أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لقاؤنا وافتراقنا كانا سريعَين.
لم تزل الابتسامة مرسومة على وجهها حتى النهاية، ثم استدارت ومضت في طريقها.
سرتُ بحذر، وأنا أتشبّث بالكيس الذي أعادتْه لي.
استغرقني وقت طويل حتى عدتُ إلى غرفة النادي، ربما لأنني كنتُ أتجنّب إرهاين وركس بيغونيا خشية أن أصادفهما.
إن عدتُ مباشرة إلى السكن وبقيتُ فيه لبقية اليوم، فلن ألتقي بهما.
لكن…
— «إذن، في فترة بعد الظهر، هل تريدين أن تأتي معي لنرى الأندية الأخرى؟»
— «سأراك لاحقاً، إذن.»
كنتُ قد خططت لموعد مع كارسون. كان وعداً من طرف واحد، لكن لم أستطع أن أنقضه بسهولة.
واصلتُ ترديده في رأسي كنوع من التنويم الذاتي:
«لا تخافي. لا داعي للخوف…»
قد يجدني إرهاين وركس بيغونيا، لكن يجب ألا يحدث ذلك.
“سأطلب من كارسون أن يلقي تعويذة لتغيير ملامحي.”
وصلتُ بأمان إلى غرفة النادي، لكن وجدتُ المزيد من الناس متجمعين بالخارج.
دفعتُ نفسي وسط الحشد حتى وصلت إلى المدخل، وهناك رأيت وجهاً مألوفاً.
“كون؟”
التفت ببطء نحوي.
“آه. إنها أنتِ، لين.”
“لماذا أنت هنا؟”
أمال كون رأسه في حيرة: “ألستُ أشارك في فعالية ينظّمها ناديكِ؟”
لم أتوقع مجيئه، لكن عندما فكرتُ بالأمر، لم لا؟ هناك طابور طويل ولدينا المال، فلا مشكلة.
“لكن هل أنت متأكد من ذلك؟ أعتقد أنك قد تفضّل عدم خوض هذه التجربة.”
“هل هناك سبب آخر؟”
نظرتُ حولي واقتربتُ منه لأهمس في أذنه وكأنني أطلعه على سر.
“أتعلم أن كاون يُلقي تعاويذ أوهام على الجميع هنا، صحيح؟”
أومأ، متيبساً قليلاً من اقترابي المفاجئ.
“في الواقع، هو المتحكّم في السحر أيضاً. لكن هل تعتقد أن كاون سيبقى هادئاً إن علم أنك أنت؟”
ابتسمتُ ابتسامة جانبية وتراجعتُ خطوة عنه. عندها غيّر موقفه وخرج من الطابور.
“شكراً على النصيحة.”
“على الرحب.”
“بما أن ناديك هو الذي يديره، ظننت أنه عليّ تجربته، لكن كاد الأمر أن يكلّفني حياتي.”
“حياة…؟”
أخرجتُ شطيرة من حقيبتي وناولته إياها. كنتُ قد اشتريتُ عدداً كافياً ليكون له نصيب.
“هيه، كون. إن كنتَ جائعاً، هل تريد شطيرة؟”
حدّق فيها لحظة، ثم أخذها.
“لستُ جائعاً، لكن بما أن لين أعطتني إياها، فسآخذها.”
فكّ الغلاف فوراً ورفعها إلى فمه. بدت عليه لحظة تردّد، ثم عضّ منها.
وبينما يمضغ، قال متعجباً: “هل لين تحب هذا النوع من النكهة؟”
“لماذا تسأل؟ هل هي فاسدة؟”
“لا. ليست فاسدة، لكن…”
قطّب جبينه وأردف: “ليست على ذوقي، أظنني أفضّل الشطيرة العادية.”
نظرتُ إلى مقطعها العرضي. لم تكن سوى شطيرة عادية بمكونات أساسية.
“ماذا تقول؟ ما أكلتَه للتو هو شطيرة عادية تماماً.”
“…لا أفهم. أليست الشطيرة الطبيعية هي مثل تلك التي صنعتِها لي من قبل؟”
هذا كان سخيفاً.
