“آه، انتظري قليلًا. سأذهب إلى المطبخ وأجلب سكرًا! فهو حلو أيضًا، أليس كذلك؟”
“نعم، ربّما…….”
‘أي سكرٍ هذا يُقارن بالحلوى؟’
لكن مابيل كانت قد حققت غايتها في إخراج الخادمة من الغرفة، فأجابت بفتور.
وما إن ابتعدت الخادمة حتى هرعت مابيل نحو الصندوق الموضوع في الزاوية.
ورغم أنّ أيامًا مرّت منذ قدومها إلى قصر دوقية آشيلونيا، لم يرتّب أحد خدمها أمتعتها.
وكان ذلك حسن الحظ.
‘وجدتُه!’
استخرجت من الصندوق دبوس شعرٍ اشتراه الفرسان أثناء إحدى دورياتهم.
وكان رديء الصنع كأي سلعة تُباع في الطرقات، حادّ الأطراف وغير مصقول.
ولهذا لم تكن تستعمله كثيرًا، لكنها لم ترمه، بل احتفظت به شاكرةً لنيّتهم حين جلبوه لها.
أغلقت مابيل الصندوق، وقبضت على الدبوس بيدها، ثم عادت واختبأت تحت اللحاف.
“آنستي، لقد أحضرت السكر.”
لم تلاحظ الخادمة العائدة أنّ مابيل قد فتّشت في الصندوق.
جلست الفتاة وقد أخفت الدبوس تحت فخذها.
كان الحَدّ يلسع جلدها، لكن ذلك بالضبط ما أرادته.
“إن شربتِ الدواء، سأعطيك ماءً محلّى بالسكر.”
“حسنًا.”
وبينما كانت تتجرّع الدواء، شعرت بوخز الدبوس الحادّ في فخذها.
“كيييك!”
كان طعم الدواء مُرًّا إلى حدٍّ جعل شعر رأسها يقف جميعه.
ناولتها الخادمة على عجل كوبًا من الماء المُحلّى بالسكر، وهي ترتجف ارتجافًا شديدًا.
فمهما كان منوّمًا أو غيره، فقد كان مُرًّا بشكل لا يُطاق حتى أنّ الدموع ترقرقت في عيني مابيل وهي تشرب ماء السكر جرعةً تلو الأخرى.
“أحسنتِ. والآن استريحي.”
قالت الخادمة بنبرةٍ يغمرها الرضا، كأنها أدّت واجبها على أكمل وجه، ثم نهضت.
لكن، رغم أن مابيل قد ابتلعت ماء السكر دفعةً واحدة، ظلّ طعم المرارة عالقًا في فمها، وما برحت ترتعش.
‘لقد شربته كاملًا.’
اطمأنت الخادمة وخرجت من الغرفة، غير عالمة أنّ ارتجاف جسد مابيل لم يكن من مرارة الدواء وحدها، بل من وخز الدبوس الحاد المغروس في فخذها.
“كاهـ……!”
تفجّر اللعاب من فمها من شدّة مرارة الدواء.
حين كانت مريضة لم تُدرك ذلك، لكن وهي في كامل وعيها الآن، كان الأمر عذابًا محضًا.
وما زاد الطين بلّة أنّ قوّة المرارة دلالةٌ على شدّة فاعلية الدواء، فما لبثت أن داهمها النعاس سريعًا.
وبينما كانت تغفو وهي جالسة، انتفضت فجأة من ألمٍ حادٍّ وخز فخذها.
‘لا، لا يجب أن أنام!’
بحثت مابيل بسرعة عن الدبوس، وغرسته بكلّ قوّتها في راحة يدها.
اخترق الطرف الحاد لحم يدها الرقيق، فاستفاق وعيها المشوَّش على الفور.
‘نجحت!’
وبرزت قطرات الدم من جرحٍ غائر، لكنها لم تُعره أي اهتمام.
فمابيل لم تكن تعرف الخوف من الجروح أو الدماء؛ فقد كان ذلك جزءًا من حياتها اليومية في هذا القصر.
اطمأنت إلى الألم النابض الذي طرد عنها النوم، فقفزت من السرير خفيفة.
ثم التقطت قطعة قماشٍ وربطت بها الجرح بإحكام لتوقف النزف، وهي طريقة لم يعلّمها لها أحد، بل ابتكرتها بنفسها.
