الحلقة 55
اقترب كايلس من الكونتيسة بيلونا حتّى كاد يواجهها وجهًا لوجه.
تسبّب موقفه المهيب في شحوب وجوه النّساء النّبيلات الحاضرات في حفل الشّاي.
“إذا طمعتِ علنًا في شخص من عائلة الدّوق، فما الذي يتبقّى لي سوى إعلان حرب على أراضيكِ؟”
تهديد صريح.
صمت من يعرفون كيف نمت عائلة الدّوق أبير في لحظات.
كان لعائلة الدّوق الفضل في تشكيل حدود الإمبراطوريّة الحاليّة. قبل خمس سنوات، وسّع كايلس الحدود بنفسه.
بسبب قوّته في المعارك، كان القصر الإمبراطوري دائمًا حذرًا منه.
“سيّدي الدّوق، لستُ أسعى للصّراع. أقصد فقط ألّا تُهدر موهبة نادرة.”
واجهت الكونتيسة بيلونا بجرأة.
لكن، بدا أنّ حرّاسها مذعورون، إذ لم يجرؤوا حتّى على لمس سيوفهم.
“رويليا قادرة على إنجاز ما لا تستطيعه النّساء النّبيلات.”
“بالطّبع. لكن، أليس ذلك ممكنًا فقط إذا أرادت هي؟ لمَ تُجبرينها؟”
“لم أمنعها من الحلم، أليس كذلك؟”
ثمّ همست الكونتيسة في أذن كايلس بصوت خافت.
“لا بدّ أنّك أسرت رويليا في عائلة الدّوق بنظراتك المتّقدة تلك.”
ارتفع حاجب كايلس .
كُشف سرّه، لكن لم يكن ذلك محرجًا.
كلّ ما فعله من أمور “مخجلة” كان مجرّد أمر بـ”إتلاف استقالة رويليا إن وُجدت”.
فردّ بصوت عالٍ ليسمعه الجميع.
“إذا أرادت رويليا إنشاء نقابة، ستدعم عائلة الدّوق أبير ذلك ليصبح أفضل نقاية في الإمبراطوريّة.”
أصغت رويليا إلى كلام الدّوق بانتباه.
‘لا، أنا أفضّل أن أكون موظّفة عاديّة بأجر أسبوعي!’
أقلّ مسؤوليّة وأكثر دخلًا.
“وإذا أرادت أن تكون سيدة عائلة وتقود عائلة، فلن يكون سيئًا أن أستولي على إقطاعيّة لها.”
بدأت النّساء النّبيلات تهمس باضطراب. ظنّوا أنّ كايلس ينوي سلب نقابة بيلونا أو إقطاعيّة.
أرادت رويليا أن تصفع ظهر كايلس .
‘هذا يجعلك تبدو كالشرير تمامًا!’
شرير يفقد صوابه من أجل امرأة.
* * *
“يا لك من وقح، أيّها الدّوق أبير!”
ألقت الكونتيسة بيلونا بما وقعت يدها عليه.
اصطدمت زجاجة حبر بالجدار، مخلّفة بقعة سوداء.
نظر إليها بريليون، الذي عاد لتوّه من المعبد، متفاجئًا.
“أيتها الكونتيسة.”
“رويليا! هل تتآمر مع الدّوق لتهدّدني؟”
“ألم أقل لكِ أن تنسيَ رويليا؟ إنّها الآن من أتباع الدّوق. إنّها ناكرة للجميل، نسيت كلّ ما قدّمته لها.”
“تتجرّأ يتيمة كنتُ أطعمها بالكاد…”
“لمَ هذا التّعلّق بها؟ أليست النّبوءة كافية؟”
عندما تحدّث بريليون بانزعاج، أصبحت عينا الكونتيسة حادّتين.
“لا تفهم. تلك الفتاة تتحدّث بدقّة تفوق المعبد. هل النّبوءات واضحة؟ دعوتها للتحقّق منها لأنّني أشعر بالإحباط.”
ظنّتها فتاة ساذجة.
-‘أحصل على دعم ومكافآت كافية من عائلة الدّوق.’
لا تعرف كيف أقنعها الدّوق أبير، لكنّها أصبحت متعجرفة.
كانت تخاف من أيّ توبيخ وتطيع الأوامر،
لكن الكونتيسة بيلونا أمسكت جبينها.
“تسرّعتُ مجدّدًا.”
بعد أن هدأت، شعرت بالنّدم.
قلقت أيضًا بشأن استثمارات الضّيوف الذين شاهدوا المشهد اليوم.
مؤخّرًا، وجدت صعوبة في ضبط انفعالاتها. كان قلبها ينبض بسرعة، وكانت تثور بسهولة.
عاشت عقودًا كتاجرة متمرّسة دون أن تفسد الأمور بسبب انفعالاتها، لكن، بشكل غريب، شعرت أنّها تفقد السّيطرة عندما تواجه رويليا أو الدّوق أبير.
“ربّما تشعرين بالتّوتر لأنّ يوم المصير يقترب.”
هزّت الكونتيسة رأسها رغم مواساة الكاهن.
“يمكننا العثور عليه دون مساعدة رويليا.”
“يجب أن نجده. يجب أن نجده لننتقم منهم تمامًا.”
صرّت الكونتيسة أسنانها للحظة، ثمّ عبست.
“ماذا لو لم يكن من النّبلاء أو قريبًا منهم؟”
“ماذا؟”
“ألا يمكن أن يكون قد استمتع بعامّي أو فقير ثمّ تخلّص منه؟ نعم، إذا كان مختبئًا وينتظر الظّهور، فهذا احتمال قوي.”
