الحلقة 9
* * *
توقّفت العربة التي كانت تقلّ كايلس ورويليا أمام أكثر شوارع الحيّ التجاريّ تألّقًا.
صالون أزياء لويتيلروس.
مكان مزيّن بلوحة إعلانيّة على شكل سحابة، بأرضيّة ورديّة وكتابات ذهبيّة.
كان صالونًا صغيرًا تلقّته ابنة الكونت إيميل كهديّة من والديها يوم بلوغها سنّ الرشد، وقد توسّع الآن ليصل إلى قلب الحيّ التجاريّ.
“واو، لقد أصبح أكبر.”
عندما فُتح باب العربة، فتحت رويليا فمها قليلًا بدهشة.
كانت الأزهار ذات الألوان الزاهرة، التي تُشبه تلك المزروعة في البيوت الزجاجيّة، تصطفّ على طول الدرج، مُطلقةً عطرًا قويًا.
اللافتة، الدرابزين، وحتّى مقبض الباب، كلّها من أعلى مستويات الفخامة.
شعرت رويليا بالرهبة أمام هذا المشهد.
‘هل يُسمح لي بدخول مكان كهذا؟’
كونها من عامّة جعلها تشعر أنّها ستنكمش إذا دخلت.
“هل هذا المكان؟”
تحدّث كايلس، الذي كان يراجع الوثائق بجديّة طوال الطريق، وهو ينظر إلى الخارج.
أدار رأسه ليتفحّص المبنى الذي سيذهبان إليه.
“نعم، هذا صحيح.”
“من صاحب هذا المكان؟”
هل لم يفكّر بعدُ في جمع معلومات عن المرأة التي يحبّها؟
جلست رويليا بهدوء، تتفحّص تعابير كايلس.
كان هناك شيء من الامتعاض واضحًا على وجهه.
لا شكّ أنّ اختيار صالون أزياء فاخر كهذا كان خطأً. فهو ليس من النوع الذي ينفق على الرفاهيّة، لذا لن يعجبه الأمر.
“حسب علمي، إنّها ابنة الكونت إيميل. الآنسة التي خدمتك في اجتماع عائلات الفرسان.”
استخدمت ابنة الكونت إيميل كدرع بمهارة.
بما أنّه يكنّ لها مشاعر، ربّما يلين ردّ فعله.
“إيميل؟ هل هذا المكان مدعوم من نقابة بيلونا التجاريّة؟”
“لا، سمعت أنّه تمّ بناؤه وتوسّعه بأموال عائلة الكونت فقط.”
“حقًا؟ حسنًا، لندخل إذن.”
انظري، لقد نجح الأمر.
تنفّست رويليا الصعداء أمام وجه الدوق الذي أصبح أكثر هدوءًا.
أخيرًا، حان وقت لقاء ابنة الكونت إيميل.
كانت تنوي استغلال اللقاء لمعرفة مدى عمق مشاعر الدوق.
ستتفحّص علاقتهما وتخطّط لكيفيّة مساعدته في أمر حبّه.
‘آمل أن تكنّ الآنسة ولو قليلًا من الإعجاب بالدوق.’
إذا حدث ذلك، ستسير الأمور بسلاسة دون قلق.
تذكّرت رويليا هذا الأمل الصغير ونهضت من مقعدها لتنزل من العربة كعادتها.
“رويليا.”
فجأة، ناداها كايلس وأوقفها.
نزل من العربة أوّلًا، وفعل شيئًا لم يفعله من قبل، كأنّه يرافق سيدة نبيلة.
“سيّدي الدوق؟”
نظرت رويليا بذهول إلى اليد الممدودة أمامها.
حدّق كايلس إليها بثبات دون أيّ اهتزاز في وقفته.
“ألن تنزلي؟”
أضاف نبرة استعجال.
“آه، نعم، يجب أن أنزل.”
أخرجت رويليا جسدها من العربة بحذر، متجاهلة يد كايلس الممدودة.
لكنّها لم تنزل من العربة.
“إلى أين تذهبين؟”
نظر كايلس إليها باستغراب ورفع يده ليمنعها.
“ماذا؟ لكنّك طلبت منّي النزول…”
“هل ستنزلين بمفردك دون أن تمسكي بيد الفارس الممدودة؟”
“…”
لماذا يتصرّف الدوق هكذا؟
لو كان هذا معتادًا، لكانت أمسكت يده بسهولة.
لكن رويليا لم تُعامل كسيدة من قبل كايلس. ليس لأنّه ينقصه الأدب.
لم تشعر بالإهانة من ذلك أبدًا.
مساعدة ورئيس.
كلاهما كانا مخلصين جدًا لأدوارهما.
“همم، إذا أمسكت بيدك، سيّدي الدوق، ألن يُساء فهم ذلك؟”
“ماذا؟”
في الحقيقة، جعلها حديثها مع ميليسا أكثر حساسيّة.
‘عشيقة…’
رويليا تعرف أنّ الدوق ليس من النوع الذي يحتفظ بعشيقة.
لكن أعين الناس لن ترى الأمر كذلك.
أليس المجتمع النبيل مكانًا تنتشر فيه الشائعات حتّى قبل أن تُرفع المروحة؟
ستصل هذه الشائعات بسرعة إلى ابنة الكونت إيميل، التي تدير صالون أزياء لسيدات المجتمع. وهذا أمر محرج.
“أعني، لم نفعل هذا من قبل، فإذا تغيّرت معاملتك فجأة…”
“وما دخل أنظار الآخرين؟ إذا فكّرنا هكذا، ألم يكن من الأفضل ألّا نحضر حفل بيلونا معًا؟”
“حسنًا، هذا صحيح.”
“صحيح. ولحضور الحفل، يجب أن تعتادي على هذا.”
