كليك، وهو يدفن وجهه في منديل ويتنهّد بحزن، قال:
“أعني، لا تتفوهي بـ أشياء مثل أنّكِ لم يكن يجب أن تُولدي، لا تقوليها بهذه… بهذه البساطة.”
بجانب كليك الذي كان يهدّد بغضب بأن يضع يرقات في ملابس الكبار الأشرار،
وقف آسيلت بتعبيرٍ شاردٍ بعض الشيء.
كانت عينا آسيلت مثبتتين على مابيل.
‘كانت… تُعامل بهذه الطريقة…؟’
على الرغم من أنّه لم يُظهر شيئًا ظاهريًّا، كان آسيلت أيضًا مصدومًا بشدّة.
عندما جاءت مابيل إلى القصر الكبير لأوّل مرّة، سمع من خلال أحاديث الخادمات أنّ مظهر الطفلة لم يكن جيّدًا.
لكنّه، لأنّه لم يرَ ذلك بنفسه، لم يعرف مدى خطورة الأمر.
‘ابنة الدوق الوحيدة، كم من الصعوبات يمكن أن تكون قد عاشتها؟’
كان آسيلت، الذي يعرف البيئة القاسية للسوق السوداء، يعتقد أنّ الخادمات يُبالغن في الأمر.
والأكثر من ذلك، أنّ صوفيا سرقت كلّ أبحاث سيغموند.
‘كم من الرفاهية عاشت بها بفضل ذلك؟’
وعلاوة على ذلك، عندما التقى مابيل وجهًا لوجه،
كانت صغيرة الحجم مقارنة بعمرها، لكنّها بدت ناعمة وظريفة جدًّا.
لذلك، كان يكرهها أكثر ويحاول مضايقتها لأنّها ابنة صوفيا.
‘ما الذي فعلته…؟’
شعر وكأنّ أنفاسه توقّفت فجأة.
حتّى اليوم، كان يرتدي النظّارات الشمسيّة التي صنعتها مابيل له.
منذ ذلك اليوم، بدأ خدم القصر الكبير يتعاملون معه بلطف.
بل إنّ البعض اعتذر له قائلين إنّهم آسفون.
كلّ ذلك بفضل مابيل، لكنّه لم يفعل شيئًا لها في المقابل.
على عكس مابيل التي فهمت مشاعره الكامنة في أعماق قلبه،
لم يعرف آسيلت كيف عاشت حتّى أخبرته بنفسها.
لم يحاول أن يعرف.
خلف النظّارات الشمسيّة، غرقت عينا آسيلت في الظلام.
“تلك… الكلمات، أسمعها للمرّة الأولى…”
بينما كانت يد كليك تمسك بها، فتحت مابيل فمها.
كان صوت الطفلة يرتجف.
اتّسعت عينا آسيلت الذي كان يراقب مابيل.
كليك، الذي كان يدفن وجهه في المنديل ويبكي بصوتٍ عالٍ، رفع رأسه وفتح عينيه على وسعهما.
كانت مابيل تبتسم، لكنّها في الوقت ذاته كانت تبكي.
كانت عيناها الحمراوان الكبيرتان المستديرتان ممتلئتين بالدّموع المتلألئة.
“أنا… أسمعها لأوّل مرّة في حياتي!”
تدحرجت الدّموع الكبيرة على زاوية عينيها المنحنيتين بجمال.
“هيينغ، شكرًا…!”
مابيل، التي كانت تبتسم بسعادة، بدت سعيدة حقًّا.
لم يستطع الأخوان أن يرفعا أعينهما عن وجهها.
وفي تلك اللحظة، شعر آسيلت وكليك وكأنّ قلبيهما يهويان فجأة إلى الأسفل.
كيف يمكن وصف هذا الشعور؟
كانت جميلة جدًّا، ظريفة جدًّا، لكنّهما لم يريدا رؤية هذا المنظر مجدّدًا.
لم يريدا رؤية مابيل وهي تبكي، ولم يريدا أن تذرف دمعة أخرى أبدًا.
بدافع غريزة الحماية غير المبرّرة، أمسك آسيلت صدره بقوّة.
لا، ليس صحيحًا.
