الفصل 24
آسيلت، الذي أعاد السؤال عن الكلمة الغريبة، رفع النظّارة التي كان قد تلقّاها من كليك.
“هذه؟”
“نعم! صحيح، هذا!”
حين أضاءت عينا مابيل بفرح، سألها آسيلت:
“كنتُ سأسألكِ على كلّ حال. ما هذا بالضبط؟ يشبه النظّارات… لكن.”
في هذا العالم، وُجدت النظّارات، لكن لم يكن هناك شيء يُسمّى النظّارات الشمسيّة.
لذلك عندما قدّموا الطلب إلى الورشة، بدا صاحب الورشة كأنّه يقول: ‘ما أغرب هذه الطلبات.’
لكن كما يُقال مَن رأى ليس كمن سمع.
“جرّب ارتداءها.”
شجّعت مابيل آسيلت على أن يضعها كما تُوضَع النظّارات.
آسيلت، ورغم بعض التردّد، وثق بمابيل وارتدى النظّارات الشمسيّة.
“أوه…”
ظنّ أنّه لن يرى شيئًا بسبب العدسات السوداء، لكنّه رأى أفضل ممّا توقّع.
فقط تغيّرت ألوان العالم وصارت أكثر عتامة قليلًا؟
ربّما لا يُلاحظ ذلك في الداخل، لكن في الخارج حيث الشمس قويّة، قد تكون مفيدة جدًّا.
بعد أن تجوّل بعينيه في أنحاء الغرفة وهو يرتدي النظّارات، عاد آسيلت لينظر إلى مابيل.
“لكن، لماذا تعطينني إيّاها؟”
“آه… في الحقيقة كانت بديلًا لعِصابة العين.”
“بديلًا لعِصابة العين؟”
“نعم. لقد سمعتُ أنّ الاستمرار في ارتداء عِصابة العين يمنع الجرح من الالتئام.
لكنّك، رغم ذلك تستطيع الرؤية، أليس كذلك؟”
إذا كان يستطيع قراءة الحروف، فهذا يعني أنّ النفاذيّة عالية.
“ففكّرتُ إذا كان وجود حاجزٍ يحول دون تلاقي العيون يمنع من التحوّل إلى حجر، فربّما يمكن للنظّارات أن تقوم بدور الحاجز أيضًا…”
لكنّها لم تكن تدري أنّ الأمر ممكن فقط لأنّ آسيلت صار يعرف كيف يُسيطر على قوّته.
تابعت مابيل كلامها بخجل، وهي تُشبك أطراف أصابعها وتتحرّك قليلًا.
“لكن، بما أنّك الآن تعرف كيف تتحكّم بقوّتك تمامًا… فـ… لهذا تردّدتُ كثيرًا إن كنتُ سأعطيك إيّاها أم لا!”
فكّرت أنّ إهداء شيء لم يعد ضروريًّا قد يكون مزعجًا.
“لكن بينما كنتُ أتردّد، صادف أن التقيتُ السيّد كليك… فانتهى الأمر بأن تُؤخَذ منّي تقريبًا بالقوّة…”
كان شكل الأمر وكأنّه ابتزاز، لكن من جهة أخرى، شعرت أنّ الأمر جيّد أيضًا.
فقد صُنعت على أيّة حال من أجل آسيلت.
“إن لم تكن بحاجة إليها، يمكنك أن تتخلّص منها-”
“لماذا؟”
“نعم؟ آه، لأنّك الآن تتحكّم بقوّتك تمامًا، وأهل الدوقيّة أيضًا صاروا يعرفون ذلك.”
“لكنّك صنعتِها من أجلي، عن قصد.”
“آه، نعم… هذا صحيح، لكن…”
“إذًا يجب أن أستخدمها. ثمّ إنّني في الحقيقة أحببتُها كثيرًا.”
ابتسم آسيلت ابتسامة عريضة وهو يرتدي النظّارات الشمسيّة.
وربّما لأنّ أنفه شامخ وبشرته بيضاء، فقد بدت النظّارات، رغم مظهرها الخشن، ملائمة له على نحوٍ مدهش.
“ثمّ يا مابيل، كما قلتِ، قد لا يخافني أهل الدوقيّة بعد الآن، لكن ماذا عن الآخرين؟”
“ماذا تقصد؟”
“أعني حين أخرج.”
“لكنّني سمعتُ أنّك لا تُحبّ الخروج كثيرًا يا سيّدي.”
أمالت مابيل رأسها بدهشة.
فقط البارحة، حين اكتملت النظّارات، خرجت مع إيلا إلى داخل القصر.
حينها كان هيسين معهما أيضًا، وقال الاثنان إنّ آسيلت نادرًا ما خرج من قصر الدوق.
فكّرت مابيل ببساطة، ‘طبعًا، إنّه مثل الأفعى، ولذلك فهو منزويّ تمامًا.’
لكن هل لم يكن الأمر كذلك؟
“مَن قال هذا؟ أنا أحبّ الخروج. بالدقّة، أنا أحبّ التشمّس.”
وكأنّه قرأ أفكارها، أضاف: “أنا أفعى، أليس كذلك؟”
“والسبب في أنّني لم أكن أخرج هو عِصابة العين. فالناس كانوا يُحدّقون بي بلا انقطاع.”
“آه…”
في الحقيقة، لو كنتُ مكانهم، لكنتُ أنا أيضًا نظرتُ إلى فتى وسيمٍ يمشي في الشارع وهو يضع غطاء عينٍ أسود.
في البداية قد يظنّ المرء أنّه يكفي أن يخلع عِصابة العين عند الخروج، لكن آسيلت هو تلميذ سيغموند.
وفوق ذلك، بما أنّه من السلالة الأسطوريّة، البازيليسق، فلا يمكن أن يتجوّل بلا حراسة وحده.
‘إذًا كان يرتدي عِصابة العين باستمرار من أجل الأشخاص الذين يرافقونه من الدوقيّة.’
من الآن فصاعدًا قد لا تكون هناك حاجة لذلك، لكن مَن يدري.
فالرعب الذي يسبّبه مجرّد كونه بازيليسق هائل جدًّا.
حتى لو صار آسيلت قادرًا على التحكّم بقوّته، فإنّ الخوف لن يزول بسهولة.
“لكن، بوجود هذه، أستطيع أن أتنقّل بحرّيّة في الخارج.”
“صحيح… تبدو أقلّ ريبة من عِصابة العين.”
“أليس كذلك؟”
خلع آسيلت النظّارات الشمسيّة وضحك بخفّة.
يبدو أنّ قوله إنّه أعجب بها لم يكن مجرّد مجاملة، فقد بدت يداه وهي تلمس ذراعي النظّارة مشبعتَين بالعاطفة.
ثمّ نظر آسيلت إلى النظّارات لبرهة، وقال بصوتٍ متهدّج منخفض:
“شكرًا… لأنّكِ أدركتِ أنّني أتألّم.”
لم يكن أحدٌ قد اعترف يومًا بالألم الذي تحمّله آسيلت وحده.
ولم يحاول أحدٌ أن يشاركه إيّاه.
بل كانوا يعتبرون أنّه ما دام يمتلك تلك القدرة، فمن الطبيعي أن يتحمّل مثل هذا العذاب كي يعيش بين الناس.
لكن مابيل لم تكن كذلك.
فقد أدركت، بعد أيّام قليلة فقط، ما يخفيه آسيلت من نقصٍ ووحدةٍ وراء أفعاله.
وأرادت أن تشاركه ذلك وتساعده.
ولأنّه كان ممتنًّا وسعيدًا في الوقت نفسه، ترقْرقت الدموع في عينيه البيضاء.
مابيل، التي كانت تحدّق فيه بصمت، قالت عمدًا بصوتٍ أكثر إشراقًا:
“تشكرني؟! هذا بديهي! فأنا أيضًا من أهل الدوقيّة!”
وحين شدّدت على عبارة “من أهل الدوقيّة”، ابتسم آسيلت ابتسامة صغيرة.
ثمّ مدّ يده وربّت على رأس مابيل.
“صحيح، أنتِ فردٌ من عائلة الدوقيّة.”
“هذا متأخّر، لكن… مرحبًا بكِ في الدوقيّة.”
***
في هذه الأثناء، كان كليك قد اندفع إلى غرفته، وألقى بنفسه على السرير وهو يضرب الوسادة المسكينة بقوّة.
“أيّها الأحمق! الغبي! رأس الدجاجة! رأس البطة! رأس الديك الرومي! رأس السمكة الذهبيّة! وأيضًا، أيضًا…”
كان يلصق كلمة “رأس” بكلّ حيوانٍ يعرفه.
لكن، لم تخطر بباله حيوانات أخرى، وإهانته لآسيلت لم تُشعره إلا بمزيدٍ من الانزعاج في قلبه.
“تبًا…”
وفي النهاية لم يستطع كليك حتّى أن يلعن آسيلت بشكلٍ صحيح، فجلس في مكانه يبكي بحرقة.
صحيح أنّه كثيرًا ما شعر بالاستياء من برود آسيلت المعتاد، لكنّ الأمر لم يكن يومًا بهذا الحدّ.
‘ألم تكن أنت تكرهها أيضًا؟! وتقول إنّك تأذّيت بسببها!’
لذلك كان يريد أن يُبعد مابيل بنفسه، لكنّه صُدم حين صبّ آسيلت غضبه عليه بدلًا منها!
