الفصل 52
قريبًا، سُمع صوتٌ حادّ ومُرعب من داخل الباب.
“انسة إيميل، هل أنتِ واثقة من أنّكِ لن تندمي على هذا الاختيار؟ أليس هذا هو الطّريق الأسهل لتحقيق الهدف الذي تمنّيتِه؟”
“هل تُهدّدنني؟ إذًا، لن أفعل ذلك أبدًا. ليس لديّ سوى حياة واحدة، أتعلم؟”
في خضمّ هذا التّواجه الحادّ، وقفت رويليا وميليسا متجمّدتين في الرّدهة كقطعتي جليد.
حتّى الموظّف الذي كان يُرشدهما تجمّد معهما.
“أُم، انسة رويليا و انسة ميليسا وصلتا.”
أعلن الموظّف عن وصول الزّائرتين وهو يُخاطر بحياته.
“ماذا؟ من؟ أوه، انسة رويليا؟ لحظة واحدة فقط.”
سرعان ما خرجت آيلا إلى الخارج.
كانت تبتسم بمرح، ونبرتها ودودة، لا تُشبه مطلقًا شخصًا كان يتشاجر للتوّ.
“مرحبًا، انسة آيلا. هل أنتِ بخير؟ هذه أختي ميليسا.”
أدارت رويليا جسدها قليلًا لتُعرّف بميليسا.
أحنَت ميليسا رأسها لتحيّة آيلا بوجهٍ مرتبك، ولم يزل قلبها المذعور يهدأ، فبدت ملامحها قاتمة قليلًا.
“تشرّفتُ بلقائكِ.”
“مرحبًا.”
كان صوتها خافتًا ومتردّدًا.
عندما استدارت آيلا نحو رويليا، رفعت ميليسا رأسها متأخّرة لتنظر إلى آيلا، كأنّها تتفحّصها.
مهما كان الأمر، فإنّ الطّرف الآخر نبيلة.
لمنع آيلا من ملاحظة وقاحة أختها، تحدّثت رويليا إلى كايلس الذي خرج للتّو.
“لكن، ما سبب شجاركما يا سيّديّ؟”
“أوه، شجار؟ لا، ليس الأمر كذلك. مجرّد اختلاف في الرّأي، أليس كذلك، سيّدي الدّوق؟”
“بالأحرى، لم تُبرم الصّفقة.”
وقف كايلس متّكئًا بموقفٍ متعجرف وذراعيه متشابكتين.
“أوه؟ صفقة؟”
“أنا لا أُهدّد أحدًا.”
تحرّكت عينا رويليا بسرعة تتبّعان حديثهما.
ما سمعته للتوّ بدا كتهديدٍ بالنّسبة لها، لكن…
“حسنًا، أليس هناك سببٌ ما دفع سيّدي الدّوق لاقتراح ذلك؟”
دعمت رويليا سيّدها.
عندما وقفت إلى جانبه، ارتفعت كتفا كايلس للحظة ثمّ عادتا.
بسبب موقفه المتغطرس، عبست آيلا لكنّها استمعت إلى رويليا باهتمام.
“هل تُوافقين سيّد الدّوق في رأيه، انسة رويليا؟”
ابتسمت رويليا بهدوء لردّ آيلا.
بما أنّها لا تعرف ما اقترحه الدّوق، لم تستطع تقديم نصيحة مباشرة.
“إذا كانت القيمة التي يمكن جنيها تفوق المخاطرة، فأنا سأجرب. لكن، سأتأكّد من أن يقدّم صاحب الاقتراح ضمانات أمان واضحة.”
“هوم…”
“طبعًا، وضعتُ خطّة آمنة تمامًا. لن أعرّضها للخطر أبدًا. وإلّا، سيقتلني الكونت إيميل. هل تعتقدين أنّني سأقترح شيئًا دون استعدادات؟”
بينما كان كايلس يتحدّث بحماس، وجّهت رويليا نظرةً حادّة نحوه، نظرةً صلبة جدًا.
“أنت أيضًا، سيّد الدّوق. إذا كنت من يقترح الصّفقة، فعليك التّعبير عنها بوضوح لتجنّب سوء الفهم.”
“صحيح.”
أيّدت آيلا من الجانب.
حتّى لو كان الدّوق يُقدّرها، فهي مجرّد مساعدة من أصلٍ عامّي. هل يُعقل أن تُحرجه بهذا الشّكل؟
نظرت ميليسا إلى أختها بعيونٍ متفاجئة، ثمّ إلى كايلس.
رفع كايلس حاجبيه.
“سأحرص على ذلك بناءً على نصيحتكِ.”
أومأت رويليا برأسها راضية.
كانت تثق به.
‘كما توقّعتُ، سيّد الدّوق شخصٌ رائع يتقبّل نصائح مرؤوسيه.’
كان هناك وقتٌ شعرت فيه بالخوف من الدّوق.
لكن الآن، لم يعد مخيفًا تمامًا.
كلمة “الاحترام” لم تكفِ لوصف شعورها.
‘أفهم الآن ما قصدته ميليسا بالإعجاب.’
ابتسمت رويليا بلطف للدّوق، فأطلق كايلس سعالًا مصطنعًا.
“لكن، لمَ أتيتِ إلى هنا في هذا الوقت المتأخّر؟”
“أحتاج إلى ملابس لحفل شاي. أنا سأحضر حفل الكونتيسة بيلونا، وميليسا ستحضر لقاء الفيكونت ليفينيل.”
نظر كايلس إلى ميليسا بنظرة سريعة.
أومأت ميليسا بهدوء، فردّ كايلس بإيماءة خفيفة كتحيّة.
فجأة، اقتربت آيلا وسلّمت ورقة طلبيّة.
