━━━●┉◯⊰┉ الفصل 4 ┉⊱◯┉●━━━
كانَ الخدمُ، الذينَ كانوا هادئينَ عادةً كأنّهم غيرُ موجودينَ، يتجمَّعونَ في الرّدهةِ في صفٍّ طويلٍ، يتهامسونَ بحماسٍ.
“الصَّفُّ هنا! لا تقطعوا الطَّابورَ!”
“لا تدفعوا! احترموا التَّرتيبَ!”
بلْ، كانوا يتشاجرونَ أيضًا.
اقتربَ سيغموند منهمْ، وأمسكَ بكتفِ أحدِ الخدمِ وسألَ:
“ما هذا الصَّفُّ؟”
“ما هو إلّا صفٌّ لرؤيةِ السَّيّدةِ الصَّغيرةِ الجديدةِ قِفْ فِي الصف أيضًا… آه! إنهُ أنتَ سموُّ الدّوقِ!”
قفزَ الخادمُ بدهشةٍ عندما رأى سيغموند فقد كانَ يجيبُ بعفويّةٍ ظنًّا منهُ أنَّ السَّائلَ زميلٌ أيضًا.
“كلُّ هؤلاءِ هنا جاؤوا لرؤيةِ مابيل؟”
كما قالَ، كانَ الصَّفُّ يمتدُّ إلى غرفةِ الاستقبالِ.
عندما وصلَ سيغموند إلى الغرفةِ متتبّعًا الصَّفَّ، رأى…
“أممم! أنا الآنَ شبعتُ جدًّا…!”
أطرافٌ قصيرةٌ تتحرَّكُ بحيرةٍ بينَ وجباتٍ خفيفةٍ تملأُ الطَّاولةَ وخادماتٍ يخدمنَها.
“لكنْ، سيّدتي الصَّغيرةُ، لمْ تتذوَّقي الكعكةَ بعدُ!”
“صحيحٌ، صحيحٌ. لقدْ أعدَّ الطَّاهي كعكةً ضخمةً، سيكونُ حزينًا إنْ لمْ تتذوَّقيها!”
على جانبِ الطَّاولةِ، التي لمْ تُفرغْ إلّا نصفَها، كانتْ هناكَ كعكةٌ بخمسِ طبقاتٍ.
متى أعدّوها؟
أمامَ هذا المشهدِ غيرِ المتوقَّعِ، لمْ يكنْ سيغموند متفاجئًا فقطْ، بلْ مرتبكًا ومندهشًا قليلًا.
‘ظننتُ أنَّ الجميعَ سيشعرونَ بالنّفورِ لأنّها منْ آشيلونيا.’
لمْ يخفِ سيغموند منْ أينَ أتى بمابيل. ولمْ يأمرِ الخدمَ بالصَّمتِ أيضًا.
هذا يعني أنَّ هؤلاءِ الذينَ اصطفّوا لرؤيةِ الطِّفلةِ لا يمانعونَ أصلَها.
‘لكنْ، لمَ إذنْ؟’ لمْ يدمْ تساؤلُ سيغموند طويلًا.
“يا إلهي، سمعتُ عنها، لكنْ شعرُها الأرجوانيُّ وعيناها الحمراوانِ حقيقيّتانِ!”
“رائعٌ، لديها كلُّ سماتِ عائلةِ إسكليد المباشرةِ!”
“لا عجبَ أنْ يُقالَ إنّها ابنةٌ غيرُ شرعيّةٍ. أليسَ كذلكَ؟”
“منْ ينكرُ؟ كنتُ أظنُّ أنَّ سموَّ الدّوقِ لا يواعدُ ولا يختلطُ بالنّساءِ، بلْ أعتقدتُ أنهُ كانَ عاجزًا، لكنْ، منْ كانَ يظنُّ أنه لديه طفلة بهذا الجمال؟ هيه…كما يُقال فأن القطُّ الهادئُ يصعدُ إلى المدفأةِ أوّلًا.”
كانتِ الخادماتُ عندَ البابِ يتهامسنَ بينَهنَّ. دونَ أنْ يعلمنَ أنَّ سيغموند بجانبِهنَّ.
لمْ يعجبْه حديثُ العجزِ، لكنْ، حسنًا، فهمَ الأمرَ.
