أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
كنتُ متوجهةً إلى مختبر البروفيسور جورج.
بعد حصّة الأعشاب ناداني جانبًا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى، فقد اعتدتُ على استدعائه لي.
على الأرجح يريد أن يطلب مني مجددًا أن أصبح تلميذته أو يسألني عن الأعشاب.
كان الأمر مزعجًا.
بصراحة، يضايقني، ولولا أنني رفضته بحزم منذ البداية لكان قد تخلّى عن الأمر الآن.
ومن باب اللياقة طرقتُ الباب ثم دخلت المختبر.
وجه البروفيسور جورج لم يُبدِ أي انزعاج حين فتحت الباب دون انتظار إذن.
“كنتَ تريد رؤيتي؟”
حدّق بي لبرهة، ثم سعل عدة مرات بلا داعٍ وأشاح ببصره.
“لأن لدي شيئًا لأعطيك إيّاه.”
لم يقلها بوضوح، لكنني شعرت أنه يراقب ملامحي. سار إلى خزانة زجاجية في جانب المختبر وأخرج شيئًا منها.
“خُذي هذا.”
حدقتُ بدهشة في ما قدّمه لي البروفيسور جورج.
كانت نبتة نادرة، رأيتُها سابقًا في خزانته وصرّحت له برغبتي بها.
أظنه عرض أن يمنحني إيّاها إن صرتُ تلميذته.
بالطبع رفضتُ فورًا.
“لِمَ تعطيها لي…”
سألت بصوتٍ مرتجف، فوضع نظارته على المكتب.
“هل يجعلك هذا تشعرين بتحسن؟”
“…ماذا؟”
“ربما تُشعرك الأعشاب بالراحة بعد مراقبتها، لكن ما دام ذهنك مضطربًا، هل تستطيعين البحث بتركيز؟”
“آه…”
رفعتُ يدي ببطء ولمست أطراف عيني. ابتلّت أصابعي. لم يكن لمسًا مريحًا.
لكن الغريب أن الدموع انسابت من عينيّ. كأن غدد الدمع قد تعطّلت. اضطررتُ إلى صفع خدّي لأجعل الدموع تنهمر.
بسبب تلك المواساة المرتبكة البسيطة.
“ظننتُ فقط أنك تزعجني بإصرارك أن أتخرّج تحت إشرافك، وكان ذلك يضايقني…”
“…يزعجك؟ تقصدين… هل تبكين الآن؟”
من خلال دموعي الضبابية لمحت وجه البروفيسور جورج المرتبك.
انفجرتُ في بكاءٍ مرتفع، كبُكاء الأطفال. دموعي لم تتوقف.
لا أعلم ماذا قلتُ وأنا أبكي. أظن أنني كنتُ أنادي أركاندوس.
بعد أن هدأت دموعي اجتاحتني موجة خجل. لم أكن يومًا فظة هكذا.
أخفضتُ رأسي واعتذرتُ عن وقاحتي، ثم غادرتُ مسرعةً مختبره.
بعد أيام قليلة استدعاني مجددًا.
“أنا آسف بشأن ما حدث سابقًا.”
حين دخلتُ، أطرقتُ برأسي. لكنه أطلق تنهيدة وضرب بيده الهواء.
“لم أستدعك لأوبّخك.”
أشار برأسه أن أجلس، وحين جلستُ على الكرسي المقابل له تابع:
“الحقيقة أن أركاندوس ترك الأكاديمية مباشرة بعد مواجهته مع والتر. وانقطعت اتصالاتي به.”
اتسعت عيناي بدهشة، لم أتوقع أن يذكر اسم أركاندوس.
“لم نكن نتراسل كثيرًا، لكن لا أذكر أنه أهمل أي رسالة أرسلتها…”
بدا على وجهه شيء من المرارة.
“لكن هذه المرة، حين كتبتُ له عنكِ، أجاب فورًا وقال إنه قادم إلى الأكاديمية.”
