الحلقة 24

 

“ما هذا؟ تلك النظرة وكأنني رأيت شيئًا لا يجب أن أراه؟”

 

 

حدّقت رويليا في وليّ العهد بنظرةٍ مستاءة.

 

سعل غاليون ودفع كوعه في خاصرة كايلس.  

 

“كايلس، هل أنت بخير؟”  

 

 

“لا شيء.”  

 

رفع كايلس رأسه.  

 

 

نظر من النافذة بعيونٍ غير مبالية.  

 

 

لكن رويليا رأت بوضوح زاوية فمه ترتجف. بدت أذناه محمرتين قليلاً أيضًا.  

 

 

‘هل هو سعيد لأن الآنسة آيلا أثنت عليه؟’  

 

كلبٌ كبير.  

 

 

كانت الكلمة غير لائقة لسيّدها، لكنه كان… لطيف بعض الشيء.  

 

 

لو فقط أدركت آيلا هذا الجانب من كايلس.  

 

 

بينما كانت رويليا تراقب بسرور، تجمّد وجه كايلس فجأة.  

 

 

في تلك اللحظة، توقّفت العربة.  

 

“سيدي الدّوق.”  

 

 

فتح بيلين باب العربة، موجّهًا نظرةً إلى كايلس.  

 

 

لكن جو عائلة الكونتيسة كان غريبًا لسببٍ ما.  

 

“رويليا، لا تنزلي، انتظري.”  

 

 

بدا وجه كايلس أكثر انزعاجًا من أيّ وقتٍ مضى.  

 

توترت رويليا عند كلامه، ونظرت من النافذة. عبست عيناها.  

 

 

“ما كلّ هذه الزينة؟”  

 

 

كان من المفترض أن يكون حفلاً احتفاليًا.  

 

“إنها مقدّسة بشكلٍ مدهش.”  

 

 

نظرت آيلا من النافذة وعبست أيضًا.  

 

من الخارج، بدت الأمور مجرّد زخارف برّاقة. لكن الزينة كانت تشبه ما يُرى في المعابد: رموز الشّمس والنّجوم، والنّسر، الحيوان المقدّس.  

 

 

كانت هذه الزخارف، التي لا تتناسب مع حفلٍ احتفاليّ، مختلطة بطريقةٍ غير متناغمة.  

 

“يبدو أن الكونتيّسة بيلونا تفتقر تمامًا إلى الذوق الفنّي.”  

 

 

ارتجفت آيلا وكأنها مقززة.  

 

 

وافقت رويليا داخليًّا.  

 

لم تكن الكونتيّسة بيلونا تمتلك عينًا لاختيار البضائع. كان أداء التجارة سيّئًا حينها، ورويليا هي من أنقذته.  

 

 

تنهّدت رويليا لرؤية عائلة الكونت تعود إلى حالتها بعد عامين. لكن هذا لم يكن سببًا للبقاء في العربة.  

 

نظرت رويليا بفضول إلى الاتّجاه الذي يحذر منه كايلس وبيلين.  

 

 

‘كهنة؟’  

 

 

كان هناك العديد من الأشخاص يرتدون أرديةً رماديّة.  

 

“هل أنت متأكّد؟”  

 

 

“بالطّبع، لذا يجب أن نكون نحن…”  

 

 

“هش، قد يسمعنا أحدهم.”  

 

اكتشفت مجموعة الكهنة، الذين كانوا يتهامسون، عربة عائلة الدّوق.  

 

 

بدت عليهم علامات التّوتر، فانحوا بهدوء لكايلس واختفوا داخل منزل الكونت.  

 

“يبدو أن الكونتيّسة دعت الكهنة إلى الحفل.”  

 

 

لاحظت آيلا ظهورهم وقالت ذلك. عبست، كأنها خاب أملها في الكونتيّسة.  

 

 

شعرت رويليا بالمثل.  

 

 

لكن بدلاً من الخيبة، كان الفضول أكبر.  

 

‘منذ متى أصبحت مؤمنةً بهذا العمق؟’  

 

 

كانت الكونتيّسة تتبرّع للمعبد أحيانًا، لكن لأغراضٍ ترويجيّة لتجارتها، لا بسبب الإيمان. 

