1
━━━●┉◯⊰┉ الفصل 1 ┉⊱◯┉●━━━
“إنِّي مُتأخِّرة!”
اندفعتُ إلى مدخل القصر، ألهثُ وأنا أصعدُ السُّلَّمَ ركضًا.
ومع كلِّ خطوةٍ كنتُ أقطعُها، كانت فطيرةُ الكرزِ التي ابتعتُها من السُّوق تتمايلُ بين يديّ.
“سَيِّدي الدُّوق، لقد جئتُ…!”
ما إن دخلتُ غرفةَ النَّوم حتَّى همستُ بالكلماتِ في عَجَلٍ.
كانت الغرفةُ غارقةً في الظَّلام.
“أهوَ نائمٌ؟”
خفَّفتُ من وطأةِ قدميّ وتقدَّمتُ نحو الخزانةِ بحذرٍ.
لكن فوق الخزانة لم يكن هناك سوى السَّريرِ الصَّغيرِ الذي صنعتُهُ أنا، متواجدًا هناكَ وحيدًا.
“سَيِّدي الدُّوق؟”
أملتُ رأسي بعد أن تأكَّدتُ من الفراشِ المرتَّبِ بعناية.
“أينَ ذهبَ؟”
لو كان هناك ثمَّة مكانٌ قد يذهبُ إليه إيشيد…
بدأتُ أفتِّشُ الغرفةَ الكبيرة، أنظرُ في كلِّ فجوةٍ ضيِّقةٍ فيها:
تحت الرُّفوف، خلف الأدراج، وفي الفراغاتِ في المكتبةِ، والشُّقوقَ في الأرض.
كنتُ في وسطِ رفعِ غطاءِ السَّريرِ الملامسِ للأرضِ وأنا أهمسُ في الغرفة:
“طق طق… هل أنتَ هنا؟” حين—
“آيريل بلانديش، لِمَ لا تأتينَ إلا الآن؟”
ارتجفتُ.
جاءَ صوتٌ منخفضٌ باردٌ من خلفي.
ورغم أن صوتهُ قد لانَ قليلًا مقارنةً بالمرَّةِ الأولى التي التقينَا فيها، إلا أنَّ نبرته ظلَّتْ حادَّةً.
“سَيِّدي الدُّوق! إنِّي آسفة. هل انتظرتَ طويلًا؟ لقد قلتُ إنَّني سأمرُّ سريعًا لشراءِ فطيرةٍ في طريقي عائدةً من نقابةِ المعلومات…”
“لقد صرتِ تتأخَّرينَ كثيرًا هذه الأيَّام.”
حين استدرتُ، التقت عيناي بعيني الدُّوق وهو جالسٌ على حافَّة النَّافذة، عيناهُ الحمراوان تتلألآن نحوي.
“الشَّمسُ تغرب. ألا تفكِّرينَ في الشَّخصِ
الذي ينتظرُكِ؟”
كان إيشيد قد شبكَ ذراعَيهِ بانزعاجٍ، والريحُ النَّافذةُ من النَّافذةِ المفتوحةِ تعبثُ بشَعرهِ الأسود.
رمشتُ وأنا أحدِّقُ في غروبِ الشَّمسِ القرمزيِّ خلفه.
“…هل خرجتَ يا سَيِّدي الدُّوق؟”
لأنَّ النَّافذة كانت مفتوحة.
تكلَّفتُ ابتسامةً ومددتُ يدي نحوهُ. ارتجفَ الدُّوق وأشاحَ بوجهه.
زفرتُ وأغلقتُ النَّافذة بإحكام.
“لقد قلتُ لكَ إنَّه لا يجوزُ أن تخرجَ لأنَّ الأمرَ خطير. لقد وعدتَني.”
حين حاولتُ أن أبتسمَ له، كان يُحدِّقُ في النَّافذةِ المُغلقةِ بنظرةٍ مُتَذَمِّرة.
“لكنَّ أنتِ بدوتِ سعيدةً جدًّا مع رجلِ رئيسِ نقابةِ المعلومات ذاك.”
ماذا—كيف عرَف؟
ضيَّقتُ عينيّ حيرةً، وتنهدَ الدُّوقُ وهو ينهضُ من مكانه.
“إنَّهُ هديَّة.”