“تلك كانت مع صلصة خاصة ورثتُها عن والدي.”
ارتبك كون وكأنه يحاول استرجاع ذكرى محرجة.
“لم أقصد أن شطائرك لم تكن جيدة. بل على العكس، ليست عادية، بل لذيذة، وهذا يعني…”
لوّحتُ بيدي مقاطعة: “حسناً، حسناً، لا داعي لتبرير الأمر.”
“…أنا لا أكذب!”
“أجل، فهمت.”
توسعت حدقتا عينيه بتوتر.
ثم سمع صوتاً مألوفاً قادماً من الخلف:
“يا لورد كون، ها أنت ذا. لقد بحثت عنك طويلاً.”
“…العرّاب؟”
اقترب صاحب الصوت، ومع اقترابه، اتضحت ملامحه.
لدهشة كون، كان الرجل الذي يناديه بالعرّاب هو الجد الذي قابلتُه أنا صباحاً وساعدته في الكثير من الأمور.
“لم أتوقع أن ترافقني كل هذا الطريق.”
“هيهي، في الواقع، لا أصدق أنني هنا أيضاً.”
اتسعت عيناي بدهشة. الفتى الذي قال الجد إنه ربّاه كحفيد… هو كون؟
“جدّي؟”
تفاجأ برؤيتي، وتوقف في مكانه يحدّق بي.
“هل أنتِ…؟”
سأل كون وهو ينظر بيننا في ارتباك: “هل تعرفان بعضكما؟”
“إن كنا معارف، فهل نستطيع القول إننا نعرف… بعضنا؟”
الإجابة الغامضة أربكت كون. لكن الجد تدارك الموقف وقال:
“التقيت بهذه الفتاة صباحاً. وقد ساعدتني كثيراً.”
بمجرد سماعه كلمة مساعدة، أومأ كون متفهماً.
“أرى، إذن لين هي…”
ثم تابع الجد: “لكن يا لورد كون، كيف لك أن تكون مع هذه الفتاة؟”
“ربما يجدر بي أن أقدّم تعارفاً سريعاً.”
وقف كون بيننا وبدأ بالتعريف.
“هذا عرّابي. وهذه هي التي صنعت العلاج لفرط التعرّق والوهن لدي.”
“هاه، هي من فعلت ذلك…؟”
“أجل. إنها صاحبة فضل عليّ.”
ثم نظر إليّ:
“لين، هذا هو عرّابي. هو الذي ربّاني مكان والدي المنشغل ووالدتي التي عادت إلى الغابة.”
عرّاب الأمير كون. لم يكن رجلاً عادياً. بدا مهيباً ذا وقار.
قلتُ: “لم أكن أعلم أن الطفل الذي ربّيته كحفيدي هو كون.”
“…ولم أظن أن من شفته من مرضه هي أنتِ.”
الوضع بدا غريباً.
أنا أتحدث مع كون بغير تكلّف، ومع الجد بكل احترام.
لكن الجد لم ينزعج من أسلوبي مع كون.
قال كون: “على أي حال، لقد جئتَ في الوقت المناسب، يا عرّاب.”
رفع الجد حاجبه: “ماذا تعني بالمناسب؟ هل حدث شيء أثناء غيابي؟”
هز كون رأسه ومد له الشطيرة التي كان قد عضّ منها.
“لا شيء مهم. لكن، إن لم تمانع، هل تتذوق هذه الشطيرة؟”
تجمدتُ بتوتر من طلبه.
يا له من أسلوب للإثبات…
“بكل سرور.”
أخذ الجد الشطيرة دون أن ينزعج من آثار قضمات كون، وقضم منها.
سأله كون: “كيف تجدها؟”
انتظرنا حتى انتهى من المضغ، ثم قال بهدوء: “إنها شطيرة عادية.”
في اللحظة التي نطق فيها بالحكم، تبادل كون وأنا النظرات.
“…ماذا؟”
“انظر. حتى جدّك يقول إنها عادية.”
قطّب كون حاجبيه بإحباط حقيقي.