“أركاندوس… قادم إلى هنا؟”
ذلك الرجل الذي كان يتحاشى حتى فكرة التواجد في نفس القاعة مع والتر.
وفجأة—
“بام!”
انفتح باب المختبر بعنف، واقتحم أحدهم المكان.
“أين لِين الآن؟”
كان أركاندوس يلهث، عيناه تبحثان عني حتى وقعتا عليّ.
“…لين.”
أسرع إليّ واحتضنني بقوة. جسده كان يرتجف قليلًا.
رمشتُ وأنا في أحضانه، ثم رفعتُ يدي وربّتُ على ظهره ببطء. بدا وكأنه انهار.
…وكأنني على وشك أن أُواسى.
“اهدأ. لا أعلم ما الذي كتبه البروفيسور جورج في رسالته، لكن بالتأكيد لم يكن أمرًا يستدعي هذا القلق.”
وبحسب نصيحة أركاندوس، تجنّبتُ والتر ما استطعت. ولحسن الحظ، صار لدينا معلّم صف آخر هذا العام.
كان البروفيسور جورج يراقبنا، ثم وقف وقال:
“تحدّثا معًا، سأترككما وحدكما.”
وحين ابتعد، التفت إليّ أركاندوس:
“كتب جورج في رسالته أنكِ ستموتين قريبًا.”
شهقتُ غير مصدّقة.
لا، جورج… لا بد أنه بالغ! لو كنت مكانك لجئتُ مهرولًا أيضًا.
مدّ يده يبعد خصلة عن وجهي، وتفحّصني مليًّا.
“تبدين بخير، لكن…”
توقف. لا بد أنه قرأ الحزن في عيني.
ثم عانقني بصمت وربّت على ظهري.
تمامًا كما كان يفعل دائمًا. حين كانت أمي تؤنبني.
حين كنتُ أغضب منها. حين فشلت وصفتي.
حتى بعد موت والديّ.
كان دائمًا يربّت على ظهري. وكان ذلك يطمئنني.
ولعلّ بكائي أمام جورج قبل أيام جعلني أفرغ دموعي، فلم أبكِ الآن.
لكن شعرتُ بالراحة، وكأنني وجدت من أعتمد عليه مجددًا.
وبعد أن ابتعد قليلًا، بدا وكأنه يفكر بعمق، ثم حسم أمره:
“لين، لماذا لا تأتين معي؟”
“معك؟”
اقتراح لم يخطر لي يومًا.
“لا أعدك برفاهية حياة القصر. أعيش منعزلًا في أعماق الغابة.”
رمشتُ بدهشة.
كنتُ قد طلبت من عمّتي أن تبحث عنه لأردّ له فضله، ولم نعثر عليه مرارًا.
والآن عرفت السبب—لم يكن في قرية، بل في الغابة.
“لكن أضمن لكِ الأمان.”
الأمان… النفسي والجسدي. وهو ما كنتُ في أمسّ الحاجة إليه الآن.
“أنتِ تحبين الأعشاب، لذا قد لا يكون سيئًا أن تعيشي وسط كل هذا الخضار.”
ترددتُ. لو تبعته، فلن يجرحني أحد بعد الآن.
حتى رِكس بيغونيا سيجد صعوبة في الوصول إليّ وسط الغابة.
وسأجد الأعشاب التي أحبها، وأبحث فيها.
لكن…
لم أستطع أن أُثقل حياة أركاندوس بمصيري. ولم أُرِد أن أترك ملاذًا عند آل الكونت.
لو لم يكن الكونت ضعيفًا أمام ركس بيغونيا منذ البداية، لما هربتُ إلى الأكاديمية.
ركس بيغونيا… لا بد أنه مرتاح الآن.
يعرف أنني حين أتخرج، لن أجد مكانًا آخر أفرّ إليه.
وإن فعلت، سيقطع كل خيط يصلني بالكونت، حتى أعود له من جديد.
“آسفة… أشكرك على عرضك، لكن لا أستطيع.”
