في تلك اللحظة، ما إن رأت مابيل الشخص الذي ظهر في السجن السفلي حتى خطت خطوة إلى الأمام متجاوزة كليك.
“مـ-مابيل؟”
أمسكها كليك متفاجئًا، لكنها تقدمت خطوة أخرى نحو القادم.
“السيد لاندر…!”
الذي ظهر أمامهما كان لاندر، مساعد كيسار.
ولدهشة كليك، ارتسمت على وجه مابيل ملامح فرح لم يتوقعها.
“أه؟ آه… هل تعرفينه؟”
“نعم! إنه السيد لاندر! ذاك الشخص هو—”
لكن قبل أن تكمل مابيل شرحها لأخيها، انشق الهواء فجأة!
“احترسي!”
“آآه!”
اندفع كليك بسرعة واحتضن مابيل ليتدحرج بها جانبًا.
وقد لمع خنجر لاندر في ظلمة السجن السفلي بإضاءة مشؤومة.
“هل أنت بخير، مابيل؟”
سألها كليك بلهفة وهو يضمها إلى صدره.
ولحسن الحظ لم تُصب بفضل تدخله السريع، لكنها لم تستطع أن تستوعب ما جرى.
“لـ-لماذا…؟”
نهض كليك واقفًا أمامها فورًا، محميًا إياها بجسده في مواجهة لاندر.
أما مابيل، فبقيت جالسة على الأرض، تحدق بدهشة وارتباك في لاندر الذي صوب خنجره نحوهما.
“لماذا…؟”
خرج صوتها مرتجفًا حتى غلب عليه البكاء، وكأنها لا تصدق ما حدث.
“الـ-السيد لاندر شخص طيب…!”
“شخص طيب؟ متى قمتُ بفعل يستحق أن يُقال عني ذلك يا آنسة؟”
رد لاندر ببرود قاسٍ، وكأنه يسمع كلامها لأول مرة.
“لم أساعدكِ يومًا واحدًا.”
أضاف ساخرًا وكأنها تعيش وهمًا.
“هذا….”
تذكرت مابيل أيامها حين كانت مجرد “الأميرة الشبح”، منبوذة لا يلتفت إليها أحد.
كان لاندر أيضًا يغض بصره عنها، متجاهلًا وجودها تمامًا.
لكنها كانت تعرف الحقيقة.
حين تجد أعلى كومة القمامة بقايا صالحة للأكل، أو وعاءً من المعدن موضوعًا تحت مزراب المطر، أو قطعة قماش سميكة تُرمى قرب غرفتها في الشتاء القارس…
كانت تدرك أن صاحب تلك اللفتات الخفية لم يكن سوى لاندر.
لقد اكتشفت ذلك حين تجولت جائعة قرب المطبخ، فرأته يوبخ بشدة.
“كنتُ فقط… أريد أن أرمي هذا.”
“ومن سمح لك أن تفعل ذلك؟ أيها الجرذ الحقير، لا تدخل المطبخ مجددًا!”
كان لاندر وقتها مجرد خادم عادي، لا يحق له دخول المطبخ أصلًا.
لكنه تسلل خفية ليجمع سلة نفايات الطعام.
وبرغم الطرد، تمسك بالسلة كأنها غاية لا يتنازل عنها، ثم مضى بها مباشرة إلى القمامة.
هناك، وبعد أن ألقى بقايا الطعام، أخرج من جيبه قطعة بسكويت مكسورة.
اتسعت عينا مابيل في صدمة.
فهي نفسها كانت قد عثرت قبل أيام على تلك القطعة وأكلتها بامتنان.
وتكررت تلك اللفتات بعد ذلك من حين لآخر.
‘إنه حقًا إنسان طيب….’
لكنها لم تستطع يومًا أن تشكره.
فلاندر ظل يتجاهلها في العلن وكأنه لا يعرفها.
تحطمت آمالها في أن يعترف بها، لكنها لم تحزن.
