الحلقة 10
* * *
فتحت رويليا فمها بدهشة، وهي تحرّكه دون صوت.
‘ألم يكن حبًا من النظرة الأولى؟’
هل أصبح عصبيًا بسبب معاملة باردة من المرأة التي أعجب بها؟ على الرغم من كونه رجلًا صلبًا، إلّا أنّه دقيق إلى حدّ ما، فلماذا يتصرّف هكذا؟
من ذا الذي لا يتأذّى من كلام عدائيّ؟ تصلّبت ملامح وجه ابنة الكونت إيميل.
إذا استمرّ الأمر هكذا، قد يُرفض قبل أن يعترف بحبّه.
“أعتذر، لكن الثقة مع العملاء القدامى أمر مهمّ أيضًا.”
لا، أيّ جرح؟
يبدو أنّها لن تتراجع أمام الدوق.
كما قيل إنّها خدمت الدوق جيّدًا، لكن يبدو أنّ شخصيّتها ليست مجرّد شخص يسعى لإرضاء الآخرين.
ربّما لهذا أعجبت كايلس أكثر.
“لو أخبرتمونا مسبقًا، لأرسلنا مصمّمنا إلى قصر الدوق.”
“لو كانت لدينا الرفاهية لتفصيل الملابس بهدوء، لفعلنا ذلك.”
مواجهة قويّة.
سئمت رويليا بالفعل. لكنّها لم تستطع تركهما على هذا الحال.
قد يُوصم أحدهما بالفشل إذا استمرّ الأمر، لذا قرّرت التدخّل.
“مرحبًا، الآنسة إيميل.”
حيّت آيلا بهدوء.
“من هي انسة التي جاءت معك…؟”
نظرت آيلا إلى رويليا بعينين غير مباليتين.
لكن عينيها الخضراوان، الهادئتان حتّى أمام ردّ فعل الدوق الحادّ، ارتعشتا فجأة.
“أنا رويليا، أعمل كمساعدة في قصر الدوق.”
ما إن سمعت اسمها، حتّى امتلأت عيناها بالفرح.
“ماذا؟ حقًا؟ رويليا، المساعدة الأسطوريّة لنقابة بيلونا؟”
لقب محترم لشخص من عامّة !
نظرت رويليا إليها بدهشة.
في تلك الأثناء، تألّقت عيناها الخضراوان بالحماس، كأوراق شجرة تتلألأ تحت أشعّة الربيع.
“يشرفني لقاؤكِ!”
“وأنا كذلك. لكن، هل تعرفينني؟”
“بالطبع، المساعدة الأسطوريّة لنقابة بيلونا!”
“أسطوريّة…؟”
“نعم، ألم تقودي كلّ مشروع للنجاح الباهر؟ لطالما أعجبت بكِ.”
لم تفهم رويليا بالضبط، لكن يبدو أنّها أعجبت آيلا.
شعرت بالارتياح قليلًا، ونظرت إلى كايلس بعينين فخورتين.
‘ما هذا؟ لماذا يبدو أكثر غضبًا؟’
جرى عرق بارد على ظهرها.
إذا أصبحت علاقتها بامرأة يحبّها الدوق وثيقة، ألن يكون ذلك مفيدًا له لاحقًا؟
‘آه، الغيرة!’
قد ينزعج من أيّ شخص بقرب المرأة التي بدأ يكنّ لها المشاعر، سواء كان رجلًا أو امرأة.
“الإعجاب بمساعدة عاديّة مثلي؟ هذا مديح مبالغ فيه.”
“عاديّة؟ الآنسة رويليا هي الموهبة التي أرغب في العمل معها!”
اتّسعت عينا رويليا.
كلام مجاملة، لكنّه إغراء قويّ جدًا.
أليس من الأفضل العمل مع شخص مستقبله مضمون بدلًا من شخص قد يصبح شريرًا؟ دون القلق من الموت معًا.
“أنا أيضًا…”
كادت أن تعبّر عن مشاعرها الحقيقيّة.
لولا الصوت البارد القارس الذي جاء من الخلف.
“إلى متى ستواصلين الثرثرة مع مساعدتي؟”
وضع كايلس يده على كتف رويليا.
جذبها قليلًا إلى الخلف، فابتعدت رويليا عن آيلا بشكل طبيعيّ.
تدخّل بينهما كأنّه كان ينتظر اللحظة، حاجبًا رؤية رويليا.
“أليس عملكِ صنع الملابس؟ لا التسكّع مع مساعدتي.”
نقرت رويليا لسانها دون وعي.
ماذا يمكن أن تقول؟ ظنّت أنّه رجل يملك خططًا وهوسًا.
لكنّه كان مجرّد عاشق أخرق.
“أوه، الآنسة رويليا سترتدي ملابسي؟ حقًا؟”
“نعم، سمعت أنّ هناك حفلًا في قصر الكونتيسة بيلونا بعد أسبوعين.”
أجابت رويليا وهي تطلّ برأسها من خلف كتف كايلس.
“إنّها شريكتي. لذا، جئنا لتفصيل الملابس معًا.”
“أوه، هل ستحضران الحفل معًا؟”
صفقّت آيلا بيديها بنبرة مبالغ فيها. عبست رويليا بحرج.
قد يُساء فهم علاقتها بالدوق هكذا.
“عندما دعتنا الكونتيسة بيلونا، عيّنتني كشريكة للدوق. بما أنّ الحفل يضمّ النبلاء، يبدو أنّه اختار الدوق كحامٍ لي حتّى لا أتعرّض للمضايقة.”
رفعت رويليا نفسها على أطراف أصابعها، موضحةً بصعوبة من خلف كتفه.
“آه… هكذا إذن.”
ابتسمت آيلا بلطف لرؤية رويليا التي أطلّت بوجهها، ثمّ اتّجهت إلى الطاولة وأمسكت الكتالوج.
“هل وجدتِ أسلوبًا يعجبكِ؟”
كان الكتالوج، بغلافه الفاخر وأوراقه السميكة، ثقيلًا جدًا. ارتجفت ذراع آيلا قليلًا تحت وطأته.
لم تفوّت رويليا اللحظة، ونكزت كايلس في خاصرته بسرعة.
“الكتالوج يبدو ثقيلًا، ساعدها بحمله.”
عبس كايلس عند همسها الخافت.
لكنّه لم يرفض طلبها، فأخذ الكتالوج من آيلا ووضعه على الطاولة فورًا.
“رويليا، ألم تكوني قد قلتِ إنّ هذا الثوب يعجبكِ؟”
فتح صفحة من الكتالوج بثقة وأشار إليها بإصبعه.
“نعم، صحيح.”
“فلنأخذ هذا. أريد إضافة لمسات من ألوان وشعارات الدوقيّة.”
ذُهلت آيلا من طلب كايلس.
“ماذا؟ هذا؟ لكن…”
“ما المشكلة؟”
“بما أنّني رسمت التصميم بنفسي، لم تُبرز التفاصيل الملمس، لكن الأنماط هنا ليست مصبوغة على القماش، بل مطرّزة يدويًا.”
“وماذا في ذلك؟”
“لا يمكن إكماله في أسبوعين.”
يا لسوء الحظّ أن يختار هذا بالذات. نظرت رويليا إلى الكتالوج بحرج.
لم تكن تعلم، لأنّها اعتادت شراء الملابس الجاهزة.
بالطبع، إذا لم يتمكّن النبلاء من التفاخر بالجواهر على ملابسهم، فسيتباهون بالفخامة بطرق أخرى.
ومن الطبيعيّ أن يرتفع السعر.
“سأختار شيئًا آخر.”
“لا، فليكن هذا.”
أضفى كايلس قوّة على عينيه.
“هذا الثوب أكثر أناقة بكثير من تلك المزيّنة بالجواهر.”
هل لم يسمع رفضها للتو؟
أم أنّه يريد لعب دور الشرير الذي يضايق المرأة التي يحبّها؟
“لكن، سيّدي الدوق…”
نادت آيلا كايلس بملامح محرجة.
لكنّه، دون أيّ نية للاستماع إليها، رفع زاوية فمه بنظرة ساخرة.
“ألا يُحلّ الأمر بتوظيف المزيد من المطرّزين؟”
نبرة آمرة ممزوجة بالاستفزاز.
لم يكن سلوكًا مناسبًا لترك انطباع جيّد.
“هذا صحيح.”
“إذن، اجمعي كلّ المطرّزين المتاحين. سأدفع الأجر بسخاء.”
“لكن تكلفة الثوب ستصبح باهظة جدًا.”
“لا يهمّ. أنا رجل أعرف كيف أكافئ مساعدتي المخلصة بهذا القدر.”
أم أنّه ليس كذلك؟
ربّما كان يحاول التباهي بجاذبيّته بأكثر الطرق صبيانيّة.
شعرت رويليا وكأنّها ترى نهاية هذا الحبّ بالفعل، فأصبح وجهها عابسًا.
* * *
بقي كايلس وحيدًا في غرفة الاستقبال، بينما ذهبت المرأتان إلى غرفة القياس لأخذ المقاسات.
“تلك المرأة مزعجة.”
تذكّر الموقف السابق.
خاصّة تلك النظرات التي كانت تحمل الحذر.
كانت تلك الآنسة التي يطمع بها صديقه وحليفه السياسيّ، ولي العهد، كزوجة محتملة.
– “يبدو أنّ لديها طموحًا لتصبح مثل الكونتيسة بيلونا. لذا، ربّما ترفض أن تكون زوجة الأمير…” –
حتّى في لقاء عائلة الكونت إيميل، أبدت اهتمامًا برويليا.
والآن، أظهرت رغبتها في استقطاب رويليا بشكل علنيّ.
وبدا أنّ رويليا لم تمانع.
كانت تتحدّث إليه دائمًا بنبرة الفرسان، لكنّها ردّت على تلك المرأة بلطف ونعومة.
“حتّى تقدّمها لخدمتي كان جزءًا من خطّة.”
فجأة، تذكّر خطاب استقالة رويليا الذي أمر بإحراقه.
رويليا التي اختارت هذا المكان.
هل كان سبب قدومها اليوم هو التخطيط لتغيير عملها؟
إذا كان الأمر كذلك، ربّما اختارت هذا الصالون لتتأكّد من شخصيّة صاحبة العمل المحتملة.
الآن تذكّر، لقد سألت عن ابنة الكونت إيميل.
“بيلين.”
“نعم، سيّدي.”
استجاب بيلين، الذي كان يرافق كحارس، على الفور.
همس كايلس له بنبرة سريّة
“حقّق في كلّ شيء عن ابنة الكونت إيميل، صاحبة هذا المكان. علاقاتها، مشاريعها، خطط التوظيف هنا، كلّ شيء.”
“حسنًا، سيدي.”
حتّى بعد مغادرة بيلين، ظلّ كايلس يحدّق بعينين حادتين.
لماذا يستغرق أخذ المقاسات كلّ هذا الوقت؟ هل يفعلان شيئًا آخر؟
مثل التفاوض على عقد عمل.
حدّق في اتّجاه غرفة القياس الهادئة جدًا، ثمّ نهض فجأة من مقعده.
يبدو أنّه لا ينبغي تركهما بمفردهما.
التعليقات لهذا الفصل " 10"