عندها قال أركاندوس وكأنه يحكي قصة شخصية:
“لين. تعلمين أن والديّ ماتا باكرًا. قطعتُ صداقاتي كلها، وأعيش وحيدًا الآن.”
حتى في الماضي لم ينسجم مع أحد غيري.
“وهذا يعني أنه لم يبقَ لي أحد أشاركه حياتي غيرك.”
ابتسم بمكر وخفّض صوته كأنه يكشف سرًا:
“لن أقول هذا أمام جورج، لكن في الحقيقة… ليس مهمًا جدًا بالنسبة لي.”
قالها مازحًا، لكنني أدركت أنه جاد. واضح من قطيعته الحادة معه بعد لقائه بوالتر.
“كنتِ دائمًا طيبة…”
ربّت على شعري، ولم أستطع أن أعرف إن كان سعيدًا أم حزينًا.
“في ذلك اليوم أقسمتُ أن لا أمنح قلبي لأحد، وأنتِ جعلتني أنقض عهدي…”
كان يقصد اليوم الذي خاصم فيه والتر.
“بما أنكِ لن تتبعيني، سأترك لك نصيحة. اعتبريها إلحاحًا مني:
لا تثقي بأحد سوى نفسك. اشكّي، وراجعي، وأعيدي النظر.”
…ليتك قلتها لي أبكر.
لكن ربما لم يكن ذلك ليغيّر شيئًا. فالناس لا يتغيرون بسهولة.
رغم أفكاري السوداوية، أومأتُ.
إن كان يطمئنه ذلك، فسأفعل أي شيء.
“سأضعها في اعتباري.”
🍃
“وششش—”
خدش شيء نافذة الغرفة.
نهضتُ وفتحتها مألوفةً الصوت، فانقضّ “دوبي” مرفرفًا بجناحيه كأنه كان ينتظرني.
“كروو!”
للحظة كاد وزنه أن يطيح بي، لكنني تماسكت، ورحبت به بابتسامة ضعيفة.
“هاي، دوبي!”
كنت أحاول تدريبه ألا يزور السكن، فقد كبر كثيرًا.
لكن منذ أن انتقلت جاين إلى غرفة أخرى، صار المكان فارغًا جدًا.
ذلك الفراغ العريض…
فحين يزورني دوبي، لا أستطيع رفضه.
وبينما أُخرج له بعض الطعام كتحلية، لمحتُ رزمة زهور “الياسمين البري” في الزاوية.
بضعة أيام إضافية، وسيصير عددها ثلاثين.
مرّ شهر تقريبًا، ولم تذبُل أي زهرة. ظننتُ أن الربيع أنقذها.
وفكرت: حين تذبل، سينتهي اعتذارك. وسأنتهي منك.
لكنني أدركت أنني كنت مخطئة.
إنها محمية بسحر الحفظ.
هو ساحر بارع، ستدوم طويلًا.
غرقتُ في التفكير وأنا أحدق بالزهور، حتى أفاقني طرقٌ على النافذة.
دوبي كان في الداخل، فاقتربتُ ببطء نحو الزجاج لأرى ماذا يحدث.
روحٌ صغيرة خضراء ضحكت وقدّمت لي رسالة.
كان كون.
شعرت بمرارة—ليس من كارسن.
شكرت الروح، فاختفت ما إن أنجزت مهمتها.
تساءلتُ: ما الذي حدث مع كون مؤخرًا؟
فهو يشيح بوجهه ويتجنّبني كلما رآني منذ مهرجان الأكاديمية.
<لماذا لا تزورين ناديَّ غدًا؟
ملاحظة: سألتُ الأعضاء ووافقوا بسرور.>
رسالة غريبة، ملاحظتها أطول من نصها.
لكنني قررتُ قبول الدعوة. فالتغيب المستمر عن النادي جعل أيامي فارغة جدًا.
“لن يكون سيئًا أن أزوره مرة… كنت أتساءل عن نشاط ناديه أصلًا…”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات