الحلقة 29
هل أساءت رويليا فهم كلام آيلا؟
أم أنّ آيلا، كما كانت تخشى، قد أساءت التّفاهم؟
‘يبدو أنّها تعتقد أنّ الدّوق أحضرني كشريكة لأنّه يحبّني…’
“إنّه خجول بعض الشّيء، لكنّه دائمًا لطيف مع أشخاصه المقرّبين.”
لم تكن هناك أيّ كذبة.
لكنّ آيلا ارتعدت كأنّها سمعت شيئًا سخيفًا، ثمّ ضحكت كما لو أنّها ترى رويليا ظريفة.
“ألم يخبركِ فرسان عائلة الدّوق؟ عن حقيقة الدّوق؟”
“بالطّبع، إنّه صارم مع الفرسان. فالتّعامل مع السّيوف يتطلّب ذلك.”
“وماذا عن الخدم الآخرين؟”
“الجميع يعرف الدّوق جيّدًا، فإذا لم يرتكبوا أخطاء، لا يغضب. وإذا أُنجز العمل بإتقان، يكافئهم بسخاء.”
فجأة، رفعت آيلا يدها، ثمّ وضعت يدها النّاعمة على رأس رويليا المزيّن بأناقة.
كانت تداعبها بحنان، كما لو أنّها تعتني بحيوانٍ أليفٍ صغير.
“يبدو أنّ طريق الدّوق أبير طويلٌ بعد.”
رمشت رويليا عينيها لفترةٍ طويلة.
ثمّ، فجأة، خطرت لها فكرةٌ غريبة، فسألت مباشرة:
“آنسة إميل، ما هو اللّون المفضّل لديكِ؟”
الأزرق السّماوي.
“الأخضر الفاتح.”
أخطأت.
“إذًا، ما الحلوى المفضّلة لديكِ؟”
“اللّيمون…”
مادلين اللّيمون!
“حلوى اللّيمون.”
كيف لا يتطابق شيءٌ واحدٌ حتّى؟
“وماذا تحبّين أنتِ، آنسة رويليا؟”
تبادلت آيلا ورويليا الأسئلة حول أذواقهما. لكن نادرًا ما تطابقت إجابات آيلا مع المعلومات التي قدّمها بيلين.
بدلاً من ذلك، كان هناك إدراكٌ يزداد وضوحًا.
‘ما هذا؟ كنتُ أنا موضوع التّحقيق؟’
هل فعل بيلين ذلك لأنّه لا يريد العمل، أم أنّه أخطأ في تخمين من يعجب الدّوق؟ شعرت رويليا بالحيرة للحظة.
لكن يبدو أنّ بيلين لن يُسىء فهم علاقتها بالدّوق مثل آيلا.
فمن الأساس، يعلم بيلين أنّ رويليا لا يُمكن أن تكون مرشّحة لتكون دوقة.
“أذواقنا مختلفةٌ جدًّا.”
قالت آيلا بأسف.
“بالفعل.”
“ومع ذلك، هناك رجلٌ يتذكّر مثل هذه الأشياء. أغبطكِ، آنسة رويليا.”
واصلت آيلا ربط رويليا بكايلس.
كان ذلك محرجًا للغاية.
‘هل من الممكن أن تختار آيلا وليّ العهد ليس بسبب الأذواق، بل بسببي؟’
إذا كانت آيلا بهذه الطّيبة، فقد تتنازل عن كايلس لرويليا حتّى لو أحبّته.
“نحن فقط نعرف بعضنا جيّدًا لأنّنا عملنا معًا لفترةٍ طويلة.”
“لهذا أنتِ ظريفة، آنسة رويليا!”
“ماذا؟”
“اسألي الدّوق لاحقًا، عندما تعودين. هل يعرف ما يحبّه الفرسان الذين يعملون معه؟”
غمزت آيلا بعينٍ واحدة، ثمّ نهضت من مكانها.
“يجب أن أؤمّن تاجر الحرير قبل أن تُعيقني الكونتيّسة بيلونا مجدّدًا. سأستأذن أوّلاً.”
حتّى عندما غادرت آيلا الشّرفة، لم تستطع رويليا إيقافها.
