حتى إنّ مابيل قالت للخادمات اللواتي أحدثنَ جلبةً وهي مبتسمة:
“اليرقات ليست خطيرةً. بل إنّها إذا نظط إليها عن قرب بدتْ لطيفةً.”
ذلك الردّ الوقح جعل كليك يغتاظ أشدّ الغيظ.
“إنّه أنتَ، أليس كذلك؟ أنتَ الذي أخبرتها مسبقًا، صحيح؟!”
احتجّ كليك وهو يلهث غضبًا، لكن آسيلت تظاهر بالجهل.
“إنّه أمرٌ لم تخبرني أنتَ به، فكيف لي أن أعرفه أنا؟”
“إيك……!”
فالواقع أنّه لم يكن يعرف حقًّا.
لكن كليك كان مجرّد حزينٍ لأنّ آسيلت انحاز من جديد إلى صفّ مابيل.
“سوف تندم!”
لذا أحضر كليك “صندوق الكنز” الذي لا يُخرجه عادةً.
وإذا أردنا وصف هذا الصندوق، ففيه كلّ شيء من قشور السيكادا، إلى الخنافس الميتة اليابسة، إلى قرون الصرصور!
لقد كان يحوي مجموعةً ثمينةً جدًّا عند كليك الثعلب، بل إنّ آسيلت نفسه كان ينزعج منها أشدّ الانزعاج.
‘هاه! مهما تظاهرت بالقوّة، فلن تتحمّل هذا!’
إلى الآن لم يكن هناك أحدٌ لم يجزع عند رؤية صندوق كليك.
شخصٌ واحد فقط كان الاستثناء مُنقذه و معلّمه سيغموند.
لكن توقّعات كليك خابت، وهذه المرّة أيضًا جاء الردّ على غير ما ظنّ.
“واو، مدهش. هذه الخنفساء تشبه صَدَفَ اللؤلؤ حقًّا.”
كانت تلك أوّل مرّة.
أوّل شخص لا يفرّ عند رؤية مجموعته.
أوّل شخص لا يصرخ أو يدفع صندوق الكنز بعيدًا.
أوّل شخص يعترف بالقيمة الحقيقية لهذه الكنوز!
حتى سيغموند كان يوبّخه ألا يضعها على مائدة الطعام!
في تلك اللحظة شعر كليك وكأنّ الدنيا انقلبت رأسًا على عقب.
‘إنّها تعرف شيئًا!’
قال كليك بوجهٍ متهلّل وهو يقرّب الصندوق من مابيل:
“صحيح، أليس كذلك؟ لهذا السبب تُسمّى هذه بخنفساء الصدف! لكن هل تعرفين الصدف أصلًا؟ أنا تعلّمتُ ذلك مؤخرًا، أنتِ ذكيةٌ حقًّا!”
وما إن انفجرت كلمات كليك حتى لم يعد لفمه مجالٌ ليسكت.
“وهذا أيضًا! انظري، هذه هي قشور الأفعى. إذا رفعتِها نحو الشمس هكذا…….”
كان كليك يلوّح لها كي تقترب سريعًا، فقامت مابيل من مكانها وجلست بقربه.
فرفع كليك قشور الأفعى عاليًا وحركها في اتجاهات مختلفة.
“انظري! كأنّها قوس قزح، أليس كذلك؟”
“واو، بالفعل هكذا!”
“لهذا تُسمّى هذه بأفعى الأوبال! آه، هل تعلمين ما هو الأوبال~”
ازداد حماس كليك لأنّ مابيل كانت تُصغي إلى كلامه باهتمام، فظلّ يتحدّث أكثر فأكثر.
بلغ به الانفعال أنّ أذنيه وفروه الأحمر الناعم وذيله الكثيف خرجت بوضوح.
أما آسيلت، الذي كان مستلقيًا بجانب مابيل و كليك يقرأ كتابًا، فقد ابتسم بخفّة وهو يرى ذيل كليك يهتزّ فرحًا.
‘يا له من طفلٍ بسيط.’
كان قلقًا بشأن كيفيّة تقبّل كليك لمابيل، لكن يبدو أنّ الأمر انتهى بخير.