“هاه؟”
بنفادِ صبرٍ، سحبَ إيشيد سيفَهُ وأشارَ بطرفهِ نحو منديلٍ مطويٍّ بعنايةٍ على الطاولة.
ارتبكتُ.
‘أيُّ منديلٍ هذا؟’
أترى ابتاعهُ من الخارج؟
لكن كيفَ…وهو في هذه الحال؟
بدافع الفضولِ، التقطتُ المنديلَ وملامحُ الاستفهامِ على وجهي.
على القماشِ الأبيضِ المُزيَّنِ بالدَّانتيل الورديِّ، ظهرتْ حروفٌ متشابكةٌ:
[آيريل بلانديش.]
اسمي—الذي ما زلتُ لم أعتدْ عليه—مطرَّزٌ بخيطٍ ذهبيّ.
…مستحيل.
أسرعتُ أُقلِّبُ بعينيّ الطاولةَ حولي.
كانت هناكَ بقايا خيوطٍ مُستخدمة، وإبرةٌ، وسلَّةُ أقمشةٍ لم تُوضَع بعد في مكانها.
“أأنتَ، يا سَيِّدي الدُّوق، صنعتَ هذا لي؟”
لماذا بحقِّ السَّماء؟!
اتَّسعتْ عينايَ دهشةً.
كنتُ أظنُّ أنَّ إيشيد إينتريون لن يُقدِّم لي في حياته إلَّا شيئًا واحدًا: الموت.
لكن منديل؟!
‘وفوقَ ذلك مُطرَّزٌ باسمي وقد صنعهُ بيده!’
حدَّقتُ في الدُّوق بدهشةٍ، فأتاني صوتُهُ الفاترُ من بعيد:
“أنتِ تُساعدينني، فليسَ لي إلا أن أُعطيكِ جزاءً يُناسِبُكِ.”
وأشارَ إيشيد بطرفِ سيفه— الذي يبدو كعودِ أسنانٍ بدلا من كونهِ سيفًا—إلى صورةٍ له تُزيِّنُ إحدى زوايا غرفتي.
“لذلك لا تُسيئي الفهمَ وتظنِّي أنَّني أُشارككِ مشاعرَكِ لأنِّي أعطيكِ شيئًا كهذا.”
يا إلهي.
عضضتُ على طرفِ لساني.
نعم، بالنَّظرِ إلى هذه الغرفةِ وحدها، صحيحٌ أنَّني أحبُّ الدُّوق، وصحيحٌ أنَّ آيريل مغرمةٌ بإيشيد حدَّ الهوس…
‘لكنَّ ذلك ليسَ صحيحًا. ليسَ كذلك…’
لأنَّني لستُ آيريل الحقيقيَّة…!
هذا سيِّئ. إنَّني خدعتُ وبالغتُ في اختطافِ بطلِ القصَّة لأعيشَ فحسب…
“في المقابل، إذا رفعتِ عنِّي ‹لَعنتي› فسأسمحُ لكِ أن تتمدَّدي محتضنةً جسدي الحقيقيَّ ليومٍ واحد.”
رسمَ طرفُ سيفِ إيشيد قوسًا وأشارَ إلى الوسادةِ الكبيرةِ التي تحملُ وجهه.
أُذُنُ الدُّوقِ، وهي يشيحُ وجههُ عن عينيّ، ازدادتْ احمرارًا.
“….لماذا لكِ هذا الوجهُ غيرُ السار، سيدتي؟ ألستِ تُساعدينني لأنَّكِ ترغبينَ في جسدي؟”
يا إلهي.
نظرتُ إليه بوجهٍ مذهول.
لأنَّ الشَّخصَ الذي ألقى اللَّعنةَ التي يتحدَّثُ عنها إيشيد… هو أنا — آيريل بلانديش!
***
‘يقولونَ إنَّ الدوقَ الكبير إينتريون قد أنهى بالفعل إخضاعَ الوحوشِ وهو في طريقِ عودته. ستضجُّ العاصمةُ لبعض الوقت بالتأكيد.’
‘كم هذا رائع، إذن سيُقدَّمُ موعدُ حفلِ استقباله. علينا استدعاءُ المُصمِّمِ والخياطِ حالًا لتفصيلِ فُستانٍ جديد!’
جلستُ جامدةً أمامَ الشَّاشة، وملعقةُ الكيمباب ما تزالُ معلَّقةً بين فمي والصحن.