كلماتها جعلت رأسها يؤلمها فجأة.
“لقد فشلتُ.”
بدلاً من أن تُقرّب بين الدّوق وآيلا، جعلتها تُغلق قلبها تمامًا.
ماذا سيحدث إذا علم الدّوق؟
شعرت رويليا باليأس، فأفرغت كأس الشّامبانيا المتبقّية دفعةً واحدةً، ثمّ أخذت الكأس التي تركتها آيلا أيضًا.
ومع ذلك، ظلّ صدرها مضطربًا.
“هذا لا يُعقل، لماذا يحبّني الدّوق؟”
رغم أنّها تمتمت بحزن، لم تستطع نطق تلك الكلمة. فهي، على أيّ حال، ليست سوى “عشيقة” بمكانتها.
عشيقة الدّوق المفضّلة. قد تكون حياتها مريحة، لكن هل ستكون سعيدة؟
حتّى دون شهادة ميليسا، تعرف رويليا جيّدًا كم تكون تلك الحياة بائسة. ألا يكفي جوّ بداية الحفل اليوم ليُثبت ذلك؟
لهذا، لم تُكن رويليا تحمل للدّوق سوى الاحترام، دون أيّ مشاعر أخرى.
‘لنبدأ بتوضيح الأمور.’
لم تفهم لماذا فكّرت آيلا بهذه الطريقة، لكنّها قرّرت أنّه يجب إزالة سوء التّفاهم أوّلاً.
نهضت رويليا فجأة وتبعت آيلا إلى قاعة الحفل.
كانت آيلا تتحدّث بالفعل مع شخصٍ ما من بعيد. لم يكن كايلس ولا غاليون مرئيّين على الإطلاق.
“إذًا، بما أنّها ليست مجرّد مساعدة عاديّة، لهذا أهان الدّوق الكاهن علنًا؟”
“هل تعتقدين أنّ عائلة أبير الدّوقيّة ستُعيّن امرأةً كمساعدة دون سبب؟”
فجأة، سمعت همساتٍ قريبة من الشّرفة بصوتٍ عالٍ بشكلٍ غريب.
اقتربت رويليا بهدوء من خلفهم.
‘لإزالة سوء تفاهم آيلا، يجب أن أُسكت هذه الأفواه أوّلاً.’
بوجهٍ جادّ، استعدّت رويليا لإعلان اعتزالها من المجتمع الرّاقي في يوم ظهورها الأوّل.
* * *
خرج كايلس إلى الحديقة.
فجأة، اقترب بيلين منه.
“تمّ تحديد الموقع.”
“هل تواصلتَ مع الحرس الملكيّ؟”
“نعم، قالوا إنّهم سيصلون قريبًا.”
“جيّد، تحرّكوا بهدوءٍ قدر الإمكان.”
نظر كايلس إلى الشّرفة المتصلة بقاعة الحفل الصّاخبة. لم تكن رويليا، التي كانت مرئيّة هناك قبل قليل، موجودة الآن.
“ألن تعترض الكونتيّسة بيلونا؟”
“إذا لم تُرد التّورّط، ستتعاون بهدوء.”
تتبّع بيلين نظرة سيّده بحذر وسأل:
“ألم تحاول الكونتيّسة الاقتراب من الآنسة المساعدة؟”
“قال سموّه إنّه حاول استكشاف الأمر، لكن يبدو أنّها غير مهتمّة باستعادة رويليا. بالطّبع، من الباكر أن نطمئن.”
خلافًا للشّائعات، كانت نقابة بيلونا لا تزال مزدهرة مؤخّرًا.
قيل إنّ الكونتيّسة تتلقّى نصائح المعبد في شؤون التجارة، لذا لا حاجة لها لاستعادة رويليا.
لكن، إذا أسّس كايلس تجارةً خاصّة، قد تغيّر الكونتيّسة رأيها.
والأهم، يبدو أنّ اهتمام الكونتيّسة منصبٌّ على شيءٍ آخر.
– ‘لا تعرف تفاصيل تنبؤ؟’
– ‘لا. لكن المؤكّد أنّها تبحث عن شخصٍ ما منذ ذلك الحين.’