‘حسنًا. لقد تغلّبتُ على المنوّم، ولم يبقَ سوى…….’
وقفت على أطراف قدميها ومشت بخفة حتى وضعت أذنها على الباب.
لم يُسمع أي صوت، لا وقع أقدام ولا حتى دبيب نملة.
الجميع على ما يبدو أيقنوا أنها قد شربت الدواء واستسلمت للنوم، فتركوها.
‘هذا لصالحـي.’
فتحت الباب بحذر وألقت نظرة سريعة من حولها.
وكما توقعت، لم يكن هناك أحد.
قرّرت مابيل استغلال الفرصة والذهاب إلى السجن تحت الأرض.
‘لكن، قال أخي آسيلت إنهم سدّوا جميع الممرّات السرّية…….’
أتُراها سُدّت حقًا كلّها؟
ففي حين قضت مابيل سنواتها تبحث عن كل منفذٍ وممرٍّ لتنجو بحياتها، كان كيسار لا يعرف عنها سوى تقارير مكتوبة.
فمن منهما الأجدر علمًا بالممرات السرّية؟
زد على ذلك أنّ غرفة مابيل تقع في الطابق الرابع، وهو الأعلى.
وربما اختار كيسار عمدًا أن يضعها هناك.
‘للخروج عليّ أن أنزل السلالم، وفي طريقي لا بدّ أن أصادف أحدًا.’
لكن إن كان هذا هو تفكيره، فذلك يعني أنه خسر سلفًا.
فغرفتها القديمة كانت في الطابق الرابع أيضًا.
بل أدقّ: كانت في علّية صغيرة، أعلى بنصف سلّمٍ من الطابق الرابع.
‘لم يكن يهتم أصلًا أين كنت أعيش، ولهذا منحني غرفة في الطابق الرابع بلا مبالاة.’
ما زالت مرارة الدواء عالقةً على طرف لسانها.
لكنها تجاهلت المذاق الكريه، واتجهت نحو الدرج المؤدّي إلى العلّية لتفحص ما وراءه.
استقبلت مابيل أكوام الغبار والمهملات المكدَّسة العلّية كما كانت من قبل، وكأن المكان لم يتغيّر.
‘كنت واثقة أنّهم لن يعرفوا هذا المكان!’
أسرعت مابيل تزاحم بين الركام، ثم دفعت بألواح الخشب التي بدت متقنة التركيب للوهلة الأولى، فإذا بفتحةٍ سوداء سحيقة تنكشف أمامها.
كان هذا الممرّ متصلًا بجدار القصر الخارجي، ويقود مباشرةً إلى أسفل.
فاندفعت مابيل داخله كما لو كانت تتزحلق على مزلجة.
أحسّت بجسدها يهوي بسرعة، تحيط به عتمة حالكة تخلو من أي بصيص نور، فشعرت بالرعب، لكنها عضّت على أسنانها لتكتم صرختها.
ولم يطل السقوط طويلًا، إذ فجأة:
بوف!
سقطت فوق كومة ضخمة من القشّ المتعفّن.
“كُح، كُح! أووف!”
ارتفع من القشّ عفنٌ ورائحة كريهة جعلتها تكاد تتقيّأ.
حبست أنفاسها، وشقّت طريقها سريعًا للخروج من الكومة.
وما إن نهضت حتى سمعت صوتًا مألوفًا:
“……مابيل؟”
كان كليك، مقيّدًا بالحبال والشباك بإحكام، يحدّق بها بعينين واسعتين.
وبالقرب من فمه تَدَلَّت قطعة قماش ممزقة، إذ بدا أنّه مزّق لجامه بأسنانه.
“كـ-كيف…؟”
كان مطروحًا أرضًا بلا حراك تقريبًا، ينظر تارةً إلى مابيل وتارةً إلى كومة القش، بوجهٍ لا يكاد يصدّق ما يراه.
صحيح أنّه كان يتساءل من قبل عن غرابة وجود كومة قشّ متعفّنة في زاوية الجدار…
لكن أن تخرج منها مابيل فجأة؟
ظلّ يتنقّل ببصره بينها وبين القش، حتى أشرق فجأةً وكأنه توصّل إلى الحقيقة، فهتف بفرح:
“أنتِ ملاك أيضًا!”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ سايومي إلى ميل♡
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"