أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
بينما اقتربتُ من الضوء الأزرق، شعرتُ بتركيز المانا يزداد قوة في الهواء.
وحين تجاوزتُ الوخز الذي أحسسته على بشرتي، انكشفت أمامي لوحة خلابة.
تدفّقت هالة زرقاء من المانا من ندفة ثلج.
وفي مركزها، كان كارسون مسندًا ظهره إلى عمود خشبي وعيناه مغمضتان.
توقفت أنفاسي وأنا أحدّق به.
رموشه الطويلة متساقطة، بشرته خالية من أي عيب، وتحتها برزت عروق رقبته وكتفاه العريضتان.
كان يقف على الحدّ الفاصل بين صِبا الفتيان ورجولة الرجال، وفجأة أصبح رجلاً مكتمل الملامح.
ومع هذا الضوء الغامض، شعرتُ أنني أنظر إلى تمثال لا إلى إنسان.
راودتني رغبة في لمس وجنتيه، فقد بدا جامدًا بلا حياة.
وبدون وعي، تحرّكت قدماي نحوه.
وكأنّه شعر بوجودي، فتح كارسون عينيه ببطء.
“…لين؟”
اتسعت عيناه حين أدرك أنني هناك، فنهض واقترب مني.
“لين، ماذا تفعلين هنا؟”
بعد لحظة صمت بدت أبدية، أحسستُ باهتزاز داخلي وأنا أراه يتقدّم نحوي.
“كنتُ فقط أتمشى…”
قاطعني كارسون بصوت يفيض قلقًا:
“لو أردتِ التنزّه، كان عليك أن تناديني. ليس من الآمن أن تدخلي موطن الوحوش وحدك.”
“…موطن الوحوش؟”
لم أدرك إلا عند سماعي كلماته أنني أقف خارج حدود الحاجز الواقي.
وفوق ذلك، كان تركيز المانا هنا كثيفًا لدرجة يمكن رؤيته، ما يعني إمكانية ولادة وحش في أي لحظة.
هذا جنون. أين كانت عقليتي حين خرجت من الحاجز بلا استعداد؟
تمتمتُ بنبرة لا مبالية: “لكن كيف أناديك وأنت نائم في غرفة أخرى؟”
لم أرد أن أبوح بأنني كنتُ أتنقّل بلا هدف.
ضيّق كارسون عينيه بخيبة وقال بخفوت:
“لو أستطيع فقط… لارتاحت نفسي.”
“تستطيع ماذا؟”
“لا، لا شيء.”
تساءلت في داخلي: ما الذي كان يفعله هنا أصلًا؟
“كارسون، ماذا تفعل وحدك عند الفجر؟”
“لم أستطع النوم… كنتُ فقط أجلس وأشعر بتدفّق المانا.”
‘أها. السحرة يقولون إن ازدياد المانا في الجو يمنحهم راحة أكبر.’
كما أنه يسرّع تعافي طاقتهم.
ابتسم كارسون ابتسامة خفيفة وقال:
“ومع ذلك، سررتُ برؤية لين هنا. كأنه هدية غير متوقعة.”
بادلتُه ابتسامة صغيرة، وكنتُ على وشك سؤاله، لكن بصري وقع على شيء في يده.
“…كلب محشو؟”
كان نفس الدمية التي أهديتُها له في السنة الثانية ثم كسرتها بنفسي نصفين.
وقد أُصلِحت بشكل عشوائي، بخيوط يدوية لا بسحر.
تملكني شعور غريب في صدري، وكتمتُه وسألت: “كارسون… لقد أتلفتُ هذه الدمية. ماذا حدث لها؟”
ماذا كان يدور في ذهنك وأنت تحدّق في بقاياها؟
أجاب بهدوء: “أنا آسف.”
رفعتُ نظري إليه مذهولة، لم أتوقّع اعتذارًا. كان يبتسم بمرارة.
“آسف لأنني أعدتُ لك ذكرى مؤلمة… لكن لم أستطع أن أتخلّى عن الدمية.”
لم أفهم سبب تمسّكه بها وهو قادر على شراء غيرها.
“إنها دمية رخيصة، يمكنك شراء أخرى.”
“لا أريد دمية أخرى.”
“…هاه؟”
“إنها أول هدية قدمتها لي… لذا تحمل معنى خاصًا.”
رأيتُ حمرةً خفيفة تعلو وجنتيه، ونظرة عينيه تهبط للأسفل… لم أعلم ما الذي أفكر به.
كل ما شعرتُ به هو أنّ كل شيء فيه كان لطيفًا على نحو مؤلم.
وفي الوقت نفسه، اعتراني الخوف.
كان اليوم الذي لن أراه فيه مجددًا يقترب. فانفجرتُ بالبكاء.
ارتبك كارسون وهو يمسح دموعي بعجز. تمتم بالاعتذار، ووضع الدمية المحشوة في يدي.
قال إنه يتركني أقرر مصيرها بعد أن احتفظ بها طويلًا.
لم أتمالك نفسي من الابتسام وسط دموعي.
ضحكتُ رغمًا عني.
“…ماذا سنفعل يا كارسون؟”
لا أظن أنني أستطيع تركك تمضي هكذا.
🍃
تثاءبتُ وأنا ما زلتُ أشعر بالنعاس.
مضت عشر دقائق على الأقل والمدرّس لم ينهِ موعظته بعد… لم يسعني سوى الدهشة.
“ليس أمرًا بسيطًا أنكم قضيتم يومكم في قتال الوحوش.”
بالطبع لا، خصوصًا مع عدد الشياطين القوية التي قضى عليها كارسون أمس.