هذا الشعور، كان آسيلت يعرفه.
لقد شعر به مرّة واحدة من قبل، منذ زمن بعيد.
متى كان ذلك؟
“أنتِ، أنتِ! من الآن فصاعدًا، سأحميكِ! لن أدع تلك الأمور تحدث مجدّدًا!”
“ماذا؟ ماذا؟ واه!”
فجأة، صرخ كليك بصوتٍ عالٍ واندفع نحو مابيل.
“خطر!”
عندما ترنّحت مابيل بشدّة، هرع آسيلت بسرعة ليعانق الطفلين اللذين كادا يسقطان.
بسبب احتضانه للطفلين، اصطدم ظهره بالأرض، فتألّم الجرح المخيط بالإبر، لكنّه كان بخير.
“آه، أخي!”
“سيّدي!”
“يا إلهي، السيد آسيلت!”
“ماذا نفعل؟”
هرعت إيلا وشيلا لمساعدة الثلاثة على النهوض.
لكن كليك ومابيل تشبّثا بـ آسيلت مجدّدًا.
“هل أنت بخير، أخي؟ أنا آسف، بسببي.”
“هل أنت بخير؟ أنا آسفة، بسببي.”
عبس آسيلت من الألم الحاد.
في مجال رؤيته، ظهر وجهان مبلّلان بالدّموع.
لأنّ وجهي الطفلين الصغيرين الملطّخين بالدّموع بديا متشابهين، ضحك آسيلت بخفّة.
مدّ آسيلت ذراعيه وعانق كليك ومابيل.
“ماذا، أخي؟”
“سيّدي…؟”
مع اقتراب المسافة، أصبحت رائحة الصابون الناعمة أقوى.
نعم، لقد شعر آسيلت بهذه الغريزة الحاميةِ الغامضة من قبل.
كان ذلك عندما التقى بكليك لأوّل مرّة،
وهو متكوّر في قفص قذر وبارد، يرتجف خوفًا.
في ذلك الوقت، كان كليك مصابًا بجروح خطيرة وخائفًا، لكنّه اقترب من آسيلت أوّلًا.
عندما غربت الشمس وأصبح الجو باردًا، عرض أن يشارك الدفء مع مفترس قد يأكله.
عندما لامس دفء الفراء الخشن لكنه دافئ، قرّر آسيلت:
‘سأحمي هذا الطفل اللطيف الهش.’
بعد أن استعاد أنفاسه للحظة، فتح آسيلت فمه:
“مابيل، أنا أيضًا.”
“ماذا…؟”
“أنا أيضًا سأحميكِ.”
عند سماع صوت آسيلت الهادئ، شقهت مابيل بعمق.
“لن أدعكِ تمرّين بمثل تلك الأمور مجدّدًا… بدلًا من الأشخاص الذين عاملوكِ بقسوة… سأكون عائلتكِ.”
عائلة.
اخترقت هذه العبارة قلب مابيل.
لم تتخيّل سماع هذه الكلمة ولو لمرّة واحدة،
فتردّدت مابيل، غير عارفة كيف تتفاعل.
تحدّث آسيلت إليها مجدّدًا بصوتٍ لطيف:
“لذا، كما قال كليك، لا تكرّري تلك الكلمات… أنّكِ لم يجب أن تُولدي، لا تكرّريها بعد الآن.”
“نعم، نعم، صحيح. لا تكرّريها بعد الآن.”
كليك، الذي كان في أحضان آسيلت، أدار رأسه لينظر إلى مابيل.
توقّف بكاء كليك في تلك اللحظة، لكن ليس مابيل.
كانت عيناها الحمراوان، مثل عيون الأرنب، لا تزالان ممتلئتين بالدّموع.
“لا تبكي!”
خرج كليك من أحضان آسيلت الضيّقة، واستخدم المنديل الذي كان يدفن فيه وجهه ليمسح عيني مابيل بلطف.
“من اليوم فصاعدًا، أنتِ أختي الصغرى. لذا سأحميكِ.”
“لا، كليك. إنّها أختنا الصغرى. نحن الاثنان سنحميها.”
عند سماع كلمات الأخوين، شعرت مابيل وكأنّ شيئًا ما ينهار داخلها.
