الحلقة 6
كان صوت الدوق المنخفض يجمّد الهواء من حوله.
حاولت رويليا تخمين نيّة السؤال الذي طرحه للتوّ.
‘ماذا أفعل؟ يبدو أنّ الدوق عثر على استقالتي.’
كايلس، كما تعرفه، ليس من النوع الذي يتشبّث بمرؤوسيه كثيرًا.
– إذا لم تعدِ قادرة على الاستمرار، فقط قدّمي استقالتك. سأترككِ تغادرين متى شئتِ. هكذا فعل مساعدوي السابقون. –
هكذا قال عندما وقّعا عقد العمل.
إذا اكتشف الاستقالة بنفسه، فقد يطردها من الدوقيّة دون تردّد، قائلًا إنّ من فقد شغفه لا حاجة لهم هنا.
ابتلعت رويليا ريقها.
لم تنتهِ بعد من حساب توقيت الاستقالة بدقّة.
كانت بحاجة إلى المزيد من المال، خاصّة أنّ تكلفة دواء ميليسا ليست بالهيّنة.
لديها مصادر دخل بديلة من دفتر يوميّاتها، لكن رأس المال لا يكفي، وتحتاج للعمل عامين آخرين على الأقلّ.
لذا، الآن ليس الوقت المناسب بالتأكيد.
‘إذا طردني الآن، ستندم يا سيّدي!’
ردّدت رويليا في قلبها، دون أن تعلم إن كانت لعنة أم أمنية.
“سيّدي الدوق، حسنًا، هذا…”
بينما كانت تتردّد في الإجابة، توتّر كايلس وهو ينتظر ردّها.
كانت حياته قبل مجيئها مروعة.
عمل بطيء، أخطاء يوميّة متكرّرة، مرؤوسون يتقنون التملّق لكنهم عاجزون عن تقديم نصيحة صحيحة. كان دائمًا عليه تنظيف فوضاهم.
لذا، لم يكن لديه أيّ نية للعودة إلى تلك الأيّام.
شدّ كايلس قبضته.
‘تلك الاستقالة الملعونة، إذا دمّرتها كلّما رأيتها، ألن ينتهي الأمر؟’
قال إنّ عليها تقديم استقالة لتترك العمل. بدونها، لا تستطيع رويليا المغادرة.
العقد الشفويّ عقدٌ أيضًا، ويجب احترامه.
“لا، سؤالي للتوّ لا يعني شيئًا…”
لكن ردّ رويليا كان أسرع.
“أستمتع أكثر بالعمل معك، سيّدي، ههه.”
لم يشعر بالراحة، بل بتوترٍ آخر. هل تفكّر في العودة إلى الكونتيسة بيلونا؟
هل حاول أحدهم سرقة مساعدة دوقيّة أبير؟ من يكون؟
‘عائلة الإمبراطوريّة؟’
وحدها عائلة الإمبراطوريّة قد تجرؤ على استهداف موهبة الدوقيّة.
لكن ذلك مستبعد.
عائلة الإمبراطوريّة، التي تقدّس النسب والعائلة، لا توظّف النساء من عامّة الشعب إلا كخادمات.
لن تكتب رويليا استقالة لتعمل في وظيفة كهذه، خاصّة براتب زهيد.
‘ربّما هي تائهة بسبب صعوبة العمل.’
توصّل كايلس إلى استنتاجه الخاصّ.
“هذا جيّد. إذا شعرتِ بالإرهاق، أخبريني. سأعطيكِ إجازة عندما أجد وقتًا. وبالنسبة لراتبكِ…”
كان يعرف جيّدًا ما تحتاجه رويليا.
“من الأسبوع القادم، سأزيده بـ500 قطعة ذهبية أسبوعيًّا.”
اتّسعت عينا رويليا.
تلاشت دهشتها سريعًا، وحلّت السعادة مكانها.
“شكرًا، سيّدي الدوق!”
انحنت رويليا بعمق ثمّ استقامت. لم يعد في عينيها اللامعتين أيّ ارتباك.
راقب كايلس ذلك بارتياح قبل أن يتحدّث.
“بالمناسبة، هل لديكِ فستان لحضور المأدبة؟”
“آه، صحيح، إنّها مأدبة احتفاليّة، أليس كذلك؟ إذن، سأحتاج إلى فستان مناسب.”
بدت رويليا في حيرة.
لم يسبق لها حضور مأدبة نبيلة كضيفة.
كانت دائمًا تنتظر في العربة أو تشرف على الترتيبات مع الخدم.
“هل يمكن تفصيل فستان في غضون أسبوعين؟”
شعرت بالإحراج.
لماذا أرسلوا الدعوة متأخرةً؟
لو أنفقت ثروة، ربّما أنتجت ورشة الخياطة فستانًا في الوقت المحدّد.
لكن إنفاق المال على مثل هذا الأمر يجعل يدي رويليا، الفتاة من عامة الشعب، ترتعشان.
“حسنًا، سأتكفّل بفستانكِ. من الأفضل أن ينسّق الشريكان ملابسهما معًا.”
“ماذا؟ شريك؟ من؟ أنا؟ شريكتك، سيّدي؟”
أطلقت رويليا سلسلة من علامات الاستفهام كآلة معطلة.
“إذن، بأيّ صفة ظننتِ أنّكِ سترافقينني؟”
ارتفعت زاوية فم كايلس كعجينة مرنغ ناعمة.
لم يعد يفكّر في الاستقالة.
“آه، حسنًا، هذا منطقيّ.”
أجابت رويليا بلا مبالاة، شاردة في أفكار أخرى.