“معك حق.”
أومأت رويليا برأسها بحماس، وقد اقتنعت نصف اقتناع.
ابتسم كايلس ببرود راضيًا وأضاف.
“حتّى لو أدّى ذلك إلى سوء فهم وانتشار شائعات، فلن يكون ذلك سيئًا.”
ألقى نظرة سريعة على مبنى صالون الأزياء، ثمّ على المتاجر المحيطة.
تبعت رويليا نظرته نحو لويتيلروس.
في نافذة الطابق الثاني، كان هناك ظلّ يدٍ أنيقة تتحرّك، لا شكّ أنّها ابنة الكونت إيميل.
“كلامك صحيح جدًا.”
أدركت رويليا المعنى العميق لكايلس وأعجبت به.
كانت تعلم دائمًا أنّه ذكيّ، لكنّها لم تتوقّع أنّه سيستخدم خططًا في حبّه.
خطة الغيرة.
إذا كان الأمر كذلك، فهي مستعدّة للتعاون بكلّ سرور.
“من الجيّد أنّك فهمتِ.”
نظر كايلس بإعجاب إلى رويليا لتعاونها.
لم يكن خطاب الاستقالة يعكس نواياها الحقيقيّة.
ربّما كانت خدعة من الكونتيسة بيلونا للإيقاع بينهما.
‘ستستسلم تلك الأفعى الآن.’
وإذا لم تفعل، فسيكون تدمير نقابة بيلونا كافيًا.
لم يكن لديه نية للسماح بأخذ ما يعتبره جزءًا من دائرته.
خاصّة موهبة نادرة مثلها.
“هيّا بنا.”
مع إشارة كايلس، رفعت رويليا يدها الصغيرة بحذر.
كانت رائحة الحبر الخفيفة تنبعث من يدها.
كانت يدها المتصلّبة من كثرة استخدام قلم الريشة ناعمة بشكل مفاجئ. أكثر دفئًا من كيس ماء دافئ في ليلة شتاء باردة.
ملمس غريب يثير الرغبة في الضغط عليه.
شدّ كايلس يدها قليلًا.
نظرت رويليا بعينين متوترتين إلى يديهما المتشابكتين.
‘ما هذا؟ شيء غريب.’
لم تُعامل كسيدة من قبل كايلس، لكنّها لم تخلو من تجربة مرافقة الفرسان.
لكن فرسان الدوقيّة لم يمسكوا يدها بهذه القوّة.
ليست قلّة مهارة كايلس في معاملة السيدات.
‘هل أخطأت في شيء؟’
بينما كانت عيناها تتفحّصانه، أضافت بسرعة.
“شكرًا.”
زمّ كايلس حاجبيه للحظة، ثمّ خفّف قبضته.
تنهّد بحسرة وهزّ رأسه بنظرة محبطة.
“سيّدي الدوق؟”
“لنذهب.”
عاد وجه الدوق إلى طبيعته.
قادها برفق إلى مدخل صالون الأزياء، وقد اختفت حركته الخرقاء السابقة.
“أهلًا بكما، سيّدي الدوق أبير، و انستي .”
تعرّف عليهما حارس الباب وانحنى بأدب.
شعرت رويليا للحظة وكأنّها سيدة نبيلة.
كان هذا شعورًا مثيرًا خطيرًا بعض الشيء.
* * *
كان الجزء الداخليّ من لويتيلروس مزيّنًا بفخامة رائعة.
لكن الضيافة كانت سيئة.
لم يلتقِ الزبون المهمّ بعد بالمصمّم أو صاحبة الصالون.
كان كايلس مستاءً بالفعل. جلس واضعًا ساقًا فوق الأخرى بطريقة مائلة، وتذمّر لرويليا التي كانت تتصفّح كتالوجًا.
“ضيافة رائعة حقًا.”
“ربّما لأنّنا جئنا فجأة.”
لم يحجزا مسبقًا، بل أرسلا إشعارًا متسرّعًا قبل القدوم. ربّما هذا هو السبب…
هذه المعاملة لابدّ أن تكون الأولى من نوعها في حياة كايلس.
‘يبدو أنّ الآنسة تعجبه حقًا.’
ليتحمّل هذه المعاملة وينتظرها.
هذه هي قوّة الحبّ.
أبقت رويليا عينيها على الكتالوج.
“واو، جميل.”
خرجت كلمات الإعجاب تلقائيًا.
هل هذه مهارة ابنة الكونت إيميل؟ كانت الفساتين رائعة ومذهلة لدرجة السحر.
“إذا أعجبكِ ثوب، اختاريه. حتّى لا نضيّع الوقت عندما يأتي المالك.”
“آه، نعم.”
يجب أن تختار بسرعة وتنتهي، أليس كذلك؟
توقّفت رويليا عند صفحة أثناء تصفّحها.
كان الثوب الأكثر بساطة وبدون زخارف.
بسيط بما يكفي ليُصنع في غضون أسبوعين.
“هذا يعجبني.”
في تلك اللحظة، ظهرت الشخصيّة التي ستتلقّى الطلب عند باب غرفة الاستقبال.
“أعتذر عن التأخير، سيّدي الدوق أبير.”
شعر أشقر فاخر، عينان خضراوان هادئتان وصافيتان، وخطوات أنيقة ومهيبة.
آيلا، ابنة الكونت إيميل.
مع انطباع أوّليّ رائع، أمسكت رويليا قلبها النابض بقوّة.
أخيرًا، التقى سيّدها وحبّه من طرف واحد في مكان واحد. كيف سيكون ردّ فعل الدوق؟
نظرت إلى كايلس بترقّب.
“يا لوقاحة ابنة كونت.”
ذُهلت رويليا من كلمات كايلس الصادمة.
التعليقات لهذا الفصل " 9"