 

كانت واقعيّة لدرجة أنها بعيدة عن المعبد.  

 

“كايلس، تلك الوجوه تبدو مألوفة.”  

 

 

نزل غاليون متأخرًا وعبس.  

 

“ألم ترَهم في المعبد؟”  

 

 

“لا، رأيتهم اليوم.”  

 

أصبحت نظرة كايلس حادّة. ألقى نظرةً داخل العربة، ثمّ أخذ غاليون وبيلين إلى زاوية.  

 

 

مع جدّيّة الرّجال، أصبح الجو داخل العربة ثقيلاً.  

 

“أوّل ظهورٍ للآنسة رويليا في المجتمع الرّاقي، لكن يبدو أنكِ لن تستمتعي.”  

 

 

“ظهور؟ هذا إطراءٌ مبالغ. إنّه مجرّد مغامرةٍ قصيرة.”  

 

“سيّدات المجتمع الرّاقي فضوليّات. يتساءلن من تكون أوّل شريكةٍ لدوق أبير. ستتدفّق دعواتكِ.”  

 

 

“أنا هنا فقط بدعوة من الكونتيّسة بيلونا، ولست الشريكة التي اختارها الدّوق.”  

 

أجابت رويليا وهي تفرك يديها بتوتر، ملقيةً نظرةً على كايلس والرّجال.  

 

 

‘هل هذا شيءٌ يجب أن أتدخّل فيه؟’  

 

 

لو كان لها دور، لاستدعاها كايلس.  

 

 

لذا، قرّرت إيقاف التّفكير مؤقتًا والتّركيز على الهدف أمامها لدعم الدّوق.  

 

“بالمناسبة، آنسة إيميل، هل ترقصين رقصات المجتمع جيّدًا؟”  

 

 

“نعم، تعلّمتها منذ الصّغر. كان والدي دائمًا شريكي في التّدريب.”  

 

“واو، هذا رائع. أنا لست واثقة. ربّما بسبب التنمّر الذي عانيته في الأكاديميّة، أصبح لدي خوف.”  

 

 

أجابت رويليا بعيونٍ حزينة، وروت قصصًا عن أيّام الأكاديميّة بحماس.  

 

كما توقّعت، تفاعلت آيلا.  

 

 

أمسكت بيدي رويليا بعاطفة.  

 

 

“يا إلهي؟ أناسٌ سيّئون.”  

 

 

“أليس كذلك؟ لذا أشعر بالقلق والتّوتر. ماذا لو أُحرجت أمامهم؟”  

 

 

“أفهمكِ. يجعلكِ ترغبين في التّفوق، أليس كذلك؟ شعرتُ بالمثل عند ظهوري الأوّل.”  

 

أصبحت عيون آيلا حالمة.  

 

 

“سأحاول الصّمود اليوم، لكنني قلقة. ماذا لو أضررت بالدّوق؟”  

 

أطرقت رويليا رأسها.  

 

 

حاولت أن تبدو كجروٍ مبلّل بالمطر، خافضةً عينيها ومراقبةً تعابير آيلا.  

 

 

بدت آيلا منزعجة.  

 

 

هل هذا يعني أنها نجحت في التّأثير عليها؟  

 

“الدّوق هو الأولويّة الأولى للآنسة رويليا؟”  

 

 

“بالطّبع، إنّه سيّدي.”  

 

 

“حقًّا؟ هذا كلّ شيء؟”  

 

سألت آيلا بابتسامةٍ هادئة.  

 

 

“لقد تلقّيت منه الكثير من النّعم…”  

 

 

“وماذا بعد؟ هذا ليس النّهاية، أليس كذلك؟”  

 

سألت آيلا، مستندةً بذقنها.  

 

 

ابتسمت رويليا لمظهرها الرّائع.  

 

 

“إنّه شخصٌ أحترمه وأحبّه حقًّا. أريد حمايته، وأن أكون دائمًا بجانبه لمساعدته.”  

 

تحدّثت بصدق، آملةً أن ترى آيلا مزايا كايلس.  