‘يبدو أنَّ الجميعَ، بغضِّ النَّظرِ عنْ كراهيتِهم لآشيلونيا، يعتقدونَ حقًّا أنّها ابنتي.’
كانتْ الطِّفلةُ تبدو بائسةً ومتَّسخةً بما يكفي لعدمِ تجاهلِها.
لحسنِ الحظِّ، بدتْ مابيل مرتبكةً قليلًا لكنَّها لا تكرهُ ردودَ فعلِ المحيطينَ.
كانَ قلقُ سيغموند، الذي أسرعَ خشيةَ أنْ تُعاملَ بازدراءٍ، لا داعيَ لهُ.
“لكنْ، أنا حقًّا شبعتُ.”
“يا للأسفِ. لا يزالُ هناكَ الكثيرُ مُعدٌّ.”
“إذنْ، نوقفُ الوجباتِ الخفيفةَ وندعها لاحقًا ونتناولُ العشاءَ أولًا؟”
“عشاءٌ…؟”
ارتجفتْ عينا مابيل بشدَّةٍ.
‘كلا، كلا…أنهم يمزحون بالتأكيد. صحيح…؟’
الآنَ، معَ بطنٍ منتفخٍ منَ مُختلفِ أنواع الحلوى السَّكونزِ، المادلين، والمافن، هل يريدونَ إطعامَها المزيدَ الآن؟
هلْ ينوونَ تفجيرَ بطنِها؟
‘في الحقيقةِ، إنّهم يضايقونَني إذن لأنّني منْ أشيلونيا!’
أغمضتْ مابيل عينيْها بقوَّةٍ وارتجفتْ.
“يا إلهي، أنها مثلُ الهامسترِ.”
مهما أحبّوها، كانَ ذلكَ أكثرَ مما تستطيعُ تحمّلَه.
حتّى الآنَ، كانتْ تُسايرُ حماسَ الخادماتِ، لكنْ حانَ وقتُ الهروبِ.
نظرتْ مابيل حولَها بحثًا عنْ مخرجٍ.
ثمَّ، التقتْ عيناها بسيغموند، الذي كانَ يراقبُ المشهدَ منَ البابِ.
‘لقد نجوتُ!’
رفعتْ مابيل ذراعيْها عاليًا وصرختْ:
“سيدي! أنقذني!”
هنا، أنا هنا!
تساقطتِ الخادماتُ واحدةً تلوَ الأخرى أمامَ ذراعيْها النَّحيلتيْن المتلوّحتيْن فقد تأثرن بلطافتها.
كانتْ صغيرةَ الحجمِ لكنَّ تأثيرَها كبيرٌ.
حتّى سيغموند، الذي كانَ يراقبُ بهدوءٍ، ضحكَ منْ لطافتِها.
“حسنًا، سأنقذُكِ.”
مشى سيغموند بخطواتٍ واسعةٍ ورفعَ مابيل بينَ الخادماتِ.
كمْ أطعموها في هذا الوقتِ القصيرِ؟ أصبحتْ أثقلَ قليلًا.
فضلًا عنْ ذلكَ، لمْ تُغتسلْ بعدُ، فكانتْ ترتدي نفسَ ملابسِها عندَ نزولِها منَ العربةِ.
تناولُ الطَّعامِ والتَّكيّفُ جيّدٌ، لكنْ تركُها هكذا سيُصيبُها بألمِ البطنِ.
“كفى، جميعًا. لقدْ وصلتْ للتَّوِّ. لمْ تُغتسلْ ولمْ ترتَحْ، فماذا تفعلونَ؟”
انكمشتِ الخادماتُ وحنينَ رؤوسَهنَّ بحزنٍ عندَ توبيخِ سيغموند.
“آه، لمْ يكنْ ضروريًّا توبيخُهم هكذا…”
شعرتْ مابيل بالحرجِ لتسبّبِها بتوبيخِ الخدمِ. لكنْ سيغموند كانَ حازمًا.
“إذا أصبتِ بأذى هكذا، ستخسرينَ أنتِ. ستبقينَ هنا لفترةٍ طويلةٍ، فهلْ تريدينَ المرضَ منْ أوّلِ يومٍ؟”
حينها اتّسعتْ عينا مابيل بدهشةٍ.
