بالطبع، لم يكن بإمكان كليك استخدام قدرته في أي وقتٍ شاء.
لكي يتمكّن كليك من استخدام قوّته الخارقة، كان بحاجةٍ إلى كميّةٍ هائلةٍ من أحجار السحر.
في عالمٍ اختفى فيه السحر وتحوّلت معظم أحجار السحر إلى حجارةٍ عاديّة، لم تكن هذه الأحجار شيئًا يسهل الحصول عليه.
وعلاوةً على ذلك، حتّى لو ركّز كليك على المشهد الذي يريد إظهاره، فإنّ أيّ فكرةٍ عابرةٍ تختلط بذهنه كانت تُرسَل مباشرةً أيضًا.
ومع ذلك، كانت هذه القدرة لدى ثعالب الثعلب الحمراء تُحظى دائمًا بالتقدير.
و خاصّةً أثناء المحاكمات.
لم تكن مابيل على درايةٍ بهذا الأمر، فاتّسعت عيناها دهشةً.
نظر كليك إلى مابيل وهو يهزّ كتفيه قائلًا: “ما رأيكِ؟ أليس أخوكِ رائعًا؟”
ربّما لأنّ آسيلت كان ناضجًا جدًّا، بدا كليك وكأنّه شقيٌّ بعض الشيء…
لكنّ منظره وهو يقاتل لاندر بنديّة، وكذلك محاولته حماية مابيل حتّى النهاية، جعلاها تنظر إليه بطريقةٍ مختلفةٍ قليلًا.
‘لكن إن قلتُ هذا، سيحمرّ وجهه خجلًا ويغضب.’
لذلك، لم تقل مابيل شيئًا، بل اكتفت بابتسامةٍ نقيّةٍ تحمل صدقًا وأجابت: “نعم! أنتَ حقًّا رائعٌ يا أخي!”
“هاهااه، لا تقلقي يا مابيل، سأحميكِ دائمًا من الآن فصاعدًا!”
يبدو أنّ كليك شعر بصدق مابيل، فابتسم بخجلٍ وأعلن وعده.
كان الجوّ دافئًا وممتعًا للغاية، لكن كان هناك سؤالٌ يجب طرحه.
“حسنًا، من الرائع حقًّا أنّ علاقتكما تحسّنت…”
عندما انخفض نبرة صوت سيغموند، ارتجفت أكتاف كليك ومابيل.
نظر سيغموند إليهما بابتسامةٍ وقال:
“لكن لماذا كنتما في هذا السجن؟ ألن نجري محادثةً حول هذا؟”
كانت ابتسامته كالمعتاد، لكنّ وجه سيغموند بدا للحظةٍ مخيفًا كالوحش.
ابتلعت مابيل لعابها بصعوبةٍ ومدّت يدها متردّدةً لتمسك بكليك.
“أخي… احمني…”
“آه…”
كانت مابيل في غاية الجديّة، لكنّ كليك كان خائفًا بنفس القدر.
“هيّا، لنذهب إلى العربة ونتحدّث.”
في النهاية، اضطرّ الطفلان للذهاب إلى عربة عائلة إسكليد، حيث استمعا إلى توبيخٍ مليءٍ بالقلق والحبّ.
ساعةٌ لكلّ منهما، ثمّ ساعتان أثناء العودة إلى قلعة الدوق،
وبين الحين والآخر… باستمرار!
لم يتوقّف سيغموند عن سكب كلمات القلق والتأديب.
أدركت مابيل بشدّةٍ أنّ طاقة سيغموند، كانت حقًّا مذهلة.
* * *
كان ظهور سيغموند في الوقت المناسب بفضل راندويل، رئيس الخدم.
بعد اختفاء آسيلت ثمّ كليك، أرسل راندويل على الفور رسالةً عبر صقرٍ إلى سيغموند.
لم تكن هناك حالة طوارئ أشدّ من هذه.
بمجرّد أن تلقّى سيغموند خبر أنّ الأطفال ربّما ذهبوا إلى قصر آشيلونيا، قفز على جواده.
ركض لأيّامٍ دون توقّف، يغيّر الخيول حتّى وصل إلى إقليم آشيلونيا، حيث التقى بآسيلت.
“قال لي إنّه رأى كليك يُسحب إلى السجن تحت الأرض.”
لم يكن يعلم أنّ مابيل كانت معه.
“لم يكن هناك وقتٌ للحديث، لكن يبدو أنّني سأحتاج للقاء آسيلت لاحقًا أيضًا.”
قال سيغموند بنبرةٍ وكأنّه يخطّط لشيءٍ ما.
تبادل كليك ومابيل، اللذان نجيا لتوّهما من توبيخه، نظراتٍ تعبّر عن تعاطفهما مع آسيلت.
“على أيّ حال… مابيل، دعيني أرى إن كنتِ بحاجةٍ لتغيير الضمّادة.”
“حسنًا.”
أشار سيغموند، فتوقّفت العربة ببطء.
سارعت مابيل للجلوس بجانبه، خوفًا من أن يبدأ التوبيخ مجدّدًا إن تحدّثت.
كانت جروح كفّها التي طعنتها بدبوس الشعر، وجرح عنقها الذي سبّبه كايسر، كبيرةً نسبيًّا.
“لا أعلم عن العنق، لكن جرح الكفّ قد يترك ندبة.”
تجهّم وجه سيغموند وهو ينظّف الكفّ بمنديلٍ مبللٍ بالماء النظيف.
كان منزعجًا من فكرة أن تُترك الندوب على جسد طفلةٍ صغيرة، لكنّه كان غاضبًا من نفسه أيضًا لأنّه سمح بحدوث هذا.
كان جسد مابيل مليئًا بالندوب التي تسبّبت بها بنفسها،
ولم يكن يريد زيادة هذه الندوب ذات القصص المؤلمة.
“أنا آسف.”
رفعت مابيل رأسها فجأةً عند سماع اعتذاره المفاجئ، وهي التي كانت تنظر إلى جرحها بهدوء.
كان سيغموند لا يزال ينظر إلى كفّها.
“لأنّني جعلتكِ تمرّين بهذا.”
كيف لم يفكّر أنّ كايسر قد يحاول استعادة مابيل؟
هل لأنّه أهمل مابيل طوال هذا الوقت؟
أم لأنّه تصرّف وكأنّه لا يهتمّ بما يحدث للآخرين غير صوفيا؟
‘لم يكن يكفي أن أقول لها فقط “كلي جيّدًا وعيشي بسعادة”. كان عليّ اتّخاذ إجراءاتٍ أكثر حسمًا.’
كلّ ما حدث لمابيل والأطفال، من الأوّل إلى الآخر، كان خطأه.
“لماذا تكون هذه غلطتك يا سيّدي؟ لا، ليست كذلك!”
هزّت مابيل رأسها بسرعةٍ نفيًا.
“آه!”
تسبّب ذلك بفتح جرح عنقها قليلًا.
“مابيل!”
“مابيل!”
هرع سيغموند وكليك إليها مذعورَين.
“دعيني أرى، هل التهب الجرح؟”
“ما العمل؟ هل يؤلمكِ كثيرًا؟”
أمسكت يدان، كبيرةٌ وصغيرة، بوجه مابيل وعنقها بحذرٍ ليفحصاها
رغم أنّها كانت تعلم أنّ هذا ليس وقت الضحك، لم تستطع مابيل إلّا أن تنفجر ضاحكةً.
“هاهاها!”
كان عنقها يؤلمها قليلًا مع كلّ ضحكة، لكنّها لم تستطع التوقّف.
“لماذا تضحكين؟”
“توقّفي عن الضحك، سيخرج الدمّ مجدّدًا!”
عندما بدأ الدمّ يتسرّب، ارتبك الاثنان وطلبا منها التوقّف عن الضحك.
لكنّ الضحك لم يتوقّف.
بدت ردّات فعلهما المذعورة على كلامها وحركاتها وكأنّهما أبٌ وابنه.
كان قلقهما يملؤها بالامتنان والفرح.
شعرت وكأنّه لو كان لها أبٌ وأخٌ، لكانا هكذا.
‘بالطبع، كليك أصبح أخي الحقيقيّ الآن…’
لكن مع تصرّف سيغموند هكذا، شعرت بقلبها يدغدغها، ولم تستطع كبح ضحكاتها.
استمرّت مابيل في الضحك لفترةٍ طويلة، ثمّ مسحت دموعًا تجمّعت في زاوية عينيها وقالت:
“ذهابي إلى آشيلونيا لم يكن بسببك أبدًا.”
تنهّدت بعمقٍ بعد أن هدأت.
“هذه الجروح أيضًا ليست بسببك.”
استمع سيغموند بصمتٍ لكلام مابيل، وهو ينظّف جرح عنقها بقطعة قماشٍ نظيفة.
حتّى انتهت الإسعافات الأوليّة، ظلّت مابيل تنظر إلى سيغموند مباشرة.
رفع سيغموند عينيه ليقابل نظرتها.
كانت عيونهما الحمراء المتشابهة بشكلٍ مذهل تعكسان بعضهما بعضًا.
انحنت زوايا عيني مابيل برفق.
“بل على العكس، كنتُ سعيدةً جدًّا لأنّك جئت. عندما التقينا أوّل مرّة، بدوتَ كفارسٍ، لكن هذه المرّة كنتَ تمامًا كأمير.”
لا، عند التفكير في الأمر، كان سيغموند يشبه الأمير منذ البداية.
ظهر سيغموند كالأمير فجأة، نادى باسم مابيل،
وأخذها في عربته إلى قلعة الدوق، كما يحدث الآن.
مثل سندريلا، التي عانت كثيرًا ثمّ ركبت عربة الأمير إلى قصره لتعيش بسعادة، كذلك كانت مابيل.
“لذا لا تقل هذا. وما المشكلة إن بقيت بعض الندوب؟ بفضلها التقينا مجدّدًا ونحن معًا الآن.”
“هذا…”
تنهّد سيغموند، الذي كان يستمع بصمت، ومسح وجهه بيده.
“لكنّني لا أزال منزعجًا. هذا لأنّني…”
توقّف سيغموند فجأةً عن الكلام.
‘ماذا كنتُ سأقول الآن؟’
عندما لم يستطع سيغموند مواصلة الحديث، أمالت مابيل رأسها متسائلة.
تبعت عيناها الحمراء حركة رأسها.
أحيانًا، عندما ينظر سيغموند إلى عيني مابيل، ينتابه شعورٌ غريب.
رغم أنّه لم يتزوّج ولم يكن له حتّى حبيبة، شعر وكأنّه لو كان له طفل، لكان يشبه مابيل تمامًا…
كأنّ هذه العيون الحمراء، مصدر تعاسة مابيل، قد ورثتها منه حقًّا.
‘لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.’
ربّما انتقلت إليه هذه الفكرة من كثرة ما يتكلّم الناس عن أنّ مابيل قد تكون ابنته غير الشرعيّة.
أزاح سيغموند هذه الأفكار السخيفة وتنحنح.
“لأنّكِ مساعدتي. أنتِ مساعدتي الثمينة يا مابيل. أيّ باحثٍ سيكون سعيدًا إن أصيبت مساعدته وهو غائب؟”
“آه.”
أومأت مابيل برأسها كأنّها فهمت.
هل كان هناك لمحةٌ من الخيبة على وجهها؟ أم أنّ هذا مجرّد وهمٍ آخر؟
وهل شعوره برغبةٍ في مناداتها بلقبٍ آخر غير “مساعدة” هو أيضًا وهم؟
‘ربّما لأنّ الأطفال أصيبوا، أصبحت أفكّر بأشياءٍ لا داعي لها.’
وضع سيغموند ضمّادةً على جرح مابيل وأشار إلى السائق مجدّدًا.
في هذه الأثناء، أدرك كليك شيئًا مهمًّا.
‘الآن أرى… إنّ معلمي ومابيل يبدوان متشابهَين جدًّا!’
أراد كليك مشاركة هذا الاكتشاف العظيم مع سيغموند ومابيل، لكنّه أغلق فمه بإحكام.
لم يعرف لماذا.
لكنّه شعر أنّ الوقت لم يحن بعد لقول ذلك.
نعم، ليس الآن.
واصلت العربة التي تقلّ الثلاثة طريقها ببطءٍ إلى قلعة الدوق، مراعيةً الأطفال النائمين.
★ تـرجـمـة: لـيـنـو ~★
التعليقات لهذا الفصل " 43"