خطرت لها فكرة رائعة لتغيير المستقبل المخطّط له والحفاظ على وظيفتها المثاليّة وراتبها المرتفع.
‘إذا تحقّق حبّ الدوق، لن يكون هناك سبب لتحوّله إلى شرير، أليس كذلك؟’
إذا أزالت السبب الجذريّ، ستبقى وظيفتها المثاليّة إلى الأبد.
الحبّ الأحاديّ.
كلمة لا تليق أبدًا بالدوق المثاليّ.
“شريكة الدوق…”
تمتمت رويليا لنفسها، وهي ترتّب خطة واقعيّة في ذهنها.
فاستجاب كايلس.
“أجل، لأنّكِ ‘مساعدتي’.”
أكّد على كلمة واحدة بشكل خاصّ.
فهمت رويليا كلام سيّدها دون أن تفوّت شيئًا.
إنّها تابعة لدوقيّة أبير. من أجل سمعة العائلة، عليها ارتداء ملابس لائقة، أليس كذلك؟
“حسنًا، سأتقبّل كرمك بامتنان.”
أمسكت رويليا طرف تنّورتها وثنّت ركبتيها قليلًا، كسيّدة تُدعى للرقصة الأولى في مأدبة.
فجأة، شعر كايلس وكأنّه عاد إلى ساحة التدريب.
كان قلبه يخفق بنفس السرعة التي شعر بها بعد الركض مئة لفة.
يبدو أنّه بحاجة إلى زيارة الطبيب.
* * *
عندما عادت رويليا إلى محيط ساحة التدريب، كان وقت الغداء قد حان.
تأخّرت أكثر ممّا توقّعت بسبب تقريرها عن موقع مستودع الحبوب الجديد أثناء لقائها بالدوق.
كان كايلس يستمع بجدّيّة بالغة، فلم تنتبه لمرور الوقت. كان عليها أيضًا أن تثبت أنّها تستحقّ زيادة الراتب.
“كما هو متوقّع من الدوق.”
كتبت في يوميّاتها أنّ بحيرة صغيرة قرب موقع مستودع محتمل ستفيض، ممّا سيسبّب وباءً في الدوقيّة.
الآن، لا تبدو البحيرة وكأنّها ستفيض أبدًا.
– أنتِ لا تفعلين شيئًا عبثًا، لذا أثق بكِ. افعلي ما تريدين. لا يهمّ كم سيكلّف الأمر. –
رئيس يثق بمساعدته ثقة عمياء.
كيف يمكنها التفكير في ترك مثل هذا السيّد؟
ليس لأنّ راتبها زاد، بالطبع. رغم أنّ الـ500 ذهب ساعدت في تسريع حساباتها.
‘يجب أن أتخلّص من رسالة الاستقالة قبل أن يراها أحد.’
فتّشت بسرعة كلّ زاوية في طريقها إلى الساحة.
لكن يبدو أنّها تأخّرت كثيرًا.
“آه، أين اختفت؟”
لم تجد أيّ أثر لرسالة الاستقالة في الأماكن التي مرّت بها.
لا ورقة، ولا حتّى ورقة شجر. كلّ شيء نظيف، كما لو أنّ أحدهم أخذها.
في تلك اللحظة، رأت مجموعة من الفرسان متجمّعين في ركن من الساحة.
كانوا يحيطون بمدفأة صغيرة.
لمحت رويليا بيلين بينهم. ربّما رأوا شيئًا.
وهذا بحدّ ذاته مشكلة.
‘سيأخذونها إلى الدوق بالتأكيد.’
لوّحت رويليا لبيلين بحماس، متظاهرة بالودّ.
“السيّر بيلين!”
” المساعدة!”
انتفض بيلين وهو يرمي شيئًا مشتعلًا في المدفأة، ثمّ التفت إليها مذهولًا.
في اللحظة نفسها، تعرّفت رويليا على ما ألقاه.
‘استقالتي!’
يا للحظّ!
استخدموها كوقود دون أن يعرفوا أنّها استقالة.
فرسان الدوقيّة هم منقذوها بلا شكّ.
اقتربت رويليا وهي تمسح صدرها بارتياح.
كان بيلين وبقيّة الفرسان متجمّدين، يراقبونها بحذر.
“أم… المساعدة.”
“يبدو أنّكم تتدرّبون بجدّ. إذا احتجتم شيئًا، أخبروني في أيّ وقت. سأحاول تخصيص ميزانيّة.”
أجابت رويليا بابتسامة مشرقة، مليئة بالامتنان للفرسان الذين تخلّصوا من رسالة الاستقالة.
“حسنًا! أقصد!”
لكن بيلين، الذي لم يعرف نواياها، استمرّ في التلعثم.
كان يبدو كمن ضُبط يرتكب فعلًا سيّئًا.
نقر الفرسان الآخرون بألسنتهم على غبائه، ثمّ تبادلوا النظرات.
أومأوا برؤوسهم تباعًا، كما لو اتّفقوا على قرار.
استدار أحدهم نحو رويليا، ثمّ تبعه البقيّة.
“مساعدة، لدينا ما نقوله.”
كانت عينا الفارس الذي تحدّث أوّلًا جادّتين، تحملان عزم قائد يتقدّم في ساحة المعركة.
الشجاعة.
شجّع فرسان الدوقيّة رفيقهم.
“ما الأمر؟”
“انستي، ما رأيكِ في سيّدنا الدوق؟”
“أجيبي بصدق.”
كانوا جادّين. ويائسين أيضًا.
التعليقات لهذا الفصل " 6"