‘ربّما جعلُه يختبر الأمر بنفسه أفضل من إرغامه على الجلوس والاستماع.’
ولهذا السبب، مع أنّ كليك قد هرب باكيًا بالأمس، لم يذهب آسيلت وراءه.
ومن المدهش أنّه بعد كلّ ما جرى بالأمس، جاء في الصباح ليأكل معهما.
“وااه، ذيلٌ رائع! يبدو شديد النعومة!”
“صحيح؟ إنّه فخري. ذيلي أكبر من ذيول الآخرين! هل تريدين لمسه؟”
“أيمكن ذلك؟”
“طبعًا! فأنتِ شخصٌ مميّزٌ اعترفتِ بكنوزي!”
يا للعجب!
بل إنّه سمح لها بلمس ذيله الذي لا يدعه أحدًا يلمسه عادةً.
‘لقد وقعَ لها تمامًا.’
حتى آسيلت لم يتمكّن من لمس ذلك الذيل إلا بعد شهرٍ كامل.
وبالرغم من أنّ لقاءهما الأوّل كان استثنائيًّا كصيّادٍ وفريسة، فإنّ كليك لا يسمح حتى الآن إلا لخادمةٍ مخصّصةٍ بتمشيط ذيله.
لكنّه الآن سمح لمابيل أنْ تلمسه مباشرةً، وهذا أمرٌ نادرٌ جدًّا.
‘لكن…….’
أخذ آسيلت يطرق شفتيه بزاوية الكتاب وهو ينظر إلى مابيل.
‘لماذا لا تخاف مابيل من الحشرات؟’
فالواقع أنّ صندوق كليك لم يكن يحوي الحشرات وقشور الأفاعي فقط.
كان فيه أيضًا خفاشٌ محنّط، وذيل سحليةٍ مقطوع، ومئوياتٌ مجفّفة…… أشياءٌ أحيانًا تجعل آسيلت نفسه يقشعرّ كأنّ شيئًا يزحف على جلده.
ومع ذلك، كانت مابيل تتأمّل صندوق كليك وكأنّه فعلًا “صندوق كنوز”.
‘لو كانت فتاةً عاديّةً لاشمأزّتْ منه.’
ويبدو أنّ آسيلت لم يكن وحده من فكّر هكذا، فقد نادت شيلا مابيل بتردّد:
“آ-آنستي……؟”
شيلا كانت خادمةً رقّيت بعد حادثة قاعة النشاطات حين فُصل آخرون، وقد فازت بعد منافسةٍ شديدة لتخدم مابيل مع إيلا.
لكنّها الآن كانت على وشك أن تُغمى عليها.
فسيّدتها الصغيرة الثمينة اللطيفة الذكية الحنونة كانت تمسك رأس غرابٍ مجفّف بيدها البيضاء الناعمة.
“أ……ألستِ خائفة……؟”
سألت شيلا بلطف وهي تحاول تلطيف السؤال.
ففي داخلها كانت تصرخ: “أزيلي تلك القذارة حالًا!” لكن بما أنّ صاحب الصندوق هو كليك، كتمت نفسها.
غير أنّ مابيل وضعت رأس الغراب في راحتها البيضاء النقية كأنّه أعزّ الكنوز وابتسمت.
“لا، بل إنّه مدهش!”
ثم قرّبته من وجهها تتأمّله بدقّة وكأنّها لا تكذب.
“أنا معتادة على رؤية ما هو أسوأ جثثٌ متحللة أو هياكل عظمية.”
“……ماذا؟”
عند كلام مابيل، وضع آسيلت إصبعه بين صفحات الكتاب ونهض.
أما شيلا، ومعها إيلا التي بدت كالمُغشى عليها قبل قليل، فقد حدّقتا في مابيل بذهول.
“حقًّا؟ وأين كنتِ ترين ذلك؟”
سألها كليك بحماسٍ أيضًا، وكأنّه يريد أنْ يرى بنفسه.
فابتسمت مابيل بخجلٍ وقالت:
“في المكان الذي كنتُ أعيش فيه.”
