لقد أنقذ كايسر صوفيا التي كانت على وشك أن تُباع بيد إخوتها.
فقد أعلنها خطيبتَه قبل أن يتحرّك إخوتها.
ومهما كان كايسر ابنًا غيرَ شرعيٍّ مُحتقرًا، فهو في النهاية أحدُ أبناء دوقيّة آشيلونيا.
لذلك لم يكن أمام إخوة صوفيا سوى التراجع.
غير أنّ تلك الحماية كانت محدودة المدّة، إلى أن يرث وريثُ آشيلونيا الشرعيّ لقبَ الدوق.
كان على كايسر ــ بصفته ابنًا غيرَ شرعي ــ أن يجد طريقةً ما قبل أن ينزل إلى مرتبة العامّة.
وفي ذلك الوقت، كان الشخصُ الذي صار دليله هو صوفيا نفسُها.
“كايسر، ما عليكَ سوى أن تصبح ربَّ العائلة.”
كلماتُها وصلت إلى كايسر، الذي كان مهووسًا بكيفيّة حماية صوفيا التي يُحبّها، كوقعِ رجعٍ عظيمٍ في قلبه.
“عندها سيُصبح هذا القصر الذي لطالما رغبتَ به لكَ، وأنا سأكونُ في أمان.”
سمع كايسر تلك الكلمات كأنّها وحيٌ منزل.
لكن ما لبث أن عاد إلى الواقع بعدما سكر قليلًا بتلك الحكاية الحُلوة مثل العسل عن أن يُصبح ربَّ العائلة.
“لكن بأيّ وسيلة؟ أنا لستُ وريثًا شرعيًّا، وفوق ذلك ليس لديّ أيُّ ثقة في أنّني سأغلبهم…!”
لا في الدراسة، ولا في الفنون القتاليّة، ولا حتّى في طريقة الكلام، ولا في القدرة على إنجاب الورثة!
لم يتلقَّ كايسر أيَّ تعليمٍ سليم، فكان ناقصًا على نحوٍ مُزرٍ مقارنةً بالورثة الشرعيّين.
وربّما لأنّ الأحلام والآمال التي احتواها في صدره كانت حلوةً أكثرَ ممّا ينبغي، فقد اجتاحه الإحباطُ عند إدراكه للواقع أضعافًا مضاعفة.
ومع ذلك، أنقذته صوفيا من جديد.
“ما الذي تقوله؟ كايسر، أنت… أنتَ كايسر. الشخص الذي… أحبّه.”
ابتسمت صوفيا بخجل وهي تقول ذلك، فبدت أجملَ من أيّ أحدٍ في هذا العالم.
وكانت عظيمةً كذلك.
بمجرّد كلمةٍ واحدة فقط، حوّلت صوفيا كايسر من “ابنٍ غير شرعيٍّ بائس مقارنةً بالورثة الشرعيّين” إلى “الشخص الذي تُحبّه صوفيا”.
ومنذ ذلك الحين بدأ يفيض في داخله دافعٌ وثقةٌ لا يعرف مصدرهما.
وبدأت جميعُ الأمور تسير على نحوٍ حسن.
فقد شرع في مجاراة الورثة الشرعيّين بلا تفكيرٍ فقط ليستدرجهم، ولم تمضِ فترةٌ طويلة حتّى قبض على خيطٍ يُمسك بهم.
حتى فضائحُ الدوقة لم تكن استثناءً.
إذ انهارت الدوقة، التي تجرّأت بوقاحةٍ على مهاجمة كايسر، بسُهولةٍ أمام بضع معلومات.
وكذلك الحال مع دسّ السمّ لربّ العائلة، الذي لم يكتشفه أحد بعد.
وفي جميع تلك الأمور، كانت صوفيا دائمًا موجودةً إلى جانبه.
“صوفيا، أنتِ حظّي.”
كان كايسر يُؤمن بذلك حقًّا، ويُضاعف من مشاعره العاطفيّة تجاهها.
وفي تلك الفترة، صار حُبّه أقربَ إلى العمى، لدرجة أنّه بدا مهووسًا على نحوٍ مجنون.
وحينها بدأ سيغموند، وريثُ الدوقيّة القادم، يتدخّل بينهما على نحوٍ جدّي.
“كايسر، هل هناك ما تُحقّقه هذه الأيّام بإرادتك حقًّا؟”
رأى سيغموند أنّ كايسر يبدو في وضعٍ مُتأرجحٍ وخطير.
فلم يكن يبدو أنّ له إرادةً خاصّة أصلًا.