 

 

انحنت عيون آيلا.  

 

 

“آه، فهمت.”  

 

تساءلت رويليا عن معنى ذلك، فنظرت إليها. أمسكت آيلا يديها بحنان.  

 

 

“أنا أدعمكِ، آنسة رويليا. إذا احتجتِ إلى مساعدةٍ أو نصيحة، أخبريني.”  

 

“نعم… إذا حدث شيء، سأطلب مساعدتكِ بالتّأكيد.”  

 

 

رمشت رويليا بعينيها.  

 

شعرت أنها حصلت على الوعد المطلوب، لكن كان هناك شيءٌ مقلق. لكن بما أنها أعدّت الأرضيّة جيّدًا، قرّرت الانتقال إلى الخطوة التّالية.  

 

 

لن تكون هناك فرصةٌ للحديث بمفردهما بمجرد بدء الحفل.  

 

“آنسة إيميل، هل يمكنني طلب نصيحةٍ الآن؟”  

 

 

نظرت رويليا إلى عيني آيلا بجدّيّة.  

 

“بالطّبع. ما هي؟”  

 

 

“ما نوع الشّخص الذي ترغبين في الزّواج منه؟”  

 

هل كان السّؤال شخصيًّا جدًا؟ لم تكن علاقتهما عميقة بعد، فخشيت أن يكون وقحًا، فأضافت عذرًا بسرعة.  

 

 

“أبحث عن زوجٍ لأختي. أحاول إيجاد رجلٍ مثاليّ يمكنني الوثوق به لها.”  

 

ضحكت رويليا بإحراج.  

 

 

في داخلها، كانت تلعن بيلين.  

 

 

‘كفاءته سيّئة.’  

 

كانت المعلومات التي تلقّتها من بيلين مفصّلة: النّبيذ والشّامبانيا التي تحبّها آيلا، الحلويات، الزهور، الألوان المفضّلة، وحتّى الحيوانات.  

 

 

كان فستانها اليوم من درجات الأزرق السّماويّ المفضّل لديها، ممّا يدلّ على دقّة المعلومات. كانت تتداخل مع أذواق رويليا، ممّا أثار دهشتها.  

 

 

‘وماذا بعد؟ الجزء الأهم مفقود.’  

 

لكن الأهم كان غائبًا: الشّخص المثاليّ.  

 

“همم…”  

 

 

“إذا كانت هناك صفةٌ تعتبرينها الأهم في اختيار الزّوج، ستساعدني في إيجاد زوجٍ لأختي. كلّ من حولي فرسانٌ مكفهرّون، وأنتِ الوحيدة التي يمكنني طلب النّصيحة منها.”  

 

أومأت آيلا برأسها لأعذار رويليا.  

 

 

بعد تفكيرٍ جدّيّ، فتحت فمها أخيرًا.  

 

 

“همم، أعتقد أن الرّجل المثاليّ للزّواج هو مثل والدي.”  

 

“الكونت إيميل؟”  

 

 

“نعم، إنّه دائمًا دقيقٌ ولطيفٌ مع أمّي. يُقال إنّه يدلّلني، لكن أمّي دائمًا أولويّته.”  

 

إجابةٌ عاديّة، كإجابةٍ نموذجيّة معدّة لهذا السّؤال.  

 

 

لم تكن كافيةً لفهم سبب اختيارها لوليّ العهد أو ذوقها.  

 

اضطرّت رويليا إلى المخاطرة بسؤالٍ مباشر.  

 

 

“إذًا، من بين سموّ وليّ العهد والدّوق، من هو الأقرب إلى الزّوج المثاليّ؟”  

 

كاد قلب رويليا أن ينفجر.  

 

 

إذا اختارت آيلا وليّ العهد، عزمت على التّخلّي عن تغيير المستقبل، تقديم استقالتها، والهروب بسرعة.  

 

ابتلعت رويليا ريقها، وهي تراقب شفتي آيلا تفتحان ببطء.  

 

 

“الدّوق؟ هل تسألين بجدّيّة؟”  

 

سقط قلب رويليا.