لو جمعنا نقاط الصف بأكمله، فلن تساوي ما أنجزه وحده.
“لو لم تقتلوهم، لفتكوا بالبشر والحيوانات وأفسدوا التربة وألحقوا أضرارًا لا تُحصى.”
حتى طفل في الثالثة يعرف أن الوحوش شر. حسنًا، أنهِ الكلام رجاءً.
“يجب أن تفخروا، لقد أنقذتم حياة.”
تنهدتُ عميقًا. لا إشارة لانتهاء العظة. كم مرّ من الوقت؟
“…الآن، لنملأ استبيانًا أخيرًا وننهي.”
ظننتها النهاية، فإذا به استبيان؟
سلّمني الذي أمامي ورقة. رفعتها بابتسامة باهتة.
إنه استبيان تقييم رحلة التخرّج.
تقدّم الأستاذ والتر لشرح السبب:
“نتائج هذا الاستبيان ستحدد وجهة الرحلة القادمة.”
تبادل الطلاب النظرات ثم انفجروا بالضحك.
“إن كانت نسبة الرضا منخفضة، سنأخذ الدفعة القادمة لمكان آخر.”
بالطبع! هذا ما يليق بتقاليد أكاديمية أرينا العريقة.
كان عليّ أن أضمن لزملائنا القادمين نفس التجربة. وضعتُ كل العلامات على “جيد جدًا” بلا حتى قراءة الأسئلة.
وبالنظر إلى ورقة جاين بجانبي، أدركت أنها فعلت الشيء نفسه.
بعد تسليم الأوراق، وقفنا داخل دائرة سحرية كبرى كالتي جئنا بها.
آن وقت العودة إلى الأكاديمية.
وقف المعلّم وحده خارج الدائرة.
“انتقال!”
تعالت هالة الدائرة وارتفعنا.
لوّح المدرّس لنا مبتسمًا وهو يرانا نتلاشى. بعض الطلاب ردّوا التلويح.
كانت رحلة التخرّج هذه تحمل لحظة إدراك مهمة… رغم كل شيء، كان ختامها جميلًا.
عند الوصول، تفرّق الطلاب.
بعضهم اتجه مباشرة إلى المبنى الرئيسي، وآخرون – مثلي – إلى سكنهم.
مشيت مع جاين، فإذا بوجه مألوف أمام المبنى.
“لوكا!”
كان ينظر إليّ بصمت، كأنه ينتظر قدومي. عيناه منتفختان من البكاء.
ذلك الوجه أضعفني.
…هل أعود مسرعة إلى غرفتي؟
لكن جاين تعرفه، فضربتني على ظهري:
“تحدثي مع أخيك، سأدخل أولاً.”
لا، جاين… لا تتركيني!
لكنها لم تسمع ورحلت.
التفتُ إلى لوكا، ملامحه متصلبة.
“بداية الإجازة ولم تعد بعد للمنزل؟”
“كنتُ أنتظر السفر معكِ، أختي.”
كالعادة، لا تخيب الظنون السيئة. أخذتُ نفسًا قصيرًا وقلت:
“لوكا، أنا…”
“ثلاث سنوات.”
انطبقت فكاه بقوة، غضبه ظاهر.
“ثلاث سنوات منذ زرتِ الكونت آخر مرة.”
لكنه لم يصرخ، بل واجهني برجاء:
“والداي يفتقدانك كثيرًا… ويخافان أنهما أساءا إليك.”
“…الرسائل لم تنقطع.”
“أختي، مهما كنتِ مشغولة، كان بإمكانك الحضور مرة واحدة.”
لا. لم أستطع.
فالكونت يضم إرهان، وسيبلغ ريكس بيغونيا عني بمجرد رصدي.
لا أحد قادر على منعه من إيجادي هناك.
قال لوكا بمرارة: “منزل أختي الحقيقي هو قصر الكونت، لا الأكاديمية.”
“لوكا.”
“أنتِ على وشك التخرّج. هل ستنتظرين حتى بعده لتعودي؟”
“آسفة… لكنني لن أذهب للكونت بعد تخرجي.”
ارتجفت عيناه أمام رفضي الحاسم.
“…ماذا تعنين أنكِ لن تعودي للكونت؟”
“أعلم أن الكونت وعمّتي يحبّانني كابنة، لكن هذا لا يجعل القصر منزلي.”
“هذا هراء.”
أمسك كتفيّ بمرارة، كأن الخيانة طبعت وجهه.
“هناك سبب يمنعك من العودة، صحيح؟ وإلا ما كنتِ لتتصرفي هكذا.”
ابتسمتُ بهدوء وأنا أحرر نفسي من يديه.
“خيالك واسع يا لوكا. فقط شعرتُ أن الوقت قد حان لأستقل بنفسي.”
“وماذا عن القصر؟”
“لا أريد أن أستمر مدينة للكونت وعمتي.”
“لكن هذا…”
توقف مضطربًا، ثم استعاد رباطة جأشه وهو ينظر في عينيّ.
لا أعلم ما رآه هناك، ربما شيئًا قريبًا من الحزن.
“…آسف. لم أنظر للأمر من زاويتك.”
“ليس ذنبك.”
“لكن والداي سيحزنون أكثر حين يسمعون هذا… أنتِ فرد من العائلة.”
“أعرف، وآسفة لأجل ذلك أيضًا.”
لكن هذا كل ما أستطيع فعله.
تأملني لوكا طويلاً دون كلمة، عيناه تترقرقان.
عضّ شفته وارتمى في حضني.
“…سأحاول احترام رغبتك، أختي.”
ربّتُّ على شعره بحنان.
“شكرًا لتفهمك… يا أخي الصغير.”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 97"