هذا العالمَ روايةٌ!
“نعمْ، حسنًا! لنذهبْ لتناولِ الفطورِ!”
حاولتْ مابيل التَّأكيدَ على ‘الفطورِ’ دون كلمة طفلة لكنْ دونَ جدوى.
“نعم، حانَ وقتُ تناولِ فطورِ الطِّفلةِ!”
كانتْ إيلا خصمًا قويًّا.
“لقدْ أعدَّ الطَّاهي شيئًا لذيذًا لسيّدتي الصَّغيرةِ، فلنذهبْ بسرعةٍ!”
كانت مرارةُ الفشل الثَّالث محرجةً ومُشعلةً للحماسِ في آنٍ واحدٍ.
***
أمسكتْ مابيل بيدِ إيلا ووصلتْ إلى غرفةِ الطَّعامِ، حيثُ كانَ سيغموند جالسًا بالفعلِ.
عندما رآها، ضحكَ وقالَ:
“لمَ ينتفخُ وجهُكِ وعيناكِ كلَّما نمتِ؟ لستِ سمكةً منتفخة.”
عبستْ مابيل عندَ هذا المزاحِ:
“عينيّ مفتوحتانِ! أنهما مفتوحتانِ!”
ضحكَ النَّاسُ على ردِّ فعلِها.
أدركتْ مابيل أنّها أُخذتْ على حينِ غرَّةٍ، فاحمرَّ وجهُها كالجزرِ.
جلستْ بسرعةٍ لتغييرِ الموضوعِ:
“أممم، هل سأتناولُ الطَّعامَ معَكَ؟”
“ومعَ منْ غيري؟”
“لكنَّكَ رئيسُ العائلةِ…”
أنا مجرَّدُ أميرةٍ شبحيّةٍ، غيرُ مرئيّةٍ، فهلْ يُسمحُ لي بمشاركةِ الطَّاولةِ معكَ؟
كانتْ تقصدُ هذا، لكنْ جاءَ ردُّ سيغموند غيرَ متوقَّعٍ:
“إذنْ، اناديني برئيسِ العائلةِ، وليسَ السَّيّدَ.”
يبدو أنّه كانَ يهتمُّ بتكرارِها لكلمةِ ‘السَّيّدِ’.
حسنًا، هو في الثّلاثينَ فقطْ، فلا عجبَ أنْ يكرهَ أنْ يُنادى بالسَّيّدِ. بينما كانتْ مابيل تُومئُ في داخلِها، جاءَ الطَّاهي بنفسِه يجرُّ عربةً.
“أوه، هذهِ هي السَّيّدةُ الصَّغيرةُ التي سمعتُ عنها!”
بالأمسِ، نامتْ مابيل دونَ عشاءٍ، لذا كانَ هذا أوّلُ لقاءٍ مع هذا الشخص.
كانَ شاربُه المشابهُ لشخصيّةِ برينغلز لافتًا.
“حقًّا…! أنها لطيفةٌ جدًّا… آه!”
فجأةً، عبسَ الطَّاهي.
“ما هذا؟ هذهِ الذّراعُ النَّحيلةُ، مجرَّدُ عظمٍ وجلدٍ! هلْ أنتمتمْ دونَ إطعامِها العشاءَ؟!”
نظرتْ مابيل إلى معصمِها النَّحيلِ الظَّاهرِ منْ فستانِها.
كانَ نحيفًا جدًّا.
كانتْ أكمامُ الملابسِ الجاهزةِ، التي اشتروها على عجلٍ بالأمسِ، طويلةً جدًّا.
“هذا لا يُمكنُ! في مطعمِ جاك فان ميرغر، هذا مستحيلٌ!”
قبلَ سيغموند، وضعَ جاك الطَّعامَ أمامَ مابيل بسرعةٍ.
“كلي بسرعةٍ، سيّدتي. وكبري بسرعةٍ، مثلَ براعمِ الخيزرانِ!”
“براعمُ خيزرانٍ؟”
“نعمْ، أنا، جاك فان ميرغر، سأتأكَّدُ أنَّ هذهِ الملابسِ لنْ تُناسبَكِ طويلًا!”
كانَ جاك يحملُ دفترًا صغيرًا وقلمَ ريشةٍ.
“إذنْ، ما الطَّعامُ المفضّلُ لسيّدتي الصَّغيرةِ، وما الذي يجبُ تجنّبُه-”
“جاك، ألن تعطيني طعامًا؟”
سألَ سيغموند بدهشةٍ.
“آه، نعمْ، خذْ.”
أجابَ جاك بعفويّةٍ وعاودَ التَّركيزَ على مابيل.
“سيّدتي، هلْ تحبّينَ الحلوياتِ؟ ماذا عنِ الطَّعامِ المتبّلِ؟”
تذكَّرتْ مابيل أحداثَ الرِّوايةِ وآدابَ احترامِ الكبارِ، فنظرتْ إلى سيغموند بخوفٍ منْ أنْ يُطردَ الطَّاهي اللَّطيفُ.
لكنْ، على عكسِ مخاوفِها، تنهَّدَ سيغموند قليلًا، نهضَ، أخذَ طبقَه، وعاودَ الجلوسَ.
بدتْ تصرّفاتُ الخدمِ مألوفةً، ولمْ يهتمَّ أحدٌ.