“لكن تلك الشطائر التي كان جدي يحضرها دائماً إلى الجبال…”
تركتُ عذره يمر من أذن إلى أخرى، ثم تذكرت فجأة.
…أوه، صحيح. وقت النوبة!
“يا إلهي، كون. أظن أنني تأخرت عن نوبتي، لذا يجب أن نودّع هنا.”
“ماذا؟ آه، حان وقت نوبتك مع فيورد.”
“نعم. أنا متأخرة أصلاً هذا الصباح، لذا عليّ الإسراع. وبالمناسبة، ألا يجدر بك أن تستعد الآن للآنسة أرينا؟”
“لستُ مستعداً لذلك بعد.”
“حسناً، ستجد طريقة لتنظيم وقتك.”
ثم تذكرت جين وحماسها الجامح صباحاً.
“…لكن، ألم تكن جين هي من وافقت على أن تجهّزك هذه المرة؟”
“صحيح.”
“أوه… فقط للتنبيه، إن تأخرتَ عن مكان التحضير، قد تثور جين.”
ارتجف كون: “…سآخذ ذلك بعين الاعتبار.”
ابتسمتُ بخبث وحيّيته بيدي.
“إذاً سأذهب. استمتع بالمهرجان الأكاديمي، جدّي.”
🍃
كارِس كان يتابع لين وهي تركض بعيداً.
ظلّت خطواتها عالقة في عينيه.
نظر إلى القارورة الفارغة من مسكّن الألم التي أعطته إياها صباحاً بعد افتراقهما.
“يا عرّاب.”
رفع بصره قليلاً عند نداء كون.
“نعم، تكلّم.”
“…هل أنت متأكد أن هذه الشطيرة عادية الطعم؟”
“أما زلتَ عند هذا؟ لقد أجبتك.”
“إذن، ماذا عن تلك الشطائر التي كنتَ تصنعها لي دائماً؟”
“يا أمير، تلك شطائر بصلصة خاصة طوّرتُها بنفسي في شبابي. فلا يمكن اعتبارها عادية.”
كون، بصفته أميراً، لم يتذوق الكثير من الشطائر البسيطة.
فالوحيدة التي أكلها كانت من صنع كارِس بيده.
“لكن الشطيرة التي صنعتها لين لي مؤخراً كانت بطعم شطائرك تماماً.”
تلون وجه كارِس باحمرار نادر، مرتبكاً.
“ماذا؟ هذا مستحيل…”
“على ما أظن، لين قالت إنها صلصة خاصة تعلّمتها من والدها. فهل لم تكن من اختراعك، بل وصفة مشهورة؟”
“انتظر، ماذا قلتَ للتو؟”
خفض كون صوته متفاجئاً من رد فعل عرّابه العنيف:
“…سألتُ إن لم تكن وصفة مشهورة.”
“قبل ذلك.”
“تعني قول لين إنها صلصة خاصة من والدها؟”
“صلصة خاصة…”
شعر كارِس وكأن صاعقة اخترقت جسده.
ذلك السر لم يشاركه مع أحد سوى ابنه الحبيب.
شعر أسود نادر وعيون سوداء.
نفس مهنة العشّاب التي مارستها المرأة التي أحضرها إلى بيته. وهي تعرف سر الصلصة الذي لم يُبح به لأحد.
كل ذلك يشير إلى حقيقة واحدة، وكأنها كذبة.
وبالتفكير في عمر لين، تزامن تماماً مع الفترة التي رحل فيها ابنه عن كنفه.
ربما، فقط ربما…
هذه فرصته الأخيرة ليكفّر عن أخطاء ماضيه المليء بالندم.
كان بحاجة إلى تأكيد ليعرف إن كانت لين حفيدته. إن التقاها وسألها عن والديها، فسيعرف بسهولة.
تسارعت دقات قلبه مع بزوغ أمل العثور على أثر لابنه بعد عقود.
“يا عرّاب؟”
ناداه كون، شاعراً أن شيئاً ما ليس على ما يرام.
لكن كارِس لم يستطع أن يقاوم طويلاً، غارقاً في أمل استعادة ما فقده.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 75"