لقد قررت أن تحتفظ في قلبها بالدفء الذي منحها إياه خفية.
والآن، ذاك الرجل نفسه، لاندر… كان ينظر إليها بعينين يتقد فيهما القتل.
“لا أعلم ما الذي تتوهمينه، لكن على أي حال… هذه هي النهاية.”
أن يكون هذا أول حوار مباشر بينهما…
كان أمرًا يفطر قلب مابيل.
ولم تستطع أن تسيطر على مشاعرها المجروحة.
في تلك الأثناء، هجم لاندر مجددًا.
“أغغ…!”
واجه كليك ضرباته بكل ما استطاع، لكن شدتها الحقيقية أجبرته على الاكتفاء بتفاديها.
لم يكن بإمكان دبوس الشعر الذي أحضرته مابيل أن يتصدى لسيف حاد.
‘لو كان معي سيف على الاقل..!’
أدار كليك عينيه بسرعة يتفحص ما حوله، لكن لم يظهر له ما يمكن الاستعانة به.
“تسك، تشبه الجرذ فعلًا!”
ازداد غيظ لاندر من كليك الذي كان يراوغ هنا وهناك، متجنبًا هجماته بخفة.
كان من الواضح أنه ليس فقط سريعًا كالحيوان الرشيق، بل قد تلقى أيضًا تدريبًا جيدًا في قلعة الدوق الاكبر.
فهو، وهو يتفادى سيف لاندر، كان يحرص في الوقت ذاته على تعديل مساره بحيث لا تتعرض مابيل للخطر.
إذ طال القتال الذي ظنه سينتهي سريعًا، بدأ القلق يتسرب إلى لاندر.
‘يجب أن أنهي الأمر قبل أن يكتشف كيسار أنني تركت موقعي…’
حدّق لاندر في مابيل، الجالسة خلف كليك، بنظرة تكاد تقتلها.
‘كما توقعت… كانت تعرف أنني ساعدتها.’
وكما تتذكر مابيل، فقد ساعدها لاندر في الماضي.
بل كان من الصعب حتى أن يُسمى ذلك “مساعدة”، بل أقرب إلى شفقة.
فلاندر، وقد استعاد ذكرى طفولته البائسة، لم يستطع أن يتجاهل مابيل كليًا.
لكن لو انكشف أنه يهتم بها، فسينتهي به الأمر مثل أولئك الذين كانوا يساعدونها خفية ثم يختفون دون أن يُعلم بهم أحد.
لذلك قرر لاندر أن يساعدها بقدر استطاعته، ضمن الحدود التي لا تجلب له الخطر.
‘في ذلك الحين كنت أظن أن ما فعلته هو الصواب….’
لكن الأمور تغيّرت الآن.
لاندر، الذي لم يكن سوى خادم وضيع، لم يرضى بمكانته.
كان طموحه عاليًا، فسعى جاهدًا لينال رضا كيسار، حتى وصل أخيرًا إلى منصب مساعد.
لكن إن علم كيسار بأنه ساعد مابيل في الماضي…؟
‘سوف يعيق ذلك ترقيتي.’
بل قد يُتخلَّص مني أنا أيضًا، مثل أولئك الذين اختفوا دون أثر.
أيّ حياة هذه التي عشتها بالكاد متشبثًا بها، وأي منصب هذا الذي انتزعته بشق الأنفس!
لا يمكن أن أدمّر حياتي كلها من أجل شفقة تافهة تجاه الغير.
لهذا، ما إن لاحظ لاندر أن مابيل اختفت من غرفتها، حتى أسرع مباشرة إلى السجن السفلي.
وبهذا الوقت أدرك كليك أن الهدف الحقيقي لاندر لم يكن هو، بل مابيل.
“لكن كيف عرفت أن مابيل هنا؟”
قال كليك، عارضًا أسنانه في حذر.
وفعلًا، كان الأمر غريبًا.