[توضيح/ هي لفائف من الأرز الأبيض المطبوخ تُغلّف بورق الأعشاب البحرية المجفف، وتُحشى عادةً بالخضروات أو اللحوم.]
‘هاه…؟’
لحظة، لِمَ طعمُ فمي بطاطا مهروسة؟!
أينَ ذهبتْ كُراتُ اللَّحمِ التي قضيتُ ثلاثَ ساعاتٍ في إعدادها؟
والبيضةُ المقليَّةُ الطازجةُ التي صنعتُها لتوِّي؟!
وكان من المفترضِ أن تكونَ سائِلةَ الصفار!
‘…الكيمباب خاصَّتي!’
هل حدثَ أن يتجسدَ أحدٌ أثناءَ تناولِه الطَّعام؟
لم يكن هناكَ أيُّ إنذارٍ يُشبهُ شاحنةَ التجسد تلك التي تصدمُ النَّاس، ولا حتَّى ومضةُ إغماءٍ تحذيريَّة.
رمشتُ مرَّةً واحدةً فقط…وفجأةً، وجدتُ نفسي ‘مُتجسِّدةً’!
الكيمباب الذي أعددتُهُ بعنايةٍ لم تُؤكلْ منهُ حتَّى لقمةٌ واحدة.
‘أهذا جنون؟!’
“آيريل بلانديش.”
حينها فقط، تسلَّلَ إلى أذني صوتٌ
رقيقٌ مُهيب، فقفزتُ مندهشةً.
امرأةٌ ذاتُ شعرٍ ذهبيٍّ مرفوعٍ بإتقانٍ كانت تُقطِّبُ حاجبَيْها وتضعُ سِكِّينها جانبًا.
“ما هذا الضجيجُ أثناءَ تناولِ الطَّعام؟ لقد قلتُ لكِ ألَّا تُلْحقي العارَ بعائلةِ بلانديش.”
تنهَّدتْ بضجرٍ ونَقرتْ لسانَها قائلةً ذلك بنفادِ صبر، ثمَّ مسحتني بنظرةٍ حادَّة:
“يبدو أنَّكِ بحاجةٍ إلى تلقي دروسِ الآداب من جديد. فمنذُ بدأتِ تتبعينَ الدوقَ إينتريون بلا خجلٍ…”
انتظري، آيريل بلانديش؟
والدوقُ الكبير إينتريون؟!
‘لا يُمكن!’
ظلَّتْ المرأةُ تُوبِّخني، لكنَّني أسرعتُ أحاولُ فهمَ ما يجري.
لمستُ شعري بارتباكٍ، وسحبتُ الرَّبطَةَ المحكمة، فانهمرَ شعرٌ طويلٌ على كتفَيّ.
وحين نظرتُ إليه…
‘…لقد هلكتُ.’
حدَّقتُ في خصلاتِ الشَّعرِ الفضِّيِّ اللَّامعة.
آيريل بلانديش.
الشرِّيرةُ الرَّئيسيَّةُ في روايةِ الويب المسماة «طفلي الرَّئيس».
في تلك القصَّة، كان البطلُ الذكرُ إيشيد إينتريون هو الدوقُ الشَّماليُّ العظيم، الحارسُ لجبالِ الشَّمالِ حيثُ تظهرُ الوحوش.
وأمَّا آيريل، بشعرِها الفضِّيِّ الجميل، فهي الشرِّيرةُ التي تقعُ في حبِّ إيشيد وتُلقي عليه ‘لَعنةَ الدُّمية’ التي تُقلِّصُ جسده!
في القصَّة، كانت خطَّةُ «جعل البطل دميةً صغيرةً توضعُ في الجيب» أمرًا أثارَ سخريةَ القرَّاء، ووصَفوها بأنَّها مُزحةٌ سخيفة، لكنَّها ولحُسنِ الحظِّ تنتهي بسرعة.
في طريقِ عودتهِ مِن إخضاع الوحوش، صعدَ بطلُ الرواية، الذي كان ملعونًا، لحسن الحظ، على متنِ عربة بطلة الرواية، التي عُيّنت كقديسةٍ وكانت متجهةً إلى المعبد الكبير.
وهناك، تقومُ سيريا – بصفتِها قدِّيسةً – بتطهيرِ لعنته، وبالطَّبعِ يقعانِ في الحبّ.