أبقى هنا طويلًا؟ أنا؟
بينما كانتْ مابيل تودُّ الرَّدَّ على كلامِ سيغموند الطبيعيِّ جدًّا، سُمِعَ صوتٌ مهذَّبٌ منَ البابِ:
“لا توبّخ الخدمَ كثيرًا.”
“كلُّهم متحمّسونَ لأنَّ الضَّيفةَ الصَّغيرةَ لطيفةٌ.”
كانَ رجلًا ذو شعرٍ أخضرَ داكنٍ ونظَّاراتٍ بإطارٍ أسودَ يبتسمُ بلطفٍ.
‘آه، هذا الشَّخصُ…’
اتّسعتْ عينا مابيل وهي تتذكَّرُ شخصيّةً منَ الرِّوايةِ.
“هيَّا، سموُّ الدّوقِ، أنزلِ السَّيّدةَ الصَّغيرةَ. سأرافقُها إلى غرفةِ الضُّيوفِ.”
أشارَ داين، مساعدُ سيغموند نحوي.
“صحيحٌ. منَ الأفضلِ أنْ ترتاحي قبلَ العشاءِ.”
كلا، أقولُ إنّني لا أستطيعُ أكلَ المزيدِ…
على أيِّ حالٍ، تمكَّنتْ مابيل منَ الهروبِ منَ هذا الصَّخبِ.
‘أغهه، أشعرُ بالشبع…’
عندما فركتْ بطنَها، كانت منتفخةً. لو أكلتْ أكثرَ، لكانتْ أصيبتْ بألمِ البطنِ.
لكنْ، معَ ذلكَ، كانتْ سعيدةً.
‘كانوا يعرفونَ أنّني منْ أشيلونيا.’
بلْ، قالوا إنَّ مثلَ هذهِ الأمورِ بينَ العائلتيْن لا تهمُّ بالنسبةِ لطفلةٍ منها، وطلبوا منها عدمَ التَّفكيرِ فيها.
رغمَ أنّها متَّسخةٌ وتنبعثُ منها رائحةٌ، إلا أنهم ربَّتوا عليها بلطفٍ وأمسكوا يدَها.
“هيهي.”
إنهُ شعورٌ دافئٌ.
استمرَّ قلبُها بالدَّغدغةِ، فابتسمتْ مابيل بهدوءٍ.
في تلكَ اللحظةِ:
“ربَّما ظننتِ أنّكِ تسلَّلتِ إلى قصرِ الدّوقِ بنجاحٍ، لكنْ هذا هو الحدُّ.”
“…”
توقَّفَ داين، الذي كانَ يصعدُ الدَّرجَ بسرعةٍ لا تراعي طفلةً، واستدارَ وقالَ:
“سأكشفُ كلَّ شيءٍ قريبًا.”
كانتْ عيناه البنّيّتانِ تلتمعانِ بالازدراءِ والاحتقارِ.
عندما نظرتْ مابيل إليهِ بدهشةٍ، أدارَ داين رأسَه وكأنّه رأى شيئًا مقزّزًا.
حينها…شعرتْ مابيل أنَّ هذا مألوفٌ.
كانَ مشابهًا لتصرّفاتِ أفرادِ قصرِ آشيلونيا.
لذا، لمْ تصدمْ أو تتأذَّ.
بلْ، اعتقدتْ أنَّ ردَّ فعلِ داين منطقيٌّ.
‘بالنظرِ إلى الضَّررِ الذي سبَّبتْه صوفيا لعائلةِ إسكليد، هذا ردُّ فعلٍ طبيعيٌّ.’
لكنْ، منْ خُطفتْ هي مابيل.
‘لو كانتْ لديَّ نوايا خبيثةٌ، لكنتُ خفتُ.’
لمْ تأخذْ مابيل كلامَ داين على محملِ الجدِّ.
لذا، لمْ تجبْ، لكنْ عينيْ داين أصبحتا أكثرَ حدَّةً.
كانَ داين مقتنعًا أنَّ لمابيل نوايا خفيّةً.
مهما بدتْ بريئةً وتضحكُ بلطفٍ، لنْ تنطليَ عليهِ خدعةٌ كهذه.
‘هلْ سأقعُ في نفسِ الحيلةِ مرَّتيْن؟’
كانتْ صوفيا كذلكَ.