‘أليس من المفترض أن يظن أنها ما زلت نائمةً تحت تأثير المنوّم؟’
ضحك لاندر باستهزاء أمام استجواب كليك، ثم وجه سيفه مرة أخرى نحو مابيل وقال:
“أتدرين، يا آنسة؟ الغرفة التي خُصصت لكُ تطل مباشرة على مكتب السيد. ما يعني أنه يمكن مراقبتك في أي وقت. فاختفاؤك لا يصعب عليّ اكتشافه.”
“لكن… لماذا جئت إلى هنا بالذات؟ كيف عرفت أنني سأصل إلى هذا المكان؟”
“ذلك لأن هذا هو الممر السري الوحيد الذي لم أبلّغ به سيدي.”
شهقت مابيل بصوت خافت عند سماع جواب لاندر.
فالحقيقة أن لاندر كان يعرف منذ زمن بعيد بالممر السري الممتد عبر جدران القصر.
إذ كان قد أصغى جيدًا إلى الصرخة التي أطلقتها مابيل حين سقطت أول مرة بعدما اكتشفت ذلك الممر.
وحتى أنها وضعت كومة من القش أسفل الممر لتستعملها حاجزًا عند الحاجة لاحقًا.
‘لم أبلّغ عن هذا الممر السري، لأنني فكرت أنه قد يأتي يوم تحتاج فيه الآنسة إلى استعماله.’
وبفضل ذلك استطاع أن يتنبأ بسهولة بمكان وجودها الآن.
ازداد ارتباك مابيل بعد سماع جوابه.
“أنت حقًا… ما زلت تساعدني. إذًا لماذا…؟”
سألت وهي تتعثر في وقفتها، مشيرة إلى سيفه.
فأصدر لاندر صوت نقر بلسانه، وأدار معصمه ممسكًا بالسيف بخفة.
“لا داعي لأن تفهمي. فقط اعتبري الأمر هكذا: تسددين دَينكِ مقابل ما قدمتُه لكِ من نعمة سابقًا.”
“نعمة…؟”
“نعم. فطالما أنك ما زلت حية بفضلي، فعليكِ الآن أن تموتي من أجلي.”
لقد نوى لاندر بالفعل القضاء على مابيل في هذه اللحظة.
وكان قد أعدّ مسبقًا عذرًا يقدمه لكيسار.
فكيسار لم يصدق كلام الطبيب الذي شخّص حالة مابيل.
ولذلك خطط لاندر أن يستغل هذا الأمر بدهاء، فيقول إن خطأه كان في إعطائها جرعة زائدة من المنوّم.
ولم يتوقف عند هذا الحد.
فإن ادّعى أن موت مابيل كان بسبب أسرة الدوق إسكليد نفسها؟
عندها، بعد أن خطفوا وريثة الدوقية وقتلوها، فلن تفلت أسرة الدوق من عقاب جسيم.
بل قد يعجب كيسار هذا التفسير أكثر.
‘أما الجراح التي على جسدها فسأقول إنها من فعل ذلك الثعلب اللعين.’
ففي كل الأحوال، ذلك الثعلب أيضًا سيفقد حياته هنا اليوم، ولن تُترك له فرصة ليبرر نفسه.
“أي هراء هذا…!”
صرخ كليك بغضب.
وفي تلك اللحظة، أعاد لاندر تثبيت وقفته وركل حجرًا بقوة كان على الأرض.
وأثناء ما كان كليك يدير جسده ليتفادى الحجر المنطلق نحو رأسه، اندفع لاندر كالسهم نحو مابيل.
“مابيل!”
آه…!
ارتعب كليك الذي ترك ثغرة في دفاعه، فدار بجسده من جديد، لكن الأوان كان قد فات.
“آه…!”
غطت مابيل رأسها بيديها وأغمضت عينيها بشدة.
تَرنّح!
وتطاير سيف لاندر مبتعدًا عنه.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ سايومي إلى ميل ♡
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"