تلك الرِّوايةُ تمضي بسلاسةٍ عبرَ قصَّتهما العاطفيَّةِ الحُلْوة، وتطهيرِهما لعالمٍ ابتُليَ بالوحوش.
‘لكن بعد ذلك، أنا – آيريل بلانديش – …’
لم أكتفِ بإلقاءِ اللَّعنةِ على إيشيد، بل عذَّبتُ سيريا، واستخدمتُ السِّحرَ الأسودَ لأُحرِّكَ الوحوشَ مهدِّدةً العالمَ كلَّه، لأتحوَّلَ إلى شرِّيرةٍ كاملةِ الأوصاف.
فما الَّذي يحدثُ لي في النِّهاية؟
‘تتخلَّى عنِّي عائلتي… وأموتُ على يدِ إيشيد!’
أُرمى من هنا وهناكَ كخرقةٍ بالية، وألقى حتفي ميتةً شنيعة.
باختصار، أجني ما زرعتُهُ وألقى نهايةً بائسة.
‘آه، لِمَ قرأتُ هذا قبل أن آكلَ الكيمباب؟!’
وضعتُ يدي على صدري أُهدِّئُ خفقانه.
إنَّ واقعَ أن أُصبحَ في جسدِ شخصٍ آخر – أو أسوأ، في روايةٍ رومانسيَّةٍ – أمرٌ مُرعب، لكنَّ فكرةَ أنَّني قد أموتُ قريبًا كانت أفظع.
كنتُ أُريدُ أن أعيش.
حينها فقط أدركتُ أنَّ غريزةَ البقاءِ في الإنسانِ قادرةٌ على التغلُّبِ على صدمةِ التَّجسُّد.
‘هل بدأتِ القصَّةُ الأصليَّةُ بالفعل؟’
وصوتٌ أجابَ سؤالي في تلكَ اللحظة.
“يُقالُ إنَّ القدِّيسةَ الجديدةَ في المعبد تعرفكَ يا إدْوين، هل هذا صحيح؟”
قدِّيسة؟
‘هذا يعني أنَّ قصَّةَ البطلةِ الأصليَّةِ قد بدأت!’
رفعتُ رأسي فجأةً في ذهول.
كان الدوقُ – الذي يتحدَّثُ بودٍّ مع الجميعِ ما عداي – يُوجِّهُ كلامَهُ إلى الشَّابِّ الجالسِ بجانبي.
“نعم، لقد أُسنِدَ إليّ مرافقةُ الآنسةِ سيريا في يومِ دخولها المعبد.”
“إنَّهُ لشرفٌ أن تقومَ بحمايةِ القدِّيسة. أبذلْ قصارى جهدِكَ.”
عند كلماتِ الدوق، ابتسمَ الرَّجلُ وأومأ برأسه.
ملامحُهُ الهادئةُ وشعرُهُ الذَّهبيُّ – المختلفُ عن شعرِ آيريل – جذبَا نظري.
إدوين بلانديش.
إذًا… إنَّه البطل الثانوي في القصَّةِ الأصليَّة، ذاكَ الَّذي منَ المفترضِ أن يتسبَّبَ في طردي من العائلة.
“عمَّ تُتَجسَّسينَ سرًّا؟”
لقد أحسَّ بنظرتي، فعقَدَ حاجبَيهِ كما لو أنَّه رأى شيئًا ما لا ينبغي له أن يراه.
لقد جُنِنتُ حقًّا.
تنفَّستُ بغضبٍ خافتٍ وأخفضتُ بصري.
أن أُطرَدَ على يدِ أخي، ثم أموتَ على يدِ الرَّجلِ الَّذي أُعجِبتُ به؟
مستحيل.
فكَّرتُ مرَّةً أُخرى: هذا لا يمكنُ أن يحدث.
أوَّلًا، قرَّرتُ أن أقتلعَ من الجذرِ سببَ موتِ صاحبةِ هذا الجسد.
السببُ الأوَّلُ لموتِ آيريل هو أنَّها ألقتِ اللَّعنةَ على إيشيد، أليس كذلك؟
ظللتُ مُنحنيةَ الرَّأسِ أُظهِرُ الطَّاعةَ حتّى انتهى الطَّعام، ثمَّ ما إن صعِدتُ إلى غرفتي حتّى استدعيتُ خادمةَ آيريل، جانيس.
كانت أوَّلَ مهمَّةٍ لي هي إبطالُ اللَّعنة.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"