‘هل تعرف كم كنتُ قلقًا عليك؟!’
كلّما فكّر في ذلك، عاد الحزن والغصّة ليتفجّرا في صدره.
لم يستطع أن يكره آسيلت طويلًا، ولا أن يُهدّئ نفسه طويلًا، فمشاعره كانت تنهار في أقلّ من عشر ثوانٍ.
“أنتَ حقًّا أحمق يا أخي! أكرهككك!”
صرخ كليك من جديد وهو يعضّ الوسادة ويصدر أصواتًا غاضبة.
خارج الغرفة، تبادلت الخادمات النظرات القلقة وهنّ يستمعن إلى الضجّة.
“سمعتِ أنّ السيّد آسيلت طرده، أليس كذلك؟”
“نعم… سمعتُ أنّ السيّد آسيلت لم يقف إلى جانب السيد كليك، بل إلى جانب الآنسة مابيل.”
“يا إلهي، حقًّا؟! من متى كان السيّد آسيلت يفعل ذلك؟! أليس هو الذي لم يكن يُحبّها أصلًا؟”
“لستُ متأكّدة… ربّما أدرك أخيرًا حقيقة الآنسة مابيل؟”
“لو كان هذا صحيحًا، فسيكون أمرًا رائعًا. أتمنّى لو أنّ سيّدنا كليك يتحدّث مع الآنسة مابيل أيضًا!”
لكن، وعلى عكس أماني الخادمات، لم يكن كليك ينوي ذلك إطلاقًا.
بل على العكس، كان يزمجر ويقبض يده بحزم متعهّدًا من جديد.
‘المعلّم، داين، بل حتّى أخي أيضًا! لا أعلم بأيّ وسيلة استطاعت أن تُخدعهم، لكنّني لستُ أحمقًا. لن أقع في شباكها أبدًا!’
‘لن يهمّني ما تفعله مابيل، ولن أضعف أبدًا أمام ذلك الوجه البريء واللطيف و الجميل!’
لكن بالضبط بعد 24 ساعة…
‘أيّ فتاة هذه…؟!’
شعر كليك وكأنّ العالم انقلب رأسًا على عقب من شدّة الصدمة.
‘كيف… كيف يمكن أن يكون الحديث معها بهذا السلاسة؟!’
فقد كان اللعب مع مابيل ممتعًا أكثر ممّا تخيّل بكثير!
ذلك الصباح، جاء كليك كعادته إلى غرفة آسيلت ليتناول الطعام معه.
صحيح أنّه بكى بسببه البارحة، لكنّ هذا شيء وذاك شيء آخر.
لكنّ الصدمة أنّ آسيلت لم يكن في الغرفة.
“أوه؟ ألستَ ذاهبًا إلى قاعة الطعام؟”
“هاه؟ لا، أنا عادةً آكل مع أخي هنا…”
“أوه! ألم تسمع؟ لقد ذهب السيّد آسيلت إلى قاعة الطعام. قال إنّه سيتناول الطعام مع الآنسة مابيل.”
“ماذا؟!”
هرع كليك إلى قاعة الطعام، وإذا بآسيلت يجلس بالفعل مع مابيل يتناولان الطعام سويًّا!
‘كيف يمكن أن يحدث هذا؟!’
بل والأسوأ من ذلك… أنّهما بعد الأكل، ذهبا معًا إلى الحديقة ليتنزّها ويقيما نزهة صغيرة!
‘من دوني تمامًا!’
هذا كان أمرًا لا يُغتفر.
لكن، أنا كليك… فتًا ذكي يعرف كيف يخطّط!
وكبح كليك رغبته في الانفجار والبكاء هناك، وبدأ يُفكّر.
‘نزهة، تقولون؟! سترون ما سأفعل!’
لقد قرّر أن يفتعل فوضى تجعل مابيل تهرب بنفسها من قصر الدوق.
لذلك ذهب وفي يده سيفٌ خشبي علّق في طرفه يرقة.
“أنتِ!”
وجّه كليك السيف الخشبي نحو مابيل عمدًا واليرقة متدلّية منه.
‘خفتِ، أليس كذلك؟ ارتعبتِ؟ مقزّز، أليس كذلك؟!’
توقّع كليك أنّ مابيل ستصرخ وتبكي وتفقد أعصابها من شدّة الخوف.
لكنّ مابيل حطّمت كلّ توقّعاته بوجهٍ هادئ تمامًا.
“آه، هناك حشرة علقت.”
ولم تكتفِ بعدم الصراخ، بل أمسكت الحشرة بيدها العارية ورمتها بعيدًا بكلّ بساطة!
★ تـرجـمـة: لـيـنـو ~★
التعليقات لهذا الفصل "24"