“أوه، سيّدي الدّوق، هل طلبتَ هذا دون استشارة صاحبته؟”
“ماذا؟ هل طلبتَه بالفعل، سيّد الدّوق؟”
“نعم، طلب أيضًا ما يخصّ الآنسة ميليسا.”
اتّسعت عينا رويليا.
من تصرّفات الدّوق اليوم، بدا واضحًا أنّه يخشى أن يُرهبها النّبلاء، لكنّها لم تتوقّع أن يهتمّ بميليسا أيضًا.
“لأنّني سمعتُ أنّ أختكِ ستشارك في حفل شاي الفيكونت ليفينيل.”
يا لسرعة الأخبار.
ربّما أخبره وليّ العهد. لكن، هل أخبره أيضًا برفضها لعرضه؟
بما أنّها رفضت راتبًا أعلى وبقيت، أرادت مديحًا.
مديح الدّوق دائمًا يُشعرها بالفخر.
نظرت رويليا إلى الدّوق كجروٍّ يهزّ ذيله بانتظار المديح، لكنّه لم يفهم مغزاها وأمال رأسه قليلًا.
“حسنًا، إذا انتهى الحديث، تفضّلا إلى هنا.”
بإشارة من آيلا، تجمّع موظّفو صالون الأزياء حولهما، فشعرت رويليا وكأنّ روحها تُغادر جسدها. جربته من قبل، لكنّها لم تعتد عليه بعد.
* * *
بعد عشرة أيّام، التقت رويليا بميليسا وقد تأنّقت جيدًا.
“واو، جميلة جدًا.”
“أنتِ أيضًا جميلة، إيلي.”
“لا، لا أُقارن بكِ.”
صنعت آيلا الملابس بإتقان.
بسبب ضيق الوقت، أعدّت ملابس جاهزة، لكنّها أضافت زخارف أثناء القياس لتبدو كملابس مخصّصة.
“ألا تعتقدين أنّ مهارة انسة آيلا مذهلة؟”
“نعم… إلى حدٍّ ما. على عكس النّبيلات الأخريات، كانت لطيفة معنا رغم أنّنا من العامّة. لهذا تُعتبر مرشّحة لوليّة العهد، أليس كذلك؟”
بدا على ميليسا السّعادة بالملابس الجميلة، لكنّها أيضًا بدت متردّدة.
هل بسبب رفضها لعرض آيلا؟
-‘أوه، هل أنتِ من صنعت هذا الدّانتيل، انسة ميليسا؟’-
-‘نعم، إنّه عمل ميليسا. جميل، أليس كذلك؟’-
-‘مهارة رائعة كوجهكِ. انسة ميليسا، هل ترغبين في التّعاون معي؟’-
-‘آسفة، صحّتي ليست جيّدة، لا أظنّ أنّني سأستطيع إنتاج الكميّة المطلوبة.’-
كانت فرصة جيّدة.
هل هي نادمة الآن على تفويت العقد؟ نظرت ميليسا إلى الملابس التي صنعتها آيلا بهدوء.
لتهدئتها، وكزت رويليا جنبها.
“سيُذهل قائد الحرس عندما يراكِ اليوم.”
“ماذا؟ لا، لا يجب أن يحدث ذلك. سيكون كارثة.”
“كارثة؟ هيا، احترسي في حفل الشّاي اليوم. قد يتقاتل الرّجال للفوز بكِ.”
أخيرًا، انفجرت ميليسا ضاحكة.
أمسكت طرف تنّورتها ودارت بها، بوجهٍ أكثر راحة من ذي قبل.
“بفضل سيّدي الدّوق، أرتدي مثل النّبيلات. أنا ممتنّة جدًا.”
“أليس كذلك؟ سيّدي الدّوق رائع بعض الشّيء، أليس كذلك؟”
قالت رويليا وهي ترفع ذقنها بفخر.
نظرت ميليسا إلى ذلك المشهد بعطف، وابتسامة خفيفة مرسومة على شفتيها.
“أتمنّى أن نجد جدّنا.”
“ماذا؟ لمَ فجأة؟”
“ربّما نصبح نبيلات يومًا ما؟ عندها، يمكننا أن نحبّ بحريّة.”
ابتسامة حزينة أخرى.
عدّلت رويليا خصلة شعر خلف أذن ميليسا.
بعد أن زيّنت أختها، تحدّثت بعينين مليئتين بالحبّ واللّطف.
“هل نكلّف نقابة المرتزقة بالبحث؟ على أيّ حال، لا أعتقد أنّ الفيكونت ليفينيل تهتمّ بالأصل.”
شخصٌ يأتي بالهدايا يوميًا تقريبًا، بالتّأكيد لا يهتمّ بالأصل في مغازلته.
لكن، يبدو أنّ ميليسا لا تعتقد ذلك، فاتّسعت عيناها.
“ربّما.”
قالتها كأنّها تتحدّث عن أمرٍ لا يعنيها.
شعرت رويليا بشيءٍ مشابه لما شعرت به سابقًا.
الجوّ بين الفيكونت ليفينيل وميليسا مختلف عما كان عليه عندما التقيتا. كان مليئًا برائحة الخوخ الحلوة النّاعمة آنذاك.
أمّا الآن، فهو يشبه رياحًا رمليّة جافّة.
‘لذا، يجب أن أتأكّد.’
لكي لا تكرّر الخطأ الذي حدث مع كايلس وآيلا.
أمسكت رويليا يد ميليسا وهي تهمّ بالنّزول إلى الطّابق الأوّل.
“اسمعي، الشّخص الذي تحبّينه، ليس الفيكونت ليفينيل، أليس كذلك؟”
تلاشى اللّون من وجه ميليسا.
التعليقات لهذا الفصل " 52"