أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
أمسك دوق ليسيانثس برسالة لين الموضوعة على مكتبه.
قال مبتسمًا قليلًا:
“لقد وصلتِ أبكر من المعتاد هذه المرة.”
تأخر وصول رسالة لين هذه المرة مقارنةً بسابقاتها، وكانت موجّهة إلى شخص آخر غير الدوق.
بدأت الرسالة بالتحية المعتادة، وواصل قراءتها حتى وصل إلى صلب الموضوع.
ضحك الدوق بصوت عالٍ عندما وقعت عيناه على السطر التالي:
[هذه القصة عن صديقة لي.]
“إنها قصتي.”
ابتسم ابتسامة باهتة، ثم واصل القراءة، لكن ملامحه تجمّدت كلما تقدّم أكثر.
[…لقد حدث هذا، وأعتقد أن صديقتي تفكر إن كان عليها أن تستمر بالتواصل مع الفتى بعد التخرج أم لا. ما رأيك؟]
وضع الدوق الرسالة بهدوء على مكتبه.
“…الأمور ازدادت تعقيدًا.”
كان عليه أن يمنع لين من أخذ لقب عائلة نبيلة أخرى.
لقد انتظرت إحدى النساء سنوات لتضيف لقب ليسيانثوس إلى اسمها. وكان على وشك أن يسأل لين إن كانت ستصبح ابنته من جديد، بعدما ظن أنهما صارا قريبين بما يكفي.
لقد أخذتُ بنصيحة لين وسألتُ زوجتي أولًا.
عندما صارحها لأول مرة بفكرة تبنّي فتاة إلى أسرة ليسيانثوس، كانت معارضة بشدة.
لكن عندما شرح لها أمر لين، فاجأه حماسها.
— “انتظر، قلت إن اسمها لين؟”
— “نعم. هي الآن طالبة في أكاديمية أرينا، وفي نفس عمر كارسون.”
— “وكيف تبدو؟”
— “شعرها أسود وعيناها سوداوان. جميلة وذكية، ستعجبك بالتأكيد.”
— “…أظنها ستكون إضافة مثالية لعائلتنا.”
— “أعرف أن الأمر مفاجئ قليلًا، لكن سيلفيا، لين فتاة جيدة فعلًا… ماذا؟”
— “ما رأيك أن نبدأ بتزيين غرفتها غدًا؟”
تحوّلها المفاجئ كان مقلقًا، لكنه تأكد من موافقتها.
لكن أن تُؤخذ منه بواسطة عائلة أخرى عبر زواج؟
تلألأت عينا الدوق بحدة.
“عشر سنوات وقت قصير جدًا.”
أشار بأصابعه، فظهر خادم من الفراغ وانحنى أمامه.
“لقد استدعيتني يا صاحب السمو.”
“سأخرج.”
“هل أجهّز لك عربة أم خيولًا؟”
“الأمر عاجل، سأسافر بالسحر. أخبر سيلفيا أنني سأعود قبل العشاء.”
حالما أنهى كلامه، تشكّل دائرة سحرية أسفل قدميه، واختفى وسط وهجٍ متلاشي.
فكّر الخادم في نفسه وهو يشاهده يرحل:
لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة خرج فيها ليدفن أحدًا.
م.م: هذا الخادم عندو صدمات من عائلة كارسون 🤣
●●●
وصل الدوق أمام مبنى سكن الطالبات حيث تسكن لين. لم يخطُ داخله منذ أن وبّخته قبل سنوات.
ورغم أن هذه الأرض تابعة للأكاديمية، وبالتالي يعد دخوله خرقًا لقانون منع الغرباء، إلا أن ذلك لم يشكّل له أي عائق.
تخطى بسهولة التعويذات الأمنية الموضوعة حول المكان.
انتظر طويلًا حتى لمح لين بزيّها المدرسي الأنيق تخرج من المبنى.
كانت المرة الأولى التي يراها فيه بزيّ رسمي، وأدرك كم كانت صغيرة السن.
مجرد بداية بلوغ.
ورغم فارق البنية، كان من الصعب تصديق أنها في نفس عمر ابنه كارسون.
لاحظت لين وجوده، فأمالت رأسها متسائلة:
“سيدي؟”
دفع الدوق أفكاره جانبًا واقترب منها.
“إذن، هي أنت فعلًا. ما الذي أتى بك بلا سابق إنذار؟”
“وصلتني رسالة.”
“من أجل الرسالة؟ كان يمكنكِ أن تخبريني برسالة أخرى.”
“لا أظن أن هذا أمرًا يمكن قوله كتابة.”
رغم أنها لم تُظهر شيئًا، شعرت لين بالدهشة.
فمن توقيت الرسالة، بدا أنه استلمها منذ فترة. تساءلت إن كانت قد تسببت في سوء فهم، خاصة مع تعابير وجهه.
قال لها بجدية:
“لا يجب أن تبدأي بالنتيجة مباشرة.”
“هاه؟”
تجمّدت لحظة، ثم أدركت أن كلماته كانت بمثابة رد على سؤالها في الرسالة.
فغمرها شعور ثقيل.
سواء كان يدرك ذلك أم لا، واصل الدوق بجدية:
“لا تدعي كلمات السيدة النبيلة تخدعك حين تقول إنها معجبة بك.”
“…أنا متأكدة أنني كتبت أن الأمر عن صديقة.”
تظاهر الدوق بعدم السماع، وواصل:
“هل أعربت عن إعجابها بك بينما تسيء إلى ابنها؟ إنها ثعلبة بارعة.”
“لقد كنت أتكلم عن صديقتي.”
تنهدت لين قليلًا.
لو كنت أعلم أن هذا سيحدث، لقلت منذ البداية إنها قصتي أنا.
“لكن بما أنك ترى ذلك، لماذا تظن أنها ماكرة؟”
“لأنها لا تهتم بك حقًا، بل كانت تبحث عن دمية ضعيفة بلا اسم عائلة.”
“…دمية؟”
ردّدت لين بذهول، فأومأ الدوق ببطء.
“أرادت فقط أن تضمن استمرار قوتها لوقت أطول بأخذ ابنة عامية لتكون زوجة لابنها.”
كلامه لم يكن مجرد اختلاق، بل بدا معقولًا تمامًا. فتزلزلت عينا لين.
“…لكن لم أشعر أنها تكذب علي.”
وضع الدوق يده بهدوء على رأسها، لكنها أبعدتها بسرعة وسألته:
“لقد طلبتَ مني من قبل أن أكون ابنتك، مع أننا التقينا مرات قليلة فقط.”
أنزل يده بخيبة، ثم تظاهر بالتماسك وقال:
“ربما هي فعلًا أعجبت بك بصدق، كما فعلتُ أنا.”
“حتى لو كان ذلك بقلب صادق، الأمر لا يهم.”
قالها بصرامة وكأنه لا يمزح.
“لقد سمعت أيضًا أن شابًا من عائلة منافسة مهووس بك، وسيكون خطرًا عليكِ الوقوع بين الاثنين.”
“ذلك…”
كان شيئًا فكّرت فيه لين من قبل، لكنها لم تقلق على نفسها بقدر ما خافت أن تتسبّب في شرخ بين العائلتين.
“مهما أحبك شيوخ العائلتين، هل تعتقدين أنهم سيضعون سعادتك فوق مصالحهم؟”
هز رأسه ببطء:
“في اللحظة التي تكونين فيها أضعف، ستصبحين غنيمة للطرف الآخر.”
“…آه…”
شعرت وكأن رأسها تلقّى ضربة مطرقة.
لطالما وعدت نفسها أن تكون واقعية، لكن الآن تلاشت عزيمتها في أحلام ساذجة.
إذا كانت الأكاديمية بئرًا صغيرة، فالمجتمع بحيرة واسعة.
سيكون هناك فتيات أصغر، ألطف، وأجمل منها بكثير.
من أين جاءها اليقين أن حبه سيستمر بعد التخرج؟
ربما كانت سكرى بلطف كارسون، متمسكة بأمل هش.
أخذت نفسًا عميقًا وأغمضت عينيها، متمنية سعادة الآخر من بعيد.
هذا هو الحب حقًا.
لقد رتّب هانز بالفعل مكانًا لإقامتها بعد التخرج. المكان نفسه الذي وضعت فيه أرباحها من بيع المسكنات.
كانت مستعدة لتحمّل جنون ريكس بيغونيا عند رحيلها.
ثروتها من باقي الأدوية كانت ضخمة، لكن أرباح المسكنات تجاوزت كل شيء.
فقد تم تصديرها في السنوات الأخيرة إلى دول عديدة، لا إلى إمبراطورية لاغراس فقط.
حتى هذه اللحظة، كانت تُباع المسكنات في مكان ما.
ومهما حاول ريكس الانتقام من قصر العد، فلن يتأثر اقتصاديًا.
قد يكون هذا قصورًا في الحسابات، لكنه كان أفضل ما تستطيع فعله.
فتحت لين عينيها وقالت بابتسامة ثابتة:
“شكرًا على نصيحتك، لقد ساعدتني على اتخاذ قراري.”
ظن الدوق أنه أطفأ الحريق سريعًا، فأكمل ببطء:
“في الواقع، هناك طريقة أخرى.”
“…ما هي؟”
“أن أتخذك ابنة لي.”
“وهل هذا ما زال مطروحًا؟”
أومأ بثقة وكأنه أمر بديهي:
“ليس تمامًا، لكن زوجتي كانت تتحدث مؤخرًا عن أحفاد.”
“أحفاد؟”
قطبت لين حاجبيها باستغراب، وتذكّرت أن لابنهما نفس عمرها تقريبًا.
وبما أن السنة انتهت، فقد صار الابن راشدًا، وقد يُنجب أحفادًا قريبًا.
كان من المعتاد لدى النبلاء الزواج مبكرًا من أجل إنجاب ورثة.
“أظن أن زوجتي تشعر بالوحدة، فما رأيك أن تصبحي ابنتنا؟ وقد حصلتُ بالفعل على إذنها كما نصحتِني.”
…؟
كيف قفز مباشرة إلى موضوع الأحفاد؟
“لكن أليس من الطبيعي أن يحصل على أحفاد حين يتزوج ابنك؟”
تلعثم الدوق، ولم يجد جوابًا مقنعًا.
فقد كان قد تخلّى منذ زمن عن فكرة الأحفاد، إذ لم يظن أن ابنه سيتمكّن يومًا من الزواج.
لكنه لم يستطع قول ذلك للين.
لو أدركوا فساد شخصية كارسون، فلن يقبل أحد به زوجًا.
كان هذا أيضًا سببًا لعدم كشف هويته أمامها.
فهو يعلم أن سمعته مشبوهة، ومعظم الشائعات حوله صحيحة لا مبالغ فيها.
لو عرفت لين من أكون… ستفرّ على الأرجح.
فتح فمه مجددًا، محاولًا إقناعها:
“لو أصبحتِ ابنتي، فلن تقلقي من شيء. أستطيع دعمك في أي طريق تختارينه.”
ثم أضاف بعينين لامعتين:
“إلا إذا اخترتِ رفيقًا لا أراه مناسبًا.”
ضحكت لين أخيرًا بخفة، وكأنه تبنّاها بالفعل:
“من نظرة عينيك، لا أظنني سأتزوج أبدًا.”
كانت الإمبراطورية واسعة، ونبلاؤها كُثر. لكن عدد الدوقات يمكن عده على أصابع اليد الواحدة.
خصوصًا أن دوق ليسيانثوس كان أقوى رجل في البلاد بعد العائلة الإمبراطورية.
حتى ذوو الرتب العالية لا يُقارنون بالدوقين.
اعتذرت لين بلطف، محاولة ألا تُغضبه:
“أقدر عرضك كثيرًا، لكني أريد أن أبقى ابنة والديّ الراحلين.”
ارتبك الدوق ولم يجد ما يقوله. فقد أسقطت حججه كلها بجملة واحدة.
لكنها تابعت وكأنها تذكّرت شيئًا:
“آه، وعندما أتخرج، سأنتقل للعيش بمفردي، بعيدًا عن العاصمة.”
قطب الدوق جبينه قليلًا.
سيصبح إقناعها أصعب إن ابتعدت.
“…وماذا عن عنوانك الجديد؟”
ترددت لحظة، إذ لم تشأ أن تفصح بسهولة، فهي تهرب من ريكس بيغونيا.
كانت تنوي قطع صلتها بكل أصدقائها، باستثناء هانز شريكها في العمل.
لكن بما أنك لست من آل بيغونيا… قد يكون إخبارك أكثر أمانًا من حتى جين.
قالت أخيرًا:
“لم أحفظ العنوان بعد، سأرسله لك في رسالة لاحقًا.”
“ما اسم الضيعة والقرية إذن؟”
“سأذهب إلى قرية أبسيور، ضمن أملاك غارير.”
“لم أسمع بأي منهما.”
ابتسمت لين بخجل من تعليقه.
لم يكن بوسعها فعل شيء؛ فالقرية صغيرة جدًا لدرجة أنها غير موجودة على الخريطة.
من حسن الحظ أن الإمبراطورية شاسعة.
البحث عن شخص مختبئ في رحابها يشبه البحث عن إبرة في كومة قش.
ليس عجبًا أن يكون أول تعويذ يُلقى على المجرمين هو تعويذ التتبع.
شعرت لين بفخر خفي بإمبراطوريتها.
أما الدوق، فقد أخذ يكرر الاسم في ذهنه:
…غارير أبسيور. أعجبني وقعه.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 91"