‘ما هذهِ الطَّباعُ العائليّةُ؟’
لمْ تُذكرْ في الرِّوايةِ، ولمْ ترَ مثلَها في ذكرياتِها الحديثةِ…
لكنْ، معَ هذهِ الطَّباعِ، شعرتْ أنَّ أميرةً شبحيّةً مثلَها يمكنُ أنْ تشارك الدوق الطَّاولةَ دونَ قلقٍ.
“جاك، مهما كانَ، يجبُ أنْ تأكلَ الطِّفلةُ براحةٍ أوّلًا.”
“آه، أخطأتُ، أنا جاك فان ميرغر. سأزورُ غرفةَ السَّيّدةِ لاحقًا، فتناولي طعامَكِ براحةٍ!”
عندَ تنبيهِ سيغموند، خرجَ جاك بعربتهِ، التي تحملُ طبقيْن لمْ يُقدَّما.
مالتْ مابيل برأسِها وسألتْ:
“هلْ سيأتي أحدٌ آخرُ؟”
“لا، لا تهتمّي وكلي. يبدو أنّه لنْ يأتي اليومَ.”
أجابَ سيغموند وهو يقلّبُ أوراقًا، فلمْ تسألْ مابيل أكثرَ وأمسكتْ بالملعقةِ.
أمسكتْ مابيل ملعقةً أكبرَ منْ يدِها ووضعتْ لقمةً مليئةً بالريزوتو العطريِّ.
【توضيح/ الريزوتو هو طبق إيطالي يُحضَّر من أرز قصير الحبة يُطهى ببطء مع المرق ويُحرَّك باستمرار حتى يصبح كريميًّا، ثم يُضاف إليه الجبن والزبدة وأحيانًا المشروم أو الروبيان أو الخضار.】
كما شعرتْ عندما تناولتْ وجبةً خفيفةً -لكنْ وفيرةً- عندَ وصولِها بالأمسِ، كانَ طعامُ القصرِ لذيذًا جدًّا!
بينما كانتْ تفرغُ الطَّبقَ بحماسٍ، شعرتْ بحرارةٍ على خدِّها.
‘لمَ، لمَ يحدّقُ…؟’
منذُ متى، كانَ سيغموند ينظرُ إليها بثباتٍ.
كانَ طبقُه، الذي لمْ يمسَّه، كما هو.
‘هلْ يوبّخُني لأنّني أكلتُ أوّلًا؟!’
كانَ ذلكَ منطقيًّا.
سيغموند رئيسُ عائلةِ الدّوقِ، ومابيل أميرةٌ شبحيّةٌ منْ عائلةٍ معاديةٍ.
لا بدَّ أنّه جعلَها تشعرُ بالرَّاحةِ ليطعنَها على حينِ غرَّةٍ.
فضلًا عنْ ذلكَ، كانتْ مابيل طفلةً تعرفُ احترامَ الكبارِ.
عندما وضعتْ مابيل الملعقةَ، تحرَّكَ حاجبُ سيغموند بعدم فهمٍ.
“لمَ، لمَ لا تأكلينَ أكثرَ؟”
“آسفةٌ.”
“على ماذا؟”
عبسَ سيغموند عندما تحدَّثتْ بحذرٍ بعدَ أكلِها بنهمٍ.
شعرَ أنَّ الحديثَ معَ مابيل لا يمكنُ توقّعُه، فانتظرَ ردَّها.
“كانَ يجبُ أنْ أنتظرَ حتّى تأكلَ، لكنّني أكلتُ أوّلًا.”
توقَّفَ سيغموند بدهشةٍ ثمَّ ضحكَ.
نظرتْ مابيل إليهِ بعدمِ فهمٍ، فقالَ سيغموند مبتسمًا:
“الأطفالُ لا يهتمّونَ بهذهِ الأمورِ.”
“لكنَّكَ رئيسُ العائلةِ.”
“وأنتِ طفلةٌ أيضًا.”
“هذا صحيحٌ، لكنْ…”
بينما كانتْ تفكّرُ بعينيْن تنظرُ بهما هنا وهناك، ضحكَ سيغموند وقالَ:
“أكملي أكلَكِ أوّلًا. أم أنَّ طعامَ جاك ليسَ لذيذًا؟”
“لا، إنّه لذيذٌ!”
بدهشةٍ، أمسكتْ مابيل بالملعقةِ على عجلةٍ من أمرها.
عندما ملأتْ فمَها حتى كادت تلعقُ الطبق بحبٍ، أومأَ سيغموند برضا.
عندما أفرغتْ مابيل طبقًا، أحضرَ جاك بودينغَ فواكهَ كحلوى.
“أوه، أفرغتِ طبقًا كاملًا! هذا رائعٌ!”
أثنى جاك على مابيل بوجهٍ متأثّرٍ.
شعرتْ مابيل بالغرابةِ منْ مديحِ النَّاسِ لكلِّ فعلٍ، فاحمرَّ خدَّاها بهدوءٍ.
“إذا تناولتِ هذا البودينغَ اللَّذيذَ، أنا، جاك فان ميرغر، لنْ أندمَ طيلة حياتي!”
ندمٌ…؟ حتّى أنهم مُستعدونَ للندمِ لأجلِ هذا؟
كانتْ مابيل شبعانةً جدًّا، لكنْ لأجلِ إرضاءِ جاك، أمسكتْ بملعقةِ الحلوى الصَّغيرةِ.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي إلى ميل.♡
التعليقات لهذا الفصل " 5"