“المكان الذي كنتِ تعيشين فيه…… ماذا؟”
عندها فقط بدأ كليك يدرك أنّ في الأمر غرابة.
فمابيل ابنة الدوق آشيلونيا الوحيدة.
فكيف لابنةٍ ثمينةٍ مثلها أنْ ترى مثل تلك الأشياء في غرفتها؟
لم يكن آسيلت ولا كليك يعلمان شيئًا عن حقيقة معاملة مابيل في آشيلونيا، كلّ ما يعرفانه أنّها ابنة صوفيا.
لكن مابيل، بوجهٍ عادي وكأنّها تحكي عن فطور الصباح، شرحت لهما:
“لم يهتمّ أحدٌ بي. قالوا إنّني وُلدتُ خطأً. لذلك كنتُ أعيش وحدي في مخزنٍ أو علّيةٍ أو غرفةٍ صغيرة كهذا الصندوق.”
“آنستي…….”
حاولت إيلا أن توقفها متأخرةً.
فقد خشيت أنْ تتذكّر مابيل ذاك المكان الفظيع وتُصاب بجراحٍ جديدة.
لكنّ مابيل لم تكن متأثّرة كما توقع الكبار.
“هناك كانت الحشرات كثيرة. كان هناك مئوياتٌ بحجم الكفّ، وفئرانٌ بعيونٍ حمراء مثل عيني.”
في الحقيقة، قبل أن تدرك أنّها داخل رواية، كانت مابيل أكثر ألفةً مع الحشرات والفئران من البشر.
حتى أنّها كانت تبحث في النفايات ليلًا عن طعام، ولو خرجت حشراتٌ معها لم تكن تعبأ بذلك.
“الآن وأنا أتذكّر الأمر أستغرب، لكن وقتها كنتُ بخير. ربما كنتُ بخير لأني لم أكن أعلم. لذلك لا أشعر بالخوف من هذه الأشياء حتّى الآن-”
“أيّتها الغبية!”
قطع صياحُ كليك الصمت الذي خيّم على الجميع.
ثمّ خطف رأس الغراب من كفّ مابيل ورماه بعيدًا.
“كيف تقولين إنّكِ بخير؟ هذا أمرٌ غريب!”
“آه! كنزُ السيّد!”
فزعت مابيل وحاولت أنْ تلتقط الرأس من الأرض، لكن كليك ركله بقدمه بعيدًا.
ثمّ أمسك يد مابيل وسحبها نحو النافورة، وغسل يديها بقوّة.
“أنتِ! من الآن فصاعدًا لا تلمسي أشياءً كهذه، فهمتِ؟”
“هاه؟”
لم تفهم مابيل لماذا يتصرّف هكذا.
ألم يكن قبل قليل يفتخر بها؟
اقترب آسيلت وأعطاها منديلاً.
لكن كليك اختطف المنديل ومسح بقايا الماء عن يدها بنفسه، ثم صرخ:
“من الآن وصاعدًا، لا تلمسي إلا الأشياء الجميلة! اللطيفة! الناعمة! مثلكِ فقط!”
كان صوته متهدّجًا وعيناه محمرّتين.
حين رأى آسيلت ذلك، قدّم له منديلًا آخر، فدفن كليك وجهه فيه وأجهش بالبكاء.
“أيّ كلامٍ هذا؟ أنّكِ وُلدتِ خطأً؟ يا غبية! كيف تسمعين مثل هذا وتبقين صامتة!”
كان يصرخ ويبكي معًا، بصوتٍ عالٍ يُؤذي الأذن، لكن مابيل لم تنكمش.
ففي صوته لم يكن سوى القلق.
“سيّدي…….”
حتى إنّها حاولت أنْ تُواسيه، لكنّه أمسك يدها فجأةً وقال بانفعال:
“لا أحد يُولد لسبب! لا يوجد مَن يولد لأنّ هناك سببًا لذلك!”
فتسعتْ عينا مابيل دهشةً عند سماع تلك الكلمات.
★ تـرجـمـة: لـيـنـو ~★
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "25"