“لكن، هل يمكن أن يلتقي بعامّي؟”
لم تستمع الكونتيسة لكلام بريليون. وقفت فجأة.
“ميليسا، يجب أن أحصل على دم تلك الفتاة.”
ظهر الجنون مجدّدًا في عيني الكونتيسة بيلونا.
* * *
جلس كايلس في العربة متذمّرًا، واضعًا ساقًا فوق الأخرى.
كانت رويليا، التي تجلس مقابله، تبتسم فقط.
“لمَ ترغبين في حضور حفل شاي الفيكونت ليفينيل ولو متأخّرة؟”
“أريد اصطحاب ميليسا.”
“سيوصلها بنفسه بالتّأكيد.”
كايلس لا يزال يكره الفيكونت ليفينيل.
حتّى بعد سماعه أنّ رويليا تعتبره زوجًا محتملًا لأختها.
“مع ذلك، اليوم، بفضل وقوفك خلفي، انتهى الأمر بسلام، لكن ميليسا وحيدة.”
حتّى مع وجود الفيكونت ليفينيل، كانت قلقة.
نظرت رويليا إلى الخارج بتوتر، تتفقّد المسافة المقطوعة، رافعة كعبها وخافضته.
“ما الذي تحدّثتِ عنه مع الماركيزة غرين؟”
“آه، بشأن بيلي.”
“هل توسّلت للعفو عنه؟”
“لا. قالت إنّ الماركيز غرين غضب وطرده من العائلة. لكن، إن لزم الأمر، سيعوّضون، وطلبوا معاقبته كما تشاؤون.”
أومأ كايلس .
كان يتوقّع قطع الذّيل. لم يكن هناك رابط دم مع الزّوجين، ولم يكن شخصًا لا غنى عنه.
“يبدو أنّ أعمال الماركيز غرين تعاني من مشاكل، فقد حسموا الأمر بسرعة.”
ابتلعت رويليا ريقها عند همهمة كايلس .
شعرت بالذّنب دون سبب.
الدّوق وثق بها لدرجة أعلن أمام الجميع في حفل الشّاي أنّه سيدعمها في أيّ شيء تريده.
لكن، شعرت غريزيًا أنّ عليها إخفاء شيء. تحديدًا، تحضيرها للتقاعد.
‘لكلّ حال…’
كادت أن تُشعل نزاعًا بين الكونتيسة إيميل والدّوق في المرّة الأخيرة. لقاءها ببيلين في نقابة المرتزقة لا يزال يزعجها.
والأهم، في الأيّام الأخيرة، حدث شيء غريب أثناء إعدادها للحسابات والميزانيّات.
-‘سيّد الدّوق، الحسابات لا تتطابق مجدّدًا.’
في كلّ مرّة، كان الدّوق يراجعها ويصحّحها.
‘معظمها كان يُعالج كأموال شخصيّة للدّوق دون الاستفسار عن استخدامها، لكن…’
الدّوق ليس من النوع الذي يُبذّر.
قال إنّها مكافآت للفرسان، لكنّ الأمر ظلّ يقلقها. بدا كأنّه يُنشئ صندوقًا سريًا.
‘المبالغ ليست قليلة.’
بهذا المعدّل، قد يصل إلى تمويل فرقة فرسان صغيرة.
شعرت رويليا أنّ عليها إنهاء مسألة الماركيزة غرين بسرعة.
-‘لقد انخفضت كميّة الأحجار الخام المستخرجة من منجم الألماس بشكل حادّ، أليس كذلك؟ ربّما سمعتِ أنّ المنجم أصبح قديمًا.’
-‘كيف عرفتِ ذلك؟’
-‘ماذا لو ساعدتكِ في العثور على الأحجار المفقودة؟’
كان ذلك سبب رغبة الماركيز غرين في لقاء رويليا.
سمعت عن شائعاتها وأرادت استشارتها بشأن بيع منجم الألماس أو الاحتفاظ به، وأيّهما أفضل للأعمال.
لم تعلم أنّ بيلي هو من سرق الأحجار.
-‘إذا استعدناها، سأكافئكِ بالتّأكيد.’
حصلت على وعد، لذا كلّ ما تحتاجه هو إنهاء الأمر بنجاح.
الآن، هذا الجانب مطمئن، لكن…
“وصلنا.”
توقّفت العربة أمام قصر الفيكونت ليفينيل.
قصر رخامي أبيض محاط بأسوار عالية وحديقة، يُظهر نجاح صاحب أصل عامّي.
أغمضت رويليا عينيها متفاجئة بالحجم.
“هادئ جدًا.”
ربّما الأسوار العالية تمنع الصّوت، أو انتهى حفل الشّاي.
القصر كبير، لكن ليس بحجم يتّسع لعدّة عربات. لكن، لم تكن هناك عربات أخرى حوله.
شعرت رويليا بإحساس سيّء.
لاحظ كايلس الجوّ الغريب، فأشار إلى الخارج.
اقترب فارس على الفور.
“لمَ لا يُرى أحد؟ سمعتُ أنّهم رافقوا كحرّاس.”
سأل كايلس عن فرسان أبير.
أنحى الفارس رأسه قليلًا وقال:
“القصر فارغ.”
ارتجفت عينا رويليا مصدومة وسألت:
“هل زار وليّ العهد القصر اليوم؟”
نظر كايلس إلى رويليا، التي تبحث عن غاليون اليوم باستمرار، بنظرة غريبة.
التعليقات لهذا الفصل " 55"