قبلَ عشرِ سنواتٍ، جاءتْ إلى قصرِ الدّوقِ بوجهٍ مليءٍ بالقلقِ.
كانَ داين يتذكَّرُ بوضوحٍ محادثةً سمعَها مصادفةً وهو يمرُّ بالمكتبةِ.
– سيغموند، أحتاجُ مساعدتَكَ.
توسَّلتْ صوفيا إلى سيغموند بيأسٍ.
– كايسر يريدُ طفلًا. وريثًا.
تساءلَ داين لمَ جاءتْ صوفيا إلى سيغموند بهذا الكلامِ.
أرادَ سماعَ المزيدِ، لكنْ سيغموند لاحظَه وطردَه، فلمْ يسمعْ أكثرَ.
بعدَ أيّامٍ، أخبرَ سيغموند أنّه يعملُ معَ صوفيا على ‘دواءٍ’ ما.
دواءٌ لعلاجِ عقمِ كايسر.
لمْ يفهمْ داين لمَ تجري صوفيا بحثًا لعلاجِ زوجِها معَ سيغموند.
في البدايةِ، لمْ يكنْ داين يثقُ بصوفيا.
لكنْ، شيئًا فشيئًا، تأثَّرَ بحماسِها للكيمياءِ.
فيما بعدُ، أصبحَ يدعمُها سرًّا لأجلِ عائلتِها.
بدتْ الأمورُ تسيرُ على ما يرامِ.
نجحتْ صوفيا في الحملِ.
لكنْ كايسر، الذي كانَ يعاني منَ النَّقصِ تجاهَ سيغموند، لمْ يثقْ بالعملِ المشتركِ بينَهما.
– الدَّواءُ الذي شربتُه كانَ للعقمِ؟ هاها، ربَّما تحملُ بذرةَ رجلٍ آخرَ.
بلْ، شكَّ في خيانةِ الاثنيْن.
قبلَ اختفاءِ صوفيا، سُرقَ مختبرُ سيغموند.
كما تَمَّ تحديدُ اللّصِّ بسرعةٍ.
‘صوفيا، دوقةُ آشيلونيا.’
هربتِ الدّوقةُ، وسرقتْ أبحاثَ صديقِ طفولتِها لتأمينِ سبيلِ عيشِها.
‘لمْ تكفِها الأوراقُ التي كتبَها نيابةً عنها.’
خانتْ صوفيا عائلةَ إسكليد، التي كانتْ ودودةً معَها، وأشبعتْ طمعَها حتّى النِّهايةِ.
‘يبدو أنَّ عيونَ الجميعِ عمياءُ. ينخدعونَ فقطْ لأنَّ وجهَها لطيفٌ.’
لمْ يرَ داين ابنةَ صوفيا، مابيل منْ آشيلونيا، بمظهرٍ جيّدٍ.
سواءَ كانتْ صوفيا أو كايسر وراءَها، فهي بالتَّأكيدِ جاءتْ لتؤذي عائلةَ الدّوقِ.
وهذهِ المرَّةَ، سيعيقُها هو بنفسِه. ‘لنْ أدعَ إسكليد تُخدعُ منْ آشيلونيا مجدَّدًا.’
لكنْ، كيفَ؟
كيفَ يكشفُ نوايا هذه الشَّيطانة الصَّغيرة، التي حتّى رائحتُها المتَّسخةُ تشبهُ رائحةَ الجرو؟
في تلك اللحظة فقط…ومضَ ضوءٌ حادٌّ في عينيْ داين.
‘نعمْ، هذهِ الطَّريقةُ جيّدةٌ.’
ابتسمَ داين بانتصارٍ هادئٍ.
كانَ ينوي فضحَ مابيل، التي تبدو بريئةً، حتّى النُّخاعِ.
***
في اليومِ التَّالي.
“…”
كانتْ مابيل مستلقيةً على فراشٍ ناعمٍ برائحةٍ طيّبةٍ، تومضُ بعينيْها بدهشةٍ.
‘الصَّباحُ…’
يا إلهي.
بالأمسِ، بعدَ حمّامٍ رائعٍ، استلقتْ قليلًا، لكنّها نامتْ لوقتٍ طويلٍ بالفعل!
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي إلى ميل.♡
التعليقات لهذا الفصل " 4"