– ‘ليس رويليا؟’
– ‘لا يبدو كذلك. قيل إنّها تبحث عن امرأةٍ حامل، أو بالأحرى، الطّفل الذي ستلده.’
معلومات مشابهة قدّمتها الآنسة إيميل من عائلة الكونت.
ومع ذلك، بقي شيءٌ مثيرٌ للرّيبة.
‘لماذا استدعتها إذا كانت ستنسب إنجازات رويليا للمعبد؟’
شخصٌ لم يبحث عن رويليا من قبل.
‘إذًا، لا يُخطّط لاستعادتها منّي…’
أسند كايلس ذقنه وغرق في التّفكير. يبدو أنّه يحتاج إلى تحقيقٍ أعمق لمعرفة نوايا الكونتيّسة.
فجأة، ناداه بيلين بحذر.
“بالمناسبة، هل أحسنتُ اختيار الشّامبانيا للآنسة المساعدة؟”
“قالت إنّ قدميها تؤلمانها، فذهبت إلى الشّرفة لترتاح، وطلبت منّي إخبار الآنسة إيميل بدلاً منها.”
– ‘سأرتاح حافية القدمين، لذا لا تدخل مطلقًا، وابقَ مع سموّ وليّ العهد والآنسة إيميل لبعض الوقت.’
لم يكن أمام كايلس خيارٌ بسبب إصرار رويليا.
“كان يُفضّل أن تُخبرها بنفسك. قالت إنّها كانت تشتاق لهذه الشّامبانيا عندما كانت تعمل مع عائلة الكونت، لكنّها كانت باهظة فكانت تشرب الأنواع الرّخيصة فقط.”
“كيف عرفتَ مثل هذه الأشياء؟”
“لكلّ شيءٍ طريقته.”
ضحك بيلين، لكنّه أغلق فمه عندما رأى تعبير كايليس.
“حسنًا، بما أنّكَ أحسنتَ العمل، يجب أن أكافئكَ.”
“ماذا؟”
“أليست المبارزة معي مكافأةً في فرقة الفرسان؟”
اصفرّ وجه بيلين.
* * *
كانت السّيّدات منغمساتٍ في حديثهنّ، لدرجة أنّهنّ لم يُلاحظن رويليا التي اقتربت من خلفهنّ واستمررن في الحديث.
وقفت رويليا خلفهنّ بشكلٍ طبيعيّ، واضعةً يديها خلف ظهرها، منتظرةً الفرصة للتّدخّل.
“حتّى المساعدون النّبلاء الموهوبون لم يصمدوا أكثر من عامٍ قبل أن يُطردوا. من المدهش أنّ تستمرّ عامّيّة مجهولة لعامين!”
“هل رأيتن زينة فستانها؟ كان شعار عائلة الدّوق مطرّزًا عليه.”
“يا إلهي، أن يمنح عامّيّة شيئًا كهذا، إذًا بالتّأكيد…”
أومأ الجميع برؤوسهم معًا.
في هذه النّقطة، كان من الواضح أنّ الحديث سيتحوّل إلى “عشيقة الدّوق” أو ما شابه.
‘الآن!’
بمجرّد أن تُقال تلك الكلمة، كانت رويليا مستعدّة لإثارة فوضى باسم شرف عائلة الدّوقيّة أبير .
حتّى لو كانت مجرّد مساعدة، فإنّ الدّوق سيسمح بذلك.
بثقةٍ بالدّوق، استدارت رويليا.
“ليس هناك، بل هنا، أليس كذلك؟”
“المرأة التي يُقال إنّها السّبب في نزاع الدّوق مع وليّ العهد؟”
“نعم، ألم ترَ نظراته إلى تلك المساعدة؟ كان رجلاً واقعًا في الحبّ بلا شكّ!”
استدارت رويليا مجدّدًا.
‘ما هذا؟ لماذا يُسىء الجميع التّفاهم؟’
تعرف هي أكثر من أيّ أحد أنّ كلامهم ليس صحيحًا، لكنّ قلبها بدأ ينبض بسرعة، ووجهها احمرّ بشكلٍ غريب.
التعليقات لهذا الفصل " 29"