“ليس سيّئًا أن تحترم آراء خطيبتك صوفيا، لكن بما أنّك أصبحتَ ربّ العائلة، ينبغي أن تفرض رأيك أكثر…”
غير أنّ كايسر، الذي لم يشفِ عطشه إلى السلطة حتّى بعدما تبوّأ مقعدَ الدوق، لم يأخذ قلق سيغموند على محمل الجد.
“ماذا تعرف أنت، الذي سلكتَ طريقًا مُعبّدًا، لتتفوّه بمثل هذا الكلام؟!”
ومن هناك بدأت العلاقة بين سيغموند وكايسر تتصدّع بجدّية.
أو بالأحرى، كان كايسر هو من قطعها من طرفٍ واحد.
فلو لم يفعل، لاضطرّ عاجلًا إلى مواجهة حقيقةٍ لم يكن يريد أن يراها أبدًا.
‘في الحقيقة يا سيغموند، إنّ صوفيا….’
الحقيقة أنّ صوفيا لم تكن تُحبّه.
وأنّها في الأصل كانت ستعترف بمشاعرها لسيغموند، لولا أنّ إخوتها دفعوها إلى البحث عن بديل.
وأنّ ذلك البديل كان هو.
وأنّ جلوس كايسر على مقعد الدوق لم يكن سوى لمصلحة صوفيا نفسِها.
وأنّ كلّ انتصارٍ حاز عليه لم يكن إلا كأسًا ورقيًّا صنعته صوفيا بيدها.
وأنّه من دون صوفيا لم يكن شيئًا على الإطلاق.
لكن كايسر لم يملك شجاعةً ليُواجه تلك الحقائق.
‘نعم، لم يتبقَّ لكايسر في النهاية سوى صوفيا وحدَها.’
كانت مابيل تُراقب بهدوءٍ صراعَ سيغموند وكايسر وهي تستعيد في ذهنها محتوى الرواية.
‘قالت الرواية إنّ الحبَّ الذي بدا كعبادةٍ دينيّة، كان في جوهره مشاعرَ مُبعثرةً بلا معنى. ولأنّ صوفيا غيّرته كما تشاء، أقسم ألّا يُفرّط بها أبدًا… كنوعٍ من الانتقام.’
لكنّ صوفيا فجأةً حملت بطفلٍ و ظنّ أنّه لسيغموند.
ولذلك كان طبيعيًّا أن يزداد يأسُ كايسر بلا نهاية.
“أغلق فمك… أغلق ذاك الفم!”
اندفع كايسر، الذي اضطرب إلى حدٍّ بعيد، نحو سيغموند مرّةً أخرى.
ولو أنّه حافظ على عقلانيّته وقاتل بهدوءٍ، لربّما كانت لديه فرصةُ نصر.
لكنّه أضاعها بتلك الفوضى.
“على أيّ حال، ما كان عليَّ قوله قد انتهى هنا.”
-كادَدَدق!
صدّ سيغموند سيفَ كايسر بسيفٍ خالٍ تمامًا من الهالة.
“كك!”
وبقوّةٍ بلغت حدَّ أن تُخدّر يده كلّها، عضّ كايسر على أسنانه وصمد، لكنّه في النهاية أفلت سيفه.
طار سيف كايسر بعيدًا وهو يتدحرج على أرضيّة السجن السفليّ.
“ههف… ههف…”
انثنى جسدُ كايسر وسقط على ركبتيه، يلهثُ بأنفاسٍ متقطّعةٍ ممسكًا بيده المرتجفة التي تُؤلمه.
فقال سيغموند بصوتٍ ثابتٍ هادئ، وهو يُحدّق في كايسر الذي كان ينظر إليه بعينين مُحمرّتين من الغضب والدونيّة:
“لو لم تكن الحال على هذا النحو، لما رغبتَ أصلًا في الاستماع إلى حديثي.”
سيغموند لم يُجهِز على كايسر، بل تجاوزَه ودفع سيفَه بعيدًا أكثر.
“لماذا؟ لماذا لا تقتلني؟ أهو شفقةٌ تافهة؟ أم أنّك تتصنّع الفضيلة لأنّك لا تستطيع إراقة الدماء أمام الأطفال؟”
كايسر عضَّ على ابتسامةٍ مُرّة وهو يحدّق في سيغموند.
غير أنّ ملامح سيغموند ظلّت على حالها.
“أتسألني حقًّا وكأنّك لا تعلم؟ سأُحيلُكَ إلى المحاكمة.”
ثمّ هزّ رأسه كما لو استهجن كبرياء خصمه.
“أنت لستَ ببشخصٍ عظيمٍ بحيث يُحلّ موتُك وحده كلَّ المشكلات.”
“أيّها الوغد…!”
انفجر كايسر غضبًا، لكنّ جسده كان قد استُنزف ولم يبقَ فيه ما يكفي من قوّةٍ ليُقاتل.
اقتصر ما فعله على التحديق في سيغموند بنظراتٍ تكاد تقتله، وهو يلهث بقوّة.
في تلك الأثناء، أسرع كليك، بعد أن رمق الموقف، وأمسكَ بيد مابيل وركض نحو سيغموند.
“سيّدي المعلم!”
“هل أنتما بخير؟”
أعاد سيغموند سيفه إلى غمده، ثمّ أسرع يتفقّد حال كليك ومابيل.
“هيهي، بفضل أداة الإبطال التي صنعتَها لنا، أنا بخير تمامًا! لكن…”
مسح كليك تحت أنفه مبتسمًا، لكن وجهه سرعان ما أظلم بالقلق وهو ينظر إلى مابيل.
مظهر مابيل، مهما حاول المرء أن يُلطف الوصف، لم يكن على ما يرام.
“حسنًا، لنعد إلى البيت أوّلًا.”
وكأنّه يعرف ما لم يُقَل، أومأ سيغموند، ثمّ رفع كليك ومابيل في حضنه دفعةً واحدة.
“وااه!”
“آه!”
شهق الطفلان بذهول وتمسّكا به بقوّة.
صِغَر مابيل بالنسبة لأقرانها كان مفهومًا، لكنّ كليك كان ذا جسدٍ أكبر ممّا يَسهُل حمله بيدٍ واحدة.
ومع ذلك، حملهما سيغموند بسهولةٍ من غير أن يختلَّ نفسُه.
مابيل نظرت إليه متردّدة وسألت بحذر:
“لـ-لـ-…لكن ماذا تعني بالبيت…؟”
“أعني البيت حقًّا.”
أجاب سيغموند بصوتٍ حازم.
“إلى قصر الدوقية.”
“……!”
اتّسعت عينا مابيل دهشة.
إنّه البيت الحقيقي.
ليس قصر آشيلونيا وما شابه، بل البيت الذي تعيش فيه أسرتُها!
لكن سرعان ما تبدّد فرحُها، فأمسكت بكتف سيغموند على عجل.
“لـ-لكن لا أستطيع الذهاب إلى هناك. لأنّ—”
كانت مابيل، بخلاف كليك، تعرف جيّدًا تعقيدات النزاع بين الأسر.
فأن يقترح سيغموند الذهاب إلى القصر الدوقي وهو مدرك لذلك، أمرٌ أقلقها، وكادت تعيد الاعتراض.
“مابيل، أعلم ما الذي يقلقك. لكن لا تقلقي.”
لم يكن بوسع سيغموند، وهو يحتضن الطفلين بيديه، أن يربّت على مابيل، فاكتفى بأن لامس جبينها بجبينه.
عينان حمراوان متشابهتان تمامًا التقتا عن قُرب.
“أما قلتُ قبل قليل؟ سأُحيل كايسر إلى المحاكمة.”
“نعم…”
“وهذه المرّة، سأُعيدكِ حقًّا إلى البيت.”
في تلك اللحظة، اضطرب صدر مابيل بمزيجٍ عارم من الطمأنينة والفرح.
“ثمّ إنّ كليك، وإن كان مشاغبًا، فليس غبيًّا إلى ذلك الحد.”
“إيه! ماذا قلتَ يا معلمي؟!”
كليك، الذي كان سعيدًا لأنّه لم يُعانق معلمه منذ زمن، أخذ يتخبّط احتجاجًا.
“هيه، إياك أن تسقط.”
قال سيغموند مهدّدًا بلا نيّةٍ حقيقية لتركه.
لكن كليك لم يتوقّف عن التخبّط، فيما لم تجد مابيل بُدًّا من التشبّث بسيغموند خوفًا.
“لكن…”
التفتَت مابيل خلفها.
كان كايسر ما يزال جاثيًا على ركبتيه، منهارًا على الأرض.
‘هل سيتركني كايسر أصلًا؟’
كانت واثقة أنّه سيتذرّع بالوصاية وبغيرها ليظلّ مُمسكًا بها.
في تلك اللحظة، صرخ كليك بنبرةٍ عالية وكأنّه يطمئنها:
“أتعلمين يا مابيل! ليس آسيلت وحده من يملك قدرةً خاصّة! أنا أيضًا لديّ!”
“هاه؟”
أتُراه يقصد القدرة التي عند آسيلت، تلك التي تُحوّل الناس إلى حجر؟
التفتت مابيل عن ظهر كايسر إلى كليك، فابتسم الأخير وربّت على طرف عينه.
“عيناي قادرتان على بثّ كلّ ما أراه. لستُ بحاجة إلى كرةِ تصوير بعد الآن!”
★ تـرجـمـة: لـيـنـو ~★
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"