عندما تأمّلت ما هو، أدركت أنّه كراهيتها لنفسها، التي كانت تتقبّلها كأمرٍ مفروغ منه.
طفلة لا يجب أن تُولد.
طفلة لم يكن من المفترض أن توجد.
طفلة ستموت في النهاية.
على الرغم من أنّها هربت وحاولت البقاء على قيد الحياة،
وحاولت عدم إفساد النهاية السعيدة للأبطال،
إلا أنّ الفكرة الراسخة بأنّها ‘طفلة لا يجب أن تُولد’،
والتي لم تستطع مابيل التخلّص منها، كانت تنهار الآن.
‘أجل، لقد تغيّر الكثير.’
‘أنا لم أعد تلك الطفلة التي لا يجب أن تُولد، شبح آشيلونيا.’
امتلأ قلب مابيل بالعواطف، فبكت بهدوء.
تدفّقت الدّموع من عينيها وسقطت على خدّيها.
“هيك… هيك…”
“آه، مابيل، لا تبكي!”
“هش، لا بأس. دعها تبكي.”
عندما أصيب كليك بالذعر، أوقفه آسيلت.
كانا يتألّمان بنفس القدر مع كلّ قطرة دمع تسقط من عيني مابيل،
لكنّ قمع العواطف بالقوّة لم يكن جيّدًا.
بدلًا من ذلك، كان آسيلت يرفع يده أحيانًا ليمسح خدّيها وذقنها المبلّلين بالدّموع.
اقتربت إيلا وشيلا بهدوء من الخلف،
وسلّمتا منديلًا مبللًا بالماء البارد.
بينما كان كليك يمسح دموع مابيل بحذر، وضع آسيلت منديلًا باردًا على جبينها الذي بدأ يسخن.
بعد أن بكت مابيل لفترة طويلة بوجهٍ محمّر بصمت، فتحت فمها بصعوبة.
“أنا… حقًّا…؟”
“ماذا؟”
“أنا… هل يمكنني حقًّا أن أكون… جزءًا من عائلة السادة؟”
توقفت مابيل وسألت.
كانت عيناها الحمراوان المبلّلتان بالدّموع تبدوان مؤلمتين.
لطمأنة مابيل، رفع آسيلت زاوية فمه وأجاب:
“بالطبع.”
“أنا، أنا لستُ من البشر السوين…”
“نعم! لا يهم! أنا وأخي أخوان، لكنّي ثعلب وهو البازيليسق!”
“لكن، لكن…”
بينما كانت مابيل تستمر في البحث عن أسباب تجعلها لا تستحقّ أن تكون جزءًا من العائلة،
أدار كليك عينيه ثمّ قال فجأة كما لو أنّ فكرة خطرت له:
“لا بأس. أخي حاول أن يأكلني في البداية!”
“ماذا؟”
توقّفت دموع مابيل فجأة عند سماع هذه القصّة الصادمة.
ضحك كليك ببلاهة، سعيدًا بأنّ مابيل توقّفت عن البكاء.
“أنا، في الواقع، دخلت قفص أخي كطعام له!”
“طعام…؟ ماذا؟”
عند سماع هذه القصّة الماضية الصادمة، فغرت مابيل فمها.
ما هذا الكلام؟ هل هذا صحيح؟
نظرت مابيل إلى آسيلت كدمية مكسورة تدير رأسها.
“آه…”
ضرب آسيلت جبهته ذهنيًّا وابتسم بإحراج.
“حسنًا، كيف حدث ذلك…”
بدأ آسيلت بسرد قصّة طويلة لتوضيح القصّة التي كشفها كليك فجأة.
لكن لم يتغيّر شيء.
لم تتغيّر مشاعر الأخوين تجاه مابيل، التي قرّرا أن يجعلاها أختهما الصغرى ويحمياها من الآن فصاعدًا.
كانت الرياح التي تهبّ عبر الحديقة بعد عبور التلّ العالي منعشة جدًّا.
كان الطقس مثاليًّا لاستقبال مابيل في عائلتها الجديدة.
– ترجمة: مـيـل ~★
التعليقات لهذا الفصل "26"